" لا تقترب مني وأنت تحمل مثل هذه الأفكار البغيضة."
" … ماذا ؟ "
مع الصوت المكبوت الذي لا يصدق، رفعت بيثاني رأسها فجأة .
كان صوت الآنسة، لكن نبرتها التي تُخفّض فيها نهايات الكلمات كانت … تشبه الأميرة .
" إنه يشعرني بالاشمئزاز، أرجو أن تُغطي وجهك أيضًا."
" أوليڤيا … ! "
بينما دوى صوت ولي العهد بصوت عالي، نظرت بيثاني إلى الآنسة بعيون مذهولة. وقفت بوقار مستقيم، و ابتسامة واثقة مرسومة على زاوية فمها فقط .
على الرغم من اختلاف لون الشعر و المظهر الخارجي، إلا أن تصرفات الآنسة التي أمامها الآن كانت تذكرها بـالأميرة تمامًا .
" أوليڤيا، ما الذي تقولينه ! هل أنتِ جادة في قولكِ هذا لي … "
" كلامي لم يكن موجّهًا لسمو ولي العهد فقط."
" … ماذا ؟ "
تجمد ليوبارد الذي كان يصرخ بغضب وهو يرفع المنديل. إذا لم يكن الكلام موجهًا له فقط في هذا المكان، فهذا يعني أنه موجه … إلى الإمبراطور !
نظرت أوليڤيا إلى الإمبراطور خلف ولي العهد . كان الإمبراطور يحتفظ بملامحه الوقورة دون أي تشتت، وكأنه يعلم شيئًا .
" قد أكون قمت بتوصيل إحدى وصايا الدوقة الكبرى الراحلة بشكل قاطع أم لا، لكن أظن أن جلالة الإمبراطور سيعرفها بالتأكيد."
وصية الدوقة الكبرى الراحلة كان بإمكانه أن يعرف بمجرد الاستماع. نبرة صوت مختلفة بمهارة، لكن نهايات الجمل كانت متطابقة تمامًا، و الكلمات الأخيرة التي وُجّهت إليه أيضًا .
الأفكار البغيضة، و الوجه الذي يجعلها تشعر بالاشمئزاز. كانت كلمات صريحة لا تليق بأميرة، ولكنها كانت تثير رغبته في التملك أكثر .
شعر الإمبراطور بشهوة تقشعر لها الأبدان وهي تنتشر . إذا أمكنه استعارة فم هذه الفتاة لنقل كلامها، فهل يعني هذا أنه يمكنه التواصل مع الأميرة حتى بعد موتها ؟
بقدر ما كان الإمبراطور يتبادل النظرات بين اللوحة و أوليڤيا، كانت أوليڤيا تنظر إلى اللوحة و بيثاني أيضًا .
" بناءً على ذلك، و تنفيذًا لوصية الدوقة الكبرى الراحلة، سيتولى ڤيكاندر مسؤولية هذه اللوحة اعتبارًا من هذه اللحظة، و وفقًا للإرادة الأخيرة المضمنة في اللوحة، فقد حان 'الوقت' لعودة الدوقة الكبرى الراحلة إلى ڤيكاندر."
تعمدت أوليڤيا أن تضغط بقوة على كلمة 'الوقت'. و وفقًا لأمنية الدوقة الكبرى الراحلة الأخيرة، فإن 'الوقت' وشيك. سيطرت أوليڤيا على نفسها بشعور مؤكد لا لبس فيه .
خفق قلبها بعنف. في تلك اللحظة التي واجهت فيها ولي العهد، كانت تفكر في الكثير من الأشياء : هل ستفوت الفرصة الثمينة، 'الوقت'، أم هل أعطت بيثاني إشارة ضعيفة جدًا ؟
سُمع صوت ضحكة مكتومة، ثم خطوة بطيئة تقترب من أوليڤيا. كان الإمبراطور ينظر إليها وكأنه يطمع فيها .
" إذا كانت قدرتكِ هي التواصل مع الموتى عبر اللوحة، فكان من الأفضل لكِ ألا تكشفي عنها، يا آنسة."
" …… "
" قدرتكِ على التواصل مع الأميرة الميتة عبر فمكِ … حتى لو تغاضينا عن كونكِ من سلالة مادلين، فإن القصر الإمبراطوري سيحتفظ بكِ … "
توقف الإمبراطور عن الكلام للحظة . الآنسة الواقفة أمام اللوحة و الأميرة داخل اللوحة. ربما لأنهما كانتا تملكان تعابير وجه خالية من المشاعر، فقد كانتا متشابهتين أكثر بكثير مما كان يعتقده .
أجل، وجهان متشابهان إلى حد يثير الاهتمام .
