'يبدو لي أنني أحلم.'
استنتج سوبيل، كبير خدم قصر الدوق الأكبر، هذا الاستنتاج بوضوح. ولكي يستيقظ من الحلم، لوّح بيده بحماس نحو بيثاني و ديان، و وينستر، و هوارد، و بروك الذين كانوا يحيطون به.
" … يجب أن أستيقظ من الحلم، اختفوا."
تغيرت تعابير وجوههم التي كانت مليئة بالتوقعات، لكن سوبيل لم يكن لديه الوقت للانشغال بخيبة أملهم، فقد ضيّق عينيه و نظر حول قصر الدوق الأكبر .
كان عليه أن يستوعب كل هذا بعينيه قبل أن يستيقظ من حلمه .
من قصر الدوق الأكبر المضيء بشكل مبهر، على الرغم من أن المساء كان يصبغ محيطه بالظلام، إلى البوابة الرئيسية المفتوحة بالكامل لاستقبال موكب فرسان ڤيكاندر، وصولاً إلى الخدم الذين كانوا مشغولين باستقبال الضيوف بشكل غير مسبوق .
لقد كان هذا هو الشكل الأصلي لقصر الدوق الأكبر الذي كان يتمناه سوبيل بشدة، الشكل الذي لم يكن ليحلم به أثناء حصار فرسان القصر الإمبراطوري للمنزل مؤخرًا .
وبينما كان يتأمل قصر الدوق الأكبر بوجه غارق في الحنين، أطلق وينستر تنهيدة دهشة : " لا يا سوبيل، ما الذي لا يمكنك تصديقه لدرجة أنك تنكر الواقع ؟ سنغض الطرف حتى لو انفجر وجهك فرحًا."
" وينستر … أنا أيضًا، في البداية، ظننت أن معجزة قد حدثت ؟ "
كان هذا صحيحًا. عندما اقترب علم ڤيكاندر بشكل كبير من خلف الجدار العالي و المتين، شعر سوبيل أن قلبه على وشك أن ينفجر .
" يا إلهي …! هل من الممكن أن تكون الأميرة مادلين الصغيرة قد أرسلت رسالة إلى الدوق الأكبر وأخبرتهم بأخبارنا ؟ "
" ربما انتشرت الشائعة في جميع أنحاء الإمبراطورية ! "
احتضن الخدم الذين أمضوا أيامًا في حبس شبه دائم بعضهم البعض وسط هتافات طاغية. اعتقد سوبيل أيضًا أن كلامهم صحيح .
إما أن الأميرة مادلين، التي كانت تأتي سراً لتسليم رسائل إلى الآنسة في أراضي الدوق الأكبر، تكون قد أرسلت خبراً إلى إقليم ڤيكاندر، أو أن الشائعات وصلت إلى هناك بالفعل .
في اللحظة التي لم يكتفي فيها الجنود الحذرون بفتح البوابة الرئيسية على مصراعيها، بل صرخوا أيضًا بوصول نائب القائد ديان سيزيلين، شكر سوبيل بصدق هذا الواقع الذي يشبه الحلم .
لكن ……
" لكنني أعرف سحر السيدة بيثاني، كيف يمكن لشخصين مصابين بجروح خطيرة أن يكونا بصحة جيدة هكذا ؟ "
أشار سوبيل فجأة إلى وينستر و هوارد .
" انظروا إليّ، لقد كنتُ مشتتة للغاية لدرجة أنني لم أتمكن من إزالة تأثير السحر."
بيثاني، التي شفَت للتوّ رجلين كان من الصعب عليهما الوقوف قبل لحظات، فتحت عينيها على وسعهما ولوّحت بيدها .
" لقد أخبرتك عن ذلك ! منجم الكريستال الأبيض في الواقع هو … "
مالت بيثاني نحو سوبيل وخفضت صوتها قدر الإمكان. ربما سيتم الكشف عن حقيقة منجم الكريستال الأبيض في يوم ما، ولكن في الوقت الحالي، كان يجب أن يظل سرًا لا يعرفه سوى عدد قليل .
" إنه منجم الأحجار السحرية."
" آه، صحيح، والآنسة هي من كشفت سرّ ذلك المنجم ؟ "
لكن كلام سوبيل ظل بنبرة ساخرة. حقيقة أن منجم الكريستال الأبيض الذي ظنوا أنه انتهى، هو في الواقع منجم أحجار سحرية.
