الفصل ١٥٩ : ‏Do Your Best to Regret

{ بداية المفاوضات، لحظة تحطم آخر أمل للإمبراطور }


كان صوت مرور شفرة الحلاقة على الذقن حاداً وقاطعًا .

و تزامن مع هذا الصوت، سُمع صوت الدوق إلكين : " اثنان وعشرون فرداً، منهم فرسان النخبة للإمبراطور وسبعة من نخبة فرسان دوقية إلكين، يتجهون الآن عبر بوابة القلعة نحو ڤيكاندر، ويُقال إن خمسة منهم، وفقًا لأمر جلالتك، سيتوجهون إلى اللورد سوبرون لطلب القوات وحصار ڤيكاندر."

في تلك اللحظة التي سمع فيها الإمبراطور ذلك، ابتلع ريقه. وشعر وكأن بصيص نور خافت قد تسلل إلى رؤيته المعتمة بسبب الارتياح .

" يا صاحب الجلالة، يجب أن نصعد الأمور إلى حرب شاملة ! لقد تجاوزت ڤيكاندر كل الحدود ! مع هذا العدد الكبير من الفرسان المتميزين في الإمبراطورية، ما هذا الإذلال ؟ و أوليڤيا لقد غُسل دماغها من قبلهم …! "

" ألا يمكنك أن تصمت ؟! "

عندما كان على وشك الخوض في عيوب مادلين كابنة غير شرعية، لم ينطق ولي العهد، الذي وصل فجأة، سوى عبارات حمقاء .

كانت تلك اللحظة التي تحطمت فيها آماله التي كان يعقدها على أن ولي العهد سيؤدي واجبه، وأن يظهر كفاءة ممتازة كفارس .

في تلك اللحظة، شعر حقاً بأن عينيه أصبحت سوداء أمامه، لكن المثير للسخرية هو أن ما أضاء عيني الإمبراطور هو كلمة "الحرب الشاملة" التي احتواها ذلك الهراء .

فقد قيل إن قوات ڤيكاندر كلها توجهت نحو العاصمة، وكأنهم كانوا يستعدون لحرب شاملة ضد الإمبراطورية .

في لحظة، دار عقل الإمبراطور بسرعة .

كان الإمبراطور يعرف جميع نواب قادة فرسان ڤيكاندر. هؤلاء الوقحون الذين كانوا يزورون القصر الإمبراطوري مرات عديدة مع الدوق الأكبر وينظرون إليه بوجوههم غير الموالية .

تم التأكد من وجود ثلاثة منهم في قاعة الاحتفالات الكبرى، ويُقال إن الآخر يواجه فرسان القصر الإمبراطوري في شوارع العاصمة .

" … إذاً، يجب أن تكون ڤيكاندر خالية."

" أحييك يا جلالة الإمبراطور، أعتذر عن تأخري في المثول أمامك، فقد ألحّ عليّ الدوق مادلين في الاستفسار عن زيارتي لإقطاعية ڤيكاندر، فكان عليّ أن أراوغ قليلاً أولاً."

كان وصول الدوق إلكين في هذا الوقت مكسباً إضافياً .

الدوق مادلين يسأل إلكين عن حقيقة ذهابه إلى إقطاعية ڤيكاندر ؟

لماذا بالتحديد ؟ فالحقيقة كانت قد انكشفت بالكامل لحظة وصول ذلك الدوق الأكبر .

هل من الممكن، كما تقول الشائعات المنتشرة في العاصمة، أن يكون الدوق مادلين قد انحاز إلى ڤيكاندر، أو ربما …… ؟

لكن الإمبراطور هزّ رأسه بسرعة. إن مستقبل الإمبراطورية أهم من الدوق مادلين الذي لم يظهر له أثر الآن .

" … لذلك، إذا لم يكن هناك قوات تدافع عن ڤيكاندر، فإنني أعتزم استنباط مساحة للتفاوض عبر مهاجمة الإقطاعية، أليس هذا هو الحل الأمثل الآن ؟ "

" ولكن كيف يمكننا السماح للقوات بالخروج من بوابة العاصمة ؟ ففرسان الدوق الأكبر منتشرون الآن عند البوابات وفي جميع الشوارع … "

كان الدوق إلكين يشاركه القلق ذاته. لكنهم كانوا محظوظين بما فيه الكفاية لاكتشاف ثغرة في صفوف فرسان ڤيكاندر .

" إنهم يسمحون للنساء و المهرجين بالخروج دون تفتيش."

