الفصل ١٦٠ : ‏Do Your Best to Regret

{ التمسك بشكل متأخر }


" أنت، أنت …!! "

لم يستطع الإمبراطور أن ينطق بأي كلمة .

كان يلهث ويكاد يختنق. هل يعني هذا أن هذا الوغد يخبره الآن أن الإمبراطور نفسه أصبح تحت سيطرة كفه …؟!

لم يكن ليُصدّق. فكل شيء حتى قبل لحظات كان يبدو وكأنه معجزة. خطة التسلل التي خطرت بباله وهو يقضي الليل يمسك برأسه قلقًا على مصير الإمبراطورية، ومعلومات عن انخفاض مستوى التفتيش على النساء و المهرجين …!

في لحظة، ومض وميض في ذهن الإمبراطور . نعم … لولا تلك المعلومة، لكان وضع خطة لإخراج الفرسان من بوابة القلعة أمراً شاقاً للغاية .

" منذ متى …… "

تسرب صوت مرتعش من بين شفتيه اللتين جفتا تمامًا .

شعر النبلاء الإمبراطوريون الذين كانوا مفعمين بالحيوية بإحساس خاطئ، لكن الإمبراطور كان بملامح متلهفة لا تكاد تدرك ذلك. لذا، ابتسم إدوين بتهذيب أكبر .

" لماذا تسأل عن شيء كهذا ؟ الجميع يعلم أن المعارك الثلاث التي خضتها يا جلالتك سابقًا كانت كلها عمليات تسلل لاقتحام القلاع الفارغة المريحة."

… لم يكن يعلم. ظن أن الضوء الخافت الذي تسلل إليه كان معجزة، لكنه لم يكن سوى قطعة زجاج من منجم مهجور مظلم للغاية .

" أليس من شأن الناس أن يبحثوا دائمًا عن المألوف عندما يكونون في عجلة من أمرهم ؟ "

هزّ صوت هادئ أفكار الإمبراطور. شعر وكأن الأرض تنشق من تحته. وفي بصره الذي أصبح واضحاً بعد أن تحطمت آماله، رأى الإمبراطورية .

إمبراطوريته، التي أصبحت مائلة و مُتدلية بقدر ميلان الدوق مادلين الذي كان يجلس بهدوء، تاركاً وراءه الدوق إلكين وأبناءه الذين وقفوا مصدومين .

" … هذه كذبة، إنه … كاذب ! "

اجتاحه الغضب. فالأمل الذي وثق به التوى وحجب رؤيته. صرخ الإمبراطور واندفع من مقعده، لكنه توقف فجأة .

كانت عيناه الحمراوان الملطختان بالكراهية تتجهان إليه بتهديد مرعب. كان هناك حقد هائل لا يُصدّق كيف ابتسم ونظر إليه طوال الوقت .

" صحيح، أنا أيضًا عانيت كثيراً، في كل مرة كان الإمبراطور الكاذب يأمر بالخروج للحرب متمسكًا بـمنجم الكريستال الأبيض أكثر من عشرين مرة."

كان ذلك الهدوء الممزوج بالسخرية مُهلكًا إلى درجة تثير القشعريرة. لهث الإمبراطور وكأنه ينفخ الهواء في رئتيه المنكمشتين. بينما كان إدوين يضحك بابتهاج وهو يراقب منظره .

" عن ماذا تحدثتِ مع والدي ؟ "

بدأ إخراج هذا المشهد من سؤال قالها صدفة أثناء حديثه الهادئ مع أوليڤيا.

" حسنًا، حول متى كانت أصعب لحظة ؟ "

مع أن والده لم يكن ذنبه، إلا أن والده ندم على عدم وجوده بجانب إدوين في أصعب لحظاته، لذلك لم يُكلف إدوين نفسه عناء إخباره بأوقاته الصعبة، فقد انتهى كل شيء بالفعل .

