في غرفة نوم الأمير و زوجته .
كان ضوء القمر الأبيض يتسلل إلى اللوحة في تلك الليلة .
تنهدت أوليڤيا بخفة وهي تنظر إلى اللوحة . على الرغم من مرور عشرات الدقائق وهي تمسك بالقلم الطبشوري، إلا أن ما رُسم على القماش لم يكن سوى رسم تخطيطي لطفل في سن الخامسة أو السادسة، لكن وجه الملاك الصغير لم يكن شيئًا يمكن رسمه بتهور .
ضحكت أوليڤيا بخفة وهي تتردد أمام الرسم الذي بالكاد يحتوي على ملامح، ثم نظرت إلى الرسم المرسوم بالقلم الشمعي المثبت بجوار اللوحة .
" كيف كان يبدو سموه في السادسة من عمره ؟ يا آنسة، لا، يا سمو الأميرة، لقد كان الأمير حقاً، تجسيدًا للملاك نفسه."
" سيكون من الصعب العثور على طفل أكثر سحراً في القارة بأسرها من مظهر الأمير عندما كان في السادسة من عمره."
ملاك صغير. بمجرد انتهاء لعبة الورق، بحثت أوليڤيا عن التابعين الأكبر سنًا .
بمجرد ذكرها : " عما إذا كانوا يعرفون عن ملاك ڤيكاندر الصغير " شهد التابعين الأكبر سنًا وكأنهم كانوا ينتظرون هذا السؤال .
طفل بوجنتين ممتلئتين حمراوين كالتفاح و وجه ضاحك محبوب. صبي بشعر أسود مجعد الأطراف ولطيف للغاية .
كتمت أوليڤيا تنهيدة وهي تستمع إلى الأوصاف المتتالية. عندما رأت التابعين لا يستطيعون إخفاء حنينهم أثناء حديثهم، لم تستطع الاحتمال لرؤية إدوين الصغير في ذلك الوقت، لكن للأسف، كان الرسم المرسوم بالقلم الشمعي هذا هي كل ما تبقى من إدوين في ذلك الوقت .
في النهاية، كان خيارها هو رسم صورة للملاك الصغير بنفسها … هزت أوليڤيا كتفيها بلا حول ولا قوة . لماذا كان من الصعب جداً رسم الوجه الجميل الذي يتبادر إلى ذهنها على اللوحة ؟ ربما يصبح الأمر أفضل لو رسمت من خلال النظر إليه .
نظرت أوليڤيا سرًا إلى باب غرفة النوم، لكن إدوين، الذي ذهب للعمل الإداري بمجرد انتهاء لعبة الورق، لم يعد بسرعة. ليس هناك حيلة.
واجهت أوليڤيا اللوحة بوجه جدي مرة أخرى. ومع ذلك، على الرغم من أنها رسمت الجسد الممتلئ والجناحين، كانت يدها تتوقف باستمرار عندما تصل إلى رسم الوجه .
" من هذا الملاك ؟ "
بمجرد سماع هذا الصوت المفاجئ، استدارت أوليڤيا بذعر. كانت يده التي دعمت ظهرها، وكأنه كان يعلم ما سيحدث، قوية .
" متى أتيت ؟ "
" الآن للتو، كم كنتِ مركزة لدرجة أنكِ لم تلاحظيني حتى عندما اقتربت ؟ على أي حال … من هذا الملاك الذي لا وجه له حقًا ؟ "
بالرغم من وجود رسم له بجانبها، كان وجهه يتصرف ببراءة وكأنه لا يعلم حقًا. إلى أي مدى سيواصل التظاهر ؟
ابتسمت أوليڤيا بمكر وقالت : " ملاك ڤيكاندر الصغير."
" آه، هذا أنا إذاً."
هز إدوين كتفيه، و انفجرت أوليڤيا في الضحك على تعابيره الماكرة .
" يا إلهي، كيف تقول ذلك دون أن تشعر بالحرج على الإطلاق ؟ "
" إنها فضيلة أساسية لمن ولد ملاكًا، لكن لماذا لم ترسمي الوجه ؟ "
" لأنه جميل جدًا."
حبس إدوين أنفاسه للحظة. أمام هذه الحقيقة الصادقة والوجه الجميل الذي كان ينظر إليه ببراءة، فحص إدوين غريزيًا حالة أوليڤيا الجسدية.
