" لأكون دقيقًا، لم يصل الدوق مادلين وحده، بل وصل معه ابنه البكر المتغطرس وابنه الثاني الجاهل."
" …… "
إنه مزعج .
إدوين، الذي يعرف جيدًا ما يعنيه صمت أوليڤيا و يتظاهر بأنه لا يعرف، كان مزعجًا للغاية، ولكن …
" يبدو أن مصدر معلومات أوليڤيا الرائع قد أغفل معلومتين : سبب اختباء الدوق إلكين، و عدد أفراد عائلة مادلين الذين وصلوا إلى أراضي ڤيكاندر."
حتى طريقة هز يده مع فرد سبابته و إصبعه الأوسط كانت جذابة .
" حسنًا، ما زالت صغيرة على أن تكون مصدر معلومات، ألا تفكرين في إرسال هدية إلى مصدر معلوماتك العزيز ؟ بالمناسبة، أرسل البارون ستون للتو سوارًا من الزمرد و الجمشت."
وكانت ابتسامته المشرقة في غاية الجمال .
" آه، إذا كان مصدر معلوماتك العزيز يتشارك معكِ نفس الأفكار، سيكون من الجيد أن ترسلي لها صورة شخصية لي كهدية، فأنا أعرف آنسة شابة جميلة، تجسدت فيها فضيلة أن تسلّم أولاً على عائلة خطيبها حتى لو بصورة، بدلاً من إلقاء نظرة على خطيبها أولاً."
وعندما يبدو حاقدًا جدًا، فإنه يصبح مزعجًا للغاية …
" … مزعج."
" … ماذا ؟ "
بعد الانتهاء من الإفطار، كان ديان، الذي جاء لإخبارها بأمر ما، يحدق في أوليڤيا بتعبير مصدوم .
أمامها، كان إدوين يرفع فنجان الشاي بحركة أنيقة .
لم يكن يكفي أن بقايا غضب الليلة الماضية قد امتد إلى الصباح، بل إنه جعلها تنسى كلام ديان أثناء تفكيرها في تصرفات إدوين .
قبل أن تتمكن من التبرير لتصرفها غير المعتاد، تحدث إدوين أولاً : " هذا قاسٍ يا أوليڤيا، ديان يقول إنه أراد أن يخبرك بذلك أولاً."
" لا ! لا بأس ! ربما يكون أمرًا مزعجًا أن أخلع العدسات الآن، هاهاها."
" … ماذا ؟ "
كان ديان في حيرة تامة، لذا أضاف بصوت أكثر انخفاضًا : " … بما أن العيون الخضراء أصبحت أكثر شيوعًا، فقد يبدو الأمر كأنني أسير فقط مع التيار كجبان … "
خلع العدسات ؟ ديان ؟ و الكلمة التي قالتها قبل قليل … الآن فقط فهمت أوليڤيا الوضع وصرخت : " الشخص المزعج الذي كنت أتحدث عنه هو إدوين ! "
" … أنا ؟ "
تجمد إدوين للحظة من هذا الموقف المفاجئ، ولكن أوليڤيا تجاهلته و اعتذرت لديان بصدق : " يا إلهي، كيف لي أن أكون غير منتبهة لهذا الحديث المهم، فقط لأن إدوين مزعج."
" آه، لا يا آنستي، طالما أنكِ لم تقولي إني مزعج، فكل شيء على ما يرام."
تنفس ديان الصعداء بعد أن كان متصلبًا. فقد تأكد أن آنسته لا يمكن أن تقول شيئًا كهذا .
" أنا سعيدة لأن عيناك لن تتألمان بعد الآن يا ديان … لكن، هل أنت بخير ؟ "
" لا يوجد ما يجعلني غير بخير، معظم الناس في القلعة يعرفون أنني أرتدي عدسات بالفعل، و …… "
حك ديان خده بخجل .
" … أعتقد أن سكان الوادي قد يشعرون بالخوف من الانتقال، لذا إذا كان لون عيني مشابهًا لهم، فقد يشعرون بالأمان قليلاً."
" هل يمكن لأشخاص مثلنا أن يعيشوا مع الآخرين في أراضي ڤيكاندر ؟ "
ظل ديان يفكر طوال الليل في كلمات سكان الوادي التي سمعها بالأمس .
