اقترب الموكب الذي كان يعبر حدائق القصر الإمبراطوري شيئًا فشيئًا. وعندما اختفى أخيرًا تحت النافذة .
" كيف ذلك … ؟ "
تمتم أحدهم فوق الصمت المرتبك. كانت تلك الكلمة القصيرة كافية لتلخيص هذه اللحظة المربكة .
كيف وصلت الأميرة مادلين – التي قيل إنها اختُطفت – إلى القصر الإمبراطوري ممسكة بيد الدوق الأكبر ڤيكاندر ؟
وكيف يمكن للدوق الأكبر أن يظهر في اجتماع مفاوضات وفود الدول المتحالفة بشأن الحرب الأهلية ؟
توجهت الأنظار المضطربة، واحدة تلو الأخرى، نحو ولي العهد . ليوبارد، الذي فهم تمامًا الأسئلة التي تحملها تلك النظرات، عضّ بقوة داخل فمه .
الحرب هي صراعٌ من أجل التبرير، و أوليڤيا العائدة بسلام سلبت منه للتو أحد مبرراته .
تمتم ليوبارد، وهو لا يشعر حتى بالألم : " … يبدو أن من بين الحاضرين في هذا الاجتماع … "
جالت عيناه الزرقاوان المتقدتان غضبًا في أرجاء قاعة المؤتمرات الكبرى : " … من له رأي مختلف."
وعندما أبدى أخيرًا عدم رغبته في الاعتراف بوجود قصور في سيطرته .
" نحيي شمس الإمبراطورية و الشمس الصغيرة." انفتح باب قاعة المؤتمرات الكبرى و الثقيل، و اندفع صوت جذاب : صوت الدوق الأكبر .
" أتمنى لو تبتسمون، يا جلالة الإمبراطور ويا ولي العهد، رغم أننا نلتقي بعد غياب طويل، فهذه ستكون آخر تحية أقدمها، أنا و أتباع عائلتي، بصفتنا نُبلاء للإمبراطورية."
النبلاء الذين كانوا ينظرون إلى الدوق الأكبر و أوليڤيا، وهما يؤديان تحية مثالية، لم يستطيعوا كبت صدمتهم لرؤية الفارسين اللذين تبعاهما .
يا إلهي. كانت هيئتهما بائسة للغاية، وقد بقيت عليهما ندوب التورم و الكدمات بوضوح .
تمتم أحدهم بغير يقين : " البارون إنترفيلد … ؟ "
حينها فقط، تذكر النبلاء الفارسين اللذين سُحبا بعيدًا في المرة السابقة بتهمة ازدراء العائلة الإمبراطورية، و شعروا بالهلع. و تجاهلوا وجود الساحرة في منتصف العمر التي تبعتهما، و الشخص الآخر الذي لا يكاد يُلحظ وجوده .
فالسحر الوهمي الذي ألقته بيثاني، والذي جعل الشخصين اللذين شُفيا يبدوان كمرضى، كان لا يزال ساريًا حتى داخل حاجز القصر الإمبراطوري .
تجنبت أوليڤيا النظر إلى الخلف عمدًا. وبدلاً من ذلك، ضغطت بقوة على يد إدوين التي كانت تمسك بها.
وكأنها إشارة، ابتسم إدوين بلطف وفتح فمه : " لقد هرعت مسرعًا لأني سمعت عن اجتماع للنبلاء، وها أنا أتأخر اليوم أيضًا."
على عكس ابتسامته الودودة، خرجت كلماته حادة كالخنجر .
" حسنًا، من الطبيعي أن تأتوا مبكرين ما دام الهدف مثير للاهتمام، اجتماع يقرر من سيوجه رمحه نحوي."
هناك خطأ ما ……
النبلاء، بمن فيهم الكونت كومودي، كانوا يتصببون عرقًا باردًا. لم يكونوا سوى طامعين في الغنائم التي سيخسرها بعد الحرب، و ثروة ڤيكاندر كان يثير حسدهم قليلاً، لكن الدوق الأكبر، الذي جاء وكأنه يعرف كل شيء، وقف واثقًا في مكانه، ثم تنهد وهو يمسح ذقنه الوسيم .
جالت عيناه المتلألئتان ببطء في قاعة المؤتمرات الكبرى. وكأنه يريد أن يكتشف من هم الذين يعارضون عائلة الدوق الأكبر ڤيكاندر .