حرك الإمبراطور شفتيه، و بدأت رغبة غريبة تسكن عينيه اللامعتين بحدة .
" أليسَت قدرة غريبة و مثيرة للاهتمام بما يكفي لأبقيها بجانبي ؟ "
شعر الإمبراطور بلحظة ارتفع فيها رأس ولي العهد فجأة، لكن الإمبراطور تعمد أن يتجاهل ابنه. فمن المرجح أن هذه الفتاة، التي يشك في عفتها بالفعل، لن تكون مناسبة لتكون إمبراطورة لاحقًا، حتى لو تجاهل ولي العهد هذا الأمر الآن .
إذًا، ألا يمكن أن تكون هذه فرصة للإمبراطور نفسه لأخذها إلى جانبه، بدلاً من ولي العهد، في الوقت الذي لا يزال فيه الدوق مادلين مشوشًا ؟
" لقد بقيت لوحة الأميرة هنا لأكثر من عشر سنوات، و ستبقى هنا إلى الأبد."
… ألا يُعدّ هذا فراغًا يستطيع هو، الإمبراطور، أن يطمع فيه ؟
" تماما كما أنه من الواضح أن الآنسة لن تتمكن من مغادرة هذا القصر الإمبراطوري."
" يا جلالة الإمبراطور ! "
صاح ولي العهد فجأة، لكن الإمبراطور واصل حديثه، ولم يرفع نظره عن أوليڤيا حتى النهاية .
" إذا جئتِ معتمدة على الحيل السحرية لساحرة، فستشعرين بخيبة أمل عميقة، ربما سمعتِ عنها بشكل غامض فقط، لكن هذا القصر محصن بحاجز سحري متين للغاية."
ارتعشت أوليڤيا للحظة. كان من الواضح أنها سمعت عن سحر الحاجز بشكل مبهم .
أومأ الإمبراطور برأسه بتسامح. ظهرت منه ثقة مفرطة في سحر حاجز القصر الذي لا يمكن لأحد اختراقه .
" كل سحر، صغيرًا كان أم كبيرًا، يمكن استخدامه تحت هذا الحاجز، لا يتم إلا بموافقة ساحر البلاط الذي أنشأ الحاجز السحري."
— طرق طرق .
بمجرد انتهاء كلام الإمبراطور، سُمع صوت طرق على الباب. وصل تقرير رئيس الخدم باحترام من خارج الباب .
" جلالة الإمبراطور، الساحر يطلب المقابلة."
" لقد وصل في الوقت المناسب، فليتفضل بالدخول."
بمجرد صدور الإذن، فُتح الباب المؤدي إلى أعمق جزء في غرفة نوم الإمبراطور .
دخل ساحر القصر، كينسون، الغرفة وهو مطأطئ رأسه، مستذكرًا كلمات رئيس الخدم .
" سقطت اللوحة مرة أخرى اليوم ! كنا نحاول إحضارك قبل أن يعلم جلالة الإمبراطور، أين كنت بحق خالق الجحيم ؟ "
لقد سقطت مرة أخرى، بالرغم من أن سحر الحفظ لم يمر عليه وقت طويل …!
شعر بالشك يتزايد مؤخرًا حول ما إذا كان السحر المحيط بالقصر قد ضعف منذ اكتشاف القوة الهائلة في إقطاعية ڤيكاندر .
" أحيي شمس الإمبراطورية، جلالة الإمبراطور … "
رفع كينسون رأسه بوقاحة بينما كان يلقي تحيته بقلق و التفكير في احتمال ضعف قوته .
كان هناك ثلاثة أشخاص آخرين في هذا المكان السري الذي كان يقتصر دائمًا على الإمبراطور . ولي العهد الذي يبدو متوترًا و منزعجًا، الآنسة ذات الشعر الفضي الواقفة بهدوء، و الشخص المتبقي هي …
" ساحرة ؟ "
تمتم كينسون بدون يقين. القوة الضئيلة التي شعر بها من المرأة في منتصف العمر بدت وكأنها قوة سحرية، لكنها لم تكن مؤكدة .
في هذه الغرفة، كان يشعر أيضًا بنفس الطاقة المتفجرة التي شعر بها في احتفال يوم الأب، وبينما كان كينسون يستغرق في التفكير في آثار هذه القوة الضئيلة، واصل الإمبراطور حديثه بنبرة هادئة :
" أهلاً بك يا كينسون، كنا نتحدث للتو عن الحاجز السحري القوي الذي وضعته أنت و تلاميذك حول القصر، وذلك لتلك الساحرة التي لا تعلم أنه لا يمكن استخدام أي سحر لم يتم اعتماده من قبلكم هنا."