كانوا يختبئون وراء ملابس واسعة، و يشعرون بالتوتر و الأمل في آن واحد تجاه الاختلاط بالآخرين. عندما فكر فيما يمكن أن يفعله من أجلهم، نظر فجأة في المرآة .
ابتسم ديان بشجاعة وهو ينظر إلى عيني آنسته الخضراوين. ملأت الثقة في عينيها قلبه بالشجاعة .
" إذًا، سأخلع العدسات وأستعد للرحيل ! "
بقدر ما كانت عيناها الخضراوان جميلتين، كان لدى ديان أيضًا عينان خضراوان فاتحتان لم يعد بحاجة إلى إخفائهما .
*
*
" … كيف يمكن أن يكون شجاعًا هكذا ؟ "
" … من يسمعكِ سيظن أنك تتحدثين عن أخيك الصغير."
على الرغم من كلماته التي كانت مليئة بالضيق، بقيت عينا أوليڤيا ثابتة على الباب . في اللحظة التي كان إدوين يهم فيها بمد يده ليسحب يد أوليڤيا، متذمرًا من تجاهلها له …
" يجب أن أذهب الآن."
وقفت أوليڤيا بسرعة لتغادر . كان لديها الكثير لتفعله. أن تأخذ شطائر لبيثاني التي قضت ليلتها في المنجم، وأن تشرف على انتقال سكان وادي سينوا إلى أراضي ڤيكاندر .
" لحظة، يا ليڤ."
" نعم ؟ "
عندما استدارت أوليڤيا، أشار إدوين إلى نفسه بوجه حزين .
" ماذا عني أنا الذي أصبحت رجلاً مزعجًا بشكل مفاجئ ؟ "
" … ربما ستقضي بقية اليوم كرجل مزعج ؟ "
في ردها المتأخر، ابتسم إدوين ابتسامة خبيثة. تجاهلته أوليڤيا و هزت كتفيها، وهي تتنهد في سرها .
لو لم تكن أشعة الشمس الصباحية تخترق النافذة و تسقط على إدوين بشكل رائع، لو لم يكن القميص الأحمر الذي يرتديه اليوم يبدو جميلاً عليه، لو لم يكن شعره مصممًا بتلك الطريقة الرائعة على الأقل .
لقد وجدت عشرات الأعذار، ولكن السبب الذي جعل عيني أوليڤيا الصارمتين تلمعان بالدفء كان شيئًا واحدًا .
أدرك هذا الرجل الفطن فورًا الابتسامة التي بدأت ترتسم على عينيها. تبعت عيناه اللتان تتوهجان بذكاء كل نظرة منها وكأنه يختمها .
" يبدو الأمر غريبًا بعض الشيء، الطريقة التي تنظرين بها إليّ الآن لا تبدو كمن ينظر إلى شخص مزعج."
كانت تحاول ألا تضحك، ولكن صوته الهادئ الذي كان يذيب الأذنين جعل أوليڤيا ترفع كفها كاستسلام .
" حسنًا، أنت جميل، أنت مزعج جدًا و جميل، أنت تسيطر على كل شيء بالفعل ! "
" بالطبع، يجب أن أسيطر على كل شيء، ففي الوقت الحالي، حتى صورة والدي تحظى باهتمام أكبر مني."
" … لم أكن أعرف أنك حاقد إلى هذا الحد، يا إدوين."
" هذه مشكلة كبيرة، يبدو أن هناك الكثير من الأشياء التي لا تعرفينها عني يا ليڤ."
تظاهر إدوين بأن هذه مشكلة كبيرة حقًا، ثم ابتسم بلطف .
" لا بأس، سأخبرك بكل شيء بنفسي، لذا … "
" …… "
" أنهي انتقال سكان الوادي سريعًا، و ابتداءً من الغد، استمتعي بالمهرجان معي."
كانت دعوة مباشرة لموعد. حينها، ابتسمت أوليڤيا. ظن إدوين أن ابتسامتها تعبر عن التوقع للمهرجان، فنظر إليها بحذر وقال : " لأزيدكِ تشويقًا، مهرجان يوم الأب في العاصمة لا شيء، مقارنةً بالمهرجان هنا."
بالطبع سيكون كذلك، لأن أوليڤيا في كل مهرجان ليوم الأب في العاصمة، كانت تنظر فقط إلى الألعاب النارية التي تنفجر من غرفتها .
