الفصل ١٣٩ : ‏Do Your Best to Regret

{ شخص لا ينبغي أن يكون هنا }


توارَت الشمسُ الحمراءُ خلف الأفق، مُخلّفةً وراءها مسارًا طويلاً قرمزيًا من الشفق .

انسابَ الضوءُ القرمزيُّ عبر النافذة، و انتشرَ على أرضية الرخام ببطء .

لم يكن في غرفة استقبال قصر الإمبراطورة سوى صوت تقليب الأوراق .

نظرت الخادمات الشابات لبعضهن البعض. كان يجب أن يشعلن الأنوار الآن، لكن الإمبراطورة، التي عادت اليوم من قصر ولي العهد، كانت عابسة، و وصلت هذه الحالة الخانقة إلى ذروتها عندما قدمت الماركيزة أوفريم التي وصلت متأخرة رسالةً واحدة .

" … إذن."

انكسر الصمت. تلاشى صوت الإمبراطورة الهادئ. لم يعد وجهها الشاحب جميلاً، بل أصبح مخيفًا بشكل مرعب .

فهمت الخادمات الجو السائد، وغادرن غرفة الاستقبال بسرعة . في الغرفة التي لم يتبقى فيها سوى الإمبراطورة و الماركيزة أوفريم، شدّت الماركيزة أوفريم على نفسها وهي تنظر إلى الرسالة التي كانت تقرأها الإمبراطورة .

" كيف حصلتِ على هذه الرسالة ؟ "

" كانت بين دعواتي التي أرسلت إلى قصري، شعرت أنها أثقل قليلاً من الدعوات العادية … لكنني لم أتوقع أبدًا أن يكون فيها شيء كهذا."

— يُقال إن أغصان شجرة الصفصاف جميعها إخوة من جذر واحد .
يبدو اليوم أن هناك غصنًا واحدًا فقط في قصر الدوق إلكين، وهو ما يسبب لكِ قلقًا كبيرًا .
لتخفيف قلقكِ، أودّ دعوتكِ إلى مقهى إنينتيل في حوالي الساعة الثامنة مساءً .

التلميح إلى الصفصاف، رمز عائلة الدوق إلكين ! كان هذا تهديدًا واضحًا.

لمعت عينا الإمبراطورة بالغضب. كيف يجرؤ أحدهم على تهديدها، و يهددها بما يخص دافعها الخاص … من يجرؤ على فعل شيء كهذا ؟

خطرت ببالها بعض الأسماء على الفور . من قد يعاديها هي و الدوق إلكين في نفس الوقت ؟

…… أوليڤيا، لكن …

" … لم تصل بعد، كما سمعت."

تمتمت الإمبراطورة . بمظهرها اللافت للنظر، لكانت قد رُصدت بمجرد دخولها، ولكان ولي العهد قد خرج لرؤيتها كما لو كان ينتظر .

والأهم من ذلك، لم يكن لدى أوليڤيا سبب لمعاداتها الآن. فقد كشفت ماريا إثيل كل شيء عن ماضيها وكيف كانت الأميرة تستخدمها .

ترددت الإمبراطورة للحظة، و ارتجفت شفتاها. هناك شخص آخر، شخص يعاديها بقدر أوليڤيا … وهي ماريا إثيل .

" لقد تفاخرت تلك الوقحة بعلاقتها مع ولي العهد، و نجحت بالفعل في إغواء أمير أوسلان و جعلته يقع في حبها."

في آخر يوم من مأدبة الصيف، ظهر وجه ماريا إثيل في ذهنها مثل الكابوس. عيناها اللامعتان كالمجنونة وفمها الذي ينزف .

شعرت فجأة بقشعريرة في جسدها. إذا كانت ماريا إثيل تعرف أن الإمبراطورة هي من أمرت بوضع السم في الطعام، وإذا كانت تتعمد إظهار نفسها كعشيقة لأمير أوسلان من أجل الانتقام …

نظرت الإمبراطورة مرة أخرى على عجل إلى الرسالة على الصينية الفضية. كان عليها أن تجد دليلاً على أن ماريا إثيل لم ترسل هذه الرسالة .

