الفصل ١٢٩ : ‏Do Your Best to Regret

{ إدوين لا يستطيع إيقاف أوليڤيا }


خمسة من فرسان الحراسة، من بينهم ديان، و خمس سلال من الحلويات التي وُعد بها جيرون .

كانت الاستعدادات مثالية .

… باستثناء حقيقة أن بيثاني نفسها لم تستطع مرافقتهم .

قالت بيثاني وهي لا تستطيع كتمان قلقها : " كان من الأفضل لو ذهبت معك ولو وصيفة واحدة، لا … لو لم تكن هناك أمور طارئة في المنجم، لكنتُ قد ذهبت معك."

كان جدول أعمال الآنسة لليوم رحلة طويلة ستمر خلالها بشارع يينيڤ قبل أن تصل إلى وادي سينوا.

" المنجم مهم أيضًا، سنذهب معًا في المرة القادمة."

" أتمنى ذلك … ولكن، هل ستعودين إلى الوادي بعد رحلة الأمس ؟ لقد صُدمت حقًا عندما سمعت أنكِ ستعودين إلى هناك مرة أخرى ! "

" هذا صحيح، لقد صُدمت أنا أيضًا."

انخفض صوت ديان الذي انضم إليهما خلسة، مؤكدًا على حديثهما .

" ألا تتذكري ما حدث عند عودتنا بالأمس ؟ كيف أصبح الجو متوترًا بمجرد ذكر حرف 'س' من كلمة سينوا."

" لم يكن ذلك فقط، عندما كانا في غرفة الاستقبال بعد العشاء، ظننتُ حقًا أنكما تتشاجران ! "

" إذًا، عدم مجيئك معنا الآن هو … أوه."

أمسك ديان فمه بعد أن تحدث بغير قصد، و رمق أوليڤيا بنظرة حذرة. في تلك اللحظة بالذات، شعرت أوليڤيا بالضيق لأن ما كان يشغل بالها قد ذُكر فجأة .

" كان مجرد خلاف في الرأي، يا بيثاني."

توقفت أوليڤيا عن الابتسام بسعادة بعد سماع صوت إدوين المعتاد. لم يكن إدوين، الذي كان قادمًا مع بروك، يرتدي ملابس الخروج .

" أتمنى لكِ رحلة سعيدة، يا ليڤ."

كانت هذه هي الضربة القاضية. لقد قال إنه سيفكر في الذهاب معها، لكنه في النهاية قرر ألا يذهب .

شعر إدوين بضيقها، فابتسم وأضاف : " … بينما تذهبين في رحلتكِ، أنا أيضًا سأعمل على مهمتي، بجد، واجتهاد."

بالنسبة لمن حولهما، كانت هذه مجرد كلمات وداع عادية، لكنها كانت مختلفة بالنسبة لأوليڤيا.

اختفى شعورها بالأسف لعدم ذهابه معها تمامًا. أضاف إدوين ببعض التباهي : " حسنًا، إذا كنتِ تعتقدين أنك ستشتاقين لي طوال الطريق، فأخبريني الآن."

ردًا على كلامه، أخرجت أوليڤيا من جيبها ظرف رسالة. كانت رسالة من إيسيلا من العاصمة وصلت صباح اليوم مع الإفطار .

ابتسم إدوين في مواجهتها وكأنه قد خسر الرهان .

بشعور إيجابي بأن كل شيء سيكون على ما يرام، ابتسمت أوليڤيا بسعادة و صعدت إلى العربة .

بعد قليل، انطلقت العربة، و ظل إدوين يراقبها باهتمام حتى أصبحت نقطة بعيدة .

قال بروك الذي كان يودعها أيضًا بنبرة قلقة : " هل ستكون بخير حقًا ؟ لقد سقطت بالأمس فجأة، آآه ! ما الخطب ؟ "

ضربت بيثاني بروك بسرعة. شعرت بالتوتر من وجهه الذي لم يُظهر شيئًا . على الرغم من أن وجهه لم يكن مبتهجًا، انتظرت بيثاني رد فعل الدوق الأكبر، متسائلة عما إذا كان سيوقف العربة التي غادرت للتو .

" … ومع ذلك، كيف لي أن أقوم بإيقافها ؟ "

كانت كلماته الخافتة عكس ما كانت بيثاني تفكر به تمامًا .

ماذا حدث بالأمس حقًا ؟

لم يهتم إدوين لدهشة بيثاني وابتسم ببطء .

كيف لي أن أقوم بإيقافها، بعد سماع ذلك ؟

* * * * * * * * * * * * * * * * * *

بعد إصرار أوليڤيا على الذهاب إلى وادي سينوا . استمر الخلاف في الرأي بين أوليڤيا و إدوين حول إعادة زيارة وادي سينوا .

