الفصل ١٣٨ : ‏Do Your Best to Regret

{ أمنيات الآنسة الثلاث }


عندما كان يغمض عينيه، كانت كل الحروب تعود إلى ذاكرته بوضوح تام .

من رياح الشتاء القارسة إلى حرارة الصحراء المحرقة و المناخ الرطب. كانت تلك الفترة التي يشعر فيها بالوجود من خلال الألم الذي لا ينتهي في المعارك .

عندما كان لا يعرف كيف يمر الوقت، كان الطقس هو الشيء الوحيد الذي يمكنه من معرفة مرور الأيام .

في تلك الفترة، لم يكن بجانبه سوى فرسان ڤيكاندر، لم يكن يملك سوى الشغف الذي كان ينمو على الكراهية .

فتح إدوين عينيه ببطء، و تلاشت الذكريات الباهتة في لحظة .

الغرفة لا ينيرها سوى ضوء القمر الذي يتسلل من النافذة الزجاجية. الهواء الذي يلامس بشرته دافئ، و أمامه كان والده مستلقيًا. يتلألأ سطح القطع في الحجر السحري الذي يمسك به والده .

" سمو الدوق الأكبر السابق يظهر تحسنًا واضحًا ببطء."

فكر إدوين بكلمات الطبيب التي قيلت قبل لحظات. ارتفعت زاوية فمه الوسيم ببطء.

في هذه اللحظة، كان يعيش في قمة السعادة، وكل شيء كان مثاليًا .

والده العزيز الذي ظن أنه قد مات كان أمامه، و حبيبته التي جلبت له كل هذه السعادة …

" سموك، لقد وصلت رسالة من الآنسة."

كانت تحاول أن تلعب معه لعبة طفولية لطيفة، وبطريقة تجعل قلبه يذوب من الشوق . أخذ إدوين بسرعة الظرف الأرجواني الذي قدمه له بروك و فتحه بحذر .

بدأت الجملة الأولى من الرسالة بكلمة عزيزة بشكل مدهش .

— إلى الفارس المجهول .
هذه هي الرسالة السادسة بالفعل .
ألم تجد الرسالة الأولى بعد ؟

لقد وجدها بالفعل. في تلك الليلة التي غادرت فيها أوليڤيا، كانت على مكتبه. رسالة مليئة بكلمات حازمة و دافئة تحثه على الذهاب و الخلود للنوم. ارتفعت زاوية فم إدوين بابتسامة ناعمة .

بدءًا من تلك الرسالة التي تركتها، كتبت له أوليڤيا رسائل ليتلقاها كل يوم .

رسالة، رسالتان، ثلاث رسائل … والآن الرسالة السادسة. لقد مرت ستة أيام بالفعل منذ أن غادرت أوليڤيا إلى تريستان .

الخط المكتوب بعناية على الورقة الأرجوانية ذكّره بالوقت الذي كان يتلقى فيه رسائل في مخيمات المعارك .

بالتأكيد، على عكس ذلك الوقت الذي كان ينتظر فيه الرسائل دون معرفة متى ستصل، فإنه الآن ينتظرها كل مساء، رغم أنه يعلم أنها ستصل، إلا أنه لا يزال يشعر بالترقب .

— أنا في تريستان الآن .
تأخرت قليلاً لأنني استمتعت بنزهات طوال الطريق، لكن لا تقلق، صحتي جيدة جدًا .

كان من الغريب أن تستغرق ستة أيام للوصول إلى مكان يمكن الوصول إليه في يومين أو ثلاثة إذا أسرعوا، لكن كلمة "نزهات" جعلت إدوين يبتسم ببطء .

كانت الرسالة تتبعها حماسة حول ما ستفعله في تريستان، وقلب طيب يصلي من أجل الدوق الأكبر السابق، و تحية دافئة تتمنى أن يكون الجميع بخير .

الفقرة الأخيرة في كل الرسائل الست كانت متشابهة .

— أتوق بشدة لتلقي ردك يا إدوين، لكن اجمعها و احتفظ بها .
أريد أن أقرأ رسالتك شخصيًا أمامك عندما أعود .
إذا صبرت و انتظرت، سأعود ومعي هدية رائعة .
من الشخص الذي يتمنى بصدق أن تحقق جميع أمنياتك، ليڤ جرين .

بينما كان إدوين يقرأ الرسالة مرارًا وتكرارًا، قال بروك بنبرة قلقة وهو ينظر إلى الظرف : " … هل نرسل لها الظروف التي نستخدمها نحن ؟ "

اللون الأرجواني كان لافتًا جدًا للنظر. إذا كان يتم توصيل الرسائل بواسطة عامل توصيل عادي، فهناك احتمال بأن تضيع أو يسرقها شخص ما. فعائلة ڤيكاندر لديهم الكثير من الأعداء .

