الفصل ١١٧ : ‏Do Your Best to Regret

{ قديسة، لم يعلم أحد بوجودها }


" أأ، أي هراء هذا … ! "

صاحت الأميرة وهي تحرك جسدها المتصلب بيأس .

" أوليڤيا مادلين، أوليڤيا مادلين"، فوق الصدى الذي كان ينتشر، علا صوت الأميرة :

" أخرجوا هذه المرأة حالاً ! قبل أن تنطق بالمزيد من الهراء ! "

هرعت البارونة سوفرون و وضعت يدها على فم ماريا إثيل، و سحبتها إلى الباب. سارع الخدم و فتحوا الباب ليساعدوها .

" مم، مم … ! "

سمعت الأميرة الصوت المكتوم وهو يبتعد، فشدّت على قدميها و حاولت أن تستعيد رباطة جأشها . كان عليها أن تُصلح الوضع بأي طريقة .

مئات الأعين كانت تحدّق فيها بارتياب، كما لو أنهم يشكون في أميرتهم . تمسكت الأميرة بيديها المرتجفتين بصعوبة، و أحنت رأسها نحو الإمبراطور.

" … أعتذر، إنه لمشهد سيئ أن يظهر في لحظة قدوم جلالتيكما."

" كـح … ! "

سعل الإمبراطور. كان الانزعاج واضحًا على وجهه، لكنه لم يقل شيئًا آخر . بعد أن نجت الأميرة من فقدان آخر فرصة لها، استدارت نحو النبلاء وقالت :

" يبدو أن الآنسة إثيل تمر بظروف صعبة متتالية، مما جعلها غير مستقرة عقليًا."

بين الوجوه التي كانت بين مصدقة و مكذبة، كانت عينا الدوق الأكبر تلمعان بابتسامة غريبة. ورغم هذا التعبير الذي لا يبعث على الاطمئنان، واصلت الأميرة الكلام بلا اكتراث :

" هذا الهراء الذي لا أساس له من الصحة من الآنسة إثيل … "

" آآآه … ! "

فجأة، انطلق صراخ. التفتت كل الأنظار التي كانت موجهة إلى الأميرة نحو الباب .

" يا إلهي …! "

غطّت إحدى السيدات فمها و كتمت صرخة وهي ترتجف .

" … كاذبة ! كل ما تقوله الأميرة كذب ! وإلا فكيف كنت سأُقيم حفل خطوبتي في المأدبة … ! "

كانت ماريا إثيل ذات الوجه الشاحب و فمها الملطخ بالدماء تصرخ، بينما كانت البارونة سوفرون تسارع لتغطي فمها مجددًا بيدها التي كانت تنزف .

عبر الباب المفتوح، تردد صوتها في الممر .

عينا ماريا إثيل الزرقاوان كانتا مرعبتين، فمجرد التقاء النظرات بهما كان كافيًا لإصابة المرء بالقشعريرة .

بينما كان فمها مغلقًا، أخذت ماريا إثيل تصدر أصواتًا مكتومة، ثم بدأت تضحك بصوت خافت .

عندما تم سحب ماريا إثيل التي كانت تضحك كما لو أنها لم تعد تهتم بأي شيء، و اختفى صوت إغلاق الباب ببطء، ساد القاعة صمتٌ لم يسبق له مثيل .

حدقت كل الأنظار المرعبة في الأميرة، و شعرت وكأن يدًا خفية تخنقها .

" هـ، هذا مستحيل ! بالتأكيد لن تصدقوا هذا الهراء، أليس كذلك ؟ "

صرخت الأميرة بعنف . كلما ارتفع صوتها، خفّ الضغط على صدرها. وفي الوقت نفسه، امتلأت بالغضب حتى احمرّت عيناها .

" قد لا يعرف الوفد هذا، ولكن كل النبلاء هنا يعرفون ! كل من في هذا المكان يعلم ما فعلته من أجل الإمبراطورية ! "

كيف لهم أن ينظروا إليّ بمثل هذه العيون ؟

" صحيح، العام الماضي ! العام الماضي أثناء المجاعة ! "

نظرت الأميرة إلى النبلاء وكأنها تطلب منهم التأكيد. عند ذكر كلمة "المجاعة"، تغيرت نظرة النبلاء قليلاً .

" ألا تتذكرون جميعًا كيف قمت بإنقاذ أرض ريتايل من المجاعة في العام الماضي ؟ "

كان ذلك حدثًا أشبه بالمعجزة، فقد أنقذت عشرات الآلاف من الفقراء من الموت جوعًا . وفي الوقت نفسه، كان هذا إنجازًا مثاليًا رفعها من مجرد "زهرة الإمبراطورية" إلى "القديسة".