" … اسمه جيرون، أليس كذلك ؟ سأحضره إلى القلعة، وبهذا لن تكون هناك حاجة للذهاب إلى الوادي مجددًا."

وسط الحديث الذي بدا بلا نهاية، كان إدوين هو أول من قدّم حلاً وسطيًا.

بما أن المفتاح كان لدى ذلك المعالج، جيرون، فإن حضوره إلى القلعة كان سيلغي تمامًا أي سبب لعودة أوليڤيا إلى الوادي .

أراد إدوين تجنب ذهاب أوليڤيا إلى الوادي مرة أخرى بأي ثمن . الخوف الذي شعر به في اللحظة التي سقطت فيها أوليڤيا أمامه. كانت تلك الذاكرة المروعة، التي جمدت دمه، أسوأ تجربة لا يريد أن يمر بها مجددًا .

لم يكترث إدوين بمشاعر جيرون أو بمن يعيش في الوادي عند اتخاذ هذا القرار. لم يكن لديه متسع للتفكير في ذلك . تمنى إدوين أن تفهم أوليڤيا ذلك. تمنى أن تتخلى عن عنادها و تقبل هذا الحل الوسط المناسب، وأن تبقى في أمان .

" إدوين، أنا أحب قلقك عليّ، القلق يتناسب طرديًا مع المودة."

ولكن عندما واصلت أوليڤيا الابتسام وهي تنظر في عينيه بإصرار، أدرك إدوين حقيقة كان قد نساها .

" … لكن إدوين، ما يمكنك أن تمنحه لي ليس فقط المودة و القلق، لقد منحتني الشجاعة لأفعل ما أريد."

لطالما تمنيت انتصار آنستي في قصر ولي العهد، و أوليڤيا حققت هذا الإيمان في كل مرة .

" لذا، بقدر ما منحتني من شجاعة، ثق بي أكثر."

" …… "

" لن أقع في نفس الخطر مرتين، هذا ما يمكنني أن أعدك به."

وهكذا، كان الانتصار في هذه المرة أيضًا سيكون من نصيب أوليڤيا. مع إدراكه للأمر، أطلق إدوين تنهيدة خافتة. وكأنها شعرت بالنصر بغريزتها، أمسكت به آنسته ذات الإرادة القوية .

" مثلما حميتَ ڤيكاندر بصفتك الدوق الأكبر ڤيكاندر، أريد أنا أيضًا أن أكمل ما بدأته."

انتقلت دفء أوليڤيا إلى يد إدوين التي كانت باردة .

كان ذلك كافيًا، لكن أوليڤيا رمشت كما لو كان لديها المزيد لتقوله، ثم أصرت : " إذا سألتني كيف سأكمله ؟ فسأقول بكل بجد، و اجتهاد."

لقد خسر، خسارة كاملة .

عندما سمع إدوين القسم الجاد بأنها ستقوم بالعمل "بكل بجد، و اجتهاد"، لم يستطع إلا أن ينفجر ضاحكًا .

* * * * * * * * * * * * * * * * * *

اختفت العربة تمامًا بين حدائق القلعة . عاد وجه الدوق الأكبر إلى هيبته المعتادة بعد أن غادرته الابتسامة اللطيفة .

تمامًا كما أخبر أوليڤيا، كان الوقت قد حان ليعود هو أيضًا إلى عمله . عندما خطا خطواته، بدأ بروك بتقديم تقريره كما لو كان ينتظر ذلك .

أخبره بأنه لم تظهر بعد نتيجة المفاوضات بشأن الضرائب على المعادن، و بالمحتوى المتعلق بكمية التعدين في منجم البارون ستون الأسبوع الماضي، وحتى بالإشاعات المنتشرة في العاصمة .

" الأميرة معزولة، و الكونتيسة إثيل سافرت إلى مملكة أوسلان و أتمت زواجها، و انتشرت شائعة بأن الدوق إلكين مختبئ، و الإمبراطورة تبحث عنه سرًا، ولكن لا توجد أي دلائل على إرسالها أشخاصًا إلى أراضي ڤيكاندر."

" …… "

" وكذلك، بعد تصدير القمح من تريستان، يُقام في القصر الإمبراطوري ولائم فاخرة بشكل يومي، و ولي العهد يقود هذه الولائم بدلاً من الأميرة المنعزلة، والذريعة هي …… "

توقف بروك الذي كان يقرأ تقريره دون انقطاع، و ألقى نظرة على الدوق الأكبر .

" … إنها ولائم احتفالاً بـ'يوم الأب'."

