" لقد أخطأتُ في تقدير الأمر يا جلالة الإمبراطور."
" ماذا ؟ "
عبس الإمبراطور من نبرة ولي العهد الخالية من أي انفعال .
" أخطأتَ في التقدير ! هل هذا هو ما تقوله بصفتك وليًا للعهد، في وضع لا تساوي فيه كل حبوب تريستان سوى نصف قيمة ضرائب ڤيكاندر على المعادن ؟ "
ارتفع صوته الغاضب. وفي الوقت نفسه، انبعث منه غضب حاد. فقدت الأميرة كل وقارها الذي بنته على مر السنين بسبب الفضيحة التي كشفتها ماريا إثيل، و أصبحت حبيسة قصر الأميرة .
أصبحت الأراضي التي كان يُفترض أن تحكمها في حالة من الفوضى، و تدهورت صورة العائلة الإمبراطورية .
قيل إن الصحف في الدول الأجنبية قد نشرت عناوين مثيرة مثل "الوجه الآخر للقديسة" و "القديسة ذات الوجهين". كان هذا عارًا على الإمبراطورية .
" يُصرّ ذلك التابع الوقح للدوق الأكبر على ضريبة لا تتجاوز 5% ! كيف يمكننا أن نظهر قوة القصر الإمبراطوري بهذا الشكل ؟ "
برزت العروق في صدغي الإمبراطور المحمرّين. كان عليه أن يواصل إظهار قوة القصر الإمبراطوري لمحو الصورة المهتزة للإمبراطورية : فرسان أقوياء، ولائم فاخرة، و تجاهل للشائعات السخيفة مع اتخاذ إجراءات حازمة .
لكن على عكس الإمبراطور الذي كان يغلي غضبًا، رفع ولي العهد زاوية فمه بخفة .
" يا جلالة الإمبراطور، حتى لو استغللنا غضب النبلاء، فإن الدوق الأكبر لا يزال بطل حرب في نظر الشعب، وهو بطل حرب يقف مع القديسة التي لم تحظى بتقدير من قبل."
توقف الإمبراطور للحظة. لقد نسي الشعب للحظة بسبب النبلاء .
" في هذه اللحظة، تنتشر شائعات سخيفة بين الشعب، بما في ذلك الشائعات عن الأميرة … "
" لا تتحدث عن الأميرة مرة أخرى."
بسبب الغضب الثقيل، هز ليوبارد كتفه للحظة ثم تابع حديثه .
" … حسنًا، يا جلالة الإمبراطور، على أي حال، في همساتهم، يُصوّرون لقاء الدوق الأكبر و الأميرة مادلين كمشهدٍ من قصةٍ خيالية، حتى أنهم يُحاولون تبجيله كأسطورة. "
" هذا أمر وقح ! " انفجر الإمبراطور غضبًا.
كان وجهه الذي يتغير لونه شبيهًا بتعبير ليوبارد عندما رأى أول مرة صورة أوليڤيا التي رسمها طفل بخطوط متعرجة على ورقة .
شعر بمودة تجاه الصورة التي تشبه ملامح أوليڤيا تمامًا : شعرها غير الملون و عينيها التي تلونت بلون أوراق الشجر، لكن هذا الشعور سرعان ما تحول إلى غضب عندما رأى الرجل ذي الشعر الأسود الذي يقف خلفها .
لكن ليوبارد لم يعد غاضبًا الآن من مجرد صورة . بدلاً من ذلك، ابتسم بلطف بوجهه الذي أصبح أكثر حدة بسبب فقدان الوزن .
" إذا وجهنا السيف مباشرةً نحو هذا البطل، فمن المرجح أن نلاقي رد فعل عنيفًا."
نظر الإمبراطور إلى ليوبارد بعينين أكثر عمقًا .
'رد فعل عنيف'، كان ولي العهد ينطق بهذه الكلمات المثيرة للقلق بوجه هادئ و واثق .
" … هل لديك خطة ما ؟ "
" ماذا لو قمنا بتغيير مجرى هذه القصة الخيالية قليلاً ؟ "
ابتسم ليوبارد بابتسامة عميقة و خفض صوته بشكل غامض، ثم نظر إلى رقعة الشطرنج المفتوحة دائمًا على طاولة الشاي و ابتسم.
" أليس الدوق الأكبر قاتلاً متعطشًا للدماء ؟ القديسة التي لم تعد تحتمل الدوق الأكبر العنيف تأتي من تلقاء نفسها إلى القصر الإمبراطوري."
