الفصل ١٢٧ : ‏Do Your Best to Regret

{ لوحة الدوق الأكبر و الدوقة الكبرى السابقين (1) }


" انتظر لحظة، يا إدوين."

أمسكت أوليڤيا بإدوين على عجل. كان "المنزل" أمامهم مباشرة .

ذلك المكان الساحر و الغامض الذي يحافظ على ربيعه في وادي سينوا الشتوي. المكان الذي تلمع فيه قلادة الحجر السحري وكأنها تتجاوب معه .

" هنا، بعد مسافة قصيرة، يوجد مكان غريب حقًا، حتى في هذا الطقس البارد … "

" أوليڤيا."

قاطع صوتٌ متلهّفٌ محاولتها للإقناع. صمتت أوليڤيا دون وعي .

" … كان هذا المكان خطيرًا للغاية، لم تنسي قولكِ إنكِ ستعودين إذا أصبح الوضع خطيرًا للغاية، أليس كذلك ؟ وخاصةً عندما …… "

توقف إدوين للحظة، ثم رفع زاوية فمه بصعوبة : " … مجرد انزلاقكِ هو سبب كافٍ للعودة إلى القلعة و تلقّي العلاج."

" أنا لم أنزلق ! "

علاج ؟! تذكّرت أوليڤيا العلاجات المفرطة التي تلقتها سابقًا في قصر الدوق الأكبر. الوقت الذي قضته في الراحة فقط، حتى الكتب كانت محظورة عليها .

حاولت أوليڤيا أن توضح أنها لم تُصب بأيّ أذى، وأن المكان ليس خطيرًا كما يظنّ .

" لم أنزلق، بل عندما مدّدتُ يدي لأمسك بالقلادة، سحبتني ريحٌ غريبة فجأةً … "

" آه."

رمشت أوليڤيا بعينيها. بدت عينا إدوين وكأنهما قد تعمّقتا للحظة .

" لقد وعدنا بعضنا ألا نذهب إلى الأماكن الخطيرة."

" …… "

" إذًا هذا المكان خطير حقًا."

آه، يا للهول، يبدو أنني قلتُ شيئًا خاطئًا .

* * * * * * * * * * * * * * * * * *

في منتصف النهار .

بينما كان على حصانه، نظر ديان خلفه سريعًا. ربما كان بسبب الأجواء، ولكنّ المنطقة التي توجد فيها العربة بدت أبرد بكثير .

" … حقًا، إذا كنتُ أنا مصدومًا هكذا، فكيف حال سموّ الدوق الأكبر ؟ "

" من الطبيعي أن يكون أكثر صدمة، على كلّ حال، إذا كان سقوط الآنسة ليس مجرد انزلاق، بل بسبب قوّة غامضة، فمن الطبيعي أن يعارض الذهاب مرة أخرى."

" ولكن … "

أراد ديان أن يتحدّث ردًا على بيثاني، لكنه صمت. كان الأمر محزنًا للغاية. هل حقًا ذهب هو أيضًا إلى المكان الذي يتواجد فيه ذلك الرجل العجوز في ذاكرته الغامضة ؟ وهل هناك المزيد من الناس في الداخل ؟

" ماذا لو منعنا الدوق الأكبر حقًا من دخول وادي سينوا مرة أخرى ؟ "

" حسنًا، لنفكّر في هذا لاحقًا، يبدو أن هناك أمرًا أكثر إلحاحًا، أليس كذلك ؟ "

مع كلام بيثاني الهادئ، عبس ديان قليلاً وهو ينظر إلى الأمام .

كانت العربة التي تسد أبواب القلعة منقوشًا عليها شعار عائلة الدوق مادلين .

وللتأكيد على ذلك، كان هناك ثلاثة رجال طوال القامة يقفون أمام العربة. نظر الفرسان الذين كانوا يحرسون بوابة القلعة بابتهاج شديد نحو ديان .

شعرٌ فضّي لامع كشعر الآنسة، و تحته عينان جمشتيتان ذات نظرة جامدة .

أوقف ديان حصانه ببطء. حتى عندما واجه أحد الدوقين الوحيدين في الإمبراطورية، لم يترجّل من حصانه إكرامًا له. وعلى الرغم من هذه المعاملة التي تشبه الاستفزاز، فتح الدوق فمه ببطء .

