الفصل ١٠٨ : ‏Do Your Best to Regret

{ لوڤيل و الراقصات، و العيون الخضراء }


مع ظلام الفجر الدامس، انطلقت العربة التي تقل أوليڤيا.

كانت أوليڤيا تنظر باستمرار من النافذة . كان قصر الدوق الأكبر، المُضاء بسطوع كما لو كان يودّعها، يعجّ بالناس، مودّعين أوليڤيا و الفرسان .

سوبيل، و هانا، و وينستر، و هوارد … لكن وجه إدوين كان مميزًا و ثابتًا في عينيها .

كلما ابتعد وجهه، شعرت باندفاع لإيقاف العربة، لكنها لم تفعل .

" سأراك قريبًا، لذلك، اذهبي أولاً إلى إقليم ڤيكاندر … يا ليڤ "

تذكرت اللقب الذي كان يناديها به طوال الليل . تذكرت صوته الحنون الذي كان يدغدغ أذنيها، ولم تستطع أوليڤيا أن ترفع نظرها عن إدوين .

كانت كلماته صحيحة. بعد فترة وجيزة، عندما تنتهي المفاوضات، سيعود إدوين إلى إقليم ڤيكاندر، لكن هذه كانت المرة الأولى التي يفترقان فيها لمثل هذه الفترة الطويلة منذ أن ذهبا معًا إلى إقليم ڤيكاندر .

بعد أن غادرت العربة البوابة الرئيسية، جلست أوليڤيا منتصبة أخيرًا . بدت العربة التي كانا يجلسان فيها معًا واسعة بشكل خاص اليوم .

كان قلبها يؤلمها و يجمّده الحزن، فشبكت يديها اللتين كانت تخفيهما تحت ردائها . الدفء الذي كان في يدي إدوين قبل لحظات كان لا يزال موجودًا، يواسي أوليڤيا.

شعرت بوخز غريب في أنفها، و توقفت عن عض شفتيها . كان الدواء الشفاف الذي وضع على شفتيها مرًا. وفي الوقت نفسه، تذكرت إدوين وهو يضع الدواء .

يده التي كانت تتجه بحذر نحو شفتيها، و عيناه القلقتان، و صوته الذي كان يناديها، و وجهه الحنون الذي كان يبتسم وهو يقبل أنفها … كل شيء كان يخص إدوين .

على الرغم من أنها سهرت طوال الليل، لم تكن تشعر بالتعب، بل كان عقلها صافيًا. ومع ذلك، أغمضت أوليڤيا عينيها بهدوء .

وفي نفس اللحظة، تذكرت القصة التي حكاها لها إدوين في الليلة الماضية .

* * * * * * * * * * * * * * * * * *

" … أنا أيضًا لا أعرف الكثير، لكن سمعت أنه بعد اختفاء لوڤيل من التاريخ، انتشرت إشاعة غريبة في الإمبراطورية، كما تعلمين يا أوليڤيا، أن أصحاب العيون الخضراء … هم راقصات "

كان القمر الساطع معلقًا في السماء في وقت متأخر من الليل، و تحت ضوء القمر، ضمّها إدوين وهو يتحدث .

ابتسمت أوليڤيا قليلاً . فهمت المعنى الكامن وراء الصمت الذي سبق كلمة "راقصة" في كلام إدوين. كما لو أنه لم يستطع قول تلك الكلمات .

" اقتربت من أهل ينيڤ لأعرف متى وكيف بدأت هذه الإشاعة، لكنهم لم يزيلوا حذرهم بسهولة، هذا طبيعي بالطبع، أنا أيضًا لم أخبرهم بقصة لوڤيل المتعلقة بالعيون الخضراء، لذا الأمر سيان "

" … عندما أعود، سأذهب إليهم مرة أخرى "

" هذا مطمئن جدًا يا ليڤ."

" لا تتوقع الكثير، سأذهب أيضًا لأجل أعمال البناء في شارع ينيڤ."

أضافت أوليڤيا بسرعة ردًا على كلماته التي كانت ترفع من شأنها. ومع ذلك، لم تتغير نظرة الثقة التي كانت في عينيه .

وضعت أوليڤيا وجهها على صدر إدوين كما لو أنها تتجنب نظراته. ابتسم إدوين قليلاً، ثم تابع حديثه .