لم يكن ليخطر ببالهم أن كلمات ڤيكاندر المتغطرسة التي تدعي تخفيف الإزعاج اليومي لمواطني الإمبراطورية، وهي تحتل العاصمة بشكل غير قانوني، يمكن أن تصبح حيلة ذكية لعدوهم .

القلب الذي كاد أن يغفو من الانتظار طوال الليل، استراح فور وصول خبر خروج الفرسان المتنكرين في زي امرأة ومهرج من بوابة القلعة .

قهقه الإمبراطور ضاحكاً. وبينما كان غارقاً في أفكاره، انتهى صوت الشفرة الحادة، و راحت منشفة دافئة تمسح ذقنه بعناية .

عند الإشارة المألوفة التي كانت تُطرق على ذقنه مرتين، فتح الإمبراطور عينيه ببطء. انعكس شكله على المرآة .

بعد زوال بقع اللحية الصفراء المتناثرة وتهدئة الأوعية الدموية في عينيه بمنشفة ساخنة، أصبح وجود شعره الذهبي الذي يرمز للإمبراطورية وعينيه بلون البحر التي تثبت نسبه الملكي واضحين .

كان يبدو تماماً مثل مظهره المهيب في الصورة المعلقة التي وُزعت على الإمبراطورية قبل سنوات، مرتدياً زياً بلون الكحلي والذهبي، وعباءة من الفرو الأسود المصنوع من فرو أوسبيرون .

يجب إظهار مثل هذا المظهر عند التفاوض لمواجهة ڤيكاندر، لكن الإمبراطور لم يكن راضياً. بدا شعره شاحباً نوعاً ما، وبدت تجاعيد زاوية فمه داكنة .

كانت هذه مفاوضات ستحسم مصير الإمبراطورية. كان يتمنى لو بدا أصغر سناً وأكثر صلابة، مثل مظهر الدوق الأكبر السابق الذي بدا وكأنه تحدى السنين …

في لحظة، ارتجفت عينا الإمبراطور. مع من كان يقارن نفسه الآن … !!

بينما كان الغضب المكبوت على وشك الانفجار، دوّى صوت طرق على الباب .

عندما سُمح بالدخول ورأى الداخل، لم يستطع الإمبراطور كبت غضبه الحاد. ألقى بكل ما وقعت عليه يده نحوه على الفور .

" جيوفاني مادلين، أحييك يا صاحب الجلالة الإمبراطور … "

صدح صوت انكسار حاد في المكتب، بينما أكمل الدوق مادلين كلمته بوجه هادئ .

" …… "

شعر بوخز في خده، فمسح خده بظهر يده بشكل عشوائي، ثم أشار بعينه إلى شظايا ثقالة الورق التي تحطمت على الحائط. فوقها، كان استياء الإمبراطور المتسارع يتردد صداه .

" ماذا بحق خالق الجحيم ! ماذا فعل الدوق طوال هذه الفترة حتى أصبحت هذه الإمبراطورية في هذه الفوضى ؟! "

" أعتذر، يا صاحب الجلالة."

" هل تعتذر الآن ! بدلاً من الكلام المعسول، لماذا لم تأتِ إلى هنا في وقت أبكر ؟ هل تدرك مدى خطورة الشائعات التي تجتاح العاصمة الآن وتتعلق بعائلتك ؟ لولا الدوق إلكين … ! "

— دينق، دينق، دينق، دينق، دينق، دينق، دينق .

في اللحظة التي بلغ فيها غضب الإمبراطور ذروته، دوّت سبع دقات .

مع صوت إعلان بدء المفاوضات، أخذ الإمبراطور نفساً عميقاً ونظر إلى الدوق مادلين بنظرة حادة .

شعر بارتياح طفيف عندما رأى الدم يتلطخ من الجرح على خده. لقد كان رجلاً ظن أنه مخلص له، لكنه الآن غامض جداً .

" … علينا الانتقال إلى مكان آخر الآن."

إذا تورطت تلك الابنة غير الشرعية في المفاوضات اليوم، فسيُهين الدوق أيضاً و يجعلهما عاراً، بحيث لا يجرؤ أي فرد من عائلته على الاقتراب من العاصمة لفترة من الزمن .

" سأستدعيك مرة أخرى بعد انتهاء مفاوضات اليوم."

أومأ الدوق مادلين برأسه بأناقة، و غادر الإمبراطور مكتبه، غير قادر على إخفاء غضبه المتأجج .

كان يأمل أن يتحول هذا الضوء الخافت الذي ألقي عليه اليوم إلى نجاح لاختراق ڤيكاندر .

كان هدف مفاوضات اليوم هو كسب ثلاثة أيام حتى يصل فرسانه إلى ڤيكاندر .

