الفصل ١٤٩ : ‏Do Your Best to Regret

{ تزعزع التوازن، وبداية الحرب (1) }

تجاوز الدوق مادلين الخدم الواقفين في ذهول، وصعد السلالم راكضًا وهو يشد على أسنانه.

كان صوت جايد العالي يتردد في أذني الدوق .

" أوليڤيا ليست في القصر الإمبراطوري بمحض إرادتها ! "

في الليلة الماضية، لم يكن جايد الذي عاد إلى القصر في وقت متأخر من الفجر وحيدًا .

كان هناك أربعة أشخاص : فارسان كانت حالتهما مزرية لكن نظراتهما حادة، وفارس بعيون خضراء، وشخص بالكاد يتنفس .

أدرك الدوق أن ثلاثة من هؤلاء الأربعة كانوا من السجناء، بينما كان جايد يصرخ كالمجنون .

ومع خروج خدم الدوقية واحدًا تلو الآخر بسبب الضوضاء الصاخبة، صرخ جايد بعينين نصف دائرتين : " ولي العهد، ابتزها مستخدمًا فرسان ڤيكاندر، ولهذا السبب، ذهبت إلى القصر الإمبراطوري … "

عضّ شفتيه وكأنه لا يستطيع إكمال ما تبقى من الجملة. في اللحظة التي استنتج فيها الدوق مادلين، جيوفاني، الجزء المفقود من كلامه، تحول عقله إلى فراغ و أصيب بالصدمة .

وفي تلك اللحظة، سمع صوتًا مختنقًا بالبكاء يخترق سمعه الصامت وكأنه غارق في الماء : " هـ … هذا بسببي ! "

اندفعت إيسيلا، التي كانت تتجنب حتى النظر في وجه والدها، من السلالم وهي تنتحب. وتعلقت بجيوفاني أمام أعين العديد من الخدم . لم يكن هناك فائدة عندما سارعت ڤيرونيكا و الخادمة سالي لرفعها .

" أبي، أرجوك ! أنـ، أنا من أوصلت لها رسالة ولي العهد ! "

لأول مرة، فكر جيوفاني في أوليڤيا البعيدة قبل ابنته التي كانت كل دمعة منها مؤلمة. تلك الفتاة التي قابلت الإمبراطورة التي كانت تخشاها كثيرًا، تلك الفتاة التي يجب أن تكون في القصر الإمبراطوري تحت إكراه ولي العهد …

" لأنه قال إنه سيقتل الجميع حقًا إذا لم أفعل ذلك."

عندما تذكر جيوفاني وجهها العاجز حتى عن البكاء فوق صوتها المختنق، شعر بـحدة مؤلمة كأن قلبه انتُزع .

يجب أن ينقذها. فكر جيوفاني أنه يجب أن يفعل شيئًا بدلاً من الندم، ولو لمرة واحدة .

أدرك جيوفاني، وكذلك كونراد و جايد، أن الآن هو الوقت المناسب لذلك .

* * * * * * * * * * * * * * * * * *

عندما قيل له إن الدوق طلب مقابلته، هرع ليوبارد إلى قاعة الاستقبال .

هل من المحتمل أن يكون المكان الذي ذهبت إليه أوليڤيا المختفية هو قصر الدوق ؟

هل هذا هو سبب مجيء الدوق المذعور لرؤيته ؟

لكن في اللحظة التي فُتح فيها باب قاعة الاستقبال، أدرك ليوبارد الأمر بمجرد رؤية الدوق الذي لم يصفف شعره حتى، وهو يفتح فمه بتلهف : " … أين ابنتي يا سمو ولي العهد ؟ "

هذه الكلمات التي خرجت بهذا القدر من الأسى لم تكن أبدًا في صالح ليوبارد .

عادت مسألة مكان أوليڤيا إلى نقطة الصفر. إذا كان مكانًا لا يستطيع السحرة تعقبه … فهل يعني ذلك أنها في قلعة الدوقية الكبرى ؟

لذلك، قرر ليوبارد أن يستغل هذه اللحظة بذكاء. فكّر بسرعة و نطق بالكلمات : " … خطيبتي و ابنتك أيها الدوق … "

توجهت إليه عيون الدوق المتوسلة. ضيّق ليوبارد زاوية عينيه بخُبث .

" … لقد خُطفت قبل لحظات."

" يا سمو ولي العهد ! "

" ڤيكاندر … "

اتسعت عينا الدوق فجأة وكأنه أصيب بـصدمة مفاجئة. عبس ليوبارد، ثم ضحك ضحكة مكتومة، إذ رأى الانفعال الصادق الذي أظهره دوق الدم الحديدي .