بصوت خامل، التقط ليوبارد الملكة البيضاء و أمسكها بقوة كادت تسحقها. على الرغم من الجو الغريب الذي أحاط بولي العهد، انتظر الإمبراطور بصمت ما سيقوله .
استجابةً لتوقعه، التقط ليوبارد باليد الأخرى الملك الأبيض و دفع بيدقًا أسودًا و سقط على الأرض .
" وهذا المشهد يجعل الدوق الأكبر المجنون يثور، و يوجه السيف الذي منحه له جلالة الإمبراطور إلى القصر الإمبراطوري."
في نهاية هذا الصوت الدافئ بشكل مخيف، سُمع صوت تحطم البيدق المنحوت جيدًا. ربما كان ذلك بسبب نبرة ولي العهد التي جعلت الأمر يبدو وكأنه لا شيء .
نظر الإمبراطور إلى البيدق المنقسم إلى نصفين، و شعر بالقشعريرة و الرضا في الوقت نفسه، وضاقت أنفاسه .
هل سيتحقق في عهد ابنه المشهد الذي تمناه بشدة في نهاية حياة الدوق الأكبر السابق ؟
لو كانت نهاية كلبي الذي هرب من الطوق هكذا، لشعرت بارتياح كبير، لكن في الوقت الحالي، لم يتم حل أي شيء بالكامل. خاصة الدوق إلكين.
" … الدوق إلكين، الذي ذهب لإقناع الأميرة مادلين، لم يعد بعد."
" دع الدوق يواصل عمله، سأعمل بطريقتي الخاصة، ألم تعطني يا جلالة الإمبراطور الوثيقة السرية بالفعل ؟ "
" تذكر أنه تركها وراءه، هناك شيء غريب، لماذا هو مهووسًا بكل ما يتعلق بالأميرة مادلين ؟ "
لم يكن يتوقع أن يتجاهل كل شيء و يتجه مباشرة إلى الأميرة مادلين. بينما كان الإمبراطور يشعر بمرارة الهزيمة، رفع ليوبارد زاوية فمه بتهكم .
" هذا هو بالضبط ما في الأمر، لا شيء يمكن أن يكون أهم من الإنسان، و بالمصادفة، هناك شخص تابع للدوق الأكبر يتجول في القصر الإمبراطوري الآن دون حماية، أليس كذلك ؟ "
نظر الإمبراطور بسرعة إلى الأسفل، متبعًا نظرة ولي العهد عبر النافذة الزجاجية. وفي الوقت المناسب، كان ذلك الرجل يسير. إنه تابع الدوق الأكبر، الفارس ذو الشعر الرمادي .
" ما اسمه ؟ "
" البارون هوارد إنترفيلد."
شعر الإمبراطور بجفاف في فمه. الرجل الذي يتجول دون أي حماية من الفرسان يبدو فريسة شهية للغاية .
رأى ليوبارد بريقًا في عيني الإمبراطور، فأضاف لتأكيد الأمر : " سأجلب أوليڤيا، فقم أنت يا جلالة الإمبراطور بزعزعة الأمور أكثر. "
أومأ الإمبراطور ببطء. إن تصرفات الدوق الأكبر التي تهدد ازدهار الإمبراطورية قد أثارت استياء العديد من النبلاء بالفعل. وإذا أُضيفت شائعات أكثر سوءًا، فإن عامة الشعب الحقراء سيبدأون في الارتجاف خوفًا.
في تلك اللحظة، سيكون من المناسب أن يظهر الإمبراطور كسيد للإمبراطورية يحتضن الجميع . نظر الإمبراطور إلى ولي العهد مرة أخرى.
" ولكن، عندما يتطلب الأمر، يبدو أنك تستخدم قوتك بشكل صحيح، يا ولي العهد."
ابتسم ليوبارد ابتسامة عريضة من هذا الثناء الفائق. وفي تلك اللحظة، لمعت عيناه بلون البحر العميق .
" أليس من الأفضل استئصال المكان المتعفن تمامًا ؟ "
ضحك ليوبارد بصوت عميق. كان يرى الإمبراطور الذي يفخر به ساذجًا. كما قالت والدته الإمبراطورة، لم يستعد الإمبراطور للمستقبل جيدًا .