من الواضح أن عدد النبلاء كان أكبر بكثير، لكن بسبب هيمنته الساحقة، تسابق النبلاء على التراجع .
ومع هذه الهزيمة الواضحة، شعر ليوبارد باليأس : " … ما هذا التصرف الوقح أيها الدوق الأكبر ! "
" لقد أتيت لأسأل، يا ولي العهد."
ابتسم الدوق الأكبر بهدوء، ثم خطى خطوة واسعة نحو ليوبارد. اهتز حلق ليوبارد ببطء . عددهم ستة فقط. فارسان في حالة مزرية، الساحرة التي اختفت مع أوليڤيا، و الشخص ذو الحضور الباهت .
وفي المقدمة الدوق الأكبر و أوليڤيا اللذان يحرسانهم. علاوة على ذلك، هذا هو القصر الإمبراطوري . عدد لا يُحصى من الفرسان، و نبلاء يتبعونه. وحتى لو استثنيناهم جميعًا، فإن قاعة المؤتمرات هذه مليئة بوفود الدول الحليفة و النبلاء الذين سيقفون إلى جانبه، ولكن ……
" ما هو السبب الذي جعلكم تعاملون ڤيكاندر المخلص ككلب صيد لم يعد له فائدة ؟ "
لماذا هو مثير للطمع إلى هذا الحد ؟
حدق ليوبارد في الدوق الأكبر بنظرة متفحصة . أوليڤيا الواقفة بجانب الدوق الأكبر كانت مبهرة، و ثراؤه المحيط به كان مثير للحسد، وكان يرغب في امتلاك الفرسان الذين أتوا إلى هنا رغم حالتهم تلك .
" … هل تسأل وأنت تعلم الإجابة أيها الدوق الأكبر ؟ "
" أنا حقًا لا أعرف، فهل ستجيبني أنت يا ولي العهد ؟ "
على أي حال، إذا بدأت الحرب، فسيخسر الدوق الأكبر كل شيء و سيطالب به ليوبارد، لذا، رفع ليوبارد صوته بمزيد من الفخامة : " هل تتجاهل حقيقة أنك احتجزت أحد كبار نُبلاء الإمبراطورية الذي ذهب للتفاوض على نسبة ضريبة المعادن ؟ "
النبلاء الذين كانوا مرتبكين ولا يعرفون ماذا يفعلون، تشجعوا و وافقوا ليوبارد على كلامه .
شاهد الدوق كيوال ذلك المنظر و ضيق عينيه. كان قلبه يضطرب بخيبة أمل. لا بد أنه تلقى الرسالة التي أرسلها … لا، حتى لو لم تكن رسالته، لو كان يعلم أن هناك مثل هذه المفاوضات، كان يجب أن يستعد .
لقد أرسل الرسالة لأنه كان يثق أن الدوق الأكبر ڤيكاندر قادر على ذلك …
" إذا كنت تقصد الدوق إلكين، فقد أنهى نقاهة ممتعة في أراضي ڤيكاندر، وعاد اليوم معنا إلى العاصمة."
على عكس تعابيره المهددة، كان صوت الدوق الأكبر ودودًا بشكل مدهش. سبق للدوق كيوال أن رأى هذا الوجه . لقد كان في مأدبة الصيف. عندما كُشفت تصرفات الأميرة .
" لقد أحب جمال الجبال و الوديان لدرجة أنه لم يستطع مغادرة أراضي الدوقية الكبرى، لقد كان أمرًا مرضيًا جدًا بالنسبة لي كَمُضيف."
بينما كان الدوق كيوال يعيد تقييم الدوق الأكبر في داخله، شخر ليوبارد باستهزاء وكأن الأمر لا يُصدق .
" عاد ؟! لو عاد الدوق إلكين إلى العاصمة لكان قد أبلغ جلالة الإمبراطور أولاً ! هل تقول كذبة واضحة سينكشف أمرها ؟ "
" كذبة ؟! انظر هناك ثم تحدث."
ابتسم إدوين بتهكم و أشار بذقنه نحو النافذة.
" لديك خادمان مخلصان للغاية، إنهما يسرعان نحو هذا المكان كالعاصفة."