كان أمرًا يعرفه المقربون فقط، وهو أن مزاج الدوق الأكبر يتغير بشكل غريب عندما يقترب يوم الأب. في الماضي، كان دائمًا في ساحات المعارك ولم يكن لديه مناسبة للاحتفال بيوم الأب، لكن الوضع مختلف الآن .

ومع ذلك، وعلى عكس توقعات بروك، ابتسم إدوين بلا مبالاة .

" مضحك، لقد مر 21 عامًا منذ أن أصبح الإمبراطور أبًا."

تحت هذه الذريعة الواهية، كان هناك طموح كبير لاستعراض قوة القصر الإمبراطوري .

كانت الرسالة التي أرسلها ڤيكاندر واضحة : لا ضرائب حتى تنتهي المفاوضات على أسعار المعادن، و يبدو أنهم شعروا بالتهديد من هذا الموقف .

بغض النظر عن النتيجة، لم يكن الوضع سيئًا بالنسبة لڤيكاندر. أومأ إدوين برأسه ببطء و دخل مكتبه .

" وأخيرًا …… "

أغلق بروك باب المكتب، و أصبحت عيناه أكثر تصميمًا .

" تم تجهيز القوات اللازمة لعملية الاستطلاع، وبمجرد انتهاء أعمال التعدين في الخريف هذا العام، ستكون جميع القوات في حالة تأهب و جاهزة للانطلاق في أي وقت."

ابتسم إدوين ابتسامة باردة على صوت بروك الذي كان يفيض بالعداء الشديد .

الاستعدادات قد اكتملت .

ما يجب أن يقلق الإمبراطور بشأنه ليس مجرد معدل الضرائب على المعادن. بحماقة، كانوا لا يرون إلا ما أمامهم .

استقلال الدوقية الكبرى بات وشيكًا، سواء تفاوض ولي العهد على الضرائب أم لم يفعل .

* * * * * * * * * * * * * * * * * *

في تلك اللحظة، كانت أوليڤيا تقرأ رسالة تحتوي على محتوى مشابه للتقرير الذي تلقاه إدوين .

— أختي، كيف حالكِ ؟ الخريف الذهبي يقترب بسرعة . سمعتُ أن الجو باردٌ في إقليم ڤيكاندر، لذا أرسل لكِ أمنياتي بالدفء و الصحة، لسلامتكِ .

ابتسمت أوليڤيا قليلاً. على عكس البداية الرسمية، كان المقطع التالي مليئًا بمشاعر غاضبة بوضوح .

— أنا أحضر جميع حفلات الشاي تقريبًا هذه الأيام . الجميع متشوقون لسماع قصص عنكِ، أنتِ القديسة، لكنني لم أكن أعرف حتى أنكِ قديسة .

— بصرف النظر عن عدم معرفتي بقصصكِ، أعتقد أنه يجب أن أخبركِ بما يحدث في العاصمة. فمن غير العادل حقًا أن تكون المعلومات في اتجاه واحد .

لقد اتخذت من العدالة النبيلة ذريعة .

كان الأسلوب الأرستقراطي الذي استخدمته أختها، التي لطالما بدت طفلة، غريبًا و مبهجًا بالنسبة لها .

كانت المعلومات المكتوبة بدقة منظمة بشكل جيد أكثر مما توقعت. بينما كانت أوليڤيا تقرأ عن قصص الحب و المجوهرات و الفساتين التي قد تُذكر في حفلات الشاي، توقفت عيناها عند المقطع التالي :

— بعد أن انتشرت أخبارك في الجرائد، أصبحت سمو الأميرة في عزلة. وقد غادرت ماريا إثيل العاصمة و تزوجت. سمعت أن زوجها هو نبيل متوسط ​​المستوى في مملكة أوسلان. لا يمكنني التأكد من الخبر لأنه لم يذهب أحد لحضور حفل الزفاف .

كنت أتوقع نوعًا ما عزلة الأميرة … لكن زواج ماريا إثيل ؟

أشعر بشعور غريب، لطالما تخيلت أن ماريا إثيل قد تتزوج يومًا ما .

عندما كانت تخدع نفسها و تعتقد أنها تستطيع تغيير ولي العهد بجهدها، كانت تتخيل أن ماريا إثيل قد ترحل بعيدًا جدًا و تتزوج، حتى لا تتقابلان مجددًا .

والآن يحدث هذا حقًا . الآن، وبعد أن لم تعد ماريا إثيل مصدر قلق بالنسبة لها .

إنه أمر مثير للسخرية، و ربما كان أمرًا سعيدًا أيضًا .

ابتسمت أوليڤيا بلطف دون أن تشعر بالذنب تجاه هذا الشعور بالارتياح، و واصلت قراءة باقي الرسالة .