كانت الرسالة التي قدمتها الماركيزة أوفريم تفوح منها رائحة عطر خفيف . عطر مشابه لزيت العطور الذي تفضله الإمبراطورة . كان هذا العطر منتشرًا بالفعل في الأوساط الاجتماعية في العاصمة. لم تكن هناك أي سمات أخرى يمكن أن تحدد هوية المرسل .

مقهى إنينتيل كان مقهى يفضله النبلاء بعد مشاهدة مسرحية في مسرح تشاندلر. كان يرتاده الشباب مثل ولي العهد، لكن الإمبراطورة لم تفهم أبدًا سبب هذا التفضيل .

الرسالة المرفقة للماركيزة أوفريم تحتوي فقط على طلب تسليم الرسالة المختومة إلى الإمبراطورة . الخط كان أنيقًا لكنه غير مألوف . لو كان خط أوليڤيا أو ماريا إثيل، لعرفته الإمبراطورة و الماركيزة أوفريم .

لا بد أنهم طلبوا من شخص آخر كتابتها … قرأت الإمبراطورة الرسالة مرة أخرى ثم رمشت عينيها . لم تعد ترى الكلمات بوضوح في الظلام الذي بدأ يحل .

" … كم الساعة الآن ؟ "

" تكاد تكون السادسة، يا جلالة الإمبراطورة."

عندما أجابتها بصوت واضح، نهضت الإمبراطورة فجأة . سيستغرق الوصول إلى المقهى ساعتين . مع ذلك، كان الوقت و المكان اللذان حددهما مشكلة .

" … اطلبوا إخلاء مقهى إنينتيل بالكامل، يبدو أن ضيفًا مثيرًا للاهتمام سيأتي."

مهما كان من سيأتي، عليها أن تكون مستعدة .

ارتسمت على شفتي الإمبراطورة ابتسامة باردة، و انحنت الماركيزة أوفريم بعمق كاستجابة لأمرها .

وبعد فترة وجيزة، سيطر فرسان قصر الإمبراطورة على مقهى إنينتيل بالكامل . وعندما لم يتبقى في المقهى سوى مديرته إيسيدورا و الطاهي، توجهت الإمبراطورة إلى المقهى .

* * * * * * * * * * * * * * * * * *

" يا إلهي، لدينا حجز واحد فقط اليوم، في الثامنة مساءً، في غرفة الاستقبال الكريستالية، لكنني لم أحلم أبدًا أن تكون الضيفة هي جلالة الإمبراطورة ! يمكننا الانتقال على الفور إلى غرفة الاستقبال الماسية …! "

" لا داعي."

أخفت الإمبراطورة وجهها بمروحتها، وضيّقت حاجبيها .

مقهى إنينتيل في شارع ليهرن . كانت صاحبته، السيدة إيسيدورا، كما هي دائمًا. حتى مع زيارة الإمبراطورة، تصرفت بودٍ كما لو أنها نسيت كل قواعد الإتيكيت، وكانت صاخبة و مزعجة كالعادة .

ربما بسبب حماستها الزائدة، كان صوتها يرتفع و ينخفض، خاليًا من أي وقار .

يُقال إن المقهى يعكس شخصية صاحبه، ولحسن الحظ، كان المبنى يتماشى مع الموضة على الأقل .

كانت السيدة تقف مكسورة الخاطر و تحمل دفتر الحجوزات فقط. و عندما أشارت الإمبراطورة بيديها، أخذت الماركيزة أوفريم الدفتر وسألت : "من قام بالحجز ؟ "

" أعتقد أنه كان بالأمس، قال أحد العاملين إنه استلم رسالة الحجز، وهي مرفقة بالدفتر."

كان خط الرسالة المرفقة بالدفتر هو نفسه خط الرسالة التي استلمتها الماركيزة .

" إذن، سأصحبكم إلى غرفة الاستقبال الكريستالية."

" لا داعي لذلك، الفرسان سيقومون بذلك."

أجابت الإمبراطورة بلامبالاة. كان الفرسان قد أنهوا تفتيش المكان بالكامل بالفعل، وكانوا يعرفون كل زاوية في المقهى .