" إنه جميل، أليس كذلك ؟ "
" نعم ؟ في الحقيقة، أنا أيضًا متشوق بعض الشيء، لقد مرّت عشر سنوات تقريبًا منذ أن احتفلت بيوم الأب … "
تلاشى صوته. تظاهر إدوين بالعودة إلى ابتسامته المعتادة، لكن أوليڤيا رأت. رأت الحزن الذي ارتسم على وجهه عندما تحدث عن مهرجان يوم الأب الذي سيحتفل به لأول مرة منذ عشر سنوات .
" … أحيانًا، عندما يكون هناك مهرجان ليوم الأب، يصبح سموه حزينًا بعض الشيء."
بينما تذكرت كلمات بيثاني في ذهنها، فكرت أوليڤيا فجأة في وادي سينوا، و بالتحديد، في ……
" … هل تريد أن تأتي إلى الوادي معي ؟ "
ذلك الرجل الذي كان نائمًا طوال الوقت .
لم تكن تعلم أن تقديم عرض واحد سيجعلها متوترة إلى هذا الحد، ولكن إدوين ابتسم وهز رأسه وكأنه لا يفهم ما تعنيه .
" يجب أن أستعد للمهرجان."
سيكون مهرجانًا فخمًا و رائعًا .
" آه، صحيح." ابتسمت أوليڤيا بحرج. وكأنه يغير الموضوع، أشار إدوين إلى الرسالة في يد أوليڤيا.
" بالمناسبة، من صاحب الرسالة ؟ "
" صحيح، الرسالة."
حينها فقط انتبهت أوليڤيا إلى الرسالة التي كانت تحملها في يدها .
هل هي من إيسيلا، أم وينستر ؟ كانت تتفحص اسم المرسل بتشوق، لكنها توقفت للحظة .
" ممن هي ؟ "
" … المسؤول عن إقطاعية تريستان ؟ "
البارون جابرون .
لم تكن تعرفه شخصيًا، بل تحدثت معه عدة مرات عندما ذهبت إلى تريستان بأمر من الأميرة، لماذا يرسل لها رسالة ؟
ماذا يحدث ؟
" الاستعدادات قد انتهت، حان وقت الانطلاق يا ليڤ."
لكن فضولها لم يدم طويلاً . تركت أوليڤيا الرسالة و خرجت من غرفة الاستقبال.
* * * * * * * * * * * * * * * * * *
" … يا إلهي."
كان اليوم مليئًا بالمفاجآت لبيثاني.
أولاً، ديان الذي كان يصرّ على ارتداء العدسات أظهر عينيه الخضراوين .
ثانيًا، حجم "مهرجان يوم الأب" الذي سيُقام لأول مرة منذ أكثر من عشر سنوات كان ضخمًا .
وأخيرًا ……
" … هذه القلادة الحجرية السحرية، إنها تتفاعل حقًا."
لقد رأت شكلاً جديدًا للقلادة التي كانت تحتفظ بها لعشر سنوات. كانت أوليڤيا مشتتة أيضًا، وهي تحدق في القلادة التي تتوهج .
" لم أكن أعلم أنها تتفاعل في المنجم، لقد كانت تتفاعل في وادي سينوا أيضًا."
" في وادي سينوا أيضًا ؟ "
رفعت بيثاني رأسها فجأة. لمعت عيناها الزرقاوان بالصراع الداخلي : الرغبة في الذهاب إلى وادي سينوا، مقابل ضرورة فحص المنجم .
" هل تريدين أن نذهب معًا، يا بيثاني ؟ "
بعد تفكير عميق، هزت بيثاني رأسها .
" ذلك المكان غريب بعض الشيء، سحري لم يعمل هناك، على أي حال، أنا لستُ عونًا، لذا من الأفضل أن يذهب شخص آخر يكون أكثر نفعًا … "
ارتعشت بيثاني و هزت رأسها. كان وجهها شاحبًا وكأنها تذكرت اللحظة التي سقطت فيها أوليڤيا، فغيرت أوليڤيا الموضوع بسرعة .
" حسنًا، إذًا عودي مبكرًا اليوم، فغدًا هو المهرجان."
لكن للأسف، يبدو أن كلمة "المهرجان" لم تكن كافية لتحويل انتباه بيثاني التي كانت غارقة في "التفاعل".
فكر ديان في نفسه أنهم لو أرادوا من بيثاني أن تأتي مبكرًا، لما كان يجب أن يذكروا كلمة "تتفاعل"، لكنه لم يتفوه بذلك .
