الفصل ١٣٠ : ‏Do Your Best to Regret

{ صلاة المعالج جيرون المستجابة }


" اهربوا ! المعبد يحترق ! "

" يا إلهي، هل رأيت عيني ذلك الرجل ؟ إنهما خضراوان ! كيف يجرؤ هذا الوضيع أن يأتي إلى هنا ! "

على الرغم من مرور عشرات السنين، كان جيرون لا يزال يرى ذلك الموقف بوضوح كلما أغمض عينيه .

كانت بلاده "لوڤيل" قد انهارت بسبب الفجور و الطمع، و أشخاص مثله كانوا يسعون فقط لإنقاذ حياتهم، ثم جاء الاحتقار من نبلاء الإمبراطورية الذين استحوذوا على لوڤيل بشكل طبيعي .

لون عينيه، الذي كان دائمًا مصدر فخره، تحول إلى رمز للاحتقار. كان الوضع نفسه أينما ذهب .

وبعد سنوات من التشرد، فر خائفًا إلى هذا الوادي .

في هذا المكان الخالي من السكان، بنى جيرون "منزلاً" بمهارة متواضعة، وسعى جاهدًا لاستعادة حياته المفقودة .

كان ينظف الفناء كل صباح، و يتناول طعامه في وقته، وعندما يأتي الليل، كان يصلي كعادته . وعندما يغمض عينيه و يفتحهما، يعود الصباح من جديد .

كان "المنزل" معزولاً، لا يزوره أحد. كان يمر اليوم وهو يرتجف من الوحدة الشديدة .

كان يصلي بلا توقف أملاً في أن يأتي شخص في نفس وضعه، ولكن لم يأت أحد . بدأ الأمل و التوقع بالضمور. كان على وشك نسيان الصلاة، ونسيان أنه كان خادمًا كمعالج .

" هل هناك أحد … هنا ؟ "

" مـ، من أنتِ ؟ "

كانت أول زائرة لهذا "المنزل" معالجة مبتدئة كانت معه في المعبد. كانت حاملاً و شديدة الخوف، وعندما شعرت بالراحة، أمسكت بجيرون و بدأت تبكي بمرارة .

منذ تلك اللحظة، بدأ جيرون بالصلاة مرة أخرى لروينا. في تلك الأثناء، غادرت المرأة المنزل مع طفلها، لكن جيرون لم يعد وحيدًا .

فبعد تلك المرأة، بدأ أبناء لوڤيل يزورون "المنزل" بين الحين و الآخر. كان ذلك نادرًا، ولكنه لم يكن مستحيلاً .

كان ينظف الفناء كل صباح، و يتناول الطعام مع أهل "المنزل". كان يصلي بين الحين والآخر، و يعتني بالأطفال، و يتضرع من أجل الذين لم يستيقظوا، ثم يأتي الليل .

ترددت أصداء أصوات عديدة في أرجاء المنزل . مجرد وجود شخص آخر كان كافيًا لراحة قلب جيرون، ولكن وسط هذه الراحة، كان جيرون يتذكر باستمرار أولئك الذين مروا عبر "المنزل" و خرجوا منه.

كان جيرون يخشى ما هو خارج ملاذه الآمن. كان خائفًا من الحجارة التي أُلقيت عليه، ومن النظرات والكلمات اللاذعة التي كانت مثل الخناجر .

لهذا السبب، كان يفكر أكثر في أولئك الذين غادروا "المنزل". هل يعيشون جيدًا في الخارج ؟ هل ما زالوا يبتسمون بتلك السعادة خارج هذا المكان ؟ كان يتمنى أن يبتسموا .

" لقد عدت، يا جيرون."

لهذا السبب، بالأمس، عندما ظهرت الكاهنة المعجزة، بدأ جيرون بالصلاة بأمل جديد .

" لقد وعدنا بشرب كوب من الشاي معًا."

كان يدعو أن يكون أولئك الذين خرجوا من المنزل سعداء بقدر سعادة هذه الكاهنة المبتسمة .

إذا تحققت هذه المعجزة … فبعدها …

" بالإضافة إلى ذلك، جلبت لك ضيفًا مفاجئًا … "

" جدي ! جدي المعالج ! "

ابتسمت الكاهنة التي أتت بخمس سلال من الحلويات كما وعدت، و تنحت جانبًا. كان هناك طفل مختبئًا لإحداث مفاجأة، فاندفع نحو جيرون بابتسامة مشرقة .

