" لقد وصل سمو الدوق الأكبر ! "
في اللحظة التي وصل فيها الخبر عن وصول إدوين، تواردت العديد من الأفكار في رأس أوليڤيا.
" لقد قيل أن الدوقة الكبرى السابقة كان لديها عيون خضراء أيضًا، فلماذا لا تفهمين أن الحب الذي تتلقينه ليس سوى بديل عن الدوقة الكبرى السابقة ؟ "
بدءًا من قصة لون عيني الدوقة الكبرى السابقة، آخر أميرة من مملكة لوڤيل .
" لا أعرف كيف وصلوا، لكنني أعرف سبب استقرارهم هنا "
شارع ينيڤ، حيث كان يعيش أشخاص ذو عيون خضراء لم يكن من الممكن رؤيتهم حتى في العاصمة، وأيضًا ……
" … إذا التقينا مجددًا … إذا حدث ذلك حقًا … هل ستسمحين لي حينها أن أرد لكِ جميلكِ ؟ "
وحتى موقف إدوين اللطيف منذ لقائهما الأول وهو يطلب منها الإذن .
كل اللحظات التي قضتها مع إدوين انهالت عليها دفعة واحدة . إذا كان هناك أي جزء من هذه اللحظات قد تم التخطيط له مسبقًا … إذا كانت هناك ذرة واحدة من الحقيقة في أكاذيب ولي العهد العديدة …
مجرد التفكير في الأمر كان خانقًا. شعرت وكأنها غارقة في مياه عميقة، و شعرت بخدر في جسدها كله . ومع ذلك، رفعت أوليڤيا فمها الذي كان متصلبًا .
من الغريب أنها كانت قادرة على الابتسام إذا ظهر إدوين أمامها الآن. إذا سألها عما يحدث، يمكنها أن تبتسم بلطف و تجيب بأن الأمر ليس شيئًا مهمًا .
ببساطة، كانت تحب هذه اللحظة. اللحظة التي تحب فيها وتُحَب .
لم تكن ترغب في الكشف عن أي حقيقة مخفية. كانت قادرة على دفن القلق الذي نما بشكل طفيف و إخفائه جيدًا حتى لا يظهر أبدًا مرة أخرى …
" هل أنتِ بخير، يا أوليڤيا ؟ "
— رنين .
مع رنين الجرس الذي ملأ المكان، دخل شخص قلق و حنون من الباب المفتوح. رمشت أوليڤيا وهي تنظر إلى إدوين الذي كان يمشي من المدخل .
عيناه الحمراوان اللتان قد ارتاحتا، و خطواته التي كانت تقترب منها على عجل، كل ذلك كان مألوفًا .
في اللحظة التي سقطت فيها خصلة واحدة من شعره الأسود المصفف بشكل مثالي على جبهته، تذكرت أوليڤيا فجأة إدوين الذي قابلته في شارع تورنينج بيل .
وعندما رفعت نظرها مرة أخرى إلى وجهه الذي أتى ليلتقي بها كما فعل في ذلك الوقت، أدركت أوليڤيا أن الافتراض الذي وضعته كان يفتقر إلى أهم شرط .
إدوين يحبها .
بحقيقة خالصة، لدرجة أن الشك في ذلك كان أمرًا سخيفًا .
وبسبب هذا الأمر الوحيد، انفجرت أوليڤيا بالضحك .
*
*
" جميع المعالجين في العاصمة يعملون في القصر الإمبراطوري، لذا سأذهب إلى السيدة بيثاني …… "
عندما ملأ صوت الضحك الرقيق غرفة الاستقبال، توقف إدوين، وحتى هوارد و وينستر، اللذان كانا يتبعانه و يقدمان التقارير، توقفوا أيضًا .
على عكس صوت ضحكها المبهج، كانت عينا أوليڤيا محمرتين. انهار قلبه قبل أن يتمكن من فهم معنى ضحكها .
في اللحظة التي رأى فيها كدمة زرقاء على معصمها الأبيض و النحيل، شد إدوين على أسنانه .
' كيف تجرأ … ! '
كان من السهل تخمين من قام بهذا الفعل .