" … جئت لأرى أوليڤيا."

كان صوته هادئًا، وكأنه يتحدث عن شخصٍ غريب. كان ديان قد استعدّ لسماع أيّ شيء، لكنه شعر بأن الأمر مضحك .

" هل تعتقد حقًا أنني كنت تحت حماية عائلة مادلين ؟ "

تذكّر ديان كلّ كلمة قالتها الآنسة في الحديقة ذلك المساء .

لا حماية، بل إهمال، أو ربما حتى تحريضًا، إذًا هذا هو الدوق الذي لم ينشر أبدًا أيّ تصحيح في الصحف طوال تلك الفضائح المتراكمة .

يا للراحة، أنه يشبه جايد مادلين الذي يكرهه، لذلك ابتسم ديان بلطف وقال : " أعتذر يا سيدي الدوق، ولكنني أنصحك بالعودة، بما أن هذه المرة الثانية للسير مادلين، فهو يعلم بهذا جيدًا "

لم يكن ديان بارعًا في السخرية، لكنه تعلم من هوارد و وينستر.

" إقليم الدوق الأكبر ڤيكاندر يمنع دخول عائلة الدوق مادلين، تمامًا."

خرجت كلمات وينستر التي اعتبرها ديان خبثًا، من فمه بكلّ سهولة .

كان الأمر مهينًا، لكن الدوق نظر إلى ديان و كرّر الكلمات نفسها : " جئت لأرى أوليڤيا … هذا من شأن عائلة الدوق مادلين "

" ابتعد و دعنا نمرّ، لم تأتِ طوال هذا الوقت، وها أنتَ الآن تأتي على عجلٍ، على الأقل، يجب أن تحاول أن تظهر بمظهر جيد أمام الآنسة."

يبدو أن هذا الكلام كان له تأثير. باستثناء الدوق الذي لا تظهر على وجهه أيّ تعابير، شحب وجهُ ولديه .

أعطى جايد مادلين أمرًا للسائق أن يزيح العربة. نظر كونراد مادلين إلى القلعة بأسف، وقال شيئًا للدوق، وبدا أن الدوق يوافق على كلامه .

في تلك اللحظة، فهم ديان تمامًا لماذا كان وينستر قاسيًا جدًا على جايد مادلين .

هذا المظهر الذي جاء متأخرًا، وهذه الكلمات التي تتحدّث عن اسم عائلة مادلين وكأنهم عائلة واحدة الآن، كانت تبدو سخيفةً للغاية، وكأن هناك حشرات تتجمّع في معدته … كان شعورًا لا يطاق .

* * * * * * * * * * * * * * * * * *

في غرفة أوليڤيا بقصر الدوق الأكبر .

خفضت أوليڤيا برأسها إلى الأسفل. إذا حاولت عدّ عدد الأشخاص في الغرفة، لربما انفجر وجهها من الخجل .

حتى عندما حركت يديها قليلاً، شعرت بالدفء القويّ الذي يحيط بها .

كان هذا الدفء قويًا و حميميًا، لدرجة أنه لا ينبغي أن يشعر به المريض أبدًا في أثناء تلقّي العلاج. كان إدوين يحيط بـأوليڤيا وكأنه يطوّقها .

داخل العربة، شعرت بالأسف و الشفقة على إدوين الذي كان يرتجف وهو يحتضنها محاولاً تهدئة نفسه. وفي الوقت نفسه، لامَت نفسها كثيرًا عندما رأته يتعلّق بها وكأنها المخلّص .

ولكن هذا لم يكن صحيحًا … لم يكتفي بحملها وكأنها مريضة، بل إنه يحتضنها حتى أثناء فحصها .

وكلّ هذا أمام الطبيب، و بيثاني، و ديان، و بروك، وحتى الخادمات …!

بصوتٍ بالكاد يخرج من الخجل، قالت أوليڤيا : " … أرجوك، يا إدوين، هلاّ أنزلتني ؟ "

" لن أستمع لكلمة واحدة مما تقولينه، يا ليڤ."

النظرة التي كانت ترمقه بها تحوّلت إلى نظرة حزينة. كان خدّاها المتوردتان بالخجل جميلين كاعتذار، لكنّ إدوين تظاهر بأنه لم يلاحظ، وتابع فحص الطبيب .