كانت هذه الرسالة مرسلة من آنسة الدوق الأكبر. وهذا يعني أن هناك احتمالية ألا يتردد أحد في تزوير خط يدها أو استخدام نفس لون الورق لإحداث ارتباك .

لكن إدوين ضحك بخفة وهز رأسه .

" لا يهم إذا قلدوا خطها أو استخدموا نفس الورق."

" تبدو واثقًا جدًا يا سمو الدوق الأكبر."

" بالطبع، لقد حفظت خط يد ليڤ وأكثر من ذلك."

" بعد أن تلقيت ست رسائل فقط ؟ "

سأل بروك بدهشة. كان وجهه يجهل القصص التي انتشرت داخل القلعة عن "ليڤ جرين". لكن إدوين بدلاً من أن يوضح، طلب منه المغادرة .

وبعد أن غادر بروك، ظلت عيناه الحمراوان تحدقان بحب في الكلمات المكتوبة على الرسالة .

— الصورة التوضيحية : هـنـا .

خطٌ أنيقٌ مكتوبٌ بعناية. خطٌ أنيق يجمع بين الميلان و الانضباط. كان خطًا مألوفًا لديه من كثرة ما رآه في ساحات المعارك .

* * * * * * * * * * * * * * * * * *

كان الطريق طويلاً . أولاً إقليم ريتايل، ثم مقاطعة مينيرال، وأخيرًا منطقة هافييل . تنهد البارون جابرون بإحباط وهو ينظر إلى القائمة .

لحسن الحظ، كانت هذه المناطق قريبة من الحدود .

قاد البارون حصانه ببطء، و تبعه ثلاثة فرسان. وسط الهواء الذي ينساب، كانت رائحة حقول الأرز الناضجة تملأ المكان .

كانت الرائحة أشد نضوجًا من رائحتها قبل ثلاثة أيام، عندما كانت الآنسة الشابة موجودة. وتذكر بشكل طبيعي الكلمات التي قالتها بينما كانت تتفقد المحاصيل .

" علاوة على ذلك، لدي ثلاثة طلبات أريد أن أطلبها."

تحت مسمى "الطلب"، كان هذا الأمر يبدو أكثر طبيعيةً .

" أولاً، أريد أن ترسل عاملاً كل يوم لإيصال هذه الرسائل إلى ڤيكاندر بالترتيب، يجب أن تكون في هذا الظرف، وهذه الرسالة، اليوم يجب أن ترسل هذه الرسالة رقم 4."

كانت الرسائل معدة مسبقًا، من رقم 4 إلى 15. أي مجموع 12 رسالة. كانت كافية لإيهام الدوق الأكبر بوجود الآنسة في تريستان .

" ثانيًا … هل هناك موكب عربات متجه إلى العاصمة ؟ "

هل تنوي الانضمام إلى الموكب المتجه إلى العاصمة ؟

فكر البارون جابرون في ذكر الشعر الفضي اللامع و العينين الخضراوين اللافتتين للنظر ولكنه التزم الصمت. بدلاً من ذلك، أخبرها عن موكب العربات التجارية الذي يمر عبر المقاطعة ويتجه إلى العاصمة .

لقد قبل جميع طلباتها بسهولة، لكنه لم يفهم أبدًا طلبها الأخير .

" ثالثًا، أريد أن تجهز لي زيًا فارسيًا، أريده مليئًا بالدانتيل وعليه زخارف رخيصة، و المقاس يجب أن يكون مثل مقاس هذا الفارس تمامًا."

لماذا قد تحتاج إلى شيء كهذا ؟

" يا سيادة البارون ! الرسالة ! "

فزع البارون من صوت الفارس المذعور، و أمسك باللجام بعنف. كانت الرسالة التي خرجت من حقيبة الأمتعة المفتوحة قليلاً تتمايل مع الريح و تسقط على الطريق . ولسوء الحظ، سقطت على بقعة من الطين .

أسرع البارون إلى الرسالة و التقطها على عجل. كان من المفترض أن يرسلها بعد غد ! كانت هناك بقعة طينية كبيرة على الزاوية . لقد كان منظرها سيئًا.

لام البارون نفسه على ما حدث قبل لحظات، ولكنه لم يستطع إعادة الزمن .

تردد البارون للحظة، وفي هذه الأثناء، قال الفارس : " يا سيادة البارون، هناك قافلة تجارية كبيرة في إقليم ريتايل، سأذهب و أشتري نفس الظرف منها."

كانت فكرة جيدة. انتهى تردده على الفور .

ابتسم البارون بفرح و مدح الفارس .

