الفصل ١٣٧ : ‏Do Your Best to Regret

{ السبب الوجيه و المصلحة الفعلية، وخطة تجاه الإمبراطورة }


اتسعت عينا ديان، فبادر بالتمتمة وهو يهز رأسه بشكل غريزي : " هناك خطأ ما … "

صمتٌ دام للحظة قبل أن تنتشر كلماته، وبدأت الأجواء تصبح متوترة .

ومع ذلك، ابتسم ديان وكأن الأمر لا شيء. كانت ابتسامته تبدو غريبة، لكنه حاول أن ينسب ذلك إلى الصدمة التي شعر بها .

كان الأمر مستحيلاً .

" لا بد أنكِ فهمتِ شيئًا خاطئًا يا آنستي، نحن نتحدث عن اللورد كالتر و اللورد إنترفيلد ! اللورد إنترفيلد نبيل وهو يمثل ڤيكاندر في القصر الإمبراطوري، أما بالنسبة للورد كالتر، فلا يعلم الكثيرون حتى أنه ذهب إلى العاصمة ! "

توقفت كلمات ديان التي كانت تخرج بسلاسة، و ظهر على وجه بيثاني التي كانت تنظر إليه بانتباه، علامات الصدمة. أومأت أوليڤيا برأسها بهدوء .

" صحيح، من المحتمل أنني فهمت الأمر بشكل خاطئ، ولكن مجرد معرفة ولي العهد بوجود اللورد كالتر في العاصمة، هذا في حد ذاته ليس جيدًا."

" يجب أن نعود فورًا و نخبر الدوق الأكبر، و نتقدم مع فرقة الفرسان، يا آنستي."

لمعت عينا ديان الخضراوان بغضب. كيف يجرؤ أحد على احتجاز اثنين من نواب قادة ڤيكاندر !

" ڤيكاندر لا تخشى الإمبراطورية، يا آنستي، إذا عدنا و أخبرنا الدوق الأكبر فورًا، يمكننا أن نخرجهما في غضون عشرة أيام."

خرجت كلماته من بين أسنانه بشكل مرعب. وعلى عكس وجهه الذي كان محمرًا من الغضب، كانت هالة الهدوء التي تحيط به مخيفة. كان ديان سيزيلين غاضبًا الآن كفارس، لكن أوليڤيا هزت رأسها .

" إذا ذهبنا مع فرقة الفرسان، فسوف يعتبر القصر الإمبراطوري ذلك تمردًا."

" فليكن تمردًا ! على أي حال، ستصبح ڤيكاندر منطقة مستقلة قريبًا … ! "

" الأهم بالنسبة لي هو حياتهما."

" لكن …! "

" إذا اندلعت حرب حقيقية، فسيتركون اللورد كالتر و اللورد إنترفيلد على قيد الحياة في البداية كرهائن، ولكن كما قلت يا لورد سيزيلين، إذا أصبح النصر مؤكدًا لنا، فسوف يطبّقون عليهما قانون الدولة."

قانون الدولة ؟ عند هذه الكلمة، أدرك ديان أنه لم يسمع سبب احتجاز الفارسَيْن. هل تم احتجازهما قسرًا ؟

" … أخبرني أنهما محتجزان بتهمة إهانة العائلة الإمبراطورية."

" لكن يا آنستي، أي أحمق سيُقدم على قتل رهينتين مفيدتين ؟ كلما أصبح النصر واضحًا، سيضطرون في النهاية إلى تسليمهما لنا."

" لا أعرف شيئًا عن الحروب، لكن إذا نشب نزاع بسبب إهانة العائلة الإمبراطورية، فإن كل من أهانها في النهاية يُقتَل."

توقف ديان للحظة. بدا عليه الارتباك من هذا الجانب من الأمور، الذي يختلف عن الحروب التي خاضها مرارًا وتكرارًا .

" … لماذا ؟ "

" لأن فرانز إمبراطورية."

ارتسم على وجه ديان نظرة عدم فهم، لذا واصلت أوليڤيا حديثها بهدوء .

" في الإمبراطورية الوحيدة في القارة، تُعتبر 'إهانة العائلة الإمبراطورية' خيانة عظمى، وإذا تسببت في حرب، فإنها ستكون 'الشرارة التي أشعلت الحرب' ذاتها."

" …… "

" قبل أن يُحسم النصر، سيبقون على الخائنين أحياء بذريعة أنهم سيتعاملون معهم دفعة واحدة، ولكن عندما يُحسم النصر، سيقتلونهم دفعة واحدة بحجة 'إخماد الشرارة التي أشعلت الحرب'، لإنهاء القتال."

" … إذا ماتت الرهينتان، فمن سيوقف الحرب في هذه الحالة ؟ "

كان مجرد التفكير في ذلك أمرًا لا يُحتَمل. شدّ ديان قبضته .

