في مكتب سمو الأمير .
بمجرد أن تذكر هوارد مكان وجود الوثائق المفقودة، توجه مباشرة إلى مكتب الأمير. ألقى الفرسان الذين كانوا يحرسون القصر الملكي التحية لهوارد مع كل خطوة .
كان مكتب الأمير يخضع لحراسة مشددة تتناسب مع شرف صاحبه، لكن منصب المساعد الأول كان استثناءً يسمح له بدخول المكتب حتى في غياب صاحبه، لكن بمجرد أن فتح باب المكتب كالمعتاد، شعر هوارد بالارتباك بشكل غير معهود .
كان المكتب مضاءً. وتحت هذا الضوء، كان الأمير الذي لا ينبغي أن يكون هنا ينظر إلى هوارد .
" لماذا أنت مندهش جدًا ؟ تجعلني أشعر بالحرج."
هز الأمير كتفيه وهو جالس ساق فوق الأخرى بأناقة. لم يبدي وجهه الضاحك الكسول أي حرج على الإطلاق، لكن هوارد لم يكلف نفسه عناء الإشارة إلى ذلك .
بدلاً من ذلك، حاول أن يفهم سبب بقاء الأمير، الذي أنهى عمله الإداري للتو، في المكتب . بمجرد سماعه خبر آلام عضلات الأميرة، قام الأمير بترتيب جميع التقارير بوضوح وغادر المكتب دون أن ينظر خلفه … لا يمكن أن يكون قد عاد الآن للقيام ببعض العمل الإضافي .
" أنا ممنوع من دخول غرفة النوم."
ابتسم إدوين بخفة واتكأ على الأريكة. ممنوع من دخول غرفة النوم ؟ ما الذي حدث بين هذين الاثنين اللذين يتفقان جيدًا ؟
بينما كان هوارد الخالي من التعبير يرمش عينيه وكأنه لا يصدق، أضاف إدوين بمرح : " هناك شائعة منتشرة في القصر، تقول إن الأميرة، التي اشتكت من آلام العضلات بسبب تدريبي، تخطط لانتقام رهيب."
" … انتظر وشاهد يا إدوين، درسي سيكون صارمًا جدًا أيضًا."
كان مصدر الكلمات التي أصبحت مصدر الشائعات هو تحية الصباح من أوليڤيا. أوليڤيا، التي اشتكت و تذمرت من آلام العضلات بعد دورتين في ساحة التدريب، أعلنت بصوت أنيق عن المستقبل القريب بمجرد أن استيقظت هذا الصباح .
لقد سمع "انتظر وشاهد" عددًا لا يحصى من المرات في حياته، ولكن لم يكن هناك أي شخص جعله يشعر بالقشعريرة كما فعلت أوليڤيا. لأن زوجته، التي كانت تظهر جرأة أكبر كلما تحداها، كانت تجعله دائمًا يشعر بالقلق في اللحظة الأخيرة .
ربما كانت ترسم صورة له من طفولته. ما هي الاستعدادات التي ربما كانت تُجريها، سوى إعداد حامل الرسم وفتح اللوحة ؟
لكن في اللحظة التي تذكر فيها هذا التحدي اللامع، امتلأ عقله بأوليڤيا بالكامل. بشرتها البيضاء، و وجهها الجميل والمحبوب، ولسانها الأحمر الذي يبرز قليلاً، و... آه، هذه مشكلة كبيرة إلى حد ما .
رفع إدوين زاوية فمه بهدوء. على الرغم من أن ما كان يجب عليه فعله الآن هو الاستعداد للدفاع، إلا أن قلبه كان مفتوحًا بالكامل.
بعد الركض لدورتين في ساحة التدريب، كان نهاية درسه هو التدليك بالزيوت .
ما هي نهاية درس الرسم الذي ستعطيه أوليڤيا ؟
عندما أصبحت ابتسامته على وجهه أعمق من المتعة بمجرد الانتظار .
— طرق، طرق .