نعم، كان الأمر مجرد تغيير ظرف .

ظرف مكتوب عليه كلمتين فقط : " إلى الفارس".

* * * * * * * * * * * * * * * * * *

في صباح مشمس باهر، استقبل ليوبارد أحد أجمل الأيام منذ سنوات. حلم بـأوليڤيا، وعندما استيقظ، سمع خبرًا سارًا .

" موكب العربات الذي غادر تريستان سيدخل العاصمة من البوابة الشمالية في الصباح ! "

بعد تقرير الكونت هاجيس، كان ليوبارد غارقًا في شعور بالنصر طوال الصباح، لكن قبل وقت الغداء بقليل، انقلب مزاجه إلى الأسوأ .

" … لقد أخبرتني، يا كونت، أن الأميرة مادلين غادرت أراضي ڤيكاندر قبل خمسة أيام."

كان صوته هادئًا و حازمًا. لقب "كونت"، لا "بيرتين" ولا "هاجيس"، جعل القشعريرة تسري في ظهره، لكن الكونت هاجيس تقبل هذا الخوف بصمت .

" وقبل ثلاثة أيام، قلت إنها توقفت في إقليم تريستان وغادرت منه على الفور."

" …… "

" إذًا لماذا … "

صوت ارتطام المكتب كان مدويًا و قاسيًا. حاول الكونت هاجيس أن يُقوّم كتفيه المنحنيين، لكن أي شيء كان بلا فائدة أمام عيني ولي العهد الغاضبتين .

" لماذا لا يوجد حتى تقرير بأن أوليڤيا، التي كان يجب أن تمر عبر البوابة الشمالية في الصباح، قد مرت ببوابات العاصمة ؟ "

كان صوته الذي يخرج من بين أسنانه مُهددًا و مخيفًا. أجاب الكونت هاجيس بصعوبة و تردد كبير .

" أعتذر، يا سمو ولي العهد."

حتى لو كان لديه فمان، فقد كان عاجزًا عن الكلام . من كان يعلم أن الجاسوس الذي أرسله إلى إقليم تريستان قد يخفي عنه شيئًا ؟

" أعتذر يا سيدي الكونت، في الحقيقة، كان موكب العربات الذي غادر تريستان طويلاً جدًا، ولم نتمكن من التأكد من العربة التي كانت تستقلها الأميرة مادلين، كانت هناك عربات تنفصل عن الموكب و تتجه إلى مناطق أخرى، لكننا تابعنا العربات التي كانت تتوجه إلى العاصمة … لكن الأميرة مادلين لم تكن موجودة في الموكب الذي دخل العاصمة."

عندما وقفوا عند البوابة الشمالية التي كان من المفترض أن تدخل منها العربات، ولم يجدوا الأميرة مادلين، عاد إليه شعور الإحباط الذي شعر به في ذلك الوقت .

لكن الكونت لم يستطع أن يخبر ولي العهد بهذا. كل ما فعله هو أن يغمض عينيه و ينحني أمام ولي العهد .

لم يكن الغضب الذي بلغ ذروته ليخمد، لكن كان عليه أن يفعل شيئًا .

" يا سمو ولي العهد، لقد أرسلت صورًا شخصية إلى البوابات الأربعة، وحتى خدمًا من قصر ولي العهد، الشعر الفضي و العينان الخضراوان، الجميع في العاصمة يعرف الأميرة مادلين جيدًا، أليس كذلك ؟ "

ارتخت حواجب ولي العهد قليلاً . كانت هذه هي فرصته .

" بالإضافة إلى ذلك، فإن الأميرة مادلين تحب شعبها جدًا، أليس كذلك ؟ بالتأكيد ستأتي ! "

لم يلاحظ الكونت هاجيس في تلك اللحظة المضطربة أن هناك كلمة في حديثه، الذي كان يؤكد مجيء الأميرة مادلين إلى العاصمة، قد أزعجت ولي العهد .

كلمة "شعبها". انزعج ليوبارد الذي فجأة طُرد من دائرة أوليڤيا، و تجهم وجهه. كانت هالة حادة و مخيفة تخرج منه.

" يا ولي العهد … هل أحتاج حقًا للمجيء إليك بنفسي ؟ "

فُتح باب المكتب دون إذن، و دخلت الإمبراطورة .

لا شك أنها جاءت لتطلب دعم لابنتها. كانت وجنتاها الشاحبتان واللتان ذبلتا في بضعة أيام، تقضي على جمال الإمبراطورة وعظمتها .

ليوبارد، الذي كاد أن ينفجر غضبًا، تنهد بانزعاج، ثم طلب من الكونت هاجيس الذي كان يرتجف، أن يغادر .