لكن السيدة هزت رأسها وأضافت : " مهما فتشتم، لن تجدوا الغرفة الملحقة بغرفة الاستقبال الكريستالية، إنها سر مقهانا الذي لا أُخبر به إلا كبار الشخصيات."

… غرفة ملحقة بغرفة استقبال ؟ تجمد وجه الإمبراطورة .

قال أحد الفرسان وهو مرتبك قليلاً : " مخطط البناء لا يظهر وجود مثل هذه الغرفة ! يا جلالة الإمبراطورة."

" لقد تم بناؤها مؤخرًا ! "

أجابت السيدة بسعادة، وكأنها لا تفهم الموقف .

" كان عليكِ أن تخبرينا بذلك من البداية ! "

صرخت الماركيزة أوفريم بغضب. عادت السيدة إيسيدورا إلى الانحناء كما لو أنها فقدت طاقتها، لكن لم يشعر أحد بالشفقة تجاهها .

*

*

" يا إلهي …! "

صرخت الماركيزة أوفريم بصوت حاد . بمجرد أن فتحوا الغرفة السرية التي تحدثت عنها السيدة، اختبأ رجل واحد يرتجف تحت السرير عندما رأى الفرسان .

اتخذ الفرسان وضعية الحراسة المشددة لحماية الإمبراطورة، وقاموا في الوقت نفسه بإمساك الرجل .

هدّأت الإمبراطورة من صدمتها ونظرت إلى الرجل . كان الرجل مرتبكًا من الموقف، و يحاول الاختباء تحت السرير وهو يغطي وجهه.

كإجراء احترازي، قام أحد الفرسان بوضع قطعة قماش في فم الرجل، لكن الرجل لم يقاوم، بل أغمض عينيه فقط عندما وضع الفارس السيف على رقبته .

" هل أنت مستعد للكشف عن هوية سيدك ؟ "

" …… "

" إذا كنت تنوي الكشف عن هويته، إذن … "

" توقف."

قاطعت الإمبراطورة صوت الفارس القوي و نظرت إلى الخلف. كان وجه السيدة إيسيدورا شاحبًا و ترتجف. وعندما التقت عيناها بها، سقطت السيدة إيسيدورا على الأرض على الفور .

" يا … يا جلالة الإمبراطورة ! أنا حقًا لا أعرف شيئًا ! لو كنت أعرف أن هذا الرجل يختبئ هنا، هل كنت لأخبر جلالتك بسر هذه الغرفة ؟ "

" أنتِ لم تُسلمي حتى مخططات البناء للقصر الإمبراطوري، وأخبرتني بوجود الغرفة في اللحظة الأخيرة."

ارتجفت السيدة إيسيدورا من صوت الإمبراطورة المنخفض. لم يكن ارتعاش السيدة إيسيدورا يهمها . كان اهتمامها كله ينصب على من وضع رجلاً بهذا القدر من السذاجة هنا، وحدد موعدًا معها .

هذا هو ما كان يشغل بال الإمبراطورة. أمرت الفرسان بلهجة متعجرفة : " خذوه إلى سجن القصر مهما كلف الأمر، سأستريح قليلاً ثم أغادر."

كانت الزنزانة أنسب لكشف العقل المدبر وراء ظهر ذلك الرجل الرث من هذه الغرفة المضاءة جيدًا .

فهم الفارس كلام الإمبراطورة، وقبل الأمر بعينين غاضبتين . سرعان ما تم سحب الرجل المربوط بعنف إلى الخارج .

رأوا باب غرفة الاستقبال يغلق خلف الفرسان . وبعد أن أغلق الباب، لم يتبقى في الغرفة سوى الإمبراطورة، و الماركيزة أوفريم، و …

" يـ، يا له من موقف مزعج، يا جلالة الإمبراطورة، أنا آسفة جدًا، أرجوكِ ارحميني …"

… السيدة إيسيدورا .

لم تنظر الإمبراطورة إلى السيدة التي كانت تتوسل وتبكي، بل ألقت نظرة خاطفة على الساعة المعلقة على الحائط .