" بالطبع لن تتوقف الحرب، عندئذٍ، سيعلن الحلفاء انضمامهم للحرب، بحجة مساعدة الإمبراطورية، حتى لو كانت ڤيكاندر هي القوة التي تحمي الإمبراطورية، فإن العائلة الإمبراطورية، التي تحمل لقب 'فرانز' هي التي عقدت التحالفات مع الدول الصديقة."

" هذا يعني أن المشاركة في الحرب في النهاية … "

توقف ديان عن الكلام وقبض على يده. واصلت أوليڤيا بهدوء.

" إذا ساعد الحلفاء العائلة الإمبراطورية، فقد تصبح حربًا أكبر، وبالتأكيد، ستكون ڤيكاندر أيضًا في خطر."

" ذلك … ذلك المجنون ولي عهد الإمبراطورية … "

تمتمت بيثاني وهي ترتجف. وافقت أوليڤيا بيثاني الرأي .

ليوبارد قد جنّ حقًا. الشروط التي قدمها لي الآن توازن بشكل خطير على حبل مشدود بين 'السبب الوجيه و المصلحة الفعلية'، وهما شيئان كان يقدّرهما بشدة .

مصلحة يمكن إخفاؤها بسهولة تحت ذريعة السبب الوجيه المتمثل في التمرد و الحرب الأهلية التي بدأت بإهانة العائلة المالكة .

في مأدبة الصيف، رأت الممالك التي زارت إمبراطورية فرانز الشرخ بين ڤيكاندر و العائلة الإمبراطورية .

الشرخ بين أقوى سيف للإمبراطورية والعائلة الإمبراطورية . وبينما كانت هناك دول مثل هڤرتي تنظر إلى ڤيكاندر بود، كان هناك بالتأكيد ممالك ترى ڤيكاندر شوكة في خاصرتها .

كانت تكهنات أوليڤيا قابلة للتحقق. لهذا السبب، إذا رافقت فرقة الفرسان لاستعادة الفارسَيْن، فستمنح العائلة الإمبراطورية ذريعة التمرد فقط .

نظرت أوليڤيا إلى ديان مرة أخرى . يبدو أن ديان أدرك مدى خطورة الوضع، فقام بعضّ شفتيه، لكنه لم يفقد الأمل، فتوسل إلى بيثاني.

" يا بيثاني ! ماذا عن سحرك ؟ "

" … القصر الإمبراطوري محمي بسحر الدرع، لا يمكنني فعل شيء."

قالت بيثاني وهي تحاول كبح غضبها .

لماذا القصر الإمبراطوري بالتحديد ؟

بالإضافة إلى وجود العديد من سحرة البلاط الذين يمكنهم إبطال سحرها. شدّت بيثاني قبضتها .

رغم أن وادي سينوا كان كذلك، لم تستطع تصديق أنها عاجزة بهذا الشكل كسّاحرة . لو كانت تمتلك قوة أكبر قليلاً، لكان هذا الدرع السحري مجرد عقبة بسيطة .

في هذه الأثناء، قالت الآنسة بوضوح : " هدفي هو عودة اللورد كالتر و اللورد إنترفيلد بسلام إلى ڤيكاندر."

" ولكن يجب أن تخبري الدوق الأكبر، لابد أنه يعلم بمكانهما … "

" أريد أن أُؤجّل إخبار إدوين إلى النهاية، إذا علم، فسوف يأتي إلى العاصمة على الفور."

ثم أضافت أوليڤيا بصوت خافت : " … لا يمكنني أن أجعله يترك الدوق الأكبر السابق."

لا يمكنها أن تبعده عن الدوق الأكبر السابق، الذي قد يستيقظ في أي لحظة . انتهى كل الشرح. لم يعد هناك سبب يمنع أوليڤيا.

ومع ذلك، قالت بيثاني بقلق : " لكن يا آنستي، مقابلة ولي العهد أمر خطير جدًا."

" ولي العهد ؟ "

" نعم ؟ "

" ذهابي إلى القصر الإمبراطوري ليس من أجل مقابلة ولي العهد، قد لا يكون مفيدًا، ولكن لدينا أيضًا رهينة، أليس كذلك ؟ "

" رهينة ؟ "

" شقيق الإمبراطورة، و مركز قوة فصيل النبلاء."

الدوق إلكين ؟

مرت نظرة فهم سريعة على وجهي ديان و بيثاني المذهولين .

" حتى لو لم يهتم الإمبراطور و ولي العهد، ألا تعتقدان أن الإمبراطورة ستبذل قصارى جهدها لاستعادته ؟ "

لا تعرف قيمة الدم، لكنها تعرف جيدًا أن الإمبراطورة و الدوق إلكين كانا يستخدمان بعضهما للسيطرة على فصيل النبلاء .

