الفصل ١٧٥ : ‏Do Your Best to Regret

{ مكانه الصحيح، لا أكثر ولا أقل }


في غرفة استقبال الملك .

" نُحيي شمس ڤيكاندر، جلالة الملك."

استقبل الملك تحية الأمير والأميرة بوجه مُبتهج، وكان إلى جانبه وزراؤه و تابعيه بمن فيهم وينستر و بيثاني .

على شعر الأميرة الفضي المُضفر بشكلٍ جميل، لمع تاجٌ مُرصّعٌ بأحجارٍ كريمة، وتلألأ مسحوق الأحجار الكريمة المتناثر على حافة فستانها الفيروزي كضوء الشمس على الماء .

في وجه أوليڤيا الذي بدا عليه توتر أول مهمة لها كأميرة، ابتسم الملك بلطف وقال : " التاج يليق بكِ حقًا أيتها الأميرة."

احمر خدا أوليڤيا بلون الورد، وتبع ذلك صوتها الخجول : " لقد أهداه لي ولي العهد."

كان الملك يعلم جيدًا أن محيط حزام البارون ستون قد أصبح واسعًا بحلقة أخرى لإكمال تاج الأحجار السحرية. ابتسم الملك بود ونقل بصره إلى الأمير .

" حسنًا، أيها الأمير، هل …… "

في اللحظة التي نظر فيها إلى الأمير، نسي الملك كل ما كان ينوي قوله، سواء كانت تحية رسمية أو سؤالاً عن حاله .

وابتسم ضاحكًا : " … أعتقد أنك كنت بخير "

" بالطبع."

عند ضحكة الملك المذهولة وجواب الأمير الهادئ، عض الخدم الواقفون شفاههم أو قبضوا على قبضاتهم. كان عليهم أن يتمالكوا أنفسهم، لكن بدا أنهم لم يتمكنوا من كبت ضحكاتهم، فخرجت ضحكة خافتة تشبه النحيب من أحد الأطراف .

… ماذا ؟

نظرت أوليڤيا حولها بعيون متسعة بسبب الإحساس الغامض. همس إدوين الذي كان بجانبها بهدوء : " ماذا هناك ؟ "

" حسنًا …… "

في اللحظة التي بدأت فيها أوليڤيا الكلام وهي تنظر إلى إدوين شاردة الذهن، تذكرت فجأة. كان وجه إدوين الجميل اليوم لامعًا بشكل خاص. بدا وكأنه قطة تلقت الكثير من الحب .

كانت أوليڤيا على وشك الضحك وهي تدرك سبب ضحك الخدم .

" هل هناك شيء مضحك ؟ "

لكن بدلاً من الضحك، ابتلعت أوليڤيا ريقها . على عكس صوته اللطيف، كانت هناك أجواء غامضة تنبعث منه. كانت هيئته خاملة و مسترخية .

لقد نسيت ذلك، فقد كانت أوليڤيا هي من أغلقت أزرار سترته حتى رقبته و ربطت ربطة عنقه الحريرية المطرزة بالخيط الذهبي بدقة للسيطرة على هذه الأجواء هذا الصباح .

شعرت بالارتباك واحمرّ جسر أنفها. حدق إدوين في مظهرها بشراهة وكأنه سيلتهمها .

ضيَّق عينيه الساحرتين وابتسم بإشراق وقال :

— الصورة التوضيحية : هـنـا .

" لقد كنت بخير لدرجة أن وزني قد ازداد."

" … فهمت."

لا يعلم إن ازداد وزنه، ولكن من المؤكد أنه كان بخير، لذا ضحك الملك في ذهول .

ثم ذهب إدوين إلى أبعد من ذلك : " حتى أن الأميرة وضعت لي قناعًا للوجه أمس بنفسها."

قناع ! يبدو أنهما استمتعا بلعبة منزلية كاملة . أراد الملك أن يضحك بصوت عالي، لكنه بالكاد ابتسم .

كان هذا اختيارًا جيدًا، حيث أضافت أوليڤيا، المحرجة جدًا، كلمات قصيرة : " … بيثاني هي من أحضرت الزهور المسحوقة."

في تلك اللحظة، ارتسمت علامات التعجب على وجوه التابعين. تجاهلت أوليڤيا بأقصى جهدها أذنيها اللتين كانتا ساخنتين، وسارعت بتحويل الموضوع .

" هل حدث أي شيء غير عادي لجلالتك في هذه الأثناء ؟ "

كانت هذه جملة مقتضبة. كان الأمر متروكًا للملك لإبلاغ الزوجين، اللذين كانا منعزلين عن العالم لمدة أربعة أسابيع من الراحة، بأول أخبار عن الوضع .