بالنظر إلى ما وراء النافذة، لم يكن الدوق إلكين وحده، بل كان هناك أيضًا الدوق مادلين . مخلصان للإمبراطورية. كانا ينظران في الوقت نفسه إلى هذا المكان قاعة الاجتماعات . بدا وكأنهما التقيا بالأنظار .
" بما أن الدوق مادلين قد أتى أيضًا، حسنًا، لنناقش الآن …… "
توقفت كلمات ولي العهد التي بدأها بزهو . خلف النافذة، كان الدوق مادلين و الدوق إلكين يغيران اتجاههما .
" يا للخسارة، يبدو أن وجهتهما ليست إلى هنا، إلى أين يذهب المخلصان معًا ؟ "
تجمد تعبير الدوق الأكبر فجأة وهو يشير إلى الحقيقة بلباقة .
" بالمناسبة، تقول إنك أرسلته للتفاوض على نسبة ضريبة المعادن، لكنني أظن أني وضعت حدًا لذلك مسبقًا، بأنني سأتحمل مسؤولية أضرار الحرب مقابل تعديل ضريبة المعادن."
" حتى لو امتدت عروق المعادن عبر أراضي ڤيكاندر، ألا تعلم أن جميع تلك المناجم هي في النهاية ملك للإمبراطورية ؟ "
رفع ليوبارد صوته مؤكدًا أنها ملك للإمبراطورية وليست ملكًا لڤيكاندر .
" مع ذلك …… "
فجأة، قاطعهم شخص من الخلف. كان الدوق كيوال من هڤرتي. رفع نظارته أحادية العدسة وتابع : " لقد طلب مني جلالة ملك هڤرتي أن أنقل إليكم الشكر."
" …… ماذا ؟ "
ليس هناك ما يستدعي الشكر. بينما تردد ليوبارد، رفع الدوق كيوال صوته بنبرة أعلى .
" جزء كبير من تكاليف صيانة المرافق جاء من أراضي الدوق الأكبر، كنا بالطبع نظن أن جلالة الإمبراطور قد أرسل أيضًا مساعدة …… "
تعمد الدوق كيوال أن ينهي جملته بغموض . جالت نظراته بين الإمبراطور و ولي العهد و الدوق الأكبر، ثم تسرب صوت مكتوم من فم الدوق الأكبر :
" … ومع ذلك، سمعت أنكم قمتم بسجن و تعذيب فرساني الذين مكثوا في العاصمة للتفاوض على تعديل الضرائب بدلاً مني."
" تحدث بصدق أيها الدوق الأكبر، لم يبقى فرسانك فقط لتعديل ضريبة المعادن، بل مكثوا لسرقة كنوز القصر الإمبراطوري ! "
" سرقة ؟ "
توقف ليوبارد، الذي كان يوشك على إخراج الوثيقة السرية من جيبه. أوليڤيا، التي كانت تقف بصمت بجوار إدوين، ابتسمت و رفعت الوثيقة التي في يدها. وثيقة تُثبت ملكية المنجم، وهي ليست وثيقةً موثقةً كالتي كُتبت في الوثيقة السرية، بل وثيقةٌ تثبت نقل ملكية المنجم بالكامل .
" إذا كنتم ترغبون في تبادل الكلام، حسنًا، سأريكم الوثيقة التي تُثبت أن أوليڤيا مادلين قد حوّلت ملكيتها إلى أوليڤيا، ثم قررت مشاركة الملكية مع صاحب السمو الدوق الأكبر إدوين لوڤيل ڤيكاندر."
فقدت الوثيقة السرية قيمتها في لحظة. تجهم وجه ولي العهد الذي كان يظن أنه يمسك بذهب .
ابتسمت أوليڤيا : " ومع ذلك، إذا كنتم لا تزالون تتوقون لمنجم الكريستال الأبيض و تُصرون على أنه ملك للقصر الإمبراطوري، يمكنني أن أدعوكم لزيارة المنجم مرة واحدة."
" أوليڤـ …… "
" لقد وضعت سحر حماية جديد بصفتي المالكة الجديدة لمنجم الكريستال الأبيض."