من المؤكد أنه ظن أن زوجته ذات اللياقة الضعيفة ستكون قد استغرقت في النوم مبكرًا اليوم … التوت زاوية فم إدوين الحمراء بكسل عندما أدرك أن عينيها الواضحتين لم يكن فيهما أي أثر للنعاس .
استقرت عيناه الحنونتان ونظرتا إلى عيني أوليڤيا بتحديق. تجنبت أوليڤيا النظر في وقت ما وهي تضحك معه .
رتبت اليد التي وضعت القلم الطبشوري فتحة قميص نومها الفضفاض. تبعت نظرة إدوين اليد النشطة، فالتوت بأناقة. كما تمنى، كان يعرف الآن كل شيء تحت قميص النوم الرقيق هذا. وهذا لم يكن يشير فقط إلى الخلخال الملفوف حول كاحلها النحيف …
ضحك إدوين بصوت منخفض، وحلقه يرتجف. ومع هذه الضحكة المتقطعة، احمر خدي أوليڤيا بالكامل، ثم تظاهرت بأن لا شيء يحدث، بينما أمسك إدوين بيدها التي كانت تمسك بفتحة القميص بلطف .
" لا تكتفي بالحديث، بل قومي بتقديري بقدر ما أنا جميل."
" … أقصد هذا الملاك الصغير، وليس إدوين."
" هذا الملاك كبر وأصبح أنا."
" الملائكة الصغار لا يقولون مثل هذه الأشياء."
" حسنًا إذًا، أعتقد أنني سأبقى ملاكًا جميلاً اليوم."
عاد صوته لطيفًا بعد أن تخلى عن خيبة أمله. كانت يدهما المتلامسة ساخنة، ولم تستطع أوليڤيا التخلص من هذا التوتر الغريب بعد .
لو نظر إليها لفترة أطول قليلاً، لكانت قد استسلمت … بينما كانت شفتا أوليڤيا تنفتح على فكرة خطرت لها فجأة، نظر إدوين بهدوء إلى اللوحة وقال :
" … هل يمكنني وضع الخطوط على رسم أوليڤيا، إذا لم تمانعي ؟ "
" بكل تأكيد."
أشارت أوليڤيا، التي فوجئت، إلى القلم الطبشوري وحتى أقلام التلوين على الطاولة. لماذا كانت مرتبكة هكذا على الرغم من أن إدوين لن يكون قادرًا على قراءة أفكارها ؟
بعد فوات الأوان، تنهدت أوليڤيا وضحكت. وبعد لحظة، تحول وجهها المبتسم إلى دهشة في لحظة. الوجنتان الممتلئتان المرسومتان بأقلام التلوين، والعينان الحمراوان، والشعر الأسود الداكن، والشفاه الجميلة. ابتسم إدوين وهو يرسم الوجه الذي لم تستطع أوليڤيا لمسه على الفور .
" حسنًا، ما رأيكِ ؟ هل يبدو كملاك ؟ "
" إدوين، لديك موهبة كبيرة في الرسم ! "
نظرت أوليڤيا بين رسمة أقلام التلوين واللوحة بالتناوب بوجه مشوش. كانت مهارته مختلفة تمامًا عن رسم أقلام التلوين القديم المثبت بالمشبك.
" إنه تطور في الأسلوب، بالطبع، هذا هو أفضل ما لديّ."
أشار إدوين إلى الرسم بشكل جدي بعد أن وضع حتى أقلام التلوين. على الرغم من أنه كان رسم باهت، إلا أن الملامح الدقيقة كانت واضحة، وشعرت أوليڤيا بالطمع.
بالنظر إلى الأمر، فإن إدوين نفسه هو من يعرف وجه الملاك الصغير جيدًا. سحبت أوليڤيا يده بهدوء .
" إذاً، ارسم لي لوحة واحدة من البداية إلى النهاية يا إدوين."
" ماذا ؟ "
" طفولتك، أريد حقًا أن أرى كيف كنت عندما كنت ملاكًا صغيراً."
لمعت عيناها الخضراوان. كان سعيداً برؤية السيدة التي لا تهتم بالممتلكات تلمع عينيها. تعمد إدوين كسب الوقت. أراد أن يرى لطفها وهي تهز يده بإلحاح لفترة أطول .
" إذاً، ما الذي سأحصل عليه في المقابل ؟ "
حتى عندما سأل وهو يبتسم بإشراق، لم يكن إدوين يطمح في شيء كبير. كان ينوي فقط أن يبتسم بخبث ويقدم خده حتى لو مدت شفتيها وهي تفكر .