" لهذا السبب أعتقدت أن ذلك قد يكون لقمع ما تبقى من سلطة لوڤيل، حتى لو كان الإمبراطور يعتبر ڤيكاندر شوكة في خاصرته، فليس لديه سبب كبير للتدخل في شؤون لوڤيل التي أصبحت بالفعل مملكة منقرضة "

شوكة في خاصرته … لقد ذكرها بكلمة بسيطة، لكن أوليڤيا كانت تعرف الإشاعات المنتشرة في الإمبراطورية .

عندما أصبح إدوين الدوق الأكبر ڤيكاندر و ذهب إلى ساحة المعركة لأول مرة، كان ذلك قبل عشر سنوات، عندما كان عمره يزيد قليلاً عن عشر سنوات .

إذا كان الإمبراطور هو من أرسل ذلك الطفل الصغير إلى ساحة المعركة، فهذا ليس مجرد "شوكة في خاصرته"، بل هو دفعه إلى الهاوية ليلاقي حتفه .

إذا كان إدوين قد أصيب في ذلك الوقت …

كتمت أوليڤيا أنفاسها عمدًا، لكنها لم تستطع تجنب المشاهد المؤلمة التي ملأت رأسها . دون أن يعلم ما يدور في خاطرها، ابتسم إدوين وتابع حديثه لأوليڤيا التي كانت في حضنه .

" المعلومات الوحيدة التي أعرفها عن لوڤيل هي أنها كانت متطورة في السحر، ربما بيثاني تعرف أكثر مني، أنا … كل ما أعرفه هو قصص قديمة سمعتها من والدتي عندما كنت طفلاً "

هذا أمر طبيعي، فجميع السجلات المتعلقة بلوڤيل تم تصنيفها ككتب محظورة و حُرقَت منذ فترة طويلة .

و … قصص قديمة ؟

نظرت أوليڤيا إلى إدوين بشعور غريب. كانت فضولية بشأن كل شيء يتعلق بلوڤيل .

ربما ظهر هذا الشعور في عينيها، فضحك إدوين بخفوت وأضاف : " لو كنت أعلم أن هذا سيحدث، لكنت حفظتها في كتاب قصص لأريك إياها يا ليڤ، في ذلك الوقت، كان كل ما أريده هو مجرد الاستماع إلى القصص، سأرويها لكِ بالتأكيد في المرة القادمة، و سأتذكرها تمامًا "

تذكرت أوليڤيا الأغاني التي كانت والدتها تغنيها لها. ربما كان هناك شيء متعلق بلوڤيل فيها .

في تلك اللحظة التي كانت تفكر فيها، تابع إدوين حديثه .

" ربما هذا هو سبب رغبتي في معرفة المزيد عن سر منجم الكريستال الأبيض، فليس هناك الكثير من المعلومات الواضحة عن 'لوڤيل' التي أعرفها."

" سـ، سر ؟ "

عندما تحدثت أوليڤيا بصعوبة، أومأ إدوين برأسه موافقًا .

" نعم، سأتحقق من الوثائق السرية التي أخبرتني عنها، إذا رأيناها، فيمكننا على الأقل أن نفهم ما يعرفه الإمبراطور "

* * * * * * * * * * * * * * * * * *

سر منجم الكريستال الأبيض … فتحت أوليڤيا عينيها بهدوء .

قالت بيثاني أنها تقضي كل وقتها تقريبًا في المنجم بحثًا عن هذا السر .

ماذا يمكن أن يكون هذا السر الخفي في ذلك المنجم الغريب و المخيف ؟

هزت أوليڤيا رأسها وهي تتذكر الوقت الذي قامت فيه بالتحقيق مع السحرة و علماء الجيولوجيا. إذا كان هناك سر في مكان توقفت فيه حتى عروق المعادن، فمن المستحيل أن يكون السحرة قد فشلوا في اكتشافه.

ومع ذلك، تمنت أوليڤيا أن يكتشف إدوين السر .

" كم أتمنى لو كنت قد سمعت هذا السر من والدتي مباشرةً "

ذلك الصوت الخافت الذي أضافه في النهاية لم يكن من الممكن أن تنساه أبدًا .