بعد أن فحص الطبيب مفاصل أوليڤيا في كلّ مكان، ابتسم ابتسامة لطيفة، ثم أومأ برأسه : " لا يوجد أيّ شيء غير طبيعيّ، إنها في صحة ممتازة."

بعد أن سمعت تأكيد الطبيب، كرّرت أوليڤيا كلمات الطبيب بتحدٍ لإدوين : " أنا بصحّة، ممتازة، أليس كذلك ؟ "

" نعم، بالطبع."

" هذا خبرٌ سارٌ حقًا."

" بل يبدو أن سموّ الدوق الأكبر هو من صُدم، هل تحتاج إلى فحص ؟ "

" لا، شكرًا."

عرف الطبيب من وجه إدوين العابس أنه لا يريد ذلك، فغيّر مجرى الحديث على الفور . الرجل العجوز الذي أصبح حاجباه أبيضين بالكامل، قال وهو يفرك يده : " آه، لم تكن هكذا عندما كنتَ صغيرًا."

كان في مظهره شيءٌ يشبه جيرون. فخرجت الكلمات من أوليڤيا قبل أن تفكّر فيها : " آه، أنا … "

" نعم، يا آنستي، هل هناك شيء آخر تودّين التأكّد منه ؟ "

" هل هناك أيّ مكان آخر يؤلمكِ، يا ليڤ ؟ "

تحدّث كل من الطبيب و إدوين في الوقت نفسه تقريبًا. حاولت أوليڤيا تجنّب نظرة إدوين وقالت : " ليس عنّي، ولكنني رأيت شخصًا لم يستيقظ منذ فترة طويلة، ولا يزال نائمًا … كيف يمكنني أن أجعله يستيقظ ؟ "

شعرت أوليڤيا بأن عيني إدوين ضاقت .

" كم مضى على هذا المريض وهو نائم، يا آنستي ؟ "

آه … لقد نسيت أن تسأل عن ذلك، خمّنت أوليڤيا : " حوالي، خمس سنوات …؟ "

لمعت عينا الطبيب الذي كان حذرًا في البداية، وقال : " من الصعب أن أقول شيئًا دون أن أرى المريض، لذا يجب أن أراه، لكن خمس سنوات ! يبدو أن الطبيب المسؤول عن المريض لديه قدرات هائلة ليستطيع الحفاظ على المريض حيًا لمدة خمس سنوات ! "

" قال إنه ليس طبيبًا، بل معالج."

اتسعت عينا الطبيب على جواب أوليڤيا. لم يكن هناك شيء اسمه "معالج" بين السحرة و الأطباء . هل هي كلمة عامية ؟ لمعت عينا الطبيب .

" معالج ؟ ما الذي يفعله المعالج تحديدًا، يا آنستي ؟ "

" هذا …… "

" كفى."

قاطع صوتٌ باردٌ المحادثة. ابتسم إدوين ابتسامة مصطنعة : " أعتقد أن هذا يكفي لهذا اليوم، يا أوليڤيا، حتى لو كنتِ بخير، فإن الآنسة تحتاج إلى الراحة الآن، أليس كذلك ؟ "

أومأ الطبيب برأسه بوجهٍ حزين. على الرغم من فضوله حول قصة الآنسة، كان كلام الدوق الأكبر صحيحًا.

بعد أن خرج الجميع من الغرفة، نظرت أوليڤيا إلى إدوين.

" هل تنظرين إليّ الآن فقط بعد أن خرج الجميع، يا ليڤ ؟ هذا يؤلمني."

كان كلام الطبيب صحيحًا. على الرغم من أنه كان يبتسم، إلا أن وجهه كان لا يزال شاحبًا. كان يتجنّب الحديث عن وادي سينوا بشكل متعمّد، و يداه التي أمسكت بها في العربة كانت ترتجف، و أنفاسه كانت مليئة بالارتعاش.

" سأعود بالتأكيد، مع الحلويات من أجل الشاي."

تذكّرت أوليڤيا آخر ما قالته لـجيرون.

" جيرون ناداك بـوليّ العهد، و ناداني أنا بـالكاهنة."

تألقت عينا أوليڤيا وهي تتكلّم مباشرة. كان إدوين قد رفع حاجبًا واحدًا. كانت آنسته تبتسم دائمًا بلطف، ولكن في مثل هذه الحالات، كانت تصبح أكثر حماسًا من أيّ شخص آخر.