" … بما أن مظهرها لافت للنظر كما قلت، اذهب واعثر عليها وأحضرها بسرعة."

مظهر لافت للنظر. فهمت الإمبراطورة سياق الكلام على الفور، وضاقت عيناها.

" يا ولي العهد، هل هذا يعني أن تلك الأميرة مادلين جاءت إلى العاصمة ؟ "

* * * * * * * * * * * * * * * * * *

في منتصف النهار، عندما كانت الشمس مشرقة، كان الخادم المسؤول عن حراسة البوابة الشرقية يتثاءب بملل .

نظر بملل إلى العربات الممتدة عند البوابة .

" يا إلهي، تفتيش العربات ! ما هذا الهراء ؟ "

" ألم تسمع الأخبار ؟ يبدو أن شخصًا ما أهان العائلة المالكة في القصر الإمبراطوري …! "

كانت همساتهم عالية .

لقد انتشرت أخبار في صباح اليوم عن دخول موكب العربات من البوابة الشمالية، لكن لسبب غير معروف، أمر الكونت هاجيس بتشديد الحراسة بشكل غير مسبوق .

وبسببه، كان الخادم واقفًا هنا دون أن يأكل الغداء. مهمته كانت فحص كل شخص ينزل من العربات أثناء تفتيش الحراس لها .

عادة ما تكون العربات التي تصل في وقت الغداء مملوكة لأشخاص متشابهين : القرويون القادمون لزيارة العاصمة بعد المهرجان، أو التجار .

كان الخادم ينظر إلى الناس بلامبالاة عندما مال رأسه .

" … انتظر لحظة ! "

كان المظهر مألوفًا. خادمة في منتصف العمر و ممتلئة، و آنسة قروية شابة تغطي شعرها و وجهها بالكامل بشال قديم و ملون، لكن لسبب ما، كانت الهالة التي تحيط بهما مختلفة.

وقفت الخادمة أمام الآنسة الشابة وسألت : " هل هناك أي مشكلة مع آنستي ؟ "

" هل يمكن أن ترفعي غطاء رأسك، يا آنسة ؟ "

عندما شعر ثلاثة حراس بوجود شيء غير عادي، اقتربوا، و بدت الخادمة مرتبكة عندما رأتهم يقتربون بتهديد .

حدّق الخادم في الآنسة الشابة، وحاول جاهدًا أن يتذكر الأميرة مادلين التي رآها من قبل. شعر أن هناك شيئًا متشابهًا .

كان قلبه ينبض بسرعة، فقد انتشرت شائعات حول إصرار ولي العهد على البحث عن الأميرة مادلين، إذا وجدها هنا …

ابتلع ريقه دون وعي. في اللحظة التي كانت فيها يد الخادم المرتعشة تتجه نحو شال الآنسة الشابة .

" … ما الخطب ؟ "

…… ماذا ؟

مع نبرة كلام غريبة، خرج رجل يرتدي زي فارس غريب من خلف العربة. لم يصدق الخادم عينيه .

كان هذا الزي أقرب إلى زي مهرج منه إلى زي فارس. حتى السيف الذي كان يرتديه في خصره كان رخيصًا، و أشبه بسيف مرتزق قروي وليس بفارس .

خابت آماله. مستحيل أن تكون الأميرة مادلين مصحوبة بشخص كهذا. بينما كانت آماله تتلاشى، أنزلت الآنسة الشابة غطاء رأسها قليلاً . ظهر شعر بلون القش و وجه عادي .

" يا إلهي، يا آنستي، أسرعي وغطي وجهك، سأُقتل إذا أكتشفت السيدة الأمر."

كان الفارس يتكلم بلهجة فظة و وجهه يشير إلى الإحراج.

آه … كانت الأميرة مادلين التي يتذكرها جميلة جدًا رغم مظهرها الكئيب، وكانت لديها كرامة لا يمكن تجاوزها . هذه المرأة لم تكن الأميرة مادلين أبدًا .

" … يمكنكما الذهاب."

تنهد الخادم بخيبة أمل. فجأة، تلاشت أحلامه مثل فقاعة. تحركت العربة ببطء بعد أن سُمح لها بالمرور، و تطايرت الزينة المتدلية من زي الفارس بفعل الهواء .

لم تدخل الأميرة مادلين العاصمة بعد.

عاد الخادم الذي يحرس البوابة الشرقية إلى التثاؤب وهو ينظر إلى العربات الممتدة . وبسبب ذلك، لم يرى وجه الفارس الذي احمر خجلاً من الإحراج الذي كبحه بمجرد أن مرّ من البوابة .

****************************

*

إرسال تعليق (0)
أحدث أقدم

اعلان