على الرغم من أنه أراد تأجيل الأمر قدر الإمكان … إلا أن هناك أخبار سيئة يجب نقلها أحيانًا .

ابتلع الملك ابتسامة مريرة وأومأ برأسه. وكما لو كان ينتظر ذلك، أحضر سوبيل الصحيفة .

" … يبدو أن إمبراطورة الإمبراطورية ستُعزل."

مع صوت الملك، نظرت أوليڤيا إلى العنوان الرئيسي :

— حريق مفاجئ في قصر ولي العهد و عزل الإمبراطورة ؟

قرأت أوليڤيا المقال بعناية. وهي ترى تقريرًا عن محاولة الإمبراطورة قتل ولي العهد الفاشلة، وجملة تفيد بأن الأميرة، التي استُنفد مهرها، أرسلت وفودًا إلى الأمراء الأجانب الذين رفضت عرض زواجهم في الماضي، ثم تذكرت أوليڤيا فجأة صوت الدوق مادلين .

" … بقدر كافٍ، وأكثر، أعدك بذلك."

من المؤكد أنها انتظرت مثل هذا الخبر بفارغ الصبر منذ وقت ليس ببعيد. حتى قصر ولي العهد احترق. وعلى الرغم من أن انتقام الدوق مادلين كان أشد مما توقعت، لم يشعر قلبها بالاضطراب كثيرًا … لماذا ؟ لقد ظنت أنها ستشعر بالبهجة والرضا .

ابتلعت أوليڤيا شعورها الغريب و نظرت للعنوان، ثم ابتسمت ببراءة للملك .

" … إنه خبر كنت أنتظره، شكرًا لك يا صاحب الجلالة."

نظر الملك إلى أوليڤيا بوجه لا يمكن تفسيره، ثم ابتسم .

" خبر كنتِ تنتظرينه، هذا أمر جيد، على أي حال، هل حقًا أربعة أسابيع من الراحة كافية ؟ هل لا بأس إن لم ترتاحي أكثر ؟ "

" نعم، لديّ بعض الأشياء للقيام بها على الفور، ويمكن أن نذهب في رحلة للراحة بعد الانتهاء من نصف أعمال بناء القصر الملكي."

ابتسمت أوليڤيا بخجل. في تلك اللحظة، تقابلت نظرات الملك بنظرات هوارد خلفها، ثم قال مرة أخرى بأسلوب ضمني. هذه المرة كان موجهًا إلى إدوين .

" إذًا، هل ستعود اليوم إلى جدول أعمالك المعتاد ؟ "

" نعم، حسنًا …… "

على عكس أوليڤيا التي قالت إن لديها أشياء تفعلها، كان رد إدوين فاترًا، لكن هوارد لم يغفل حتى عن هذا الردّ المبهم .

" شكرًا لك يا سمو الأمير، لقد تراكمت لدينا الكثير من الأمور التي تحتاج إلى موافقتك خلال الأسابيع الأربعة الماضية."

ازدادت سرعة كلام هوارد الذي انحنى على الفور .

" لقد تم التعامل مع الأمور حتى الآن بفضل كرم جلالة الملك، ولكن سيكون شرفًا لا يضاهى إذا عاد سمو الأمير، الذي حصل على وقت للتزود بالطاقة من خلال الراحة، إلى العمل الآن."

" هذا صحيح، لابد أن الكثير من العمل قد تراكم خلال الغياب، أيها الأمير، اذهب وابدأ في عملك الآن."

" نشكر جلالة الملك على نعمته التي لا تنضب، يا سمو الأمير، سأقدم لك تقريرًا عن الوضع بمجرد ذهابك."

استمر الحديث، كما لو كان مشهدًا من مسرحية. أدرك إدوين ما حدث، لكن لم يكن أمامه خيار . لوح إدوين بكتفيه وكأنه لا مفر منه، ثم تنهد تنهيدة قصيرة تحت النظرات الشديدة من هوارد و بروك و وينستر، ثم قبّل ظهر يد أوليڤيا وغادر غرفة الاستقبال .

وكما لو كان في الوقت المناسب، اقترح سوبيل بصوت هادئ : " أيتها الأميرة، إذا كنتِ بخير، هل تودين تفقد موقع بناء القصر الملكي ؟ "

نظرت أوليڤيا بشكل انعكاسي إلى الملك. أومأ الملك برأسه وكأنه جدول أعمال معروف مسبقًا .

" يقال إن أولئك الذين أتوا مع المعالج أصبحوا ماهرين جدًا في المساعدة في العمل الآن، إنها خطتك أيتها الأميرة، لذا اذهبي وألقي نظرة، وارتدي ملابس دافئة."