" وفقًا لديان، فقد جاءت الآنسة من قصر ولية العهد وليس الأميرة "
اندفاع هائل من الغضب العنيف اجتاح إدوين .
لو كنت أعرف هذا، لكنت حطمت وجه ولي العهد بدلاً من مقابلة الإمبراطور .
اجتاحه ندم مرير متأخر، وبينما كان يحاول جاهدًا إخفاء تعابير وجهه المتغيرة، تحدثت أوليڤيا .
" إدوين، أنا لديّ عادة سيئة "
عادة سيئة ؟ وقبل كل ذلك، صوتها الجميل مثل طائر الكناري لا يتناسب مع هذا الموقف .
شعر هوارد بأن الجو غير طبيعي، فدفع الآخرين للخارج .
— أُغلق الباب .
في المكان الذي لم يكن فيه سواهما الاثنان، ابتسمت أوليڤيا .
" وهي أنني أقول دائمًا أنني بخير، بلا نهاية "
" …… "
" في الحقيقة، اعتقدت أن هذه العادة قد اختفت، فبعد لقائي بك، لم يعد لدي أي صبر، و أصبحت أفعل ما أريد "
" …… "
" لكن اليوم، لفترة وجيزة جدًا، عادت هذه العادة السيئة "
العادة السيئة التي ارتفعت من قلبها المضطرب .
تنهدت بعمق، وكانت الكلمات التي خرجت في النهاية ترتجف .
عندما اهتزت عينا إدوين، امسكت أوليڤيا يده و أضافت بصوت منخفض : " لقد علمتُ للتو من ولي العهد أن لون عيني الدوقة الكبرى السابقة كانت خضراء أيضًا "
في لحظة، تجمد وجهه. خوفًا من أن يظن إدوين أنها تسيء الفهم بشكل سخيف، قالت أوليڤيا بوضوح :
" أنا لا أسيء الفهم، فالحب الذي تلقيته منك يجعل من السخف أن أشك بك، وأنت لم تسعى للانتقام من خلال الحصول عليّ … "
" أوليڤيا ! "
" وجه إدوين نفسه يقول إن هذا غير صحيح "
حدقت أوليڤيا بهدوء في وجه إدوين الذي شحب .
هذا الرجل، الذي يندفع إلى هنا بوجه متألم بسبب كدمة واحدة عليّ، لن يخدعني .
" لذلك، لدي الكثير من الأشياء التي أريد سماعها منك يا إدوين "
" …… "
" ولكن هل يمكنني أن أبدأ أولاً ؟ "
" بالطبع "
جاءت الإجابة كما لو كان ينتظرها، وبدا صوته يائسًا إلى حد ما. وهي تنظر إلى وجهه الذي كان يبدو وكأنه سيخبرها بأي شيء، تحركت شفتا أوليڤيا للحظة .
بين عشرات الأسئلة المنطقية التي ملأت رأسها، كانت الكلمات التي أرادت أن تقولها أكثر شيء هي :
" … أنا أحبك "
اتسعت عينا إدوين، وكأن هذه لم تكن الكلمات التي توقعها. انعكست صورتها في عينيه الحمراوين .
كان الأمر جديدًا. شعرتُ كما لو أن صورتي قد انعكست في عينيه بعد وقت طويل. أو بالأحرى، هل تمكنتُ الآن فقط من الوقوف بمفردي بثبات ؟
شبكت أوليڤيا أصابعها بأصابع إدوين .
كان قلبي ينبض بسرعة كبيرة، وكأنه على وشك الانفجار . يبدو أن المشاعر المتصاعدة قد أعجبت بالاسم الذي أُطلق عليها، و قمت بإخباره بتلك المشاعر التي بلغت ذروتها .
كان إدوين، الذي بقي ثابتًا كما لو كان متجمدًا، محبوبًا للغاية لدرجة أنها شعرت بالرغبة في البكاء .
" لذا، شاركني العبء الذي تحمله، تمامًا كما فعلت معي "
ربما كان خوفها بعد أن سمعت من ولي العهد أنها كانت بديلاً للدوقة الكبرى السابقة نابعًا من حقيقة أنها لم تكن تعرف أي شيء .