من الجيد أن يكون الدوق عاطفيًا الآن .

" … بواسطة الدوق الأكبر."

لأنه كلما كان عاطفيًا، كان من الأسهل الإمساك به و استخدامه كما يريد. ولوح ليوبارد بمنديل أبيض ليوقف الدوق قبل أن يتمكن من النطق بكلمة أخرى .

" هذا ليس كل شيء، لقد رمى ڤيكاندر هذا في وجهي."

في هذه اللحظة، كان يجب أن يكون إلقاء هذا المنديل هو رغبة ڤيكاندر، وليس أوليڤيا.

تمتم ليوبارد وعيناه الزرقاوان تحملان كراهية واضحة : " لقد وصل إلينا إعلان الحرب، لا يمكن للإمبراطورية أن تخسر هكذا بضعف."

لوى ليوبارد زاوية فمه ببطء نحو الأعلى .

صمت الدوق و أصبح جادًا وكأنه استعاد رباطة جأشه. عندما رأى شعره الفضي اللامع، تذكر والده الذي كان يمسح بلا وعي على صورة محترقة بشعر أبيض .

شخص لم يعد لائقًا لعرش الإمبراطور .

' لكن يجب أن أحافظ على خطواته الأخيرة كابن له.'

ابتسم ليوبارد وقال ببطء : " اعقد اجتماعًا يا دوق."

" …… "

" من أجل الحرب ضد ڤيكاندر."

" هل جلالة الإمبراطور على علم برغبتك، يا سمو ولي العهد ؟ "

" بالطبع."

كذب ليوبارد دون أن يرمش. حسنًا، لا يمكن القول إنها كانت كذبة كاملة. فاهتمام الإمبراطور كان منصبًا فقط على صورة أميرة المملكة المنهارة .

إذا استمر في العيش ملتصقًا بتلك الصورة العزيزة، فسيتمكن من الحصول على صورة واحدة على الأقل بالبحث في ڤيكاندر .

وبالطبع، هو سيحصل على ثروة ڤيكاندر الهائلة و أوليڤيا كليهما .

في تلك اللحظة، ترنح الدوق مادلين .

عبس ليوبارد عندما رأى شكله وهو يميل بضعف. يبدو أن كل العائلات تحتاج إلى تغيير جيلي الآن .

* * * * * * * * * * * * * * * * * *

لم يكن أحد يعلم كم مرة تم فيها عقد اجتماع طارئ .

ظهرت على وجوه النبلاء، الذين دخلوا القصر الإمبراطوري فور شروق الشمس، علامات الضجر و الملل .

قبل بضعة أشهر فقط، كان الاجتماع مجرد ساحة للتنافس وتأكيد مصالحهم الخاصة، أما اجتماعات النبلاء الأخيرة، فكانت تهدد بسلبهم مصالحهم التي يحتفظون بها .

لكن عندما دخل النبلاء قاعة الاجتماعات الكبرى، أصيبوا ببعض الحيرة .

كان الدوق الشاب يجلس في مقعد الدوق مادلين. أومأ الابن فقط برأسه لتحيات النبلاء الذين اقتربوا منه، في إشارة إلى أنه حضر كبديل .

وعندما بدأ الاجتماع، نهض وتحدث : " أعتذر، يا سمو ولي العهد، لقد حضرت بالنيابة عن والدي الذي يعاني من اعتلال صحي."

" حسنًا، فهو لم يكن يبدو مرتاحًا عندما تحدثنا عن جدول الأعمال سابقًا."

لم يفوت الدوق مادلين أي اجتماع قط. فلا عجب أنه كان يُلقب بـ"ذو الدم الحديدي". لكن هل كان مريضًا حقًا ؟

أصبحت قاعة الاجتماعات الكبرى، التي كانت مليئة بالتكهنات، هادئة تمامًا وكأنما صُبَّ عليها الماء البارد بعد أن طرح ولي العهد المسألة مباشرة .

وبينما شكك النبلاء في ما سمعوه، صرخ الكونت كومودي : " حرب مع ڤيكاندر ! هذا مبالغ فيه للغاية … ! "

… هذا خطير !

فهم جميع من في القاعة الكبرى الكلمات التي ابتلعها الكونت كومودي .

لم يكن اندلاع حرب للإمبراطورية مع دولة أخرى أمرًا نادرًا، لكن الحرب الداخلية …! كان هذا يشكل تهديدًا للإمبراطورية، بغض النظر عن المسألة، وخاصة مع أقوى إقطاعية !