في تلك اللحظة، نظر إدوين إلى الباب. أصبحت عيناه الحمراوان اللتان تحدقان به أعمق لدرجة جعلت هوارد نفسه يرتعش. اعتقد هوارد أنها ربما تكون الأميرة، لكنه عندما فتح الباب، وجد هانا. بعد أن أدت هانا التحية، قالت ما في جعبتها .
" لقد طلبت سمو الأميرة إبلاغك بأنها أنهت جميع الاستعدادات."
ابتسم إدوين بخفة على مظهر الخادمة الشخصية الذي كان منتصرًا إلى حد ما. لم يكن يعرف ما هي الاستعدادات، لكن بدا أن شيئًا ممتعًا للغاية على وشك أن يحدث .
*
*
لكن عندما دخل إدوين غرفة النوم، نظر حول الغرفة بوجه غريب. من المؤكد أن أوليڤيا كانت ستعد كل شيء، لكن التغيير الوحيد كان مجرد وضع حامل رسم وبعض مستلزمات الرسم .
" هل أتيت يا إدوين ؟ "
نظر إدوين إلى أوليڤيا التي رحبت به، وضاقت عيناه وكأنه لا يصدق. على عكس فساتينها المعتادة البراقة والمزخرفة، كان الفستان الذي ترتديه أوليڤيا الآن، والذي يغطي كتفيها وعنقها بالكامل، شديد الاحتشام لدرجة أنه بدا مملاً للوهلة الأولى .
لم يكن الفستان هو الشيء الوحيد المختلف عن المعتاد. لم تكن ترتدي دبابيس أو قلائد، وكان شعرها مربوطًا بعقدة منخفضة دون أي زينة. كانت المجوهرات الوحيدة التي ترتديها هي أقراط اللؤلؤ الصغيرة على شحمة أذنيها. ومع ذلك، كانت فاتنة الجمال .
اقترب إدوين منها بابتسامة لطيفة : " تبدين كالمعلمة حقًا، يا سيدتي."
كان إدوين على وشك تقبيل خدها كعادته، لكنه مال برأسه عندما رأى أوليڤيا تدفعه بلطف. في تلك اللحظة، التوت عينا أوليڤيا بنعومة .
" صحيح يا إدوين."
" … ماذا تقصدين، بالضبط ؟ "
" القاعدة الأولى في درسي هي أن تناديني 'معلمتي'."
حبس إدوين أنفاسه للحظة وكأنه أصيب على حين غرة.
معلمتي ؟ يا إلهي، لماذا لم تخطر له مثل هذه الفكرة الرائعة من قبل ؟
" … لكم تمنيت لو أنني أجلت درسي لما بعد درس أوليڤيا."
أن يركز فقط على ركضها واحمرار خديها في هذه الفرصة الذهبية، لكن الوقت لا يعود للوراء مهما ندم متأخرًا . ابتسمت أوليڤيا بتهكم وهي تراه يتمتم بأسف .
" أوليڤيا ؟ يجب أن تقول 'معلمتي'."
نظرت أوليڤيا إلى إدوين وهي تخفي ابتسامتها الماكرة . نظرت إلى عيني إدوين الضيقتين، اللتين أدركتا الموقف الآن، وابتسمت بمهارة كمعلمة حقيقية .
بعد تدريب إدوين الممتع، ظلت طريحة الفراش ثلاثة أيام كاملة. تلقت تدليك من الأمير بالزيوت لتخفيف آلام العضلات الشديدة و جعلته يفعل ذلك بنظرة عينها فقط. لذا، كان هذا دورها الآن. كان الهدف هو الصورة للملاك الصغير، لكن العملية يجب أن تكون ممتعة ومغرية بقدر ما كانت ممتعة لها في المرة الأخيرة .