قصة الدوق الأكبر و الدوقة الكبرى السابقة و العائلة الإمبراطورية، و السبب الحقيقي وراء كراهية الجميع في مقاطعة ڤيكاندر للإمبراطور، وحتى سكان ڤيكاندر الذين لم يكرهوا الأشخاص ذوي العيون الخضراء .
كل القطع العديدة التي تجاوزتها بدأت في الظهور بوضوح .
رمش إدوين ببطء . كانت شفتاه مغلقة بإحكام، ولم يخرج منهما الجواب الذي يقول "أنا أيضًا أحبك".
كان الأمر غريبًا. كان قلبها ينبض بسرعة. شعرت بالإحباط و القلق لأنه كان يظهر بوضوح أنه يحبها، ولكنه لم يجب .
لم تكن تعرف ما إذا كان هذا يعني أنه لن يشاركها العبء، أم أن له معنى آخر. قالت أوليڤيا بصوت منخفض وشفتيها جافتان .
" إذا كان بإمكانك ذلك، نادني 'ليڤ'. "
لقد كانت كلمات تمنت لو أنها نطقتها بأسلوب أكثر أناقة . ورغم أنها بدت سخيفة بالنسبة لكلمات فكرت بها طويلاً، إلا أن أوليڤيا نطقتها بكل ما فيها من صدق .
" كان لقبًا لا تناديني به سوى أمي في الماضي، والآن …… "
" …… "
" إنه لقب يمكن لإدوين فقط أن يناديني به، لذا …… "
" ليڤ."
عندما نادى صوت محتدم بعاطفة شديدة على لقبها، اتسعت عينا أوليڤيا. كان إدوين، الذي كان يجلس بجانبها كما لو كان متجمدًا، يتكئ على الأريكة و ينظر إليها من الأعلى .
استقرت عيناه الحمراوان اللتان تشتعلان مثل الحمم البركانية. كان نبض قلبه ينبض بقوة لدرجة أنها لم تستطع أن تصدق أنها لم تسمعه حتى الآن .
" ليڤ … ليڤ، ليڤ."
مثل طفل يتعلم كلمة جديدة، نادى إدوين على لقب أوليڤيا.
كان لقبها الذي سمعته منذ الطفولة، ومع ذلك، كان اللقب الذي نطق به هذا الصوت الساحر الذي جعل وجهها يحمر غريبًا إلى حد ما.
" إدوين."
"لماذا تقولين دائمًا أشياء تفيدني فقط؟"
اندفعت المشاعر التي اجتاحت قلبه فجأة .
لم يرغب إدوين في مشاركتها الأعباء. أراد أن يخفي المظهر القاسي القديم لڤيكاندر، و يُظهر لها فقط الجانب الثري و القوي .
كان يطمح إلى دوقية ڤيكاندر مستقلة تمامًا، أو مملكة يمكنها مواجهة الإمبراطور وجهًا لوجه .
داخل ذلك العالم، كان يريد حماية أوليڤيا تمامًا، ويجعلها تعيش في عالم آمن حيث يمكنها أن تفعل كل ما تريده .
كانت الأمور المتعلقة بـ"لوڤيل" مجرد خيار لاحق، لكن هذه الشابة الشجاعة كانت دائمًا ما تندفع إلى الأمام في العالم الذي يحيط بها .
أحيانًا بقوة لدرجة أنها تأخذ الأنفاس، وأحيانًا أخرى بقوة لمنع ظهرها المستقيم من الاهتزاز، وأحيانًا أخرى …
" لأنها …… "
هكذا وهي تبتسم بشدة .
" لا تفيد إدوين فقط، بل تفيدنا كلانا "
لم يعد بإمكانه التحمل .
أطلق إدوين تنهيدة قصيرة بصوت أجش. انحنى جسده الكبير و الصلب نحو أوليڤيا. كانت يداهما المتشابكتان متكئة على ظهر الأريكة .
في هذا الجو الكثيف، حدق إدوين في أوليڤيا بنظرة ثابتة .
" … هل تسمحين لي ؟ "
كانت المسافة بينهما قريبة لدرجة أن أنفاسهما كانت تختلط .