" هذا صحيح، الأميرة أنقذت عشرات الآلاف من الأشخاص … "

" لكن، ربما تكون تلك القصة أيضًا … من إنجاز الأميرة مادلين ؟ "

" أووش، لا نعرف الحقيقة بعد."

تأرجح النبلاء بين الشك و اليقين بسبب قصة المجاعة. كان ظهر الأميرة يتصبب عرقًا، لكنها أخفت توترها و تظاهرت بالثقة وهي تحدّق في النبلاء .

كانت تفضل الموت على أن يعرف الناس أن كل إنجازاتها كانت في الحقيقة من إنجاز أوليڤيا مادلين .

" لا تقلقي، يا سمو الأميرة، أنا شخص يعرف معنى الوفاء."

أوليڤيا مادلين وعدتها بأنها لن تخبر أحدًا .

' بما أنها تحدثت عن الوفاء، فمن المؤكد أنها تخلصت من السجلات، لذلك، لا يوجد أحد ليثبت أن هذا الإنجاز ليس لي … '

" هذا مستحيل."

نزل صوت رائع على قاعة المأدبة، صوتٌ كفيل بإصابة الأذن بالقشعريرة .

تقدم الدوق الأكبر ڤيكاندر ببطء أمام الجميع، وهو الرجل الذي يفرض حضوره بمجرد صوته .

التقت عيناه بعيني الأميرة، وفي الوقت نفسه، ابتسمت عيناه الحمراوان بطريقة تهديدية .

" في مجاعة العام الماضي، ألم تكوني في المزاد السري تحت الأرض، يا سمو الأميرة ؟ "

' كيف لهذا الرجل أن يعرف شيئًا لا يعرفه أحد … ! '

وكأن الدوق الأكبر ڤيكاندر قد تذكر شيئًا، أضاف بلطف : " لقد أنفقتِ مبلغًا كبيرًا للحصول على قلادة لوكارل."

" … يـ، يا له من اتهام كاذب ! أيها الدوق الأكبر، حتى لو كنتَ بطل حرب، لا يمكنك إهانتي هكذا."

تحدثت الأميرة بهدوء. لم تكن تعرف من أين أتى بهذه المعلومات، ولكن لم يكن لديه أي دليل .

كل شيء في المزاد السري كان محاطًا بالسرية . كان من المستحيل حتى على الإمبراطور أن يكشف حقيقة هذا المزاد، لكن ثقته بنفسه، و ابتسامة شفتيه الحمراوين، و بريق عينيه الغريب، كل هذا خنق أنفاس الأميرة .

" هل تظنين أنني سأتكلم بدون دليل ؟ "

" أي دليـ … !!! "

اتسعت عينا الأميرة فجأة. في تلك اللحظة، صرخت الأميرة الشاحبة، التي كانت تكاد لا تتنفس، صرخة مكتومة :

" هل يعقل أن أوليڤيا، تلك الحقيرة، احتفظت بدفتر الحسابات، آآه … ! "

خنق الدوق الأكبر أنفاس الأميرة بنظرة حادة كالخنجر. فقدت الأميرة كبريائها و راحت تتحسس عنقها .

" أيها الدوق الأكبر ! ما هذا الذي تفعله ؟! "

بدا صوت الإمبراطور بعيد. شعرت الأميرة وكأنها لن تستطيع أبدًا أن تهرب من نية القتل في عينيه الحمراوين .

" … أعتذر، يا جلالة الإمبراطور، لقد شعرت بالغضب."

بعد هذا الصوت الجاف تمامًا، تلاشت نية القتل المروعة. نظرت الأميرة إلى الدوق الأكبر عبر رؤيتها الضبابية من الدموع .

كلما وضح المشهد أمام عينيها، كلما اتضحت ملامح الدوق الأكبر أكثر. كان الرجل الخالي من أي تعبير ينظر إليها بوجه هادئ و مخيف .

' لا، أرجوك … ! '

توسلت غرائز الأميرة إلى الدوق الأكبر، لكنها لم تستطع منع شفتيه الحمراوين من الكلام .

" … لأنني علمتُ بوجود دفتر الحسابات للتو، وذلك لأن سمو الأميرة ذكرت ذلك 'بنفسها'."

الصمت الذي كان يملأ القاعة انفجر فجأة .