عانق جيرون الطفل بشكل غير متوقع، وهمس بذهول : " بـ … بن، هل أنت بن ؟ "

" جدي، اشتقت إليك ! "

لم يكن هناك شك. هذا الطفل بعينيه الخضراوين المشرقتين، كان بن الذي مر بهذا "المنزل" و خرج إلى الخارج .

بشعور طاغٍ بالفرح و الامتنان، وبمشاعر لا يمكن وصفها، عانق جيرون الطفل. وفي اللحظة التي احتضنته فيها يداه الدافئتان. أدرك أن صلاته كانت تُستجاب دائمًا .

لذا، انهمرت دموع ساخنة على خد جيرون المليء بالتجاعيد .

— الصورة التوضيحية : هـنـا .

*

*

" … لقد أريتكِ جانبي القبيح، هذا لأنني لم أتوقع أن أرى بن مجددًا."

سرعان ما تعرف الأطفال على بعضهم البعض و بدأوا يلعبون على العشب .

أمام البحيرة الهادئة، كان جيرون يبتسم بخجل وهو يراقب الأطفال، ولكن احمرار عينيه الذي كان لا يزال مليئًا بالمشاعر لم يختفي . ابتسمت أوليڤيا بلطف .

" هل تتذكر والدة بن أيضًا ؟ كانت تريد المجيء اليوم، لكنها في يوم عمل، لذا طلبت مني أن أُبلغك بتحياتها، وقالت إنها ستأتي في المرة القادمة."

" تعمل … هل هي تعمل ؟ "

" نعم، وفي فندق يرتاده الكثير من الناس أيضًا."

أكدت أوليڤيا على كلامها، بينما كان صوت جيرون يتقطع . ظل يحدق في الأطفال وكأنه يستوعب كلام أوليڤيا، وبعد فترة طويلة أطلق تنهيدة عميقة .

" … يا للعجب، كنت أدعو لها أن تعيش حياة جيدة أينما ذهبت، لكنها كانت تعيش حياة سعيدة في مكان قريب جدًا."

كانت كلماته غريبة بعض الشيء، وكأن جيرون لم يكن يعلم أن بن يعيش في ڤيكاندر .

" قال بن إن جيرون أوصاه بالذهاب إلى ڤيكاندر."

عند سماع كلمات أوليڤيا، هز جيرون رأسه وكأنه أمر مستحيل .

" أنا ؟ لم أقل ذلك قط … بن ! "

عندما نادى جيرون، ركض بن و الأطفال الذين كانوا يلعبون نحوه .

" هل قلت لك شيئًا عن ڤيكاندر من قبل ؟ "

" ليس أنت، أيها الجد المعالج … "

هز بن رأسه دون تردد و أشار إلى مكان ما.

" بل الجد ذو الشعر الأبيض ! "

كان "المنزل". بالتحديد، كانت غرفة الرجل ذي الشعر الأبيض الذي لم يستيقظ أبدًا .

" هذا مستحيل، هذا الرجل نائم طوال الوقت."

هز طفل آخر رأسه كان اسمه تيڤي، معارضًا كلام جيرون الذي قال إنه مستحيل .

" لا، أنا أيضًا سمعت الجد ذا الشعر الأبيض يقول "ڤيكاندر" في المرة الماضية."

عندما رأى جيرون وجوه الأطفال الجادة، نهض وهرع إلى "المنزل". فعلت أوليڤيا الشيء نفسه، بينما كان قلبها يخفق بقوة .

*

*

" … لم ألحظ أي تحسن في حالته."

بعد أن فحص جيرون الرجل لوقت طويل، هز رأسه. تبدد الأمل الذي كان في قلب أوليڤيا، والذي كان ينتظر تحسن حالة الرجل دون علم جيرون .

" لكن بما أنه ظل على قيد الحياة لمدة أحد عشر عامًا، يبدو أنه مقدر له أن يعيش."

" أحد … عشر عامًا ؟ "

كررت أوليڤيا كلمات جيرون وهي تشاركه خيبة الأمل.

أحد عشر عامًا … كان هذا يتزامن بشكل غريب مع الوقت الذي توفي فيه الدوق الأكبر السابق لڤيكاندر .