" يا جلالة الإمبراطور، هل هذه الساحرة قد أتت …… "
من ڤيكاندر في الشمال ؟
لكن قبل أن يتمكن كينسون من إنهاء سؤاله، دوى صوت نبيل و واضح : " يا جلالة الإمبراطور الفطن، يبدو أنك لم تفهم أن المنديل الذي رميته هو أيضًا إحدى وصايا الدوقة الكبرى الراحلة."
" ماذا ؟ "
المنديل !
نظر الإمبراطور نحو ولي العهد للحظة. كان المنديل الأبيض الذي يمسك به ولي العهد المصدوم هو وصية الأميرة …
رمي المنديل على شخص هو تصرف يعني إعلان التحدي 'مبارزة' . ألا يعد هذا إعلان حرب أن ڤيكاندر يتجرأ على تحدي الإمبراطورية ؟
انفجر الإمبراطور غضبًا : " لقد غضضت الطرف عن تصرفاتكِ الوقحة تقديرًا لوجهكِ الذي يشبه الأميرة ! لا يوجد ما لا تستطيع شفتاكِ النطق به ! قيدوا هاتين الاثنتين فورًا، لا ! يا كينسون ! "
" نعم، نعم يا جلالة الإمبراطور ! "
اقترب كينسون من الإمبراطور على عجل، وقد فوجئ بمناداته المفاجئة. أشار الإمبراطور إلى اللوحة مع أنفاسه الغاضبة .
" أمام أعينهما، ضع سحر الحفظ على تلك اللوحة و ثبتها على الحائط ! حتى ترى هذه الأميرة المتغطرسة وجهي للأبد ! لتظل مُحنّطة و موجودة في هذا المكان وحده ! "
لم يكن الإمبراطور معتادًا على أن يُرفَض طلبه، أما أن يُسحق طلبه بهذه القسوة فكان أصعب .
تكرار الرفض الذي عاناه من الأميرة .
امتد غضب الإمبراطور، الذي اختبر نفس الرفض من فتاة تشبهها، بلا حدود .
مد كينسون يده بسرعة نحو اللوحة، لكن اللوحة لم تعد إلى وضعها الطبيعي على الفور كما أراد الإمبراطور . وبشكل غريب، لم يتمكن حتى من وضع السحر لرفعها .
تفحص كينسون اللوحة و أدرك أن هناك قوة سحرية مُعطّلة تتجمع بالقرب من وجه اللوحة. لقد كُسر حاجز الإمبراطور، و القوة السحرية المكسورة لم تتشتت، بل بقيت حول اللوحة .
قوة سحرية مكسورة لا تختفي بل تبقى ! هل قامت تلك الساحرة بفعل شيء باللوحة ؟
في هذا الموقف، لم يكن هناك سوى طريقة واحدة لإعادة سحر الحفظ : إلغاء سحر الحاجز للحظة، وفي تلك الفترة الوجيزة، إعادة وضع سحر الحفظ على اللوحة .
إلغاء الحاجز الآن، بينما الساحرة موجودة داخل القصر وفي غرفة نوم الإمبراطور تحديدًا، كان أمرًا خطرًا . على عكس كينسون المتردد، كان الإمبراطور يصرخ بوجه أحمر من الغضب الذي وصل إلى ذروته .
" شاهدي جيدًا، يا آنسة، مهما كانت وصية الأميرة، فلن تتحقق أبدًا، لقد ضيعتِ فرصة البقاء بجوار الإمبراطور، و فرصة البقاء بجوار ولي العهد، بمجرد كلامكِ هذا ! "
" يا جلالة الإمبراطور … "
لم يكن من الممكن إلغاء سحر الحاجز بعشوائية. وُجه الصراخ الحاد نحو كينسون الذي نادى الإمبراطور بحذر .
" أسرع ! "
عض كينسون على شفتيه بشدة. لم يكن لديه خيار آخر في ظل سنه المتقدم .
الغرور الذي تراكم لديه طوال حياته كأفضل ساحر في البلاط ساعده على اتخاذ قراره . للحظة وجيزة فقط. سيلغي الحاجز بسرعة، و يضع السحر على اللوحة في غمضة عين، ثم يعيد الحاجز مرة أخرى .
في هذه الفترة القصيرة، لن تتمكن هذه المرأة التي لا يكاد يشعر بقوتها السحرية من استخدام أي سحر، لذا، أغمض كينسون عينيه. وبدأ بإلغاء سحر الحاجز دون أن يعلم أحد، لكن في تلك اللحظة، تدفقت هالة ضوئية من اللوحة .
رأت بيثاني الضوء يملأ الغرفة وكأن القوة المُكثَّفة قد انفجرت، و أدركت غريزيًا أنها دخلت هذا القصر من أجل هذه اللحظة بالذات .