— أتطلع بشدة إلى اليوم الذي سأراكِ فيه مرة أخرى. سأتوقف هنا …

في نهاية الرسالة، في مكان بقيت فيه آثار القلم وكأنها فكرت طويلاً قبل الكتابة، وُجدت هذه الكلمات :

— هل التقيتِ به ؟

تذكرت أوليڤيا كلمات إدوين و حدقت في الرسالة بذهول .

" بما أن الدوق إلكين قد دخل أراضي ڤيكاندر، سأكون صريحًا، الدوق مادلين و الدوق الشاب، و السير جايد مادلين أيضًا، كلهم قادمون إلى أراضي ڤيكاندر الآن، كنت أريد أن أطردهم بهدوء دون علمك، لأنني أصدرت أمرًا بمنع دخولهم."

" أيتها الآنسة، لقد وصلنا."

عند سماع صوت ديان مع طرق الباب، رفعت أوليڤيا رأسها فجأة .

كانت العربة قد توقفت، وكانت بالخارج بالفعل في بداية شارع يينيڤ.

لقد توقعت أن يكون المكان هادئًا باستثناء عمال البناء، لكنه كان مليئًا بالأطفال .

" أنا آتي إلى هنا و أركض لأراهم كل يوم، كم بقي على الانتهاء ! "

" أنا أيضًا ! أتمنى أن يُبنى منزلنا سريعًا ! إنه منزل حقيقي وليس كوخًا من الخشب."

أحاط الأطفال بأوليڤيا وبدأوا يتسابقون في الحديث عن مدى حماسهم. كان مجرى المحادثة يتغير بسرعة حتى قبل أن تستطيع أوليڤيا مواكبته .

" بيتي القديم كان منزلاً حقيقيًا، كان له سقف أيضًا."

" أنا أيضًا ! أنا أيضًا عشت في منزل، وكان جميلاً جدًا."

" أيها الأحمق، كل مكان نعيش فيه هو منزل ! "

" لا ! اسمه نفسه كان 'منزل' ! جدي قال إنه 'منزل' ! "

في تلك اللحظة، نظرت أوليڤيا إلى المكان الذي جاء منه الصوت الصارخ .

كان هناك صبي يبلغ من العمر خمس أو ست سنوات، يعبس بغضب وكأنه مظلوم .

" … مهلاً، هل تعرف شيئًا عن 'المنزل' ؟ "

منذ أن سمعت أن بعض الأطفال قد تركوا 'المنزل' و ذهبوا إلى مكان آخر، كان لديها أمل في أن يكون شخص ما قد مر بالـ'منزل' و استقر في يينيڤ.

بينما كانت أوليڤيا تحاول كبح أملها، ابتسم الصبي بسعادة و أومأ برأسه وكأنه سعيد باهتمامها .

" نعم ! لقد جئت من 'المنزل' مع أمي قبل قليل ! جدي قال إن ڤيكاندر مكان جيد للعيش ! "

جده ؟ هل يعني هذا أن جيرون قد تحدث عن ڤيكاندر ؟

بينما كانت أوليڤيا تفتح شفتيها، سأل الصبي الصغير 'بن' ببراءة وهو يلوح بساقيه : " أيتها الآنسة، إذا كنتِ ستذهبين لمقابلة جدي، هل يمكنني أن أذهب معك ؟ أفتقد جدي ! "

* * * * * * * * * * * * * * * * * *

في تلك اللحظة، خارج أسوار ڤيكاندر .

" هل أنت والد الآنسة ؟ "

نظر الدوق جيوفاني مادلين، الذي كان على وشك ركوب العربة، إلى مصدر الصوت .

كانت فتاة صغيرة بالكاد تبلغ الخامسة، تنظر إلى جيوفاني بعيون مليئة بالفضول و تثرثر : " شعرك نفس لون شعر الآنسة."

بعد يوم واحد من وصوله إلى أراضي ڤيكاندر، كانت هذه أول كلمات يسمعها بدون عداء بها . وفي الوقت نفسه، كانت بمثابة شرارة أيقظت ذكرى قديمة .

" هل أنت والدي ؟ "

— الصورة التوضيحية : هـنـا .

أوليڤيا الصغيرة، التي كانت ترتدي ملابس سوداء بالية، في اللحظة التي نظرت فيها إليه للمرة الأولى .

عضّ جيوفاني على شفتيه. مجرد التفكير في تلك العيون المليئة بالأمل وهي تتحول ببطء إلى عيون بلا مشاعر، جعل قلبه ينقبض بشكل غريب .

كانت المشاعر التي تجمعت داخله ببطء تدفع بقوة السد المنيع، مع نبضات متسارعة .

****************************

*

إرسال تعليق (0)
أحدث أقدم

اعلان