لكن في اللحظة التي نظرت إليه فيها الآنسة ذات العيون الصافية …

" إدوين، متى كان أصعب وقت مر عليك ؟ "

تلك النظرة المتفحصة احتضنت أعماقه بدفء غريب. من المفارقات أنه في تلك اللحظة، أعاد إدوين التفكير ملياً في سنواته العشر .

كان هذا كل ما قاله في ذلك اليوم. اختفاء طفولته السعيدة بأكملها، عدم عودة والدته، سماع خبر موت والده …

بينما كان يتمتم لنفسه، عض إدوين طرف لسانه في مرحلة ما. كان هناك رابط بين كل لحظاته الصعبة .

الاختفاء التام لشيءٍ كان متحمسًا له للغاية .

في تلك اللحظة، أضاف إدوين شيئاً بسرعة إلى ما كان يجب عليه أن يكتسبه .

كان يجب أن يتخبط في الأمل. تمنى أن يفرح وكأنه نعمة أُنزلت عليه، دون أن يعلم أنها ستكون خطوة خاطئة، ثم تمنى أن يختبر اللحظة التي يتحول فيها بطنه إلى تعفن تام بدلاً من التحلل الداخلي، لذلك، ألقى طُعماً كبيراً.

على الرغم من أن الخطة كانت هشة بشكل واضح، إلا أن الإمبراطور مدّ رأسه. بالطبع، إذا أعطيت ماء البحر لشخص عطشان، فسوف يشرب حتماً في يوم ما، حتى لو كان ذلك سيقربه من الموت .

ضحك إدوين بارتياح. شعر وكأن التردد الذي كان يحرق جوفه قد زال للتو، كما لو أنه ابتلع مشروباً دافئًا دفعة واحدة .

" كيف تشعر الآن أيها الإمبراطور ؟ ما هو شعورك عندما ترتفع إلى ما فوق السحاب ثم تسقط في الوحل ؟ "

أصبح وجه الإمبراطور أصفر شاحباً. كان منظره مرضياً، كما لو أن شعره الذهبي الذي كان يفتخر به قد انتشر على وجهه. وعيون النبلاء الذين أدركوا الموقف أخيراً تحولت إلى بياض شاحب .

لقد حان وقت إنهاء الأمر .

" آمل أن تُقدّروا أنني لم أعد أرغب في البقاء في الإمبراطورية."

كان كل من ولي العهد الذي أظهر شعوراً ساحقاً بالهزيمة تجاهه، ونبلاء الإمبراطورية الذين كانوا يبحثون عن فرصة للتحدث إليه، لا قيمة لهم .

" … لم أعد أنا، ولا والدي، ولا خطيبتي الجميلة، نريد فقط أن نرحل عن هذا المكان المثير للاشمئزاز."

شدّ إدوين زاوية فمه بارتياح، ثم ضرب الطاولة بقوة مطالباً بوضوح : " نصف الإمبراطورية، المنطقة التي سيتم استردادها هي الشمال."

بالطبع، كانت تلك هي التعويضات التي يجب أن تحصل عليها ڤيكاندر و لوڤيل .

*

*

ترددت الأصوات بالرنين، وكأن شخصًا دفع برأسه تحت الماء. لم يستطع الإمبراطور استعادة وعيه .

أما نبلاء الإمبراطورية الذين كانوا يحترمونه، فباتوا يتخبطون و يجرون خلف ڤيكاندر عاجزين عن التصرف .

لم ينطق أحد بكلمة واحدة، لا الإمبراطورة ولا ولي العهد ولا حتى الأميرة. سحق الصمت الإمبراطور بعنف .

" هاه." حينها فقط، استنشق الإمبراطور الهواء بلهث وسعال، وكأنما انتُشل للتو من الماء .

نظر الإمبراطور حوله على عجل .

" المنطقة التي يجب أن نستردها واضحة، تمتد من حدود العاصمة وصولاً إلى كاتانغا، ما الذي ينتظره الإمبراطور ؟ "

وبينما كان هذا الجو يخنق الإمبراطور، ازدادت نظرات النبلاء نحوه حدة تدريجياً. كان على الإمبراطور، كعادته، أن يستخدم شخصاً آخر كدرع .