ابتسمت أوليڤيا بابتسامة واسعة. لقد حان الوقت لكي تعود هي أيضًا إلى حياتها اليومية .

* * * * * * * * * * * * * * * * * *

تكسر بخار أنفاسها الأبيض في الهواء الصافي كأنه مرسوم بالدهان .

لم تشعر بالبرد، ربما بفضل القلادة السحرية أو العباءة الصوفية التي ألقت عليها بيثاني تعويذة .

أطلقت أوليڤيا تنهيدة إعجاب وهي تنظر إلى هيكل القصر الملكي الجديد. حتى من خلف الغابة التي تكسوها ألوان الشتاء النقية والباردة، بدا أن بناء القصر قد أحرز تقدماً مذهلاً .

" قال المهندس المعماري إن جميع سكان لوڤيل الذين ساعدوا في تقسيم المنطقة كانوا متعاونين للغاية، حتى أنهم أصبحوا أصدقاء مع الوافدين الجدد بسرعة أيضًا."

" كل ذلك بفضل روينا و دعم جلالة الملك و سمو الأميرة و ولي العهد أيضًا."

استدار جيرون ونظر حوله ببطء وهو يضيف إلى كلام ديان .

لم يستطع أن يصدق ما يراه مهما رأى. فسكان لوڤيل الذين أتوا معه من "المنزل" قد وجدوا جميعهم أماكنهم وبدأوا بالعمل بجد . حتى أنهم يكشفون عن عيونهم الخضراء التي كانوا يسارعون لإخفائها حتى الآن. شعر بأن عينيه قد رطبت، فهز رأسه على الفور .

" … وبالطبع، هذا بفضل السير سيزيلين هنا أيضًا."

أضاف جيرون وهو ينظر إلى ديان وكأنه لا يريد أن ينسى .

" سأصبح فارسًا مثل السير سيزيلين، ففي ڤيكاندر، يمكن لأي شخص أن يصبح فارسًا حتى لو كانت عيناه بلون أخضر فاتح."

ابتسم ديان، الذي أصبح قدوة للعديد من الأطفال، بخجل . في تلك اللحظة ……

" هل رأيت هذا ؟ يقولون إن الإمبراطور قد جُنّ ! "

نظرت أوليڤيا حولها على الفور. لم ترهن، لكن بدا أنهن نساء يأخذن استراحة خلف الأشجار الكثيفة. وسرعان ما سمعت صوت ضحك عالي .

" ما هذا ؟ إنها صحيفة رديئة تمامًا، يقولون إنها صحيفة يكتبها شخص غريب، هل تصدقين ذلك ؟ "

الإمبراطور قد جُنّ … ؟

حتى أوليڤيا، التي كانت متوترة للغاية، ابتسمت بذهول. بدت وكأنها صحيفة صفراء كانت تقرأها سالي عدة مرات في الماضي .

" لكن صحيح أن الإمبراطورة ستُعزل، وهناك أخبار عن الأميرة أيضًا، فمن يدري، في الواقع، كيف لا يجنّ الإمبراطور ؟ لقد تدهورت مكانة الإمبراطورية في الوحل."

انخفض صوتها وكأنها تخبر سرًا : " في الحقيقة، لقد دعوت على الإمبراطورية بالخراب منذ أن سمعت تلك القصة."

" أي قصة، قصة أن الإمبراطور نشر عمدًا شائعات كاذبة عن أصحاب العيون الخضراء ؟ "

في الإمبراطورية الآن، لا يوجد أحد لا يعرف أن أصحاب العيون الخضراء تعرضوا لمؤامرة ظالمة. وسرعان ما تحدث صوت آخر وكأنهم يشاركون نفس السر :

" في الحقيقة … أنا أيضًا فعلت ذلك، إذا كان هناك حاكم، ألا يجب أن يفعل شيئًا كهذا من أجل الأبرياء ؟ لتخرب الإمبراطورية، أتمنى لهم نهاية بائسة."

كان الصوت الذي حمله الهواء باردًا بشكل خاص. بينما كان ضحك النساء العالي، وكأنهن لم يكنّ جادات في الأمر أبداً، يهز أغصان الشجر، دوّى صوت عالٍ يعلن انتهاء وقت الراحة .

اختفى صوتهم بعد فترة، وعندها فقط، تمتم ديان الذي كان يحدق في الأشجار : " أنا أيضًا تمنيت ذلك … "

أوه … ابتسم ديان بحرج . هل كان هذا كلامًا وقحًا ليُقال أمام الأميرة التي تنحدر من سلالة الكهنة النبلاء ؟

بينما كان ديان يتجنب النظر بوجه مرتبك، فكرت أوليڤيا بعمق ونظرت إلى جيرون .

