الفصل ١٥١ : ‏Do Your Best to Regret

{ مفاوضات الحرب الأهلية، المقبلات }


في مدينة الميناء تورتويل .

تلاطمت الأمواج تحت السفن الراسية في مدينة الميناء تورتويل الإمبراطورية. وبينما كانت الرغوة البيضاء تتلألأ، ملأت الصيحات المبهجة، المميزة للمدن المينائية، و رائحة ماء البحر المالحة الأجواء .

" … مجرد قولهم 'دول حليفة' هو كلام منمّق أجوف، هذا تصرف وقح لدرجة تخرس الألسنة حقًا."

" صحيح يا سيدي، يبدو أن الإمبراطورية قد نسيت أن حربنا معها لم تنتهي إلا مؤخرًا، كيف يتجرأون على استدعائنا لكي نتحالف معهم في حرب أهلية ؟ "

انفجر تذمر لا يمكن كبته بين الأصوات المنخفضة .

وبغض النظر عن ذلك، رفع الدوق كيوال من هڤرتي نظارته الأحادية مرة واحدة . نظر بانتباه خلف الضوضاء الصادرة عن البحارة الذين يفرغون حمولات السفن و النبلاء الذين يستقلون السفن السياحية .

في كل مرة تظهر فيها خصلات شقراء مجعّدة و براقة تتطاير بين الملابس ذات الألوان الزاهية، كانت تومض في ذهن الدوق كيوال صورة امرأة واحدة شبيهة بالشيطان .

" … كاذبة ! كل ما تقوله الأميرة كذب ! وإلا فكيف كنت سأُقيم حفل خطوبتي في المأدبة … ! "

وجهها الشاحب و الدم الأحمر على زاوية فمها، ضحكتها المشؤومة الشبيهة بالنحيب، وعيناها الزرقاوان اللتان تبرقان كدمية .

دبّت قشعريرة في جسد الدوق كيوال في تلك اللحظة القصيرة، و هز رأسه نفيًا. من المستحيل أن تكون تلك المرأة، التي تزوجت من نبيل متوسط الرتبة في أوسلان ثمنًا لكشف كذب الأميرة، موجودة في الإمبراطورية .

والأهم من ذلك، أن مملكة أوسلان كانت غائبة عن قائمة الدول الحليفة المذكورة في الدعوة … توقف الدوق كيوال للحظة .

على الرغم من عدم دعوتها رسميًا، لا بد أن الأخبار قد وصلت إلى مملكة أوسلان من خلال النبلاء المقربين من الإمبراطورية .

حتى هو شخصيًا، أرسل رسالة سرية إلى الدوق الأكبر ڤيكاندر قبل مغادرته هڤرتي .

إذًا، هل يمكن أن تكون هي قد جاءت حقًا إلى الإمبراطورية ؟

" نشكركم على تلبية الدعوة."

يبدو أنه قد غرق في أفكاره كثيرًا .

اقترب منه رجل كانت ملامحه مألوفة من مفاوضات الهزيمة السابقة و ألقى تحية بهدوء . كان مساعد ولي العهد، الكونت هاجيس، إذا لم تخنه الذاكرة. وكان الموكب المرافق له بسيطًا أيضًا. لدرجة يصعب تصديق أنهم يستقبلون وفدًا بناءً على طلب الإمبراطورية .

لاحظ الكونت القلق على وجه الدوق كيوال، فكرّر التعبير عن شكره وهو ينحني بأدب .

" نشكركم مجددًا على تفهمكم للوضع الذي اضطررنا فيه إلى استقبالكم بهدوء."

نظر أحدهم إلى الدوق كيوال بنظرة استياء. تجاهل الدوق رغبة ذلك الشخص في أن يوضح موقف بلاده، و تنحنح .

" … لا بأس، على أي حال، متى قلتم إن المفاوضات ستُعقد ؟ "

" الأمر عاجل، لكننا حددنا الموعد صباح بعد غد، بعد أن تستريحوا من عناء السفر، حيث أن بضع دول أخرى لم تصل بعد."

" حسنًا … إنه أمر … "

… مثير للاهتمام .

تظاهر الكونت هاجيس بأنه لم يسمع كلمات الدوق وعاود سؤاله، لكن الدوق كيوال ابتلع سخرية، ونظر إلى مكان آخر . خلت عيناه من أي دفء خلف نظارته الأحادية .

كم هو وقح !

يطلبون وفودًا لحرب أهلية تحت اسم "التحالف"، بعد أن سحقوا بلاده هڤرتي !