الابنة غير الشرعية . خطرت له الفكرة فجأة، وبدت وكأنها ورقة أخيرة لا بأس بها.

" أوليڤيا، هل ليس لدى آنستي ما تضيفه ؟ "

وكأنما جاءت لتناسب اللحظة، حوّل الدوق الأكبر الكلام إلى الآنسة، لذا صرخ الإمبراطور فجأة : " لا يمكنني أن أسمح لابنة غير شرعية فاقدة لأي مكانة بالتحدث في هذه المفاوضات ! "

انخفض صوت الأنفاس إلى حد الهدوء التام. مع الكلمات التي دوّت كالصاعقة، امتد غضب إدوين بشكل خطير، لكن أوليڤيا أمسكت بإدوين الذي كان على وشك الوقوف .

وابتسمت ابتسامة ماكرة. ابتسمت له، ولفرسانها الذين اشتعلوا غضباً نيابة عنها .

' أنا بخير.'

ربما فهم الفرسان حركة شفتيها، فهدأ غضبهم المتصاعد للحظة. إذا فكروا في الأمر من منظور آخر، فإن كلمات الإمبراطور هذه كانت بالضبط المنصة التي تسمح لأوليڤيا بالصعود إلى الواجهة والتحدث .

في تلك الأثناء، تمتمت أوليڤيا بالكلمة التي هاجمها بها : ابنة غير شرعية … لماذا كانت تلك الكلمة، التي لم تعد تؤذيها الآن، مؤلمة جداً في السابق ؟

وبينما كانت أوليڤيا تنظر إليه بهدوء، اعتقد الإمبراطور أن هذا الصمت يخدمه .

صحيح، مهما كانت "القديسة" محبوبة من شعب الإمبراطورية، فإن معظم الحاضرين هنا هم من النبلاء في الإمبراطورية. أولئك الذين سخروا منها بالانتقادات الصريحة والقيل والقال .

نظر الإمبراطور إلى النبلاء الذين كانوا يحطون من شأن الابنة غير الشرعية طوال الوقت، وتمنى أن يتجاوبوا معه .

لذلك صرخ أكثر وكأنه يتقيأ دماً : " أن يطلقوا على هذه الوضيعة قديسة ! لقد سقطت أخلاق الإمبراطورية إلى الحضيض وأكثر ! "

واتجه إصبعه نحو أوليڤيا التي بدت مستكينة، وكأنها تشبه أميرة لوڤيل السابقة. كانت اللحظة المناسبة، وكانت أوليڤيا على وشك النهوض .

" لا أحد يقرر كيف يولد."

رمشت أوليڤيا بعينيها للحظة. لم يكن صوتها، ولكنه كان صوتاً مألوفاً جداً.

" … أن يُحمّل طفلٌ العار لمجرد أنه لم يُولد بين زوجين، أي كلام أكثر قسوة من هذا، يا صاحب الجلالة ؟ "

كان الدوق مادلين .

" من البديهي أن يعود هذا اللوم إلى من أنجب الطفل، وإلى من تسبب في إنجابه."

" أيها الدوق ! "

صرخ الإمبراطور بعصبية، لكن أوليڤيا لم تلقي له بالاً … لا، لم يكن لديها متسع من الوقت لتنظر إلى الإمبراطور .

الدوق مادلين، الذي كان على خده جرح خفيف، كان ينظر إلى الأمام فحسب .

وكذلك ابناه اللذان كانا يقفان بجواره كتفاً بكتف. كانوا يتحدثون وكأنهم يدافعون عن أوليڤيا، لكن الأمر بدا وكأنه لا علاقة له بها .