* * * * * * * * * * * * * * * * * *

تحرك الدوق إلكين خلف الإمبراطور الذي سار متقدمًا، و رمق الدوق مادلين بنظرة حادة .

" … الأقاويل عن انضمامك إلى ڤيكاندر كانت منتشرة جداً، هل تُطور الآن نوعًا من الإنكار الحنون ؟ "

لم يرد الدوق مادلين. ابتلع الدوق إلكين ما في صدره من قلق، وصرخ بصوت عالي : " بينما كنت تزعم تلك الافتراضات السخيفة بأنني وضعتُ لك مخدرًا، كانت حماستك طاغية …! ولكن، عندما أفكر في الأمر، يبدو أنك تتذكر الآن ما فعلته شخصياً بـ 'الابنة الكبرى' طوال هذا الوقت ؟ "

كان ذلك في الأمس، عندما أُطلق سراح الدوق إلكين من إقطاعية ڤيكاندر وهرع للقاء الإمبراطور. كان الجميع في حالة هياج .

وفي خضم ذلك، ظهر الدوق مادلين فجأة و أمسك به بوجه شاحب .

" مادلين واضح في انتقامه."

عن أي هراء يتحدث في هذا الوقت المُستعجل ؟

ما أوقف الدوق إلكين الذي كان على وشك أن يبتعد عنه، كان الكلام الذي تلاه .

" لذا، أعتزم أن أبدأ بالانتقام للمخدر الذي قدمته لي."

ما هذا الإعلان المفاجئ للحرب ؟ لكن وجه الدوق مادلين كان جاداً لدرجة لا تسمح بتمرير الأمر كمزحة .

مخدر … ما هو السبب فجأة لتحويل الضغينة التي كانت موجهة نحو الابنة الكبرى إليَّ أنا الآن ؟

" لحـ … لحظة أيها الدوق ! ما هذا الذي تقوله …؟ "

كانت تلك هي الخطيئة الفادحة أن يتبعه الدوق إلكين وهو يتمتم بتلك الطريقة المترددة. كان يجب عليه أن يخدع الدوق مادلين بأسلوب أكثر تماشياً مع طبيعته . ففي نهاية المطاف، أمام أوليڤيا، كان وضع إلكين و مادلين واحداً .

تأزم الدوق إلكين، وهو يطحن أسنانه، ونظر بحدة إلى الدوق مادلين أمامه.

" لقد كنت تتجاهل الأمر بوقار طوال الوقت، وتستغل الآن تذبذب أمن الإمبراطورية للانتهاز و الالتصاق بڤيكاندر، هل يليق هذا بدوق للإمبراطورية ؟ "

" …… "

" لقد استخدم الإمبراطور خطوته الأخيرة، لذا، أرجو أن تكون حذراً للغاية في مفاوضات اليوم."

لفظ الدوق إلكين كلماته بغموض، ثم هرع مسرعاً ليتبع الإمبراطور مرة أخرى. الدوق مادلين، الذي كان يتأمل التحذير بتمعن، ابتسم فجأة .

" بوقار … يا له من هراء …… "

كان هذا الوصف مبالغًا فيه جدًا، هو الذي أهمل الشعور بالذنب تجاه هيزل التي كان يجب أن تكون ملكه طوال حياته، وحمّل تلك الفتاة كل العار .

أعاد الدوق مادلين ضبط تنفسه. كل الاستعدادات و التصميم قد انتهيا .

بعيداً عن أمن الإمبراطورية، كان هذا هو الفخر الذي يجب على مادلين أن يحافظ عليه .

بصفته ركيزة الإمبراطورية التي تُصحح ما هو منحرف و خاطئ، قرر جيوفاني مادلين اليوم أن يُصحح ما تهرب منه طوال حياته .

* * * * * * * * * * * * * * * * * *

مفاوضات اليوم لم تقتصر على الإمبراطور و ولي العهد فحسب، بل شملت أيضًا الإمبراطورة والأميرة .

تذمّر نبلاء الإمبراطورية من هذه المفاوضات التي كانت إشارة واضحة على أن مستقبل الإمبراطورية معلّق على نتيجتها، لكن بعد بدء المفاوضات بوقت قصير، تبادل النبلاء النظرات .

كان سير المفاوضات غريباً نوعاً ما .

" … يبدو أن تقسيم إقطاعيات الإمبراطورية يتطلب أيضاً مفاوضات مع اللوردات، وستكون هناك قيود عديدة."