بعد أن عزلت الأميرة نفسها لفترة، لا بد أن الإمبراطورة تحاول الآن تحسين صورة الأميرة من خلال الدوق إلكين.

" ولكن هذا وحده لا يكفي … "  كان وجه بيثاني قلقًا .

" أعلم، من الأفضل أن تكون لدينا حوائط دفاعية من كل الجهات."

نظرت أوليڤيا إلى ما خلف بيثاني و ديان و أومأت برأسها. كانت ترى البارون جابرون يستعد للمغادرة بعزم وهو ينظر إلى فارسيه .

" … يبدو أن هناك العديد من الأراضي التي تحتاج إلى مساعدة 'القديسة'، وليس فقط البارون."

لم تكن تريستان هي المنطقة الوحيدة التي أرسلت رسائل إلى أوليڤيا. هناك منطقة ريتايل، و منطقة مينيرال، و منطقة هافييل، بالإضافة إلى المناطق الصغيرة و الكبيرة التي تحكمها الأميرة .

" أخبروا جميع القائمين بأعمال اللوردات في هذه المناطق بنفس الكلام الذي قلته للبارون، عندها، سيتمكنون من الحصول على الحبوب و الخبز لحل أزمة الغذاء الحالية."

الأمور التي أمرت بها جعلتها محفورة في ذاكرة اللوردات على المناطق. كان أمرًا سخيفًا، لم يتوقعه أي منهما .

قد يرفض البعض، ولكنها اعتقدت أن ريتايل على الأقل، التي عانت من المجاعة في الربيع، ستكون في صفها .

" هل أنتِ راضية عن وجود خطتَي دفاع ؟ "

" إذا كان هناك واحدة أخرى … "

توقفت أوليڤيا التي كانت تجيب على سؤال ديان. توقفت يدها التي كانت تلامس شعرها دون وعي .

عندما رأت خصلات شعرها الفضية التي انزلقت بين أصابعها، تذكرت تلك الوجوه الحزينة التي كانت تنظر إليها .

هزت أوليڤيا رأسها . تلك الوجوه، وتلك التعبيرات كانت ورقة غير مضمونة. ورقة غير كاملة، لا يمكنها أن تضمن أنها ستكون في صفها في موقف رسمي .

" لا تقلقوا."

قالت أوليڤيا بكلمات قوية وهي ترفع رأسها، ثم لمست رقبتها الخالية من القلادة .

" لقد صليت، من أجل أن يعود اللورد كالتر و اللورد إنترفيلد بسلام إلينا."

* * * * * * * * * * * * * * * * * *

" جلالة الإمبراطور، انظر إليّ، ألا تشفق عليّ وأنا أنتظر هنا بصمت دون أن أتلقى منك كلمة واحدة ؟ "

لقد مرت ساعتان وهي واقفة في مكتبه. هذا هو الأسبوع السابع الذي تفعل فيه ذلك. كان الأمر مخزيًا أن تقف في مكتب الإمبراطور و تتوسل إليه أن يلتفت إليها .

في النهاية، انهارت الإمبراطورة و جلست على الأريكة، وهي تتوسل إليه بصوت متألم .

انهمرت دموعها الحارة على وجهها الجميل، لكن الإمبراطور، الذي كان جالسًا خلف مكتبه، لم يمنحها حتى نظرة واحدة .

" يا إلهي، يا جلالة الإمبراطور، ألا تسير الأمور بشكل جيد ؟ لقد تم حبس هذين الرجلين من ڤيكاندر في الزنزانة، و ولي العهد استدعى الأميرة مادلين، ألم يحن الوقت لتتخلى عن غضبك ؟ "

" … اذهبي الآن، أيتها الإمبراطورة."

لكنها لم تستطع أن تعود كما طلب الإمبراطور. فابنتها الأميرة ظلت تبكي و تنهار لأيام حتى أصبحت هزيلة للغاية .

" يا جلالة الإمبراطورة، أمي، لن يتخلى عني الإمبراطور، أليس كذلك ؟ أمي، فقط مرة واحدة، تحدثي مع جلالة الإمبراطور لأجلي."

على أمل أن يؤثر العطر الذي وضعته بعناية على الإمبراطور و يتوقف عن غضبه، مزجت الإمبراطورة بكاءها بالدلال .

" الأميرة نادمة بصدق، يا جلالة الإمبراطور."

" …… "

" يا جلالة الإمبراطور، إنها الأميرة الوحيدة للإمبراطورية … "

" … لأنها الأميرة الوحيدة في الإمبراطورية، لم أرسلها كما فعلت مع ماريا إثيل."