" وبناءً على ما قلته يا جلالتك، ألا يجب أن يكون اللوم موجهًا إليّ وإلى الدوق إلكين ؟ "

" ما هذا الهراء ! "

صرخ الدوق إلكين المذهول متقدماً فجأة . وجهه الذي احمرّ كشعر رأسه، هزّه باستمرار وهو ينظر إلى الإمبراطور و الإمبراطورة ونبلاء الإمبراطورية. لم يكن الدوق إلكين وحده من شعر بالدهشة .

" ما هذا السلوك المشين أثناء المفاوضات أيها الدوق مادلين ! هل انضممت حقاً إلى ڤيكاندر ؟ "

— بـوم .

ضربت الإمبراطورة الطاولة قاطعة مجرى الحديث. لم يكن هناك اتهام أكثر غرابة من هذا، لكن الدوق نظر إلى الإمبراطورة بعينين خاليتين من المشاعر وقال : " ألم يكن أنا من استسلم للمخدر، وألم يكن الدوق إلكين هو من استخدم المخدر والتهديد ليجعلنا نقضي ليلة غير مرغوبة مع بعضنا البعض ؟ "

" يا للعار الذي … ! "

" هل تعتقدون حقًا أنني سأتحدث دون أي دليل ؟ على الرغم من وجود الماركيز إثيل كدليل في الخارج الآن ؟ "

سكن الدوق إلكين الذي كان يرتعد غضباً من الكلمات التي انتشرت بوقار، وكأن صمغاً سُكب على شفتيه .

تذكر بعد فوات الأوان أن الماركيز إثيل كان محتجزاً في قصره، وحاول أن يقدم حجة مضادة، لكن مجرى الأحداث كان قد أصبح خارجاً عن السيطرة .

على الرغم من أن الشائعات كانت تتردد بين الناس، فإن الكشف عن الأخطاء الأخلاقية لأحد النبلاء الكبار أثناء اجتماع رسمي كان صدمة . خاصة إذا كان الحديث يخص الابنة التي طالما تجاهلها.

نظر النبلاء الذين لم يتمكنوا من كبت صدمتهم، إلى أوليڤيا مرة أخرى .

كيف سيبدو وجه الابنة الكبرى التي كانت دائماً تتوق إلى عاطفة عائلتها الآن ؟ كيف سيبدو وجهها بعد أن بُرِّئت للتو من تهمة الابنة غير الشرعية في مجتمع النبلاء الذي كان يلومها ؟

" ولـ، ولكن ! "

شق صوت صغير قاعة المؤتمرات الكبرى، لقد كانت الأميرة .

توجهت أنظار الجميع نحو الأميرة . شعرت بالغثيان لكونها محط الأنظار بعد فترة طويلة. كانت هذه هي المرة الأولى التي تحظى فيها بهذا الاهتمام منذ اليوم الذي كُشفت فيه كل إنجازاتها .

ومع ذلك، تجرأت الأميرة على الكلام بسبب أوليڤيا الواقفة بوقار. لقد اعتقدت أنهما في نفس القارب. كان من الظلم أن تغادر هذا الجحيم وحدها وهما تعانيان من إهمال العائلة .

لذلك، رفعت الأميرة صوتها : " أليست الآنسة ذات عينين خضراوين ؟ يا دوق ! "

هذا هو السبب الآخر الذي كانت تهاجم من أجله أوليڤيا.

" تلك التي تختلط بدماء تلك الراقصة الوضيعة … "

" كان لون عيني الدوقة الكبرى السابقة أيضًا أخضر."

" وما شأن ذلك …؟! "

قاطع صوت رقيق كلام الأميرة .

" لم تفهمي ما أقوله، في مملكة لوڤيل، التي بقيت في التاريخ، كان اللون الأخضر هو لون عيون العائلة المالكة وكبار النبلاء."

الأميرة التي رفعت عينيها غضبًا بسبب إهانة قطع كلامها، رددت كلمات أوليڤيا في ذهنها و رمشت بعينيها .