أومأت أوليڤيا برأسها ببطء ولكن بثبات. اقترب وجههما أكثر فأكثر .
وكأنهما كانا ينتظران، التقت شفتاهما ببطء .
مع الملمس الناعم الذي اخترق الفجوة، و الصوت الرطب، و الأنفاس غير المنتظمة، أغلقت أوليڤيا عينيها بإحكام .
عندما لم يعد بإمكانها الرؤية، أصبحت جميع حواسها أكثر وضوحًا .
كانت القبلة التي بدت وكأنها لطيفة، اصبحت حارة و مكثفة بشكل ساحر .
كانت تلك الذكرى الأولى التي لا يمكن نسيانها أبدًا .
— الصورة التوضيحية : هـنـا .
* * * * * * * * * * * * * * * * * *
" … يقولون إن معظم سكان لوڤيل كذلك، أخضر، أخضر فاتح، أزرق سماوي "
بدأت الظلمة تتدفق عبر النافذة .
كانت تدرك ذلك، لكن سماعه مباشرة كان له شعور مختلف. واصل إدوين حديثه ببطء : " كما قالت أوليڤيا، لون عيني والدتي كان أخضر أيضًا، لأكون أكثر دقة … "
" …… "
" كان لون عيون أفراد العائلة المالكة و النبلاء رفيعي المستوى في لوڤيل أخضرًا "
اتسعت عينا أوليڤيا من شدة المشاعر التي لم تستطع تحملها.
" تمامًا مثل لون عينيك الآن يا أوليڤيا."
أضاف إدوين وكأنه يثبت الأمر. لم يكن هناك أي أثر للمزاح على وجهه. بالطبع، إذًا والدتي ……
استعادت ذكرياتها عن والدتها. والدتها القوية و الجميلة، و رقصها و غناؤها الذي كان يجعل كل المواقف تتلألأ كالسحر .
عضت أوليڤيا على شفتها دون وعي، ثم تمتمت قائلة " آآه ".
كانت شفتها التي لامست شفتي إدوين لفترة طويلة منتفخة قليلاً. عندما عضت على المكان الذي كان يؤلمها بمجرد اللمس، شعرت بالألم على الفور .
" هذا لن ينفع يا أوليڤيا، يجب أن أضع لكِ مرهمًا "
في نفس اللحظة التي قال فيها ذلك بصوت خافت، أمسكت يده القوية بذقن أوليڤيا بلطف. كانت عيناه اللتان أصبحتا أكثر قتامة تحدقان في شفتيها، فأصدر صوت "تْسْك" بلسانه .
مجرد هذا الصوت الأجش أعاد بوضوح سخونة اللحظة السابقة. شعور التوتر الذي منعها حتى من تحريك أصابعها عاد و اجتاحها مرة أخرى .
أخفضت أوليڤيا نظرها بسبب الخجل، و ابتسم إدوين بابتسامة باهتة وهو ينظر إلى شفتيها باستياء .
" … يمكنني وضع المرهم لاحقًا، هل يمكنك أن تواصل الحديث ؟ "
" فضولكِ للمعرفة أعلى مما توقعت، يا أوليڤيا."
ألقى إدوين دعابة لتلطيف الأجواء. ابتسمت أوليڤيا ابتسامة باهتة .
" الأمر غريب فحسب."
" …… "
" أنا … والدتي كانت دائمًا تتعرض للانتقاد، لكن كون العائلة المالكة و النبلاء رفيعي المستوى في لوڤيل يمتلكون عيونًا خضراء …… "
صمتت أوليڤيا للحظة. لم تستطع معرفة ماهية هذا الشعور الذي كان يخدش حلقها .
وهي تنظر إلى عيني إدوين اللتين كانتا تحدقان بها، اختارت الكلمة التي ستنهي بها جملتها .
كانت تشعر بالظلم، و بالألم، و أحيانًا بالحزن الشديد، لكن في جميع تلك المواقف، كانت تحب هذه العينين التي ورثتها عن والدتها .
بعد فترة طويلة، أنهت أوليڤيا حديثها بابتسامة باهتة .
" … الأمر غريب فحسب "
****************************