" إذن، هل حقًا كل إنجازات الأميرة حتى الآن كانت من إنجاز الأميرة مادلين … ! "

" لقد كانت تهتم دائمًا بحفلات الصيف، و الآن فقط أفهم لماذا سُمح لماريا إثيل بالتدخل في هذه المأدبة التي غابت عنه الأميرة مادلين ! "

" وماذا عن كلام الفيكونت كاتانغا عندما قال إنها لم تذهب إلى إقطاعية ڤيكاندر ؟ "

السخرية، و الاستهزاء، و اللوم . هزت الأميرة رأسها ببطء و نظرت حولها .

" … لا، لا، هذا مجرد حلم مزعج."

كان صوتها المتمتم يرتجف. شعرت ببرودة على ظهرها المبلل بالعرق، و فقدت الأميرة هدوءها و نظرت على عجل إلى النبلاء من حولها .

النبلاء الذين التقت عينيها بهم كانوا يتجنبون النظر، و رفيقاتها كانوا قد ابتعدوا عنها. حتى الفرسان الذين كانوا يظهرون لها الحب المخلص في كل مرة يروها، كانت وجوههم متجمدة .

كل الدعامات التي كانت تسندها كانت تنهار . وفي هذا الموقف الذي كاد يودي بحياتها، نظرت الأميرة إلى الإمبراطور .

لم يبقى لها سوى الإمبراطور. ركضت الأميرة نحو الإمبراطور بخطوات متأرجحة وكادت تسقط .

" أبـ، أبي … ! "

" … يبدو أن هذا اليوم ليس مناسبًا لإقامة حفل شاي."

تجاوزت نظرة الإمبراطور الأميرة … و دُمرت آخر آمالها .

بينما كانت شفتاها ترتعشان، سمعت بوضوح كلمات الإمبراطور الأنيقة : " إنه لأمر مؤسف أن يغادر الوفد هكذا، سأجهز مأدبة فخمة لتوديعهم، يبدو أنكم تحتاجون لبعض التحضير، فما رأيكم أن يعود كل منكم إلى مكان إقامته ليقضي بعض الوقت في التجهيز ؟ "

" نعم، يا جلالة الإمبراطور."

أجاب الدوق كيوال باحترام على هذا الأمر الصارم بالرحيل، وكأنه كان مستعدًا للانسحاب مبكرًا، و أومأ إلى جميع أفراد الوفد .

نظر الوفد إلى الأميرة بأسف، ثم بدأوا يغادرون وكأنهم لا يملكون خيارًا آخر. عند رؤية ذلك، أطلق الإمبراطور نفسًا قصيرًا وأضاف :

" سأغادر أنا أيضًا لبعض الوقت من أجل المأدبة، يا ولي العهد، ابقى هنا ورتب الأمور."

" حسنًا، يا جلالة الإمبراطور."

في هذه الكلمات، لم يكن هناك أي اهتمام بسلامة الأميرة . بينما كان الجميع يحيّون الإمبراطور المغادر، لم تستطع الأميرة أن تحرك جسدها المتجمد .

المأساة التي كشفت كل شيء دون زيادة أو نقصان، اليأس من تجاهل والدها لها، و الإهانة من كونها أصبحت موضع سخرية. كل شيء اجتمع معًا و جرّ الأميرة إلى القاع .

" يبدو أن جلالة الإمبراطور مشغول حقًا، يا سمو الأميرة."

في هذه اللحظة التي لم يتحدث فيها أحد، كان الصوت الوحيد الذي سُمع هو صوت الدوق الأكبر . في الوقت نفسه، رفعت الأميرة رأسها بسرعة. هذا المشهد المألوف كان بالتأكيد نفس ما قالته هي سابقًا .

" يبدو أن الدوق مشغول حقًا، أيتها الأميرة مادلين."

يبدو أن الأميرة لم تكن الوحيدة التي تذكرت تلك الكلمات. فقد سُمع صوت ضحكة خفيفة من مكان ما، وأضاف شخص ما :

" سمو الأميرة قالت نفس الشيء للأميرة مادلين في وقت مضى … "

لا ……

هزت الأميرة رأسها . كانت هي الوريثة الشرعية للإمبراطور. كانت أميرة نبيلة، و مكانتها عالية جدًا. لم تستطع أن تقبل أن وضعها يقارَن بوضع أوليڤيا مادلين .

' لكن …… '

حدقت الأميرة في الباب المغلق. الإمبراطور خرج من هذا الباب، و انتهت آخر فرصة لها هكذا. لم تحمها والدتها، ولم يقترب منها شقيقها .