بدأ الاضطراب يلوح في عينيها بلون البحر، لذا ألقت أوليڤيا نظرة متفحصة نحوها وقالت : " كيف تجرؤين …… "

" …… "

" … رغم أن سيد ڤيكاندر هنا قد أعلن أنني الوريثة للوڤيل و ڤيكاندر."

" أنـ، أنا لم أقصد ذلك، الجميع هنا يعتقد أن العيون الخضراء هي …… "

هزت الأميرة يديها على عجل، بعد أن أدركت الموقف. ابتسمت أوليڤيا ابتسامة ماكرة. كان كل من تصل إليه نظراتها يتجنب النظر إليها .

" بالطبع، فليس سموكِ فقط، بل الجميع كان يتحدث كثيراً عن عينيّ الخضراوين."

… باستثناء الدوق مادلين وابنيه .

لماذا الآن فقط ؟ كتمت أوليڤيا الألم الذي شعر به قلبها للحظة. شعرت وكأن شخصاً ما يرش الملح على جروحها التي أصبحت متخدرة لفرط ما توغلت فيها .

ومع ذلك، ابتسمت أوليڤيا. نظرت إلى الإمبراطور بابتسامة مشرقة، وهي تدوس على أرضية مليئة بالمسامير الحادة .

" إنه أمر ما كان ليحدث لولا أن شخصاً ما تعمد نشر الشائعات، حقًا …… "

لم يكن هناك وقت للتردد. بصرف النظر عن وصم ميلادها الثمين بالعار. كان هذا ما يجب أن يقال للإمبراطور .

" … لا احترام لملوك مملكة شاركت في التاريخ يوماً."

" …… "

" ولا حياء."

لمعت عينا الإمبراطور العجوز بالغضب، ولكن هذا كل ما كان لديه. و وجهت أوليڤيا كلامها إليه، وقد بدا وكأنه لا يملك طاقة للغضب بعد الآن، وذكرت له المستقبل الواضح للإمبراطورية :

" … وهذا هو ما يفعله من لا يعرف العار."

ساد الصمت المكان. انكمش نبلاء الإمبراطورية الذين حبسوا أنفاسهم من لسانها السليط، عندما اتجهت نظراتها نحوهم .

" منطقة تريستان الزراعية ومنطقة ريتايل، و أراضي مينيرال …… "

كانت القائمة المتتالية كلها من إقطاعيات الأميرة.

صاحت الأميرة التي أدركت ذلك بحدة : " تلك … ! "

" تلك الإقطاعيات، التي أعلنت الولاء لي، امنحيني إياها يا صاحبة السمو."

كان مضمون صوتها الرقيق مرعباً. كانت تلك هي ثروة الأميرة بأكملها تقريباً .

" ما هذا الهراء …! "

" وسوف أُنهي هنا الأمور المتعلقة بالأحداث التي شوهت سمعتي، أليس هذا أكثر تواضعًا بكثير من أن أرد هنا على كل الحاضرين بمثل ما تلقيته منهم ؟ "

في اللحظة التي انتهت فيها أوليڤيا من كلامها، تغيرت نظرات النبلاء. لقد سُلِب منهم الكثير بالفعل، ولا يمكن سلب المزيد .

" سـ، سمو الأميرة، أليست سموكِ من العائلة المالكة التي تحمي الإمبراطورية ؟ "

" صحيح، وهذه الإقطاعيات موالية، إذا ظلوا موالين لسمو الأميرة فلن يحدث شيء ! "

تواترت أصوات الاستعطاف المتوسلة. تحوّل وجه الأميرة إلى لون شاحب .

ابتسمت أوليڤيا ببطء وأومأت برأسها. كان هذا هو السبب. السبب الذي جعل إدوين يقول إنه لن يسترد إقطاعيات الأميرة .

" أميـ، لا، يا آنسة ! "

بدا صوتها المرتعش مثل شجرة الحور بلا قيمة. نظرت أوليڤيا إلى الأميرة التي كانت تتوسل إليها، وهمست بهدوء : " صاحبة السمو الأميرة تعرفين جيداً كم أقدّر أنا الوفاء والعهد."