" قالت لي إنها لا تستطيع أن تخبر به إلا أفراد العائلة المالكة في لوڤيل الذين بلغوا سن الرشد "

كانت هناك جروح لا يمكن محوها في عينيه الحمراوين .

" الآن، مهما تمنيت ذلك بصدق، لا يمكن أن يتحقق "

تلك الابتسامة الكئيبة التي لم تستطع أوليڤيا سوى النظر إليها بأسى، اختفت في طرفة عين .

استذكرت أوليڤيا وجهه وهمست لنفسها دون وعي : " … إذا بذلت قصارى جهدك، فكل شيء سيتحقق "

تذكرت أوليڤيا كلمات والدتها التي كانت كتعويذة متأخرة، و اقتربت من النافذة. لم يكن هناك أحد سوى ديان الذي كان يرافقها بالقرب من العربة التي كانت قد قطعت مسافة كبيرة .

كان ينبغي أن تقول له ذلك بنفسها قبل قليل . شعرت أوليڤيا بالأسف، و تخيلت في ذهنها اليوم الذي ستقابله فيه مرة أخرى. ربما سيكون ذلك بعد أن تكتمل المفاوضات مع هڤرتي و يحصل على الوثيقة السرية للعائلة المالكة .

أو ربما تكتشف بيثاني سر منجم الكريستال الأبيض أولاً . لم يكن من الممكن التنبؤ بأي من الأمرين سيحدث أولاً .

لكن … كما يبحث إدوين عن أدلة على منجم الكريستال الأبيض في القصر الإمبراطوري، فإنها أيضًا ستساعد بيثاني في العثور على سر منجم الكريستال الأبيض .

لمست أوليڤيا حجر القلادة السحري كالعادة . كانت الجهود الصادقة مُقدّرٌ لها أن تُؤتي ثمارها .

عندما تذكرت والدتها، أرخت أوليڤيا جسدها بهدوء. فخرجت نغمة خافتة من بين شفتيها، كانت الأغاني التي كانت والدتها تغنيها لها .

إذا تم العثور على سر المنجم، سيصبح إدوين أكثر سعادة، ولن يرتدي ديان عدسات لاصقة لاخفاء لون عينيه، و أطفال ينيڤ أيضًا سيجرون و يغنون أغانٍ مبهجة …

توقفت أوليڤيا عن الغناء للحظة. شعرت بإحساس غريب، و بدأ سؤال لم يتم حله يظهر في ذهنها .

رمشت عينيها، و راجعت القصة التي أخبرها بها إدوين مرة أخرى. وفي الوقت نفسه، بدأت في ربط الأحداث التي مرت بها بنفسها .

مملكة لوڤيل المفقودة و أفراد العائلة المالكة ذوي العيون الخضراء، و الدوقة الكبرى السابقة التي ذهبت إلى القصر الإمبراطوري، و منجم الكريستال الأبيض الذي كان كنزًا مسلوبًا، و العيون الخضراء التي وُصمت بأنها لراقصات وضيعات .

— الصورة التوضيحية : هـنـا .

" … لماذا بالتحديد راقصات ؟ "

— طرق .

انقطع صوت همس أوليڤيا بصوت طرق . توقفت عن همسها و فتحت النافذة .

سألها ديان بوجه مليء بالأمل : " يا آنسة، ما رأيك بوجبة الإفطار الآن ؟ هناك مطعم للديك الرومي لذيذ حقًا هناك ! "

ابتسمت أوليڤيا و هزت رأسها. فابتسم ديان بابتهاج على الفور .

مع شروق الشمس، بدا لأوليڤيا أنها ترى عيون ديان الخضراء الفاتحة من تحت عدساته البنية .

* * * * * * * * * * * * * * * * * *

لم تتمكن الأميرة من رفع رأسها تحت وطأة الضغط المتزايد، و وجدت نفسها في مقابلة فردية مع الإمبراطور دون أن يتسنى لها استدعاء والدتها الإمبراطورة التي تحميها .

" الإمبراطور يناديك يا سمو الأميرة "

جاء كبير الخدم بنفسه. لم يكن لديها وقت للتظاهر بالمرض، فتوجهت على مضض إلى مكتب الإمبراطور، حيث واجهته في صمت مطبق دام عشرات الدقائق .