لم يكن هناك سوى سبب واحد لردّه على هذا العمل الذي لا يستحق حتى السخرية : أمله في أن يقوم الدوق الأكبر ڤيكاندر، الذي أرسل إليه رسالة مسبقة، بقلب القصر الإمبراطوري رأسًا على عقب كما فعل في المرة السابقة .

وبالمناسبة، لقد زاد هذا الأمل للتو !

* * * * * * * * * * * * * * * * * *

توالى وصول وفود الدول الحليفة إلى العاصمة .

وقف ليوبارد يطل على الحديقة وعلى شفتيه ابتسامة ملتوية. كانت صفوف عربات الخيول التي تجوب حديقة القصر الإمبراطوري طويلة .

باستثناء مملكة أوسلان، كان مجموع الدول الصديقة للإمبراطورية التي ردت فورًا و أرسلت وفودها هو ١٢ دولة .

" ما مدى جاهزية الاستعدادات ؟ "

عاد شعر الإمبراطور الأبيض إلى اللون الأشقر بسحر ساحر، ولكن بعدما احترقت صورة الأميرة، بدا الإمبراطور فجأة كرجل مسنّ ضعيف .

وجد ليوبارد أن الإمبراطور مثير للشفقة، لأن وجه الإمبراطور وهو يطمع في أوليڤيا كان لا يزال حيًا في ذاكرة ليوبارد .

ومع ذلك، فإن تقديمه الاحترام للإمبراطور كان لأجل هيبة العرش الذي سيخلفه .

أجاب ليوبارد بعينين باردتين : " جلالة الإمبراطور، أي استعدادات تقصد ؟ العاصمة، كعادتها، في جاهزية تامة لكل المواقف، أليس كذلك ؟ "

عند سماع ذلك، أومأ الإمبراطور برأسه بهدوء . كان كلام ولي العهد صحيحًا. لم يكن هناك أي اختلاف في العاصمة عن الأيام العادية .

استؤنفت حفلات الشاي الصغيرة بالقرب من قصر الأميرة، و بدأت الإمبراطورة حياتها الاجتماعية وكأنها تخلصت من قلقها على الدوق إلكين.

وكذلك كان الحال في اجتماعات النبلاء .

ومع ذلك، أطلق الإمبراطور تنهيدة عميقة .

هل كان النبلاء، الذين كانوا دائمًا يرفعون أصواتهم قائلين إنهم يستطيعون فعل ما يفعله الدوق الأكبر و يتحسرون على أن الفضل دائمًا يذهب إليه، يُعدّون شيئًا حقًا ؟

كان ولي العهد موهبة رائعة بلا شك. أسر الناس بمظهره الوسيم، و امتلك ثقة عالية بنفسه، وقدرةً على التأثير في النبلاء بكلامه، وثقته بنفسه كبيرة، لذا ……

كرر الإمبراطور التحذير : " … الدوق الأكبر ليس شخصًا سهلاً، يجب أن تولي اهتمامًا خاصًا … خاصًا جدًا، به."

لم يمر ولي العهد بفشل كامل أبدًا. لا يمكن مقارنة خبرته في المعارك بخبرة الدوق الأكبر، ولم يختبر الشعور بالخسارة بفقدان امرأة أحبها كما حدث للإمبراطور، ولم يخطط لقتل منافس له في الحب .

على الرغم من قلق الإمبراطور، ابتسم ليوبارد بثقة . كانت عيناه الزرقاوان الفاتحتان تبرقان بالأمل الممزوج بالغطرسة، فقد كان ليوبارد يعلم بكل ما يحدث في العاصمة .

بداية من أن الفيسكونت أوديلف أدخل ابنه الشرعي بدلاً من ابنه غير الشرعي على عجل كفارس متدرب في فرسان الحرس الخامس، إلى الكونت كومودي أصدر سندات بقيمة تفوقه كثيرًا لتوظيف مرتزقة و دعم فرسان الحرس .

حتى أنه هو من أمر الأميرة عديمة الفائدة بإقامة حفلات شاي لتضخيم مظهر الاستقرار في العاصمة. وكذلك هو من ضغط على والدته الإمبراطورة لمواصلة التجمعات الاجتماعية .

كانت كل أخبار العاصمة بين يديه. كان يرى بوضوح كيف أن جميع نبلاء العاصمة، باستثناء الدوق مادلين، يفكرون في كيفية زيادة نصيبهم من تعويضات ما بعد الحرب .