ابتسمت أوليڤيا بلطف : " سمو ولي العهد، لا شك أنك تعرف جيدًا سحر الحماية المؤلم الذي يشبه الاحتراق بالبرق، أليس كذلك ؟ "
عض ليوبارد شفتيه. لم يكن هناك سبيل لإنكار أن هذه المرأة التي لا ترمش لها عين هي أوليڤيا. لم يستطع أن يعرف ما الذي يؤلمه أكثر، شفتيه أم قلبه، أم خده الذي صُفع بمنديل قبل أيام .
" أوليڤيا … ! "
اختلط صوت متوسل بأسنانه المصطكّة، لكن أوليڤيا لم تُجب .
شخرت ماريا باستهزاء و حدقت في تصرفاته السخيفة، و همست لنفسها : " لا أفهم ما القوة التي تملكها قطعة الورق تلك حتى يحاول التمسك بعلاقة قد انتهت."
كانت تكره منظره وهو يتصرف وكأنه في قصة حب القرن. لقد كانت غبية عندما اعتمدت على هذا الحب ذات يوم .
آه، كم هو مثير للاشمئزاز .
عقدت ماريا ذراعيها و نظرت بعينين متألقتين .
تحطمت الذرائع الواهية .
ولي العهد، الذي كان متغطرسًا، أصبح يلهث الآن كالكلب المتوحش .
أطلق الدوق الأكبر تنهيدة خفيفة أمام هذا الاجتماع الذي لا يملك لا فائدة عملية ولا شرعية .
" حتى لو لم تكن هناك مبررات أخرى، ستظل الإمبراطورية توجه سيفها نحو ڤيكاندر."
كانت هذه حقيقة واضحة لدرجة أن النبلاء و الوفود على حد سواء لم ينبسوا ببنت شفة.
رفع الدوق الأكبر زاوية فمه ببطء بعدما تفحص الجميع بنظرة متفحصة : " حسنًا، بما أن الحديث قد دار حول منجم الكريستال الأبيض، اسمحوا لي أن أوجه سؤالاً إلى وفود الدول الحليفة التي عقدت العزم راسخًا."
كانت لحظة ومضت فيها عيناه الحمراوان بتحدٍ .
" هل تطلب الدول الأخرى أيضًا تحميل قائد الجيش العام مسؤولية الهزيمة بالكامل ؟ "
مسؤولية الهزيمة. حبس الجميع، من الوفود إلى نبلاء الإمبراطورية، أنفاسهم أمام هذا السؤال .
" … تماما كما حدث قبل عشر سنوات، عندما استغل البلاط الإمبراطوري اختفاء والدي ذريعة لياخذوا والدتي و منجم الكريستال الأبيض."
" هاه." دوى صوت ساخر في حلق الإمبراطور . كان يجب أن يعرف الأمر منذ اللحظة التي ظهر فيها الدوق الأكبر دون مرافقة فرسان، باستثناء الجريحين .
ابتلع الإمبراطور مرارة الصمت. حدقت عيناه الغائرتان في الدوق الأكبر بحقد وكأنه يريد تمزيقه إربًا .
" … هاه، هل أتى الدوق الأكبر إلى هنا ليُثير الخلاف بين الحلفاء و الإمبراطورية ؟ "
لكن الأجواء التي سادت الوفود بعد أن ثارت ضجة لم تتغير بسهولة. لم تكن مشاركتهم في الحرب الأهلية مرضية لهم أصلاً، فكيف بمسؤولية الحرب !
فجأة، صرخ ولي العهد بحدة : " هل تحمل الدوق الأكبر مسؤولية الهزيمة في أي من الحروب العديدة التي مررنا بها حتى الآن ؟ "
" بالتأكيد لا."
" أرأيت …… ! "
" لأنني لم أُهزم قط."
اختلطت المشاعر كلها في هذا الرد الهادئ . بالنسبة لأوليڤيا، سمعت الكلمات كالآتي : لم يكن بوسعه أن يُهزم، لأن طرف الرمح الحاد الموجه نحو حلقه كان جاهزًا لطعن ڤيكاندر في أي لحظة .
انقلبت الموازين، و تبادل وفود الدول الحليفة الهمس فيما بينهم حاملين الشك و الريبة .
" … حقًا، هل عوضت أراضي ڤيكاندر عن وفاة الدوق الأكبر السابق ؟ "
" كان ذلك قبل عشر سنوات، لكن قيل إن أميرة المملكة المنهارة أحضرت شيئًا معها."