على الرغم من أنها ليست ماهرة مثل إدوين، لكنها أعدت الزيوت أيضًا حتى تتمكن من تدليك يديه المجهدتين من الإمساك بالأقلام. لقد سيطرت على الأجواء. لذا، حان الوقت لتوجيهه أثناء تعليمه الرسم، لكن في تلك اللحظة بالذات .
" … حسنًا، يا معلمتي."
كانت هناك نبرة غريبة في الكلمة التي نطقها بلسانه. عندئذٍ فقط، أدركت أوليڤيا مرة أخرى أن هذا الطالب المميز كان جميلاً جداً ولطيفاً بشكل مفرط .
يا إلهي، لكن مع بدء اللعبة بالفعل، لم يكن من المناسب لأوليڤيا أن تُظهر ضعفها أولاً. شرحت أوليڤيا بثبات طريقة رسم تخطيط الوجه، على الرغم من النظرة التي كانت تخترق خديها، ثم أشارت إلى اللوحة البيضاء في مكان آخر، متجنبة تلك النظرة الواضحة .
" ماذا تفعل ؟ ارسم."
" أنا أنظر إلى المعلمة."
لو كانت معلمة ماهرة، لكانت تجاهلت الأمر، لكن للأسف، لم تكن أوليڤيا معلمة ماهرة، وكانت ضعيفة أمام الوجه الجميل. وخاصة إذا كان هذا الشخص هو زوجها .
بينما كانت تحاول تجنب نظراته الكثيفة، بدأ طرف أذنيها يحمران تدريجيًا. كان جمال بشرتها البيضاء، مثل أقراط اللؤلؤ البيضاء، يزداد احمراراً .
أضاف إدوين بوقاحة : " ماذا لو تغير الهدف الذي أريد رسمه فجأة يا معلمتي ؟ "
" … أليس من الأفضل إنهاء الهدف المحدد أولاً ثم البدء بشيء جديد ؟ "
" ماذا لو كان الهدف الجديد جميلاً جداً لدرجة أنني لا أستطيع التركيز على الرسم الأصلي ؟ "
ضحكت أوليڤيا بصوت منخفض وكأنها لا تستطيع تصديق ذلك .
" يجب أن تركز."
" أين ؟ على اللوحة البيضاء التي لا يوجد فيها شيء ؟ أم …… "
أصبحت نظراته التي تتبعت خط فكها النحيف أكثر إلحاحًا. حاولت عيناه الحمراوان اللتان تحملان معنى غير لائق باستمرار الاتصال بعيني أوليڤيا .
" … أم على الأميرة الجميلة ؟ "
بينما تلون خد السيدة الرصينة باللون الوردي، تشابكت النظرات بينهما بشدة. قبل أن يقبل إدوين الوجه الذي انزلقت عليه نظراته، طلب الإذن بنبل لإنهاء هذه اللعبة الممتعة .
" عفوًا يا معلمتي، هل يمكنني أن أراكِ غدًا، وأن تعودي الليلة إلى سيدتي الجميلة ؟ "
احمرّ خد أوليڤيا للحظة عند هذا التعبير غير المباشر الذي يدل على أنه أحب هذه اللعبة جداً، لكنها وضعت أقلام التلوين جانباً بوجه أنيق وكأن شيئاً لم يحدث .
" إذاً، ارسمها كواجب منزلي يا إدوين."
*
*
كانت ليلة تخللها ضوء القمر .
نام الوجه الشاحب والمحموم من الإرهاق. نظر إدوين إليها بعينين رقيقتين، وابتسم بلطف فقط بعد أن انتظم تنفسها .
كان وجهها النائم هادئًا للغاية لدرجة أنه شعر بالضيق لسبب ما. نقر إدوين على أنفها الجميل. عندما خرج التذمر بنعاس عبر شفتيها الحمراوين، ربّت إدوين على ظهرها كالمعتاد وابتسم لا إرادياً .
كانت الأميرة بين ذراعيه بريئة وهادئة أكثر من أي لحظة أخرى في العالم، وكانت ثمينة للغاية لدرجة لا يجب لمسها .