كان الدوق مادلين، الذي لم يتخذ موقفًا حاسمًا، يثير قلقه سرًا، لكنه لم يهتم. فالقصر الإمبراطوري كان في موقف مُتفَوِّق بشكل كامل، لذلك ……

" … نعم، يا جلالة الإمبراطور، فقط ركّز على حث الدول الحليفة على المشاركة في الحرب غدًا."

كان النصر أمرًا حتميًا. كان ليوبارد يرى الغد الجميل قاب قوسين أو أدنى .

* * * * * * * * * * * * * * * * * *

امتلأت قاعة المؤتمرات الكبرى بنبلاء العاصمة رفيعي المستوى و وفود الدول ١٢ الحليفة .

مع دخول الإمبراطور ساد الصمت، وتردد صوت مهيب في القاعة : " يا نبلاء الإمبراطورية، ويا ممثلي الوفود من الدول الحليفة الذين لم يتوانوا عن السفر الطويل و وصلوا إلينا فورًا، أود أن أبدأ هذا الاجتماع بتقديم الشكر لكم."

بينما استمرت التحيات الرسمية، تفحص ليوبارد القاعة بسرعة. كانت مقاعد الدوقين مادلين و إلكين، وهما ركيزتا الإمبراطورية، فارغة، لكن البقية كانوا من النبلاء المؤيدين لليوبارد .

أحب ليوبارد هذه السيطرة الكاملة على الموقف، لكن ذلك كان قبل أن يندفع الكونت هاجيس، الذي كان يحرس الباب، و وجهه مصفرّ من الصدمة .

" يا صاحب السمو، وصل وفد تقول الشائعات إن أوسلان أرسلته عمدًا، لكن …… "

ظل الكونت هاجيس يحرّك شفتيه دون أن يتمكن من إكمال كلامه. تصلبت تعابير ليوبارد، و انتابه شعوران متزامنان : الغضب و السخرية .

دولة حليفة غير مدعوة ترسل وفدًا من تلقاء نفسها !

لا بد أنها سمعت بخبر كونها الوحيدة التي لم تُدعَ من بين ممالك التحالف القوية. إذن، من الطبيعي أن تكون في عجلة من أمرها. أشار ليوبارد بذقنه نحو الباب .

وقبل أن يتمكن الكونت هاجيس من منعه، وجد الخادم فرصة في الصمت العميق وصرخ بصوت عالي : " وفد مملكة أوسلان يدخل ! "

" نحيي شمس الإمبراطورية، و شمسها الصغير، أنا آنسر، خادم أوسلان، نعتذر عن التأخر في الوصول، وهو ما يعد وقاحة منا، آسف جدًا."

وصل وفد أوسلان غير المدعو حاملاً الهدايا، والأكثر من ذلك، وصل متأخرًا بعد أن وصلت جميع الدول الحليفة الأخرى .

استجاب الإمبراطور بشكل مناسب لصف الوفد الطويل نسبيًا : " لا بأس ما دمتم قد حضرتم، لكن … هدايا ؟ الإمبراطورية هي من اقترحت المفاوضات، لكنني أقدر ذلك."

" أحيي شمس الإمبراطورية، و شمسها الصغير، الهدايا لا ترقى إلى مقامكما الرفيع، فارجو ألّا تشغلا بالكما بها."

كان الصوت الناعم المليء بالدلال مألوفًا بشكل غريب. خرجت المرأة الواقفة في مؤخرة الوفد وهي تحمل الهدايا ببطء نحو المقدمة .

هذا مستحيل ……

أطلق ليوبارد ضحكة خفيفة و رفع رأسه. في تلك اللحظة، لم يستطع إخفاء جمود تعابيره. لقد كان مشغولاً جدًا بالشك في عينيه .

المرأة التي ألقت شالها و قبعتها الأوسلانية …

" أنا ماريا تيفيلس، وقد وصلت إلى العاصمة كعضوة في وفد مملكة أوسلان."

— الصورة التوضيحية : هـنـا .

ساد الصمت في القاعة الكبرى .

بدأ نبلاء العاصمة و وفود الدول الأخرى يرمشون فقط، وكأنهم جميعًا تعرفوا عليها .

رفعت ماريا تيفيلس، التي كانت تُعرف سابقًا بالآنسة إثيل، زاوية شفتيها بإغراء .

" لدي رسالة أصرّ ملكنا على أن أوصلها، بصفتي عضوة في الوفد، و شخصًا قدم يومًا الولاء للإمبراطورية."

رنَّ صوتها النقي العذب في القاعة. ابتسمت ماريا ببراءة ونظرت إلى الإمبراطور، ومن ثم إلى ليوبارد .