في كل شيء، لن يتبع ليوبارد خطى الإمبراطور أبدًا . وخاصة، بدلاً من صورة لا روح فيها، سيضع أوليڤيا بجانبه .
شعرها، عينيها المائلتان، خديها المحمرّان، تعابير وجهها التي تظهر حيرتها، و رائحتها الحلوة … كلما فكر في الأمر، زاد عطشه .
" قريبًا، سألتقي بها."
وسط الهمسة المليئة بالرغبة، لمعت عينا ليوبارد ببريق حاد .
* * * * * * * * * * * * * * * * * *
في وقت متأخر من الليل، أمام مدخل القصر الكبير .
بينما كان وينستر يضع بعض الأمتعة الخفيفة خلف حصانه، التفت إلى القصر الكبير بقلب كئيب .
كان القصر الكبير شامخًا ببرجه الأسود الذي يلامس السماء، وكان صلبًا و قويًا، و شعر بأن قدميه ثقيلتان كالحجر عندما فكر في العودة إلى العاصمة و تركه خلفه .
" كيف يمكنني أن أترك صاحب السمو و الآنسة ؟ بالطبع يجب أن أذهب معهما إلى وادي سينوا ! ألا يجب أن يكون هناك فارسان على الأقل لحماية الآنسة في ذلك المكان الوعر ؟ "
فكرة أنه لن يكون ضمن المجموعة التي ستستكشف وادي سينوا كانت بمثابة صدمة . رفع وينستر صوته مطالبًا بذلك، ولم يحصل على الموافقة إلا صباح اليوم .
لقد كان هو من قام بالاستكشاف الأولي للمكان !
" … هذا كله بسبب كفاءتي الزائدة."
ضحك ديان بخفة و ربت على كتف وينستر الذي كان يحاول مواساة نفسه .
" لقد تم تجاهلك بسبب الأولوية، أنا يجب أن أذهب إلى الوادي، أما أنت أيها اللورد كالتر، فذهابك و عدمه سيان."
نظر وينستر إلى ديان في صمت، ثم هز رأسه وراح يتمتم بوجه حزين : " لا، لا، كان يجب أن أذهب أنا بالتأكيد، على أي حال، وجهي الوسيم يجعل الناس يبوحون لي بكل شيء … "
كان هذا صحيحًا. بفضل وجهه الجذاب، كان ينسجم بسهولة مع أي شخص، و شخصيته الجريئة و الماكرة كانت مثالية لجعل الناس يفتحون قلوبهم له.
لم يكن وينستر ينوي الاعتراض على القرار الذي اتُخذ بالفعل، ولكن …
" ما يزعجني الآن هو أن بروك سيذهب إلى وادي سينوا بدلاً مني."
" ألا تثق بي ؟ "
مسح بروك، الذي جاء لوداعه، على لحيته بوجه مصدوم .
" أنت لا تشكّك في ولائي، أليس كذلك ؟ "
" يا رجل، أنا قلق بسبب ولائك ! لا تنسى واجبك، سبب ذهابك إلى الوادي هو … "
" أعلم ذلك، حماية الآنسة، فصاحب السمو سيقوم بواجبه على أكمل وجه، لذا يجب أن أحمي الآنسة الضعيفة، من سأحمي غيرها ؟ "
تذكر بروك التحذيرات التي سمعها مرارًا وتكرارًا. ومع ذلك، لم يقتنع وينستر، فراح يحدق في بروك بنظرة غاضبة .
" لو حلقت لحيتك، ستكون مثاليًا لجمع المعلومات بدلاً مني، هل تريد أن تذهب مكاني ؟ "
" إن لمست فخري هذا، ستبدأ حرب."
اصطدمت نظراتهم التي تنضح بالقتل .
تنهد ديان بعرق بارد و حاول التوسط بينهما .
" حسنًا، بروك هو الأفضل في حملات القتال، حتى لو لم يكن في وادي سينوا تحديدًا، فإنه يعرف الوضع الحالي للحدود أفضل من أي شخص آخر، لذا لا تقلق كثيرًا."
لكن كلمات ديان لم تستطع أن تهدئ قلب وينستر المضطرب. شعور غريب بالقلق كان يلوح في صدره، وهو شعور لم يمر به من قبل أبدًا .
وفي تلك اللحظة، قطع صوت ناعم خيالات وينستر.
" … شكرًا لك، يا وينستر. "
لقد جاءت الآنسة و سمو الدوق الأكبر شخصيًا لوداعه، وقد بدت عليهما مشاعر الامتنان و الأسف !