" هل يا تُرى ما كان يحمله ولي العهد قبل قليل هو … ؟ "
" انتظروا ! هل تستمعون إلى هذا الهراء ؟ "
صرخ ليوبارد بغضب موجهًا كلامه للوفود . جالت النظرات المريبة في ليوبارد و الإمبراطور و نبلاء الإمبراطورية .
" الدوق الأكبر السابق لڤيكاندر لم يكن سوى مجنون حرب تسبب بهزيمتنا باندفاعه المتهور ! "
في وضع دفاعي، شرع ليوبارد في التقليل من شأن الدوق الأكبر السابق بكل ما أوتي من قوة. ولم يكتفي بذلك، بل ذكر زوجة الدوق الأكبر السابقة، أميرة المملكة المنهارة .
" لقد اعتنى جلالة الإمبراطور بڤيكاندر رأفةً بوثيقة المنجم المهجور التي أحضرتها والدته، فكيف له أن يتمرد وينسى كل هذا الفضل ! "
لم ينجح هذا الكلام مع أوليڤيا، لكن يبدو أنه أثر قليلاً في الوفود الذين كان عليهم التزام الحياد . بعد صراخ ولي العهد المفاجئ، لم تفارق أنظار الوفود الإمبراطور .
وأخيرًا، فتح الإمبراطور شفتيه ببطء : " … إذا كان هناك شخص ينتظر عودة الدوق الأكبر السابق أكثر من أي شخص آخر، فربما كنت أنا بعد زوجته."
بدا وكأنه يحاول التخلص من المأزق بذكره مسؤولية الدوق الأكبر السابق، تمامًا كما فعل عند تعديل ضريبة المعادن .
حدق الدوق الأكبر في الإمبراطور بعينين لا يمكن تفسير معناهما. صحيح أن هاتين العينين تشبهان عيني ڤيكاندر السابق، لكنه قد مات بالفعل .
كل شيء يتقرر بواسطة الأحياء. تمامًا كالعلاقة التي أعيد كتابتها الآن بين الدوق الأكبر السابق وبينه .
" لقد كان فارسي المخلص، و سيداً نبيلاً يحرس حدودنا، وفي الوقت نفسه، كان أحد الأشخاص القلائل الذين أستطيع أن أثق بهم."
" …… "
" مثل هذا الفارس انجرف في جنون الحرب واتخذ قرارًا متسرعًا تسبب في خسائر فادحة للإمبراطورية، ونتيجة لذلك، فإن فرسان ڤيكاندر، و فرسان الإمبراطورية، فرساني …… "
حبس الإمبراطور أنفاسه عمدًا، و ساد الصمت المكان .
" … دُفعوا إلى حتفهم و ماتوا، بصفتي إمبراطورًا، كان عليّ أن أحدد المسؤول، وفي ذلك الوقت، هرب الدوق الأكبر السابق بالموت، ولم يكن أمامي خيار سوى المطالبة بتعويض من عائلة الدوق الأكبر ڤيكاندر."
عندما أغمض عينيه، عادت أحداث تلك الفترة حية. أميرة المملكة المنهارة، التي جاءت بوثيقة منجم الكريستال الأبيض بنفسها، وذلك الوجه المتعجرف .
لذلك، قبلها. لأنه أعتقد أن مناجم الأحجار الكريمة و السيف المقدس سيصبح ملكه لاحقًا، بعد أن تصبح الأميرة ملكه أولاً، لكن لقد كان هذا خطأ في التقدير .
" كان حسن نيتي، و عزائي، هو أنني قبلت فقط بالمنجم المهجور، متخليًا عن منجم الجواهر و السيف المقدس ! "
اجتاحت القاعة مشاعر يصعب السيطرة عليها. الإمبراطور، وهو يبتلع أنفاسه الخشنة، انغمس في مشاعره الخاصة .
" ولكنكم تجرؤون على لومي أنا و الإمبراطورية، متذرعين بشخص غادر إلى مكان لا يمكن فيه تحميله المسؤولية حتى ! "
" … هل يمكن لجلالتك أن تتحمل مسؤولية هذا القول ؟ "
" هاه." أطلق الإمبراطور نفسًا حادًا، ثم ألقى بابتسامة ساخرة نحو العينين الحمراوين اللتين تنظران إليه .