ما أدى إلى إخضاع النبلاء المعارضين دفعة واحدة كان جملة واحدة تالية من ولي العهد : " … أعتقد أن الجميع قد نسوا مطالب الدوق الأكبر."

التعويضات المالية للحرب و نسبة ضريبة المعادن .

في تلك اللحظة، احمرت عيون بعض النبلاء غضبًا. وبناءً على هذه الكلمات، غير النبلاء موقفهم وبدأوا يبحثون عن مبرر للحرب و عيونهم تشتعل .

" بالفعل، كلام ولي العهد صحيح، ألم يحاولوا في البداية توزيع تعويضات الحرب على المواطنين حسب أهوائهم، وألم يحاولوا تعديل نسبة ضريبة المعادن بنسبة غير معقولة ! "

" بالإضافة إلى ذلك، احتجزوا الدوق إلكين الذي تقدم لتمثيلنا في مفاوضات ضريبة المعادن، و اختطفوا الأميرة مادلين من القصر الإمبراطوري المهيب، يا إلهي ! لا أستطيع حتى أن أنطقها."

اختطاف نبيلة من الإمبراطورية، وفوق ذلك اختطاف خطيبة ولي العهد … !

اتفق النبلاء فيما بينهم على أن هذا كان استخدامًا واضحًا لصورة الآنسة التي تُعتبر قديسة .

في اللحظة التي كان فيها ليوبارد يراقب المشهد المُحاك بعناية بابتسامة ساخرة، رفع أحدهم يده وتحدث بحذر : " ولكن كيف يمكن اختطاف الآنسة من هذا القصر الإمبراطوري المحصن ؟ كيف تجرأ على فعل ذلك ؟ "

" ماذا سمعت عندما تحدث ولي العهد ؟ ألم يقل إنه أخذ الآنسة رهينة ! "

" ما أقصده هو …… "

تلعثم البارون وايت عدة مرات بوجه حائر وهو يختار كلماته، ثم لمح كونراد بلمحة غير واضحة . وكرر الكلمات التي قالها كونراد بلا مبالاة قبل دخوله القاعة، دون أن يلتقي به بالعين :

" … أنا قلق من أن الدوق الأكبر قد يكون قويًا جدًا لدرجة أنه تمكن من أخذ الآنسة من القصر الإمبراطوري المليء بـالحواجز السحرية و الحراس."

عندها فقط أدرك النبلاء النقطة التي أغفلوها. لقد نسوا هيبة الدوق الأكبر للحظة. وكأنه قد استمد القوة من الجو المضطرب، أضاف البارون كلمات أخرى : " إذا كنا سنخوض حربًا مع شخص كهذا … صحيح أن النصر سيكون حتمًا للإمبراطورية، لكنني أتساءل ما إذا كنا بحاجة إلى المخاطرة."

تجنب أي نبيل الحديث عن المخاطر. كان الجميع يتبادلون النظرات، وساد القاعة توتر شديد .

" … كيف يمكننا استعادة ما يحاول الدوق الأكبر ڤيكاندر انتزاعه من الإمبراطورية، دون القليل من المخاطرة ؟ "

ابتسم ولي العهد بصوته البطيء و اللامبالي وهو يتفحص النبلاء في القاعة، ثم همس بهدوء : " لدينا حلفاء سينضمون إلينا من أجل المصلحة العليا، فهل لدى الدوقية الكبرى ڤيكاندر أي حلفاء ؟ "

" …… "

" صحيح أنهم كانوا يتمتعون بقوة قتالية عالية لأنهم كانوا مع الإمبراطورية، لكن في اللحظة التي يتخلون فيها عن ولائهم للإمبراطورية و يسعون للثراء، لن يعودوا فرسانًا شرفاء، بل مجرد …… "

عيون زرقاء لامعة بشكل مخيف. كان الزجاج المُلوّن الذي يتألق في شمس الصباح يصور صورة الإمبراطور الأول الذي يشبه ولي العهد الحالي تمامًا .

حبس النبلاء أنفاسهم واستمعوا إلى كلام ولي العهد .

" … همجيون من الشمال."

أثارت النبرة اللامبالية التي قللت من شأن الدوقية الكبرى النبيلة و اعتبارهم مجرد همج حماسة النبلاء . بعد "الشيطان القاتل"، أصبح "بربري" كلمة أخرى تقلل من شأن الدوق الأكبر .

كان أمرًا رائعًا أن يتم تشويه وسحب شخص كان في مرتبة أعلى بكثير منهم إلى الأسفل، من قبل أعلى سلطة. وقد تغلغل هذا الشعور في النبلاء، وجعلتهم ينجرفون تدريجيًا وراء كلام ولي العهد .