ابتسم وينستر ابتسامة عريضة ولوّح بيده .
" لا بأس، يا آنستي، بصفتي الفارس الثاني الذي أقسم لكِ بالولاء، سأذهب إلى شارع إدينغتون بسرعة حسب أمركِ ! "
عندما ابتعد وينستر الذي انطلق متعهدًا بجلب المعلومات التي تنتظرها، دفع إدوين ظهر أوليڤيا بخفة كما لو كان ينتظر هذه اللحظة .
" أصبح هواء الليل باردًا، ادخلي و نامي سريعًا، يا أوليڤيا، سننطلق في وقت مبكر جدًا."
*
*
كان الليل هادئًا .
كانت الغرفة مليئة بالظلام بسبب الستائر السميكة التي أُغلقت بإحكام. رمشت أوليڤيا بعينيها. كانت عيناها متيقظتين تمامًا، تتوهجان و تستكشفان الغرفة في الظلام .
كان هذا هو اليوم الذي يجب أن تنام فيه بعمق . على الرغم من تذكّرها لكلمات إدوين عن انطلاقهما في وقت مبكر من الفجر، إلا أن النوم الذي هرب منها لم يعد .
ربما كان ذلك بسبب كل الأحداث التي وقعت دفعة واحدة . الدوق إلكين، قبل عشرين عامًا، المخدر، الدوق مادلين، والدتها و العجوز …
" … إذا نمت في الوادي، سيكون الأمر خطيرًا."
تنهدت أوليڤيا بخفة، ثم أغمضت عينيها و شرعت في الغناء بهدوء أغنية مهدئة. كانت والدتها تغنيها لها في الليالي التي لا تستطيع فيها النوم …
في تلك اللحظة، فتحت أوليڤيا عينيها فجأة من فكرة والدتها التي خطرت على بالها. لم ترغب في التفكير في والدتها اليوم، شعرت وكأنها لا تعرفها .
فجأة، غمرها ضوء مبهر، و ضيّقت أوليڤيا عينيها. كانت الغرفة التي كانت مظلمة تمامًا مضاءة الآن .
على الرغم من أن الستائر كانت مغلقة، كان هناك ضوء يتلألأ وكأنه ينعكس على السقف .
ما هذا ؟
بينما كانت أوليڤيا تبحث عن مصدر الضوء، شكّت في عينيها للحظة، ثم رفعت ببطء الحجر السحري في عقدها بيدها .
شعرت أن الحجر كان أكثر دفئًا من المعتاد .
" الحجر السحري … "
بمجرد أن تمتمت، فقد الحجر الذي كان يضيء بضوء أخضر خافت لمعانه .
خلعت أوليڤيا العقد بسرعة و فحصت الحجر بدقة، لكنه كان شفّافًا كالعادة، وكأنه لم يضئ أبدًا .
* * * * * * * * * * * * * * * * * *
" أوليڤيا، إذا أردتِ التوقف في أي وقت، أخبريني."
" إذا قلتَ ذلك مرتين أخريين، ستكمل عشر مرات."
" حتى لو قلتُها مائة مرة، فلن تكون كافية."
ابتسمت أوليڤيا بخفة من صوته الذي ينطق بما في قلبه، ثم نظرت إلى الأمام مرة أخرى، وكأنها تقول 'لا يمكن مساعدتك'.
كل ما كان يملأ بصرها الآن هو الثلج الأبيض. كان هذا مدخل وادي سينوا. من مكان ما، كان يُسمع صوت مياه تتدفق .
يبدو أن الموسم قد تحول فجأة من الخريف إلى الشتاء كلما اقتربوا من الوادي .
كان الهواء البارد يضرب وجهها، وكلما تنفست، كان يخرج زفير أبيض. لم تستطع حرارة الحجر السحري الذي كانت تضعه حول عنقها أن تمنع وجهها من الاحمرار بسبب البرد .
بعد أن تركوا العربة و الخيول مع الفرسان، دخل خمسة أشخاص فقط وادي سينوا : إدوين و أوليڤيا، بالإضافة إلى بيثاني و ديان و بروك.
كلما صعدوا الوادي، أصبح الطريق أضيق. كان إدوين يلتفت إلى الخلف باستمرار في هذا الصف الذي كان يمشي فيه واحدًا تلو الآخر .