" لقد رأيت إلى أي مدى يمكن أن يصل هذا الموقف المتعجرف، يبدو أن الدوق الأكبر يحب تحمل المسؤولية كثيرًا."
" …… "
" حتى وأنت تعلم أن والدتك ماتت في هذا القصر بسبب تلك المسؤولية."
لم يرف للدوق الأكبر جفن رغم هذا التصريح الذي تجاوز الحدود، لكن الإمبراطور رأى بوضوح أن الشفتين المشدودتين كانتا ترتجفان بشكل خفيف .
كان ذلك اهتزازًا في العاطفة، لقد انتصر .
كان عليه فقط أن يستفزه قليلاً بعد. لذا، ضيّق الإمبراطور عينيه وأجاب بوقاحة : " … أجل."
لأنه لا يوجد أي دليل. لقد احترقت صورة الأميرة، وكان عليه أن يبقى إمبراطورًا صالحًا و ممجدًا للأجيال القادمة .
" بصفتي شمس الإمبراطورية، كيف يمكنني أن أتراجع عن كلمة قلتها أمام وفود الدول الحليفة و نبلاء الإمبراطورية ؟ "
" …… "
" على العكس، هل لديك أي دليل لتتحدث بكل هذه الثقة أيها الدوق الأكبر ! "
صاح الإمبراطور الواثق من نفسه. وفي الصمت الذي ساد، أيقن نصره، لكن في تلك اللحظة، بدت شفتا الدوق الأكبر وكأنها ترسمان ابتسامة ساخرة. ظن الإمبراطور أنه لا يرى جيدًا .
" … هنا."
في تلك اللحظة. رمش الإمبراطور بعينيه بعد أن عبس بسبب سعال متقطع. كان الصوت الضعيف مألوفًا بعض الشيء .
" هناك دليل."
الشخص الذي لم يكن له وجود، وراء الفارسين المتورمين و ساحرة الأميرة التي تستحق القتل، خرج ببطء .
— طقطقة، طقطقة .
تردد صوت عصا تتكئ على الأرض في قلب الإمبراطور . وعندما توجهت أنظار الجميع إليه، خلع الرداء الذي كان يرتديه .
في الوقت نفسه، لمع شعره الأبيض تحت أضواء الثريا بقوة. انطلقت أصوات كتم الأنفاس في كل مكان .
" لقولك إنك تمنيت بشدة عودتي حيًا، لم تكلف يا جلالتك نفسك عناء البحث عن جثتي و اعتبرني قتيلاً في الحرب."
كان شعره أبيض كالثلج، لكن في اللحظة التي برقت فيها عيناه الحمراوان، أدرك الإمبراطور الحقيقة، و شحب وجهه وتجرد من كل لون .
— الصورة التوضيحية : هـنـا .
هذا الرجل هو ……
" لكن ما أهمية ذلك ؟ "
إنه الدوق الأكبر السابق، الذي أمر بقتله بنفسه .
" ابتهج، يا جلالة الإمبراطور."
قبض الإمبراطور لا شعوريًا على مسند عرشه بقوة. لم يتغير وجه الرجل الذي نطق بكلمة "ابتهج" عن حاله قبل عشر سنوات، عندما غادر إلى المعركة .
" بسبب تلك الأمنيات الملحة بعودتي حيًا."
بدا الأمر وكأن أحدهم يخنقه .
" فارس جلالتك المخلص …… "
حاول الإمبراطور جاهداً أن يغمض عينيه بقوة، لكنه لم يستطع أن يتفادى نظرات الدوق الأكبر السابق الذي كان يقترب منه، وكأن أحداً قد ثبت وجهه قسراً .
وعندما وصل الرجل أخيرًا على مقربة منه : " ذلك أنا، السيد النبيل الذي كان يحرس الحدود، وأحد الأشخاص القلائل الذين كان يمكن لجلالتك أن تستطيع الوثوق بهم."
شهق الإمبراطور. جمدته الرهبة، ناسيًا كرامته، و شعر بقشعريرة تنتشر في جميع جسده .
العيون الحمراء المتوهجة، علامة ڤيكاندر التي لا يمكن لأحد أن ينكرها، تحت طيات عينيه الضيقتين.
" ألم أعد من حافة الموت ؟ "
كان شيطانًا متعطشًا للدماء يهدف إلى تدميره .
****************************