" حسنًا، أنا أيضًا سأمنح إدوين … "
لكن أوليڤيا هي من غيرت مجرى الأحداث. لقد كان حظًا أن خطرت لها فكرة رائعة فجأة .
" ماذا عن تعلّم نوع من التدريب ؟ "
لم يُعرف لمن كان الحظ الأوفر. اتسعت عينا إدوين على الفور. نظرت أوليڤيا إلى وجهه المصدوم وصححت كلماتها .
" قد تبدو كلمة التدريب كبيرة بعض الشيء، لكن إذا تعلّمت ولو القليل من التمارين، ستتحسن قدرتي على التحمّل … "
" …… "
" … وسيزيد الوقت الذي نقضيه معًا أيضًا."
ظنت أنه سيرد على الفور، لكن وجه إدوين كان شارد الذهن. هل هو مشغول بالعمل ؟
أضافت أوليڤيا بسرعة : " بالطبع، فقط عندما لا تكون مشغولاً يا إدوين ! فلدينا ديان و السير كالتر أيضًا."
" هذا مستحيل."
ابتسم إدوين بأناقة. كان التخلي عن وقتهما معًا للفرسان أمرًا سخيفًا .
" مهما كنتُ مشغولاً، سوف أجد وقتًا لأكرّسه لزوجتي وهي تقوي لياقتها "
حتى أنه ذكر "اللياقة البدنية" وكأنه قرأ ما يدور في رأسها. كان دقات قلبه السريعة ممتعة، فابتسم إدوين بخفة. هل أوليڤيا تقرأ أفكاره حقًا ؟
ضيق إدوين عينيه وهو يكتم الكلمات التي أراد أن يسألها .
" لكن …… "
" …… "
" سأكون صارمًا للغاية … هل هذا مقبول ؟ "
كانت يده التي تمسح خدها حنونة، لكن صوته العذب كان خطيرًا بعض الشيء، لكن في هذه اللحظة، إذا لم تستجب للنظرة المتحدية واللامعة في عينيه، فلن تكون أوليڤيا لوڤيل ڤيكاندر .
" بكل سرور."
ابتسم إدوين بتهكم وكأنه كان يتوقع ذلك .
قررت أوليڤيا سرًا أنها يجب أن تأكل ضعف وجبة الفطور و دواء الأعشاب في صباح اليوم التالي .
* * * * * * * * * * * * * * * * * *
" ركض ؟ "
أمام ساحة التدريب المسطحة والممهدة، شكت أوليڤيا في أذنيها .
الركض ؟ لقد وعدها بـ "تدريب صارم"، فهل هذا التدريب الصارم مجرد ركض ؟
ابتسم إدوين بخفة وهو ينظر إلى عينيها المستديرتين كالقطط من الدهشة، ثم جثا على ركبة واحدة و ربط حذاء أوليڤيا جيداً .
تمايلت أوليڤيا وأمسكت بكتف إدوين .
" ليڤ، ما الذي كنتِ تفكرين فيه ؟ هل كنتِ تتوقعين مني أن أجعلكِ تخوضين تدريبًا عنيفًا ؟ "
" هذا … ليس صحيحًا تمامًا."
خفت صوت أوليڤيا وهي تشد كم قميصها. لقد أصابها إدوين في الصميم.
" يا سمو الأميرة، هذه هي الملابس التي طلب سمو الأمير منكِ ارتداءها للتدريب اليوم، إنه يشبه زي الفرسان، ألن يكون تدريبًا صعبًا ؟ "
بسبب هذا السروال وزي التدريب الذي أحضرته هانا في الصباح الباكر، أكلت أوليڤيا قطعتين من اللحم … في هذه الأثناء، وقف إدوين وابتسم بإشراق .
" لا تقلقي، الركض أيضًا سيكون تدريباً صعباً إلى حد ما."
أومأت أوليڤيا برأسها وابتسمت ببهجة. لقد كانت تسهر ليالٍ و تتنقل هنا وهناك وهي ترتدي كعبًا عاليًا استعداداً لجميع أنواع الحفلات. إذا كان مجرد جري، فلن تكون هناك مشكلة. كان هذا هو اليوم الذي ستتخلص فيه من وصمة الضعف الجسدي .
*
*
" مهلاً، لحظة من فضلك … ! "
لم تكمل دورتين كاملتين، حتى تباطأت أوليڤيا، وفي النهاية انحنت و وضعت يديها على ركبتيها.