كانت هذه الكلمات كافية لدفعها إلى ظل بلا سلطة ولا إجلال .

*

*

كانت المفاوضات التي تلت ذلك تحت سيطرة ڤيكاندر الكاملة .

حصلوا أتباع الدوق الأكبر، بمن فيهم هوارد إنترفيلد، على كل ما لم تحصل عليه ڤيكاندر و لوڤيل حتى الآن بشكل وافٍ، بينما لم يكن الإمبراطور يطلق سوى أنفاسًا يائسة بوجه يدل على هزيمة لا لبس فيها .

بعد اختتام المفاوضات، غادرت الإمبراطورة ممسكة بالأميرة، وهي تدير ظهرها للإمبراطور .

في اللحظة الوجيزة التي نظرت فيها الإمبراطورة إلى الإمبراطور، شعرت أوليڤيا بأن نظرتها كانت مشوبة بالاحتقار، واليأس، والندم العميق .

على الرغم من قوله إنه لا يريد البقاء هنا بعد الآن، لم يقم إدوين من مقعده بعد انتهاء المفاوضات. وبدلاً من ذلك، كان يراقب كل ما يحدث في قاعة الاجتماعات الكبرى .

نظر إلى ظهر الإمبراطورة والأميرة، وإلى الدوق إلكين الذي خرج بوجه محمر. وإلى النبلاء الذين كانوا يترددون في محادثة أتباع ڤيكاندر، والنبلاء الآخرين الذين خرجوا مترنحين وكأن العالم قد انهار .

وفي خضم ذلك، اختار التغافل عن وينستر وهو يمنع ولي العهد الذي كان يتصرف وكأنه يعيش قصة حب القرن .

كانت عينا إدوين الحمراوان تحملان الرضا والارتياح، بالإضافة إلى شظايا من مشاعر لا توصف.

فهمت أوليڤيا تلك النظرة اللحوحة بشكل مبهم .

كان وداعاً كاملاً لبقايا الماضي التي لن يواجهها أبداً مرة أخرى. كان أشبه بطقس ذاتي، يشبه ما فعلته هي نفسها سابقًا .

— الصورة التوضيحية : هـنـا .

" هل نذهب ؟ "

لذلك، عندما ابتسم إدوين بإشراق ومد يده، كانت أوليڤيا على وشك الإمساك بيده ومغادرة هذا المكان دون أن تلتفت إلى الخلف، ولكن …

" … سأشرح لكِ بشأن الختم السحري للعقد."

اقترب صوت الدوق مادلين. من الواضح أنه يعلم أن هذا ليس وقت الكلام. هل يا تُرى يريد أن يسمع كلمات شكر على دفاعه عنها قبل قليل ؟

ضحكت أوليڤيا ضحكة شاحبة واستدارت . وعندما التقت عيناهما، شدت قبضتها دون وعي. كانت تلك العينان بلون الجمشت، هي أوليڤيا في الماضي .

العينان اللتان كانتا تحملان دائمًا التوق، والجوع، والتوسل الذي يظهر بوضوح .

' لماذا ينظر إليّ هذا الشخص بتلك النظرة ؟ '

خرجت الكلمات من لسانها كشوكة : " … هل هذا لأنك تريد الانضمام إلى ڤيكاندر ؟ "

عندما اهتزت عينا الدوق مادلين بشدة عند سماع كلماتها، ابتلعت أوليڤيا ريقها ببطء .

بدأ يلامسها ببطء ذلك الشيء الذي أنكرته باستمرار : عندما قدم لها عربة، وعندما جاء للقائها، وعندما دافع عنها قبل قليل .

" … لابد أنكِ تكرهيني بشدة."

… فقط الآن، وبعد كل هذا الوقت .

****************************

*

إرسال تعليق (0)
أحدث أقدم

اعلان