" ألم يخطر ببالك شيء كهذا يا جيرون ؟ "

" أنا … خادم روينا."

أومأت أوليڤيا بابتسامة لرد جيرون، ثم تمتمت ببطء : " … أعتقد أنني تمنيت ذلك."

اتسعت عينا ديان فجأة. اهتزت الأشجار الصنوبرية الحادة بفعل ريح الشتاء، لكن لم يهتز صوت الأميرة .

" … أن تُريهم روينا عقابًا، ألا يُحتمل أنها استجابت لتلك الأمنية ؟ "

كان الصوت الممزوج بالضحك لاذعًا بشكل خاص، و لمعت عيناها الخضراوان ببرود قاسٍ. شعر جيرون بالضياع للمرة الأولى منذ وصوله إلى ڤيكاندر، وتلعثم في الكلام .

" يا سمو الأميرة، لا يمكنكِ أن تتمني أمنيات لنفسكِ، حتى لو تمنيتِ أمنيات للآخرين، لكن ليس شيئًا يُشبه العقاب …… "

صمت جيرون فجأة. أمنية للآخرين … السير سيزيلين تمنى ذلك، والشخصان المجهولان تمنيا ذلك. تمنيا أن تنهار الإمبراطورية. ماذا لو أن الأميرة حققت أمنيات هؤلاء ؟

أستمر هبوب الرياح وسط الصمت. رفعت أوليڤيا زاوية فمها ببطء .

" إذا كان الأمر كذلك … فهل كان هذا هو مصيرهم ؟ "

وكأنها إشارة، طارت صحيفة وسقطت أمام أوليڤيا. التقطت أوليڤيا الصحيفة. إنها تلك الصحيفة التي يكتبها ذلك الصحفي. كُتبت مقالة مطولة عن العائلة ذات الشعر الذهبي والعيون بلون البحر .

مهما يفعل الإنسان، يعود إليه كالبوميرانغ . الكلمات التي تخرج من فمه تصبح لعنة تخنقه، والعمل الصالح الذي يقدمه يعود إليه كوجبة دافئة لاحقًا. وبنفس المنطق، إذا قام أحد بالافتراء على الآخرين وتهديدهم، بغض النظر عن مدى علو مكانته، فإنه سيعيش في قلق من أن يحدث له نفس الشيء، و سيشك في الآخرين طوال حياته .

توضيح : البوميرانغ هنا يعني بها الارتداد أو العودة، و تشير إلى أن كل فعل أو قول يصدر من الإنسان سيعود إليه حتمًا، تمامًا مثلما يعود البوميرانغ إلى الرامي .

نظرت أوليڤيا إلى الكلمات المكتوبة بخط عريض :

— الإمبراطور محكوم عليه بالعيش في قلق دائم ثم سيتنحى عن العرش .

— الإمبراطورة محكوم عليها بأذى ابنها بنفسها، ومحكوم عليها بالطرد من أسمى مكانة .

— ولي العهد محكوم عليه بالجنون بعد فقدان عقله، و يستهلكه الحب بعد فوات الأوان .

— الأميرة محكوم عليها بالعيش في فقر وحاجة بعد أن ازدَرَت من لا يملكون شيئًا .

قدر … تمتمت أوليڤيا في داخلها .

وفي الوقت نفسه، انبعث الصوت الخافت الذي عبر من أعماق ذاكرتها، ثم تحول إلى رماد واختفى .

" … لأنها ولدت من نسل وضيع، فستظل وضيعة متسولة، هذا قدرها."

عندها فقط، أدركت أوليڤيا لماذا لم تشعر بالارتياح أو الرضا في وقت سابق. لم يكن هذا شيئًا لتشعر تجاهه بالارتياح أو السعادة. لقد عاد كل شيء إلى مكانه الصحيح فقط .

" هذا يرضيني."

هذا كل شيء، فقد قيل لها إنها مختلفة منذ ولادتها. في النهاية، كل شيء سار وفقًا لمصير كل منهم .

" من حسن الحظ أنه ليس عقابًا بسبب الأمنيات."

غمزت أوليڤيا بعينها، ثم وضعت الصحيفة .

صفق ديان بيديه بقوة، و وجهه يغمره التأثر . بينما لم يتمكن جيرون من النطق بأي كلمة، طارت الصحيفة بعيدًا مع الرياح التي هبت في الوقت المناسب .

تمامًا كما انتشرت الشائعات التي تتحدث عن مصير العائلة الإمبراطورية بسرعة عبر القارة بأكملها .

****************************

*

إرسال تعليق (0)
أحدث أقدم

اعلان