إذا لم تكن هذه الجميلة ملاكًا … في تلك اللحظة، تجمد إدوين وكأن صاعقة ضربته .
بعد مرور بعض الوقت، كان من الطبيعي تمامًا أن ينهض إدوين ويحضر ورقة الرسم .
* * * * * * * * * * * * * * * * * *
اكتملت لوحة ملاك ڤيكاندر الصغير بعد ثلاثة أيام من ذلك اليوم .
" إنك حقًا تبدو كملاك صغير."
حدقت أوليڤيا في اللوحة وهي تردد إعجابها. طفل محبوب يضحك بابتهاج، و وجنتاه حمراوان كالتفاح، و تبرز ملامحه بوضوح في الرسم .
إدوين في السادسة من عمره بشعره الأسود المجعد الأطراف، لطيف للغاية مثل الماعز الصغير .
تأملت أوليڤيا اللوحة بعناية. إذا كان لطيفًا إلى هذا الحد على الورق فقط، فكيف سيكون الحال لو رأته حقًا ؟
سرعان ما انتفخ قلبها بالدفء، لكن أوليڤيا سرعان ما هزت رأسها. كان هذا مرضيًا بما فيه الكفاية. علاوة على ذلك، أن تحصل على مثل هذا العمل الفني الرائع من تلميذها الذي علمته كمعلمة رسم … !
لكن إدوين ابتسم ببطء ومال برأسه : " لا أعتقد …… "
" لماذا ؟ هل تفتخر بأن مظهرك الحالي أجمل ؟ "
" الملاك الصغير الحقيقي سيكون في الصفحة التالية."
الصفحة التالية ؟ عندما سمعت كلماته، لاحظت أن هناك ورقة رسم أخرى متداخلة خلف صورة إدوين الشخصية. اخرجت أوليڤيا الصورة الأخرى .
في تلك اللحظة، اهتزت عيناها الخضراوان بعنف. كانت رسمة لفتاة صغيرة تجلس على مفرش أبيض تحت ظل شجرة خضراء مورقة أمام حقل قمح واسع بلون أخضر فاتح، تستمتع بنزهة وتأكل شطيرة .
الطفلة التي تبتسم ببهجة، كانت بلا شك … هي. شعر فضي لامع وعينان خضراوان مقوستان. حتى أن شعرها الفضي الطويل الممشط كان مزينًا بشريط وردي بنفس لون الفستان .
— الصورة التوضيحية : هـنـا .
في الواقع، عندما كنتُ في عمر هذه الطفلة في اللوحة، كان شعري في حالة فوضى عارمة . وبالتأكيد لم يكن لدي شريط كهذا. كانت على وشك أن تضحك وهي تتذكر الماضي، لكن أوليڤيا حبست أنفاسها فجأة .
لأن تلك الطفلة في الرسمة، كانت تبدو سعيدة للغاية. شعرت وكأن السعادة، التي أصبحت بديهية لأوليڤيا لوڤيل ڤيكاندر كالتي تتنفسها الآن، تُنقل إلى نفسها الصغيرة من خلال هذه اللوحة .
تدفقت مشاعر مختلفة لا يمكن تمييزها فجأة، و انهمرت القبلات اللطيفة على كتفيها المتصلبين .
" ظننت أنه لو كان هناك ملاك صغير، لكان يبدو هكذا."
كان الأمر غريبًا. كانت شفتاه تلامسان رقبتها، لكنها كانت تشعر باستمرار بأن هذا الملمس الناعم يقبّل قلبها.
أضيفت ألوان جميلة مراراً وتكراراً على ذكرياتها القاسية. أشرق صوت إدوين في أذنيها كأشعة الشمس الساطعة .
" أثناء رسمي لنفسي، شعرت بالرغبة في رؤيتك، ثم أصبحتُ فضوليًا بشأن طفولتك في سن الخامسة والسادسة … يا ليڤ، لا بد أنكِ كنتِ ملاكًا أيضًا."
****************************