" هل تعتقدون أنه من الصواب أن يمتلكوا تلك القوة العظمى التي صنعتها الإمبراطورية لهم ؟ "

" بالتأكيد لا ! "

توالت عبارات الرفض القوية من كل مكان . الثراء والقوة. إن طرد الدوقية الكبرى التي كانت تدعم الإمبراطورية سيخلق هيكلاً جديدًا للسلطة .

ولا يوجد قانون يمنع دخول عائلاتهم في دائرة تلك السلطة الجديدة .

— الصورة التوضيحية : هـنـا .

ابتسم ليوبارد بسخرية وهو يرى كيف نجح ببراعة في قلب موازين النبلاء، ثم أرسل أحد الخدم إلى الدوق الشاب مادلين، الذي كان بوجه جامد، لإعطائه أمرًا : " على الدوق الشاب أن ينتظر قليلاً بعد انتهاء الاجتماع."

أومأ الدوق الشاب برأسه بهدوء بعد سماع أمر الخادم .

بمجرد إعلان بدء الحرب، انشغل الجميع بالتحضيرات. تسابق أولئك الذين يعملون على تأمين تكاليف الحرب تحت الطاولة لشراء الأسلحة بضمان سندات، و جمعوا المرتزقة و فرسان عائلاتهم .

في خضم ذلك، طلب ليوبارد من الكونت هاجيس أن يجهز سلة هدايا، ثم قال للدوق الشاب : " أخطط لإرسال هدية لوالد زوجتي المستقبلية، لذا ألا يجب أن نذهب إلى قصر الدوقية معًا ؟ "

" أشكرك على كرمك و اهتمامك رغم انشغالك، سأقوم بتوصيلها بنفسي، لذا …… "

" هذا مستحيل."

بصوت غير مبال وعينين ضيقتين. نظر ليوبارد إلى كونراد بـنظرة حادة، وكأنه ثعبان يستكشف فريسته، ثم قال : " مع ذلك، هو من سيصبح والد زوجتي، أريد أن أعبر عن خالص تعاطفي، لذا رافق الكونت هاجيس."

*

*

" … الدوق مادلين ليس من النوع الذي ينهار فجأة، اذهب وتأكد مما إذا كان هناك أي شيء مريب."

" شيء مريب، هل تقصد …… "

" أي شيء يبدو متعلقًا بأوليڤيا."

لكن على عكس توقعات ولي العهد، لم يكن هناك أي شيء مريب في قصر الدوقية. أنهى الكونت هاجيس استكشافه وتوصل إلى استنتاج موجز :

الدوق مادلين شاحب اللون، و ابنته الصغرى تعتني به بعيون حمراء، و جايد مادلين يبدو مكتئبًا كشخص منفعل .

حتى خدم القصر كانوا مشغولين بالقلق على الدوق المريض .

" … أتمنى له الشفاء العاجل مرة أخرى."

أنهى الكونت هاجيس تحيته للدوق الشاب وعاد إلى القصر الإمبراطوري.

عبس ولي العهد وسأل عن الأمر التالي بوجه تظهر عليه خيبة الأمل بعد سماع تقرير الكونت هاجيس : " إذًا … هل أرسلت الرسائل إلى الحلفاء ؟ "

" … تم الانتهاء من جميع الرسائل باستثناء مملكة أوسلان."

" لماذا أوسلان ؟ آه … "

عبس ليوبارد قليلاً. لقد أرسل إلى النبلاء المتوسطين للضغط على المملكة، ثم تذكر إشاعة أن ماريا أصبحت عشيقة الأمير .

" … حسنًا، لن يختلف الأمر كثيرًا إذا غابت مملكة واحدة."

*

*

حتى بعد مغادرة عربة الكونت هاجيس، ظل مراقبو ولي العهد يراقبون قصر الدوق مادلين لفترة طويلة .

عندما أكد ديان، بعينين حادتين، أن أثرهم قد اختفى، أعلن رئيس الخدم و ڤيرونيكا خادمة إيسيلا لخدم القصر أن المسرحية قد انتهت .

فتح الدوق الذي كان مستلقيًا كالمريض عينيه . وعلى عكس مظهره عندما ترنح أمام ولي العهد، وصلت نظراته الثاقبة إلى الفارس ذي الشعر الأحمر الذي كان يقف بالقرب منه .

" … إذا كان الأمر اختطافًا، فهذا يعني أن أوليڤيا ليست في القصر الإمبراطوري."

****************************

*

إرسال تعليق (0)
أحدث أقدم

اعلان