وفوق ذلك ……
" اتضح أن الآنسة هي من سلالة أرقى طبقة في لوڤيل، أرض الدوقة الكبرى السابقة."
" …… "
" وبسبب ذلك، عاد الدوق الأكبر السابق حيًا بالكامل، و يتفاوض مع الإمبراطور، والآن يسير في الشوارع التي احتلها ويسرّع انتشار الشائعات ؟ "
هز سوبيل رأسه. حتى لو كان حلمًا، فهذه قصة لا معنى لها. المعجزة الوحيدة التي يمكنه أن يصدقها هي أن الآنسة هي "ليڤ جرين"، الراعية اللطيفة .
" يا له من هراء … "
" إذن، هل أقرص خدّك ؟ لكي تعود إلى رشدك بسرعة وتبدأ بالشعور بالبهجة."
" آآه، أيها الأحمق ! هذا ليس قرصًا، إنه تمزيق … ! "
ضرب سوبيل ذراع ديان غاضبًا، ثم تجمد وجهه للحظة .
لقد كان مؤلماً، مؤلماً جداً .
بدا أن الفكرة قد وصلت إليه أخيراً وهو يرى وجهه الأحمق. قهقه وينستر وأشار إلى الخد الآخر لسوبيل.
" ديان، اقرصه مرة أخرى، لإيقاظه تمامًا."
" حسنًا ! "
وفعل ديان المطيع ذلك بالفعل و قرص الخد الآخر لسوبيل. كان الألم أقل مما سبق، لكن سوبيل كان على وشك أن يبعد يده بعصبية .
لو لم تكن عربة الدوق الأكبر قادمة عبر البوابة الأمامية المفتوحة على مصراعيها في الأفق البعيد، لكان قد فعل ذلك بالتأكيد .
منذ تلك اللحظة، شعر سوبيل وكأنه لم يعد قادرًا على التمييز بين الواقع والوهم .
العربة، التي تحركت كأنها تطفو عبر الحديقة التي أضاءتها الأنوار الساطعة، اقتربت تدريجياً، ثم توقفت أمام المدخل حيث كان يقف سوبيل . أمسك سوبيل بذراع ديان بقوة .
" اقرصني مرة أخرى."
" ماذا ؟ "
" لأنني لا أشعر بالألم، بقوة أكبر."
كان عليه أن يستيقظ الآن، لكن حلمه لم ينتهي بعد، والخدم كانوا مصطفين بوجوه مشرقة عند المدخل .
بالتزامن مع فتح باب العربة ببطء، دوى هتاف جهوري : " نحيي صاحب السمو، و الآنسة ! "
" مرحبًا بالجميع بعد طول غياب."
" … آنستي."
كانت هي حقًا الآنسة، وكان هو حقاً صاحب السمو . تمتم سوبيل بصوت لا يصدق. نظرت أوليڤيا إلى وجهه الشارد وضحكت بسخرية خفيفة .
" ماذا كان يفعل سوبيل حتى يتم قرصه في خده هكذا ؟ "
ترك ديان ذراعه بسرعة وضحك بخجل . نظر سوبيل إلى الجواد الرائع الذي كان يركض خلف العربة، والرجل الذي كان يمتطيه .
شعر بخدر في مؤخرة رأسه كما لو أن أحداً قد ضربه بقوة. كان شيب الرأس شبيهًا بالشعر الفضي للآنسة، وكان له نفس العيون الحمراء للدوق الأكبر، بالإضافة إلى الهيبة التي لا يمكن الاقتراب منها .
بشكل لا يصدق، كان ذلك هو الدوق الأكبر السابق حقاً. وإذا كان الأمر كذلك، وإذا كانت كل الأكاذيب المضحكة التي سمعها حتى الآن حقيقة، إذاً، إذن، إذن ……
دبّ الدم بسرعة في عروقه. ومن بين الكلمات التي ارتفعت بسرعة إلى طرف لسانه، كانت الكلمة الأولى التي نطق بها سوبيل واضحة :
" سوبيل، كبير خدم قصر الدوق الأكبر، ابن مولر، يحيي الدوق الأكبر السابق العائد."