" جلالة الإمبراطور، كيف تقارن الأميرة بمجرد ابنة ماركيز …! "

" أيتها الإمبراطورة ! "

تردد صدى صوته المرعب في المكتب، و حبست الإمبراطورة أنفاسها و أغلقت عينيها.

لقد اعتقدت أن هذا الهدوء هو فرصتها، لكنها كانت مخطئة. ارتجف جسدها لا إراديًا من الغضب الذي كان يملأ عينيه بلون البحر .

نظرة استهزاء باردة و مرعبة وجهها إليها، وقال : " أيتها الإمبراطورة، ما زلتِ لا تعلمين ؟ أن ابنة الماركيز التي تحتقرينها، أصبحت بالفعل عشيقة الأمير في أوسلان ؟ "

" … ماذا ؟ "

للحظة واحدة، لم تصدق الإمبراطورة أذنيها . لقد أرسلت ماريا إثيل إلى نبيل من الطبقة المتوسطة، حتى لا تستطيع العودة أبدًا. فمن أين يأتي ذكر الأمير فجأة ؟

إذا كان أمير أوسلان، فهو الرجل الذي كانت تفكر في تزويج ابنتها به قبل إرسال ماريا إثيل .

وكأن رد فعل الإمبراطورة أضحكه، تنهد الإمبراطور وقال : " أجل، لقد تفاخرت تلك الوقحة بعلاقتها مع ولي العهد، و نجحت بالفعل في إغواء أمير أوسلان و جعلته يقع في حبها."

" …… "

" لو كانت الأميرة تمتلك ولو القليل من تلك المهارة، لكنت سيطرت على ذلك الدوق الأكبر منذ زمن بعيد، ولما كنت في هذا الموقف."

" كـ، كيف …! "

— الصورة التوضيحية : هـنـا .

في لحظة، ارتجفت يدا الإمبراطورة. كانت كلماته صادمة لدرجة أن دموعها جفت فجأة، وكأنه يقارن الأميرة …

" كيف تقارن الأميرة بتلك … "

" لهذا السبب، كان عليكِ أن تقومي بعملكِ بشكل أفضل، كان عليكِ منع الأميرة من التصرف بتهور بينما كانت تتمتع بصورة القديسة."

اخترقت كلماته الباردة قلب الإمبراطورة كخنجر، و حدق بها بنظرة قاسية .

" لم تستطيعي حماية ابنتكِ كأم، ومع ذلك تتوقعين مني الكثير، أيتها الإمبراطورة."

*

*

" آآآآه ! "

دوّى صراخ الإمبراطورة في الغرفة. تأكدت الماركيزة أوفريم من إغلاق الباب بإحكام ثم انحنت .

ألقت الإمبراطورة بكل ما على منضدة الزينة على الأرض. وفي وسط صوت الأشياء المتكسرة، نظرت الإمبراطورة إلى نفسها في المرآة بعيون ملؤها الغضب .

كان الغضب يملأ قلبها لدرجة أنها شعرت بالخزي .

" كيف يمكنه أن يقول لي مثل هذا الكلام …! "

لقد نسي تمامًا أنه كإمبراطور لم يستطع حل مشكلة الدوق الأكبر بنفسه و تركها لأبنائها، وفي النهاية يلقي باللوم على الإمبراطورة !

وبعد ذلك، يجرؤ على مقارنة ماريا إثيل، الفتاة الوقحة، بابنتها العزيزة ؟ صرّت الإمبراطورة على أسنانها 

" … لو كان أخي معي، لما كنت مقيدة الأيدي هكذا."

خرجت أنفاسها المليئة بالغضب من بين أسنانها .

الدوق إلكين، الذي كان يدعم ماريا إثيل، تخلى عنها بعد أن سارت الأمور بشكل خاطئ، ولكنه جاء يتوسل للإمبراطورة بعد فضيحة الأميرة .

لم تكن رغبته بمساعدة الأميرة على استعادة مكانتها نقيًا، لكن في الوقت نفسه، لم يكن الوضع يسمح لها بعدم الوثوق به .

لو كان الدوق إلكين موجودًا، فسوف يستطيع أن يعيد الأميرة إلى دائرة المجتمع و يجعلها تحظى بفرصة أخرى، لكن قبل بضعة أيام، اختفى الدوق إلكين، مركز قوة فصيل النبلاء، فجأة .

التفتت الإمبراطورة بشكل هستيري. بقيت الماركيزة أوفريم و الخادمات جامدات في مكانهن، و رؤوسهن منحنية .

" ألا يوجد أي أحد يعلم بمكان الدوق إلكين بعد ؟ "

تردد صراخها الحاد في الغرفة. كل هذا حدث قبل ثلاثة أيام فقط من وصول تلك الرسالة الغريبة إلى الإمبراطورة .

****************************

*

إرسال تعليق (0)
أحدث أقدم

اعلان