تجمدت حواجبه الوسيمة بحدة. عندما رأت عينيه الزرقاوين الفاتحتين تنظران إليها بتفحص، شعرت ماريا بقلبها يضطرب .

هي لم تأتِ إلى هنا فقط لترى وجهه الجامد، كما كان عندما تخلّى عنها .

" لقد شعر بخيبة أمل كبيرة لأنكم استبعدتم أوسلان وحدها من دعوات الدول الحليفة، هل يا تُرى … "

حرّكت ماريا شفتيها الحمراوين، و وسّعت عينيها وكأنها لا تصدق. تعمّدت الإشارة إلى نفسها، وأطلقت صوت يوحي بالأسف، وتمتمت ماريا : " لا يُعقل أنك لا تزال تحمل مشاعر لي، يا صاحب السمو ؟ "

عند تلك الكلمات، تجعد وجهه الجميل بشكل بائس. في هذه اللحظة، حيث تجمدت زاوية فمه الوسيمة، و اضطربت عيناه الزرقاوان بغضب لا يمكن السيطرة عليه .

سرت قشعريرة انتشاء مدهشة في جسد ماريا.

كم تخيلت هذا الوجه ! كم صلتْ لترى ولي العهد الذي تخلى عنها ينهار ببطء ! لا أحد في هذا المكان يمكنه تخيل ذلك .

لهذا السبب، قبلت عرض أوليڤيا دون تفكير .

" … سيدة تيفيلس، اخرجي لوقت قصير، ستشعرين بالملل لأنك لن تفهمي شيئًا من المفاوضات."

" أشكر سموك على تفكيرك بي، لكنني في الواقع سبق لي الإشراف على تنظيم المأدبة الصيفية للإمبراطورية لفترة."

" كيف تجرؤين على ذكر ما حدث في ذلك الوقت … ! "

صاح الإمبراطور غاضبًا. ابتسمت ماريا بلطف ونظرت إلى النبلاء. ربما لم ينسى أحد في هذا المكان مَن كانت هي في ذلك اليوم . حتى الدوق كيوال ذو النظارة الأحادية كان يبتسم لها.

لقد تم إعداد المسرح بما فيه الكفاية. الآن، وقد أصبح ولي العهد مرتبكًا، و الإمبراطور غاضبًا .

" ولكن، ما هي هذه القضايا المهمة التي تنوون طرحها، لدرجة أنكم استبعدتم الشخصيات المحورية في الإمبراطورية من اجتماع يضم جميع حلفاء الإمبراطورية وكبار النبلاء ؟ "

إذا كان هناك شيء واحد أدركته ماريا فور إرسالها إلى أوسلان، فهو وضعها الذي لم يعد لديها شيء لتخسره .

" مفاوضات لا يحضرها الدوق إلكين ولا الدوق مادلين، هذا مثير للسخرية."

عندما خُفضت من عشيقة ولي العهد إلى مجرد زوجة نبيل متوسط الرتبة، بل وفقير، في مملكة أخرى. في تلك اللحظة، شعرت ماريا بجشعها الهائل .

أثناء تفكيرها في كيفية تحقيق هذا الجشع، طرأ على ذهنها صوت أوليڤيا، الساخرة، التي جعلتها بائسة ذات يوم : " هل تريدين أن تكوني عشيقة ؟ "

رفعت ماريا شفتيها سرًا. وفي هذه الأثناء، ظهرت أوليڤيا من خلف النافذة .

" يا إلهي، هناك أشخاص متأخرين أكثر مني."

جذبت هذه التمتمة المثيرة للانتباه، كتمثيل ممثل على خشبة المسرح. لم تضيع ماريا هذه الفرصة، و أزاحت الستارة التي كانت تغطي النافذة جزئيًا، و ابتسمت بإشراق .

الدوق الأكبر ذو الشعر الأسود و أوليڤيا ذات الشعر الفضي يسيران في الحديقة. على الرغم من أن فرسانهم يسيرون خلفهما بانضباط، كان الدوق الأكبر و أوليڤيا يشعّان .

لكن الشخص الذي يجب أن تركز عليه ماريا الآن ليس هؤلاء. بل الرجل الذي لن يحظى بأي اهتمام في هذه المسرحية .

بصفتها شخصًا مرّ بالإذلال بأن يُدفع إلى الهامش، نظرت إلى الرجل الذي سيُدفع إلى الخلف .

وبكامل حقدها، ابتسمت ماريا ابتسامة واسعة .

" … إنهما يبدوان وكأنهما البطلان في القصة."

****************************

1 تعليقات

إرسال تعليق
أحدث أقدم

اعلان