" آنستي ! "
أمسكت بيثاني بيد أوليڤيا دون تفكير. ولأول مرة في حياتها، ألقت تعويذتها الأقوى، متمنيةً أمنية.
أغمض ليوبارد و الإمبراطور و الساحر عيونهم بشدة بسبب الضوء الساطع الذي لا يمكن تحمله .
انتهى الموقف الذي بدا وكأنه لن ينقطع أبدًا، حيث كان كل شيء يضيء ببياض تام وكأنه فراغ، في لحظة واحدة .
" ماذا …؟! "
أطلق ليوبارد أنينًا خافتًا بصوت مضطرب . اختفت أوليڤيا التي كانت أمامه للتو، واختفت الساحرة أيضًا .
الشيء الوحيد المتبقي من وجود أوليڤيا هو المنديل الذي كان في يده .
" يا ساحر ! ما الذي حدث ! "
" هـ، هذا أنا أيضًا ……! "
سرّعت الطاقة النقية من عملية إلغاء سحر الحاجز . لم يكن لديه أي شيء آخر ليعرفه، فتلعثم كينسون في الكلام . تحول عقله إلى فراغ تام بسبب غضب ولي العهد الذي كان يملأ الغرفة .
كان الغضب كافيًا لقتله إذا اكتشف أنه فكّ الحاجز للحظة. فالتزم كينسون الصمت .
في تلك الأثناء، الإمبراطور، الذي كان يرمش بعينيه محاولاً فهم ما حدث، ابتسم بسخرية وهو يرى اللوحة الموضوعة على جانب الغرفة .
على عكس الآنسة و الساحرة اللتين اختفتا، بقيت لوحة الأميرة في مكانها .
لقد أخطأت الآنسة عندما قالت إنها ستتولى مسؤولية اللوحة. في هذه اللحظة، تراجعت هي و الساحرة التافهة و استخدمتا حيلة لخداعهم فحسب، وهما تترصدان اللوحة التي لم تستطيعا أخذها .
لا بد أن الاثنتين موجودتان في مكان قريب، وبينما كان يفكر هكذا، اقترب الإمبراطور من اللوحة، ثم توقف فجأة .
أمامه، اندلع لهيب أحمر للحظة على اللوحة، ثم بدأت حواف اللوحة تحترق .
" يا ساحر، أطفئ هذه النار …! "
صرخ الإمبراطور، و أرتجف أمام اللوحة وهو مرعوب. وبشكل لا يصدق، كانت عينا الأميرة في اللوحة المحترقة تضحكان عليه بسخرية .
— الصورة التوضيحية : هـنـا .
تمامًا كما شك الإمبراطور في عينيه للحظة في اليوم الذي سقطت فيه اللوحة لأول مرة .
" لن يتغير شيء حتى لو قمت بحبسي."
تذكر الإمبراطور فجأة لقاءه بالأميرة .
في اللحظة التي تذكر فيها كلماتها التي قالتها بأسلوب رسمي، بدأ وجه الأميرة الذي يشبه الابتسامة يحترق ببطء .
وكأنها تهرب من هذا المكان الخانق إلى الأبد . اختفت النار التي أكلت اللوحة فقط في الهواء، دون أن تترك أي أثر للرماد على الإطار .
نظر الإمبراطور إلى تدفق الدخان و سقط على الأرض .
شعر أن كل قوته قد استُنزفت من جسده . شعور بالفراغ، و بالفقدان، و بالأميرة التي أفلتت من بين يديه إلى الأبد .
" هاهاهاها … "
في مكان قلعة الرمل التي جرفتها الأمواج، أمسك الإمبراطور برأسه، و ضحك وكأنه يبكي .
أما ولي العهد الذي كان يوبخ الساحر بدلاً من القلق على والده، فأصدر أمرًا باردًا وهو يُدير ظهره للإمبراطور : " … اعثر على المكان الذي هربت إليه هاتان الاثنتان فورًا."
* * * * * * * * * * * * * * * * * *
في هذه الأثناء، تحت ضوء القمر الساطع، في إقطاعية ڤيكاندر .
سحب إدوين، الذي كان خارجًا من قلعة ڤيكاندر، لجام حصانه بقوة .
كان هناك ظرف ورقي أرجواني متجعد، و يظهر بوضوح أن الخط ليس خط أوليڤيا .
كان ينوي التوجه نحو تريستان، لكنه غير وجهته بسبب والده .
" … اذهب إلى المنجم يا إدوين."
****************************
ميرا نبي فصل اليوم 🥹🥹🥹🥹❤️🔥❤️🔥❤️🔥❤️🔥
ردحذف