' إذا كان الأمر كذلك، فما هو الفرق بيني وبين أوليڤيا مادلين التي لطالما احتقرتها ؟ '

— الصورة التوضيحية : هـنـا .

" … آه، هاهاهاها. "

حبس الجميع أنفاسهم. بدأت الضحكة الضعيفة تنتشر ببطء. وفي اللحظة التي تحولت فيها ضحكة الأميرة الخافتة إلى ضحكة عالية …

" سمو الأميرة ! "

مع صوت مرتفع، انهار جسد الأميرة النحيل .

نحو أقذر أرضية في قاعة المأدبة، التي يدوس عليها الجميع .

*

*

" … خذوا الأميرة إلى القصر."

" يا إلهي، سمو الأميرة ! "

احتضنت مربية الأميرة، التي كانت تضرب الأرض بقدميها، الأميرة و خرجت بها . وفي الوقت نفسه، خيّم الصمت مجددًا على قاعة المأدبة التي كانت مكتظة بنبلاء الإمبراطورية .

لقد وقعت فضيحة أمام الوفد، و انكشف أن إنجازات الأميرة كانت في الواقع من إنجازات الأميرة مادلين، و الإمبراطور تخلى عن الأميرة ضمنيًا .

في هذا الموقف، لمن يجب أن ينظر النبلاء ؟

في لحظة ما، اختفى الدوق إلكين، لكن النبلاء، الذين لم يلاحظوا ذلك، راحوا يتنقلون بنظرهم بين الدوق مادلين و ولي العهد و الدوق الأكبر ڤيكاندر .

بدأ صمت القاعة يتصدع مرة أخرى .

" أيها الدوق، لننتقل إلى مكان آخر."

بسبب أمر ولي العهد للدوق مادلين .

بدا ولي العهد وكأنه لا يهتم على الإطلاق بالأميرة التي غادرت. بدلاً من تهدئة النبلاء، لقد أعطى الدوق الأكبر فرصة للسيطرة على القاعة .

" … إذن، هل حقًا من قامت بإنقاذ أرض ريتايل كانت الأميرة مادلين ؟ "

بعد أن انفتحت الأبواب، لم يعد لدى النبلاء ما يخشونه. أخذوا يتحدثون بتفاجؤ و صدمة .

" يا إلهي، لقد شعرت بقشعريرة عندما سمعت عن مأدبة الصيف ! "

" منذ متى و الأميرة مادلين تقوم بعمل الأميرة ؟ "

" خطبتها لولي العهد كانت قبل إحدى عشرة سنة، هل يعقل ذلك ؟ "

" يا إلهي، الأميرة مادلين هي القديسة الحقيقية."

صمت النبلاء للحظة عندما قال أحدهم هذا الكلام بإعجاب، و اجتاحهم الارتباك مرة أخرى .

العيون الخضراء الوضيعة، الابنة غير الشرعية المولودة من علاقة غرامية، المرأة الساحرة التي تسببت في وفاة الدوقة .

لم يظهر أحد ما يفكر فيه، لكن الجميع كانوا يفكرون في نفس الشيء. المرأة التي عرفوها من الشائعات في المجتمع الراقي تختلف تمامًا عن حقيقة الأميرة مادلين .

عندما بدأ الصمت يثقل كاهلهم، تحدث أحدهم بصعوبة : " … لم يكن أحد يعلم."

" كانت قديسة."

نظر النبلاء تلقائيًا إلى مكان واحد .

هل كان الدوق الأكبر يعلم كل هذا و أخذ الأميرة مادلين معه ؟ هل هو لكي يحتكر كل هذا الثناء ؟ ما مدى فخره الآن ؟ أي نوع من السخرية سيوجهها لولي العهد ؟

لكن النبلاء الذين كانوا ينظرون إلى الدوق الأكبر بقلوب ترتجف، توقفوا فجأة … كان الأمر مختلفًا عما توقعوا .

الدوق الأكبر الذي ظنوا أنه سيتفاخر و يتحدث عن مديح آنسته كان ……

" ما رأيك، أيها الدوق ؟ "

كانت كلماته قاسية و باردة. سأل الدوق الأكبر وهو ينظر إلى الدوق مادلين بوجه لا يبتسم .

" هل أنت من ساعدت آنستي ؟ هل ساعدتها لتقوم بكل هذه الأمور التي تستحق أن تُلقب بالقديسة ؟ "

****************************

1 تعليقات

  1. غير معرف02 سبتمبر, 2025

    أخيرا انفضحت الاميرة الخايسة 😂

    ردحذف
إرسال تعليق
أحدث أقدم

اعلان