سوبيل، الذي خلف والده ككبير لخدم القصر، أدى التحية و ولاءه للدوق الأكبر السابق العائد.
مرّ الدوق الأكبر السابق بجانبه وهو يتمتم بعينين متأثرتين في مكان ما : " ابن مولر حفظ قصر الدوق الأكبر بشكل جيد."
تمالك سوبيل جسده المرتجف بصعوبة. وخفض جسده حتى دخلوا جميعًا، و تبعتهم بيثاني إلى الداخل .
مع صوت إغلاق الباب، عدل وينستر وقفته، ثم نظر إلى سوبيل بابتسامة عريضة : " ألم أقل لك، يا سوبيل، إنها حقيقة، هل أنت بخير ؟ "
كان مستعداً للسخرية و الضحك، لكن وجه سوبيل كان شاحباً جداً.
بعد أن رمش سوبيل عدة مرات، تمتم بصوت خافت : " أنا …… "
… أشعر وكأنني سأفقد الوعي .
ابتلع سوبيل الكلمات في فمه وأغمض عينيه . كان من حسن حظه أن أحداً ما أسنده. احتاج إلى وقت ليتوقف عن التفكير ولو للحظة، ولترتيب ما سمعه .
بدا وكأنه يسمع همهمة وينستر في اللاوعي .
" آه، نعم، عند التفكير في الأمر، يجب أن يكون هناك شخص كهذا في قصر الدوق الأكبر أيضاً، الجميع يتقبل هذه المعجزة غير العادية بشكل جيد جداً."
* * * * * * * * * * * * * * * * * *
بعد العشاء .
في الوقت الذي غادر فيه إدوين مؤقتًا للتحدث مع الدوق الأكبر السابق، شربت أوليڤيا الشاي و شرفتها مفتوحة على مصراعيها .
بينما كان التوتر المشتد يرتخي تدريجيًا، كانت حكايات صاخبة تأتي من النافذة المفتوحة .
" … هذا ما حدث ! مهما دقّ ذلك الجرس، لم يعد الأمر مهمًا ما دامت العاصمة قد احتُلَّت بالفعل، كان يجب أن تروا كم كانت وجوه فرسان القصر الإمبراطوري مشوشة عندما وصلوا متأخرين."
انتشرت قصة عودة الدوق الأكبر السابق على نطاق واسع في جميع أنحاء القصر في غمضة عين .
تحدثوا عن مدى شراسة المواجهة بين فرسان القصر الإمبراطوري وفرسان ڤيكاندر، وكيف فقد فرسان القصر الإمبراطوري عقولهم في كل مكان مرّ منه الدوق الأكبر السابق .
أثناء الاستماع إلى القصص، تذكرت أوليڤيا الشوارع التي مرت بها.
عودة الدوق الأكبر السابق ومسيرة إدوين التي أظهرت قوته. على طول الشوارع التي مرت بها العربة، فقد فرسان القصر الإمبراطوري قوتهم كأوراق الشجر المتساقطة .
فرسان تائهون ومحبطون. لاحظت أوليڤيا بحدّة أن قائد كتيبة فرسان القصر الإمبراطوري ونائب القائد كانا حاضرين .
باستثناء شخص واحد فقط، جايد مادلين .
من غير المعقول أن لا يدافع نائب قائد كتيبة الفرسان الثالثة في القصر الإمبراطوري عن العاصمة في حالة هجوم خارجي ……
توقف نقرها على الطاولة بانتظام، و رمشت أوليڤيا ببطء وابتسمت ابتسامة باهتة. يا للغرابة الشديدة .
هل لأنها سمعت عن رغبة جايد مادلين بالتأكد من سلامتها ؟ أم بسبب الشعر الفضي الذي رأته في القصر الإمبراطوري سابقًا، والذي ظل عالقًا في حلقها كشوكة ؟
لماذا لا تستطيع محو مادلين من ذاكرتها بسهولة كما قامت بمحو ولي العهد ؟
في تلك اللحظة ……
— طرق، طرق .
عند سماع صوت طرق الباب، استعادت أوليڤيا وعيها فجأة . كان سوبيل .
نظرت أوليڤيا إلى سوبيل، الذي كان الاحمرار لا يزال ظاهراً على خديه، وسألته بقلق : " قالوا أنك فقدت وعيك، هل أنت بخير الآن دون مزيد من الراحة ؟ "
" أنا بخير، على الرغم من أن الكثير من المعلومات تدفقت دفعة واحدة، علاوة على ذلك، لديك ضيفة، يا آنسة."