بدلاً من ذلك، أومأ برأسه إلى الفارس الذي يرافق بيثاني و طلب منه العودة سريعًا.
* * * * * * * * * * * * * * * * * *
عندما وصلوا إلى الوادي، ظنت أنهم سيكونون منشغلين بالتحضير للانتقال .
ولكن مع وجود بعض الحقائب القليلة، بدا أن الناس قد انتهوا من تجهيزات الانتقال .
" هل أنتم جميعًا مستعدون للمغادرة اليوم، يا جيرون ؟ "
" هل أنتم متأكدون أنكم لا تحتاجون المزيد من الأمتعة ؟ لقد احضرت عربات كثيرة."
ابتسم جيرون بلطف على كلام أوليڤيا.
" يجب أن نترك البعض في هذا المكان أيضًا … في حال مرّ أحدٌ ما."
كانت عيناه المحبتان تتفحصان كل زاوية من "المنزل". آه، حينها فهمت أوليڤيا ما يدور في ذهن جيرون. كان يبدو هادئًا بشكل غريب وهو يغادر ذكرياته .
لقد تأثرت أوليڤيا برؤيته وهو يترك قطعة من قلبه خلفه. ابتسم جيرون بسعادة ليخفف الأجواء بعد أن التقط ذكرى قصيرة في عينيه .
" أليس هذا رائعًا، أن يكون هناك الكثير من أهل لوڤيل في المكان الذي نحن ذاهبون إليه ؟ "
" بالتأكيد، حتى اليوم، استجمع أحدهم تلك الشجاعة."
ابتسمت أوليڤيا بلطف، وهي تتبع نظرة جيرون التي كانت مركزة على ديان الذي كان في قلب الاهتمام .
" الفارس عيناه أيضًا خضراوان فاتحتان."
كان قرار ديان صحيحًا. فالأشخاص الذين كانوا حذرين بالأمس، اقتربوا منه جميعًا الآن .
" يا نائب القائد، عيناك تبدوان ألمع اليوم ! "
وبفضل ذلك، انخرطوا في مزاح مع الفرسان .
" هل يمكنني أيضًا أن أصبح فارسًا إذا ذهبت إلى الإقطاعية ؟ "
تبع الأطفال ديان بعيون مليئة بالإعجاب .
يبدو أن ديان كان محرجًا من هذا الاهتمام الكبير، فقد احمر وجهه بقدر لون شعره، لكنه ظل يرفع غرته بجدية وهو يقود الفرسان .
كل شيء كان يسير بسلاسة تامة . إلى أن رأت أوليڤيا ضوء الحجر السحري المتوهج في يدها يتجه نحو مكان واحد، و شعرت بالاستعجال .
ركضت أوليڤيا وصرخت : " لحظة ! "
توقف الفارسان اللذان كانا ينقلان شيئًا. عندما نظرت أوليڤيا إلى ما كانا ينقلانه، أطلقت تنهيدة بطيئة .
كان الرجل ذو الشعر الأبيض الذي كان نائمًا و مغطى ببطانيات سميكة .
" أيتها الآنسة، هل هناك أي خطأ ؟ "
" هذا الرجل … "
ترددت أوليڤيا، وهي ترى الضمادة التي كانت ملفوفة حول عينيه بعناية لحمايتهما من أشعة الشمس القوية .
كان من المرجح أن هذا الرجل ليس الدوق الأكبر السابق. فشعره لم يكن أسودًا، ولم تتمكن من رؤية لون عينيه تحت الضمادة .
والأهم من ذلك، كان من المستحيل أن يكون الدوق الأكبر السابق حيًا بعد أن أعلن الإمبراطور نفسه وفاته قبل أحد عشر عامًا .
" خذوا هذا الرجل إلى قصر الدوق الأكبر."
لم تستطع أوليڤيا تجاهل هذا "التفاعل" المتوهج. عند قرارها الحازم، غير الفرسان اتجاههم نحو العربة المتجهة إلى قصر الدوق الأكبر .
نظرت أوليڤيا إلى الحجر السحري في قلادتها. بدأ الضوء الأخضر يتوهج و ينفجر الضوء من داخل الحجر .
— الصورة التوضيحية : هـنـا .
وكأنه …
" ألعاب نارية."
كالألعاب النارية التي تعلن عن بداية مهرجان .
****************************