" كان يعلم شيئًا ما، يا إدوين، يمكنني العودة إلى هناك، فلنسترح ليوم واحد، و لنذهب معًا غدًا، حسنًا ؟ "

" أخبرتك لا يجب أن تذهبي إلى الأماكن الخطيرة أبدًا، يبدو أن وادي سينوا كان خطيرًا جدًا بالنسبة لكِ يا أوليڤيا."

" لم أُصب بأذى، ربما كانت تلك القوّة هي التي جذبتني، لقد لمع الحجر السحري، فإذا ذهبنا إلى هناك، ربما نكتشف الأسرار حقًا."

إذا شرحت له كيف لمع الحجر السحري، سيهتمّ إدوين أكثر بكلامها، ولكن إدوين تابع حديثه، ولم تستطع أوليڤيا أن تنطق بكلمة واحدة .

" … أنتِ يا أوليڤيا، أثمن بالنسبة لي من الأسرار."

تجمد لسانها. وجه إدوين الذي قال هذه الجملة الواحدة كان تمامًا مثل وجهه الذي غلب عليه الخوف سابقًا .

لم تستطع أوليڤيا أن تقول أيّ شيء . كانت تعلم مدى أهمية المنجم و الأسرار المتعلقة بلوڤيل بالنسبة لإدوين، لهذا السبب شعرت باليأس الشديد .

ابتسم إدوين بمرارة للحظة، ثم رفع كتفيه : " … لهذا السبب، أتمنى ألا تضعي قدمكِ في الوادي مرة أخرى، يا ليڤ."

كان طلب حازم. احتضنت أوليڤيا إدوين الذي كان يميل عليها وكأنه يحتضنها، وهمست في أذنه : " اليوم، لن أتكلّم عن الوادي مجددًا، هل نفعل شيئًا آخر بدلاً من ذلك ؟ "

" في البداية، أريد أن أطمئن، أريد أن أستمتع بحقيقة أنكِ بجانبي."

تردد صوت إدوين المنخفض في أذنها . دفعت أوليڤيا، التي كانت بين ذراعيه، إدوين بيدها الضعيفة فجأة .

" ألم نكن معًا بما يكفي حتى الآن ؟ ولم تتركني حتى أمام الجميع ! "

تكلّمت أوليڤيا بسرعة، وقد احمرّ وجهها وهي تتذكّر ذلك . ابتسم إدوين الذي ابتعد عنها بسهولة طوعًا، ثمّ فجأة، قرّب وجهه من وجه أوليڤيا .

" ليڤ."

اتسعت عينا أوليڤيا على الصوت الرقيق الذي رنّ في أذنها . كانت المسافة بينهما قريبةً جدًا لدرجة أن أنف كلّ منهما كاد يلامس الآخر، و أنفاسهما تتبادل. في تلك المسافة القصيرة، انحنت عيناه الحمراوان بإغراء.

" أنا دائمًا متعطّشٌ لك."

وقبل أن تدرك، شعرت بذراعيه، يحيطان بها كما لو كانا يرفعانها، بقوة. توترت بسبب شعورها بلمسة فستانها و قميصه .

" حتى لو بقينا معًا طوال اليوم، بالكاد أرتوي، كنت خائفًا جدًا سابقًا، لذا يجب أن أبقى معكِ لثلاثة أيام."

كانت رائحة إدوين جميلة، لهذا السبب، كانت أوليڤيا تشعر بالدوار .

ابتلعت أوليڤيا ريقها، و ضحك إدوين بصوتٍ منخفضٍ عندما تحرّكت حنجرتها، ثمّ قبّل شفتيها بخفة .

" يا آنستي، وأنتِ ؟ "

" أنا …… "

ارتجفت رموش أوليڤيا، و مال إدوين نحوها دون وعي. في تلك اللحظة، تحت الرائحة الحلوة، تحركت شفتيها الحمراوان .

" … أظنّ أنني يجب أن أرى لوحة الدوق الأكبر السابق ؟ "

بعد لحظات، سأل إدوين مرة أخرى وكأنه لا يصدّق : " … ليس أنا، بل …… "

" …… "

" لوحة والدي ؟ "

— الصورة التوضيحية : هـنـا .

****************************

*

إرسال تعليق (0)
أحدث أقدم

اعلان