" … تحمّلي مسؤولية ما فعلته، و اجعليه يبدو كما لو أنه لم يحدث قط "

أفقد الصوت، المليء بالغضب، ذهن الأميرة للحظة . لم تتوقع أن يغفر لها، ولكن أن تضطر إلى حل كل هذا الوضع الفوضوي بنفسها ؟

لم تستطع حتى التمييز بين ما يقصده الإمبراطور بـ "ما فعلته".

هل يتعلق الأمر بالمنجم المهجور ؟ أم بماريا إثيل ؟ أو … لم تجرؤ على سؤاله عما يمكن أن يكون .

" قبل أن يعود الوفد، اجعليه مثاليًا "

" جلالة الإمبراطور … ! "

" هذا إذا كنتِ تريدين أن تستمري في العيش كأميرة "

الأميرة التي كانت على وشك التوسل إلى الإمبراطور بسبب ضيق الوقت، صمتت فجأة .

رفعت رأسها لتواجه عيني والدها، ولم تجد فيهما أي عاطفة. تجمدت يداها و قدماها وكأن الصقيع قد غطى قلبها . وفي الوقت نفسه، شعرت بأن الأرض التي تقف عليها تنهار .

فهمت على الفور ما تعنيه عبارة "إذا كنتِ تريدين أن تستمري في العيش كأميرة". لقد كانت على وشك أن تُحرم من كل شيء كانت تتمتع به حتى الآن .

عندها فقط أدركت الأميرة لماذا أشار إليها الإمبراطور بكلمة "أنتِ" بدلاً من "الأميرة" قبل قليل .

في هذا الموقف المحفوف بالمخاطر، كان هناك إجابة واحدة فقط يمكن للأميرة أن تقدمها.

و بقمعها للارتجاف الذي كان ينتابها، تمكنت الأميرة من القول : " … حسنًا، يا جلالة الإمبراطور "

لم يكن هناك المزيد من الأوامر من الإمبراطور . كان صوت استدارته كأنه لا يطيق النظر إليها. وفي هذا الطرد الصامت، غادرت الأميرة المكتب بعد أن قامت بالتحية التي تليق بالآداب .

في الممر المليء بالفرسان، انهالت عليها التحيات، لكن الأميرة لاحظت جيدًا أن نظراتهم قد تغيرت بشكل واضح .

العيون التي كانت دائمًا تنظر إليها بإعجاب فقدت بريقها. بينما كانت ترى تصرفاتهم الآلية، قبضت الأميرة على طرف فستانها بصمت .

ترنحت قدماها من الشعور بالخجل، لكنها لم تستطع أن تسقط. ابتسمت لمربيتها التي كانت تنظر إليها بعينين قلقتين، و تابعت سيرها .

في كل مرة كانت تقابل فيها النبلاء الذين جاءوا للعمل مبكرًا و يحيونها، كانت تجمع شتات نفسها المتداعي .

لم يكن بإمكانها أن تفقد مكانتها كأميرة . أميرة إمبراطورية فرانز، أقوى و أغنى إمبراطورية في القارة. هذه المكانة ستجعلها تتألق أينما ذهبت .

إذن، ماذا تفعل ؟ كان عقلها في فوضى عارمة .

هناك حفل لم ينتهي بعد، و وفود و نبلاء يتهامسون . تحتاج إلى خطة جيدة لتحويل أنظارهم تمامًا .

توقفت الأميرة عن السير بهدوء .

لماذا لم يخطر هذا الأمر على بالها من قبل ؟

" سمو الأميرة ؟ "

سألت المربية بفضول عندما توقفت الأميرة فجأة. فسألت الأميرة ببرود : " … أين ماريا إثيل الآن ؟ "

تلك الفتاة التي وضعتها في ورطة، ولكنها الآن قد تكون الورقة الرابحة التي ستنقذها، ورقة يمكن استخدامها ثم التخلص منها .

إذا دمرت مكانة تلك الفتاة في المجتمع تمامًا، فإن قصتها ستُنسى، لكن المربية لم تستطع إخفاء قلقها .

" سمو الأميرة، لماذا تبحثين عن ماريا إثيل ؟ "

****************************

*

إرسال تعليق (0)
أحدث أقدم

اعلان