توقع الجميع أن تكون الإمبراطورية سلبية في التفاوض، لكن ما كان غير متوقع هو …

" بما أن مراسم التأسيس لم تُعقد بعد، فلا يزال بإمكانكم مناداتي كما في السابق، وبما أن الجميع قد اجتمع هنا، فلنتحدث الآن عما يجب أن أحصل عليه بحق."

كان الدوق الأكبر، الذي أعلن هذا وكأنه قرار نهائي، يراقب هذه المفاوضات المتعثرة .

على عكس إعلانه المُرعب في الأيام الماضية، لم ينطق الدوق الأكبر بكلمة واحدة بعد بدء المفاوضات. وكذلك الأمر بالنسبة لأتباعه الجالسين بجانبه، وحتى خطيبته لم تقل شيئًا يذكر .

كان الصمت سيد الموقف حتى عندما كان نبلاء الإمبراطورية يدورون بالكلام عبثاً. ما الذي يحدث ؟ بدأ النبلاء الذين كانوا متأهبين وحذرين، يغذون أملاً صغيراً مع مرور الوقت .

هل سيسعون لتأجيل المفاوضات الرئيسية إلى وقت لاحق لأجل الدوق الأكبر السابق الذي لم يحضر اليوم ؟

إذا استمرت المفاوضات طويلاً كما اليوم، فهل يمكنهم نقل بعض ممتلكاتهم إلى بلد آخر خلال تلك الفترة ؟

وكان الإمبراطور يتمنى الشيء ذاته أيضًا .

إذا تمكن من كسب المزيد من الوقت، وإذا نجح فرسانه في التسلل إلى ڤيكاندر .

ألن يتمكن من الجلوس على هذا العرش الثمين المزخرف بالذهب و العقيق، و التمتع بالإمبراطورية الواسعة والثريّة إلى الأبد ؟

كان الأمل الخافت يزهر، وبدأت زاوية فم الإمبراطور ترتفع قليلاً .

" لأنها مفاوضات يعلّق عليها مصير الإمبراطورية، اصطحبتم الإمبراطورة والأميرة … ولكن يبدو أن جلالة الإمبراطور لديه متسع من الوقت للابتسام."

تداخل صوت الدوق الأكبر وكأنه يحطم هذا الأمل السعيد .

أمسك الإمبراطور بمسند الذراع ونظر إلى الدوق الأكبر بحِدّة، ثم صرخ : " … امتنع عن الحديث فيما لا يتعلق بهذا الموقف، ألا ترى أن هذه المفاوضات المتعثرة مستمرة لأنك لا تُفصح عن مبتغاك ؟ لقد أبدت الإمبراطورية الاحترام لطلباتك، لكن الدوق الأكبر السابق غائب، أليس هذا إهانة ؟ "

مهما كان موقف الإمبراطورية ضعيفاً، لا يمكنها أن تخسر. ومع ارتفاع نبرة الإمبراطور النارية، بدأ نبلاء الإمبراطورية يشددون أيضاً على موقفهم .

" إهانة ؟ ما شعرت به يا جلالتك الآن ليس إهانة، بل كان ارتياحاً."

استمر الصوت الرتيب لجزء من الثانية. نظر الدوق الأكبر إلى الفرسان للحظة، ثم ابتسم ببطء و وجه نظره نحو الإمبراطور .

" طفولتي السعيدة، والديّ، كل انتصار وغنيمة حصلت عليها، شرف والدتي و آنستي، وكل ما يخص لوڤيل."

" …… "

" وكذلك، الإذلال في اللحظات التي استمررت فيها في مضايقتي بشأن منجم الكريستال الأبيض."

" ما هذا الهراء ؟! "

ثارت ثائرة الإمبراطور. كلما ذُكر منجم الكريستال الأبيض، كان يشعر بالغيظ لاقتران ذلك بالفرص التي أضاعتها الأميرة. وإضافة إلى ذلك، الإذلال !

في تلك اللحظة، ارتفعت زاوية فم الدوق الأكبر ببطء .

" التنكر بزي امرأة ومهرج، يا للعجب."

في لحظة، هوى قلب الإمبراطور إلى قدميه .

التنكر بزي امرأة ومهرج ؟ كيف عرف هذا الوغد بالأسلوب الذي أرسل به فرسانه خارج بوابة القلعة …؟!

بينما كان دمه البارد يتجمد ببطء، بدأت سخرية تنتشر فوق عينيه الحمراوين .

" لقد كانت هذه هي الطريقة التي استخدمتها أنا شخصيًا لإدخال رجالي إلى القصر الإمبراطوري منذ عامين."

— الصورة التوضيحية : هـنـا .

****************************

*

إرسال تعليق (0)
أحدث أقدم

اعلان