" نعم، منذ أحد عشر عامًا، فجأة شعرت بموجة غريبة، وعندما خرجت مسرعًا، و جدت هذا الرجل ملقى بجوار البحيرة."

" …… "

" على الرغم من أنني معالج، لم أشعر بهذا القدر من الرغبة في إنقاذ حياة شخص من قبل، لقد أدخلت عليه قوة الشفاء، لكن للأسف، لم يستيقظ حتى الآن."

" …… "

" كنت أظن أنه سيستيقظ هذه المرة."

" جـ … جيرون."

" نعم، أيتها الكاهنة."

أجاب جيرون وهو يرفع صوته الذي كان خافضًا بسبب خيبة الأمل. حدقت الكاهنة فيه للحظة قبل أن تتحدث .

" … هل كان شعره أبيض منذ البداية ؟ أم هل كان شعره أسود، أو كانت عيناه حمراوين ؟ "

إذا كان … فقط إذا كان، شعره قد تحول إلى الأبيض خلال أحد عشر عامًا .

أدركت أوليڤيا أن فرضيتها سخيفة، لكنها انتظرت إجابة جيرون. جفت شفتاها و تعرقت راحة يدها التي كانت قابضة على شالها .

وكأنه لاحظ الأجواء اليائسة، اختار جيرون كلماته بعناية .

" عيناه مصابتان بشكل سيئ لدرجة أنني لم أستطع رفع جفنيه، لذا لا أعرف، لكن لون شعره كان أبيض منذ أن أتى، أي منذ أحد عشر عامًا."

* * * * * * * * * * * * * * * * * *

بعد مغادرة وادي سينوا، كانت العربة تتجه ببطء نحو أسوار القلعة، بناءً على طلب أوليڤيا بزيارة منجم الكريستال الأبيض قبل العودة .

كانت أوليڤيا تنظر إلى الخارج المظلم وهي تسترجع ما سمعته من جيرون قبل قليل .

" بما أنكِ سمعتِ الأسطورة، فلنبدأ من هناك، يُقال إن أول ملك لمملكة لوڤيل، كدليل على اختيار روينا له، أصبحت عيناه خضراوين ملائكيتين."

" …… "

" في المعبد الذي كنتُ فيه، كان الكهنة يمثلون دور الملائكة في الأسطورة، كان هناك الملك العقلاني، وإلى جانبه الكاهن الذي يمنح اللطف و الاعتدال، كان يتم اختيارنا جميعًا، حتى نحن المعالجين المبتدئين، بناءً على لون عيوننا."

ابتسمت أوليڤيا بخفّة وهي تنظر من النافذة. وكلما انعكس وجهها، كانت تحدق في عينيها .

لقد سمعت أنه كلما كان لون العينين الخضراء أكثر وضوحًا، زادت احتمالية أن يصبح المرء كاهنًا رفيع المستوى .

فجأة، تذكرت كلمات جيرون بأن بإمكانها تحقيق أمنياتها من خلال الغناء .

"بينما تقتصر قدرات العائلة المالكة على قدرة معينة، فإن قدرات الكهنة لا حدود لها، ولكن بما أنهم ولدوا ليكونوا أحباء الحاكم، فلا يمكنهم تحقيق أمنيات إلا للآخرين وليس لأنفسهم."

" …… "

" … لكن عندما بدأت البلاد تميل إلى الانحلال، لم تعد العائلات النبيلة تختار الكهنة ليكونوا مستشارين للملك، وفي النهاية، سُلب من الكاهن الذي كنت أخدمه مفتاحًا، وهو قلادة الحجر السحري، من العائلة المالكة قبل أن يتمكن من العثور على طفل يخلفه في الكهانة."

" هذه القلادة ؟ "

" نعم، على حد علمي، كانت هناك قلادتان مثل التي ترتدينها الآن : واحدة للعائلة المالكة، و الأخرى للكهنة."

أين هي القلادة الأخرى إذًا ؟

كانت هناك العديد من الأسئلة التي لم تجد لها إجابة .

رغبة في استنشاق بعض الهواء النقي، نزلت أوليڤيا من العربة لتمشي قليلاً .

" … مهما كان ما ستقوله، لا يمكنك الدخول."

جاء صوت شجار من بعيد. بدت بوابة القلعة الحصينة وكأنها في مرمى بصر أوليڤيا.