كانت ساقاها ترتجفان، والأكثر من ذلك، كانت تلهث باستمرار. شعرت وكأن الهواء يملأ صدرها لدرجة أنه سينفجر .
لا يعقل … أن تفشل في إكمال دورتين فقط !
أن تكون لياقتها التي تفاخرت بها هي بهذا المستوى فقط، لكن قبل اليأس، كان التنفس هو الأهم. في تلك اللحظة، بدأ إدوين يمسح ظهرها بلطف .
" لا تستنشقي الهواء دفعة واحدة، ببطء، ببطء."
انتظم تنفسها عند صوته اللطيف الذي كان يعد الإيقاع. عندما استقامت أخيراً، رأت إدوين يبتسم بتهكم .
" لا أذكر أنكِ واجهتِ صعوبة كهذه عندما تسلقتِ وادي سينوا."
" هذا لأنني كنتُ مستعجلة للغاية في ذلك الوقت."
ابتسمت أوليڤيا بحرج، وفي النهاية سقطت على أرض ساحة التدريب. مجرد الجلوس هناك على الأرض الترابية. كان هذا تصرفًا لا يليق بأميرة، لكنها لم تستطع سوى الضحك ربما بسبب الحرارة التي ارتفعت من التمرين .
في كل مرة تضحك فيها أوليڤيا، كان شعرها المربوط يهتز بلطف. وكان وجهها المبتسم والمبتهج مرحبًا، لكن ريح الشتاء الباردة كانت قصة أخرى. كان طرف أنفها وأذنيها محمرين بالفعل .
" هل نرتاح قليلاً ونشرب بعض الماء ؟ "
توقف إدوين مؤقتًا، بينما كان على وشك رفع أوليڤيا. كانت عينا أوليڤيا، التي مدت ذراعيها وكأنها تطلب منه أن يمسك بها، تلمعان بمكر.
بمجرد أن يمسك يدها، كانت مستعدة لسحبه وإسقاطه، وقد مالت بالفعل بجزء كبير من جسدها العلوي إلى الخلف. من الطبيعي أنه مهما سحبت أوليڤيا، فإن إدوين لن يتحرك، لكن في بعض الأحيان، كان التظاهر بالوقوع في الفخ أكثر متعة .
وكانت هذه هي اللحظة المناسبة لذلك. عندما سقط عليها بشكل مناسب مع صرخة مفاجئة، بدأ ضحك نقي ينتشر مع الريح .
" لهذا السبب ينجح الهجوم المفاجئ."
عض إدوين طرف أنفها المتغطرس بخفة، ثم ضيق عينيه برشاقة. بدأت أوليڤيا تركض بعيداً وكأنها لم تكن تلهث من الإرهاق قبل قليل .
بينما كان إدوين يحدق في ابتسامتها الأكثر إشراقًا من الشمس، كان يركض وهو يبطئ سرعته عمدًا .
" يا إلهي."
تنهد بروك لا إراديًا. في ساحة التدريب المقدسة، يا للعجب … ! لكن ديان، الذي كان يقف للحراسة معه، ابتسم بهدوء ومد يده .
" من المؤكد أن سمو الأميرة لم تكمل دورتين، أعطني الرهان يا سير دروين."
" كنت أثق في صرامة سمو الأمير … لكن أن تفشل في إكمال دورتين ! "
ارتجف شارب بروك بشدة. نظر إلى ساحة التدريب بوجه لا يصدق، ثم ضربه ديان بمرفقه بخفة .
" التظاهر بأنك لا ترى ولا تسمع هو أمر مهم جداً، عندما تكون حارسًا لسمو الأميرة، هذا هو الأهم على الإطلاق."
آه، صحيح … أومأ بروك برأسه وكأنه وضع ذلك في الاعتبار. بعد أن ذهب السير وينستر كالتر كمساعد ثاني، كان شرفًا لبروك أن يتولى منصب الحارس الثاني للأميرة الشاغر .
التظاهر بعدم الرؤية، وعدم السمع … إذا اتبع كلمات ديان، الحارس الأول، فسوف يعتاد الأمر قليلاً.
احتفظ بروك بكلمات ديان في صدره، ثم أخرج عملة ذهبية من جيبه، عاجزًا عن مقاومة نظرة ديان الذي كان يحدق به .
أخذ ديان العملة الذهبية بسرعة وابتسم بإشراق. وهو يفكر في أنه سيتمكن من شراء عشر كرات إضافية عندما يذهب إلى شارع يينيڤ .
— الصورة التوضيحية : هـنـا .
****************************