" هل أنتِ بخير حقًا ؟ "
كانت عينا إدوين مليئتين بالقلق، لكن أوليڤيا ابتسمت بشجاعة و أشارت إلى بنطالها المخصص لركوب الخيل الذي كانت ترتديه .
وكأنه لم يكن مقتنعًا، سأل إدوين ديان : " ديان، أين كان المكان الذي رأيت فيه الدخان ؟ "
" لا أتذكر بالضبط … "
بحث ديان حوله بحرج، وكأن هناك سحابة سوداء في رأسه، ولم يستطع أن يتذكر المكان جيدًا .
نظرت بيثاني إلى ديان و راحت تفحص المكان بعناية. ربما يوجد ساحر آخر مثلها في مكان قريب.
في كل مرة تهب فيها الرياح، كانت بيثاني تغلق أعلى زر في رداءها بإحكام، لكنها لم تنسى قلقها على أوليڤيا.
" أنا بخير بسبب العقد، لكن بيثاني، ألا تشعرين بالبرد ؟ "
" هذا صحيح، بيثاني كانت دائمًا تضع علينا تعويذة التدفئة."
أجابت بيثاني على تذمر ديان كما لو أن الأمر مستحيل : " يجب أن نوفر القوة السحرية لأي طارئ."
على الرغم من أنهم قالوا إن الجبال وعرة، إلا أنها لم تكن تتوقع أن تكون منحدرة بهذا الشكل. حتى في مواجهة الوادي الحاد الذي جعلها تلهث، واصلت أوليڤيا السير دون أن تظهر أي علامة على التعب .
بمعنى أدق، لم يكن لديها وقت لتظهر تعبها، لأنها شعرت بإحساس غريب وكأنها رأت هذا من قبل .
هذه الرياح الباردة و العاتية التي تهب من وقت لآخر … من المؤكد أنها شعرت بشيء مماثل في مكان ما .
وضعت أوليڤيا يدها على الحجر السحري في عقدها كعادة لها .
… آه .
فوجئت أوليڤيا بالشعور الحار، فتركت الحجر للحظة و نظرت إليه .
" بيثاني، هذا الحجر السحري … "
في تلك اللحظة، قطعت قوة مجهولة عقد أوليڤيا وكأنها اختطفته .
في اللحظة التي مدّت فيها أوليڤيا يدها دون تفكير، كان كل ما أمامها هو هاوية عميقة، و سقوط نحو الأسفل .
" آه …؟ "
شعر إدوين بالقلق من شهقتها الخالية من المقاومة، فالتفت إلى الوراء و صرخ : " أوليڤياااا ! "
" آه، إدوين."
رأت أوليڤيا إدوين وهو يُقبَض عليه من قبل بروك، بينما كان يحاول أن يندفع نحوها . وعندما تخلص إدوين من بروك وعاد لينظر إليها، كان الأوان قد فات .
شاهدت أوليڤيا الرعب المطلق يمتد في عينيه الحمراوين، فابتسمت بخفوت .
— الصورة التوضيحية : هـنـا .
إذا كانت هذه هي النهاية، فقد أرادت أن تظهر له وجهًا مبتسمًا أكثر .
ضغطت الرياح القوية على أوليڤيا. وصلت إلى لحظة لم تعد تستطيع فيها حتى التنفس بسبب السقوط اللانهائي .
وفي وسط الظلام، كان صوته يناديها وكأنه يمزق العالم، يتردد صداه بلا نهاية .
كنتُ أتمنى أن أسمعه أكثر …
*
*
" … يا ؟ "
قطع صوتٌ صغير الأصوات الخافتة وكأنه قادم من تحت الماء .
شعرت أوليڤيا بالنعاس، لكنها حاولت أن تستجمع وعيها الغائم .
أرادت أن تفتح عينيها و تتفقد محيطها، لكن شعرت بقوة ثقيلة تضغط عليها .
هل هي على قيد الحياة ؟
تحرك إصبعها أخيرًا، لم يكن جسدها يؤلمها على الإطلاق .
" … هل أنتِ بخير ؟ "
كان صوتًا صغيرًا. وكأنه بفعل سحري، اختفت القوة التي كانت تضغط على جسدها بمجرد سماع هذا الصوت .
نهضت أوليڤيا فجأة .
ومن خلال رؤيتها المفتوحة، كان ما تراه هو …
" هل أنتِ بخير ؟ "
****************************