الساعة الثامنة وخمس دقائق. لقد مر موعد اللقاء المذكور في الرسالة، لكن لم يتغير شيء . ارتاحت الإمبراطورة، وضيّقت عينيها وهي تحدق في السيدة.

" لا حاجة للرحمة، كم عدد الأشخاص الذين يعرفون بوجود غرفة في غرفة الاستقبال هذه ؟ "

" سمو ولي العهد، و ثلاثة من أبناء النبلاء البارزين فقط، لا أحد آخر يعرف بوجود هذه الغرفة، وحتى لو عرفوا، لا يعرفون كيف يجدونها ! "

ولي العهد يعرف هذا السر ؟!

ضيقت الإمبراطورة عينيها وسألت مرة أخرى : " ولي العهد ؟ "

" نعم ! لقد كان مع الآنسة ماريا إثيل من قبل، لا، هذا …… "

فجأة، ارتبكت السيدة التي ذكرت ماريا إثيل، وهزت يديها التي كانت على الأرض، لكن الإمبراطورة سمعت كل شيء بوضوح.

ماريا إثيل … هل هي حقًا ماريا إثيل ؟

حسنًا، كانت دائمًا تتظاهر بالذكاء، لكنها كانت ساذجة. مثل طفلة مدللة، وكانت دائمًا تفشل في إتمام أي شيء.

مكانة عائلتها التي لم تكن كافية لتكون ولية عهد، و وضعها الحالي كعشيقة للأمير، وحتى قدرتها على تقليد مأدبة أوليڤيا.

" هاه."  أطلقت الإمبراطورة ضحكة استهزاء.

عندها فقط انفجرت الإمبراطورة ضاحكةً حتى أن الماركيزة أوفريم ارتبكت، لكن الإمبراطورة كانت تضحك على ماريا إثيل حتى أنها كادت تذرف الدموع .

لقد كانت قلقة من أن ماريا إثيل قد أصبحت مصدر إزعاج، لكن الماركيز إثيل عاد إلى إقليمه منذ فترة طويلة. من الواضح أنها لم تستطع العثور على أي شخص ليساعدها، لذلك أرسلت هذا الرجل البسيط.

كانت الصورة في ذهنها مثالية. هدأت أعصابها، ورأت الغرفة بوضوح. كان مكانًا جيدًا، بشكل مفاجئ بالنسبة للسيدة إيسيدورا .

تقدمت الإمبراطورة ببطء إلى الطاولة وجلست. سحبت الماركيزة أوفريم الكرسي لها بسرعة و وقفت بجانبها.

كانت الطاولة مليئة بالحلويات. لم تكن تنوي أكلها، لكنها كانت مزينة بذوق يروق للإمبراطورة.

" التزيين جميل."

أصبح كلامها أكثر لطفًا مع تحسن مزاجها .

" بالتأكيد، جلالة الإمبراطورة هي من علمتني ذلك بنفسها، أليس كذلك ؟ "

" متى علمتكِ أنا …… ؟ "

اتسعت عينا الإمبراطورة التي كانت تجيب دون تفكير .

تغير صوت السيدة إيسيدورا. لقد تغير إلى صوت تعرفه الإمبراطورة جيدًا .

شعرت الإمبراطورة بقشعريرة في جسدها كله . نهضت السيدة إيسيدورا دون إذن. وبدأ شعرها الأشقر يتحول ببطء إلى اللون الفضي البارد . واختفى وجهها البسيط ببطء ليحل محله وجه تعرفه الإمبراطورة جيدًا .

شهقت الماركيزة أوفريم دون أن تصدر صوتًا واضحًا، لكن الإمبراطورة كانت في نفس حالة الارتباك .

هذا الشخص الذي يظهر آدابًا لا تشوبها شائبة . وهذا الشخص الذي لم تتوقع وجوده هنا.

— الصورة التوضيحية : هـنـا .

" أحيي قمر الإمبراطورية … "

… أوليڤيا مادلين .

" أتشرف بلقاء جلالة الإمبراطورة."

****************************

*

إرسال تعليق (0)
أحدث أقدم

اعلان