" ضيفة ؟ "
رمشت أوليڤيا لدهشتها من هذه الكلمات . كانت قد رأت حشداً من الزوار غير المرغوب فيهم مصطفين أمام قصر الدوق الأكبر في طريقها إلى البوابة الرئيسية .
من يمكن أن تكون ضيفتها بين نبلاء العاصمة الذين يحاولون ربط علاقات متأخرة بعد سماع أخبار عودة الدوق الأكبر السابق ؟
" حسنًا، إنه …… "
هز سوبيل كتفيه : " … لقد تلقينا مساعدة صغيرة بطريقة أو بأخرى خلال فترة الحصار، ولا يمكننا التظاهر بعدم معرفة الأمر."
عند الاسم التالي الذي ذكره، قفزت أوليڤيا واقفة. اهتز الشاي قليلاً داخل الكوب على طاولة الشاي، ولكن لم تكن هناك مشكلة .
إيسيلا، جاءت لزيارتها في قصر الدوق الأكبر …!
ارتجفت أطراف يديها الأنيقتين قليلاً من الفرحة والبهجة .
*
*
في تلك الأثناء .
كانت إيسيلا تمسك حافة فستانها وتحاول قمع توترها.
كانت غرفة الاستقبال في قصر الدوق الأكبر، التي دخلتها بتوجيه مهذب، أكثر فخامة بكثير مما كانت عليه في السابق، لكن عيون إيسيلا المتوترة لم ترى سوى الباب .
" القديسة تتجول في العاصمة في عربة مع الدوق الأكبر."
بعد أن دقّ الجرس معلناً المفاجأة. كانت أختها جزءاً من الشائعات التي اجتاحت العاصمة بسرعة . بمجرد سماع إيسيلا للشائعات عن سلامة أختها، هرعت إلى قصر الدوق الأكبر .
أخبرها كبير الخدم أن أختها ستأتي قريباً، ولكن الانتظار جعل الثانية تبدو كالدقيقة. كانت إيسيلا على وشك أن تقف لأنها شعرت أن قلبها سينفجر فعلاً .
في تلك اللحظة، ظهر الوجه الذي كانت تنتظره كثيراً بمجرد أن فُتح الباب .
" إيسيلا ! "
" أختي …! "
كان الدفء الذي احتضنها على الفور مألوفًا . عيون خضراء جميلة و وجه يبتسم بلطف، تراهما بعد غياب طويل . أمام ذلك الوجه، بدأت إيسيلا بالكلمة التي كانت تثقل قلبها أكثر من غيرها .
" بسبب الرسالة التي أرسلتها، أنا … بسببي … و رسالة ولي العهد أيضاً."
ماذا أيضًا ؟
حاولت إيسيلا تذكر الأخبار التي نقلتها والتي سببت متاعب لأختها، ولكن مع انفجار البكاء، بدأت الذكريات التي حاولت تذكرها، وأختها أمام عينيها، تتلاشى.
في تلك اللحظة ……
" هل كنتِ بخير ؟ "
مع الصوت اللطيف، ربّت منديل ناعم على زوايا عيني إيسيلا. كانت أختها، التي ابتسمت و ربتت على رأسها، مرئية عبر الرؤية التي أزالت الدموع .
أدركت إيسيلا أخيراً. أن الكلمات التي يجب أن تقال أولاً بين أختين تريان بعضهما بعد غياب طويل ليست اعتذارًا، بل ……
" … بالتأكيد، وأنتِ يا أختي ؟ "
… مشاعر القلق المتبادل، هذا هو الأهم .
— الصورة التوضيحية : هـنـا .
*
*
بعد الجلوس على الأريكة، تبادلت أوليڤيا و إيسيلا العديد من القصص .
أحضرت إيسيلا، التي أصبحت مصدر معلومات ممتازة، العديد من الأخبار المنتشرة في العاصمة .
من بين تلك الأخبار، كان هناك خبر واحد فقط جعل عيني أوليڤيا تتسعان : " في الواقع، لقد استقال أخي جايد من منصب نائب قائد فرسان القصر الإمبراطوري."
…… ماذا ؟
****************************