" ماذا يحدث ؟ هل هناك ضيف غير مدعو … "

توقف ديان، الذي كان يرافقها، عن الكلام، و حبست أوليڤيا أنفاسها .

كان الظلام قد حل، ولكنها استطاعت أن تميزه على الفور. كانت العربة الواقفة أمام البوابة تحمل شعار عائلة مادلين، وبعد ذلك ……

" آه … "

وضعت أوليڤيا يدها على فمها. الدوق مادلين. أحد الدوقين الوحيدين في الإمبراطورية، يُعامل الآن كضيف غير مدعو، وهو يحاول دخول القلعة .

لماذا ؟ وما السبب ؟

اختلطت الأفكار في ذهنها، و استدارت أوليڤيا على عجل .

" لنعد، يا ديان، لقد تأخر الوقت كثيرًا … "

" أو … أوليڤيا ؟ "

تجمدت أوليڤيا عند سماع الصوت الخافت .

هذا مستحيل … هذا ليس شخصًا يمكن أن يناديها بلطف هكذا .

عندما تمكنت من التفكير بشكل صحيح مرة واحدة، لم يعد الأمر صعبًا. هزت أوليڤيا كتفيها تجاه ديان الذي كان يحدق بها بقلق .

وهمست لنفسها وكأنها تلقي تعويذة : الدوق لم يأتِ، ما رأيته للتو ربما كان مجرد وهم .

* * * * * * * * * * * * * * * * * *

" لدي خبر مضحك، و ثلاثة أخبار مثيرة للاهتمام، و سؤال واحد، بماذا تريد أن أبدأ ؟ "

في غرفة الاستقبال بعد العشاء، عندما تخلت أوليڤيا فجأة عن دورها في اللعب، ألقى إدوين أوراقه و توهجت عيناه وسأل : " أريد أن أسمعها بالترتيب، ما هو الخبر المضحك ؟ "

" لقد تحققت توقعات إدوين، جيرون يريد أن يغادر وادي سينوا ويأتي إلى ڤيكاندر."

" أوه …! " تفاجأ إدوين قليلاً . " و الباقون ؟ "

" سيأتون جميعًا."

" إنه ليس خبرًا مضحكًا، بل خبر سعيد، وما الأخبار المثيرة للاهتمام ؟ "

" إنها أخبار العاصمة، الأميرة منعزلة، و الكونتيسة إثيل قد تزوجت، و الدوق إلكين أصبح شخصًا مختبئًا."

لم يبدو إدوين متفاجئًا .

" هل كنت تعلم ذلك ؟ "

" نوعًا ما، علمت فقط أن هناك شائعات بأن سبب انعزال الدوق إلكين هو شعوره بالذنب لعدم تمكنه من إيقاف الكونتيسة إثيل."

" يبدو أن مصدري للمعلومات أغفل شيئًا، لكن الشائعات لا يمكن الوثوق بها حقًا، كيف يمكن لشخص زار ڤيكاندر بنفسه أن يكون مختبئًا ؟ "

قالت أوليڤيا ذلك ببراءة. ارتجف صوتها من التوتر، و يبدو أن هذا الرجل الفطن قد أدرك أن كلماتها الأخيرة هي لب الموضوع .

" إذًا، لم يتبقى سوى شيء واحد، ما هو السؤال ؟ "

حدقت أوليڤيا في عينيه الجادتين، و حركت شفتيها عدة مرات، ثم طرحت سؤالها ببطء : " … سمعت أن الدوق مادلين قد وصل إلى أراضي ڤيكاندر."

" …… "

" … هل هذا صحيح ؟ "

ارتجف صوتها قليلاً في النهاية. لم يكن الأمر مقصودًا، لكنه كان كافيًا لإظهار رغبتها في أن تكون الإجابة "لا".

إذا قال إدوين "لا"، فإن كلماته ستصبح الحقيقة بالنسبة لها .

سواء أعاد إدوين الدوق مادلين سرًا دون علمها، أو عاد الدوق المرهق من تلقاء نفسه، فإن كل ما رأته و سمعته سيكون وهمًا .

لكن إدوين أومأ برأسه بسهولة شديدة .

" نعم، لقد وصلوا، كما يقولون."

****************************

*

إرسال تعليق (0)
أحدث أقدم

اعلان