مكتب الإمبراطور في القصر .
ساد صمت طويل، و عيون متلألئة نظرت إليه، لكن الإمبراطور لم يرفع نظره ليقابله .
بعد لحظة من الصمت، تحدث الدوق الأكبر بصوتٍ خافت ممزوجٍ بالضحك : " إذا خطرت لك الفكرة المناسبة للثمن، فاتصل بي في أي وقت يا جلالة الإمبراطور، الآن، يجب أن أذهب لتناول العشاء "
كان إعلانًا وليس طلبًا، لكن على الرغم من موقفه المتغطرس، كان على الإمبراطور أن يعض على شفتيه و يكظم غيظه .
وبعد أن غادر الدوق الأكبر المكتب، نظف الإمبراطور جميع الأشياء من على مكتبه و ألقاها على الأرض .
تطايرت الأشياء و تناثرت في كلّ مكان. مع صوت التحطّم، هرع رئيس الخدم إلى الداخل . رغم أنه كان مرتبكًا و خفض رأسه و أغلق الباب بسرعة، لم يكن الإمبراطور يرى أي شيء .
أطلق الإمبراطور تنهيدة غاضبة. فقط عندما اختفى تأثير الدوق الأكبر المهيمن، انفجر غضبه .
" كيف يجرؤ ! كيف يجرؤ ! "
الكلمات التي لم يستطع قولها للدوق الأكبر الذي غادر، دوّت في المكتب مثل الرعد .
انفجر الغضب المكبوت، و حدّق الإمبراطور بعينين حمراوين من الغضب في باب المكتب .
استمرت العيون الحمراء المتلألئة في الظهور في ذهنه، وكأنها تحفر في عقله، و الكلمات التي تركها الدوق الأكبر عادت لتطغى عليه .
*
*
" لماذا تتحدث بهذه الطريقة الغامضة ؟ من الواضح أنك تريد التحدث عن منجم لوڤيل "
توقفت كلمات الإمبراطور التي كان يحاول من خلالها معرفة نوايا الدوق الأكبر، فجأة .
عضّ الإمبراطور على شفتيه و حاول الحفاظ على هدوئه . هذا الرجل كان يعرف بالفعل … لذلك، انتقل الإمبراطور إلى صلب الموضوع .
" لقد أصبح المنجم ملكًا للأميرة مادلين "
كانت كلماته قاسية. كان المنجم، الذي كان دائمًا سلاح الإمبراطور، الآن في أيدي الأميرة مادلين .
نظر الإمبراطور إلى رد فعل الدوق الأكبر . بصفته إمبراطورًا، كان ماهرًا في إخفاء تعابير وجهه، لكن العرق البارد تدفّق على ظهره من التوتر الذي لم يشعر به من قبل .
على وجه الدوق الأكبر الجميل الذي يشبه أميرة لوڤيل، ظهرت ابتسامة بطيئة، ثم …
" هاهاهاها "
انفجر الدوق الأكبر بالضحك. عندما ضحك، شعر الإمبراطور للحظة أن قلبه قد سقط .
هل من الممكن أن تكون الأميرة مادلين قد نقلت ملكية المنجم إلى الدوق الأكبر ؟
تجمعت الأفكار في رأسه. على الرغم من أنه اعتقد أن هذا مستحيل، إلا أن الإمبراطور بالكاد سيطر على عقله الذي كان يشعر بالدوار .
وفي هذه الأثناء، فتح الدوق الأكبر شفتيه ببطء .
" إنها ليست أميرة، بل الدوقة الكبرى المستقبلية يا صاحب الجلالة "
على الرغم من أنه عرف أن هذا كان استفزازًا، إلا أن الدوق الأكبر لم يجب بشكل صحيح. هل هذا يعني أن لديه فرصة للفوز، أم أنه قد تم تحطيمه بالفعل ؟
" بالإضافة إلى ذلك، هل يمكنني اعتبار سبب استدعائك لي هو أنك قد أعددت الثمن الذي تحدثت عنه ؟ "
" أي ثمن تقصد ؟ "
" ألم أقل لك في لقائنا الأخير ؟ أريد تعويضًا عن الأشياء التي كان من المفترض أن تكون لي "
أطلق الإمبراطور تنهيدة عميقة على صوت الدوق الأكبر الهادئ .
هل أخطأ عندما اختار مقابلة الدوق الأكبر، لأنه أراد معرفة من يمتلك المنجم الآن ؟
كان بريق عيونه الحمراء ساطعًا بشكل واضح .
" ثمن ؟ خادم مخلص للإمبراطورية يطلب ثمنًا على خدمته للإمبراطورية، هاهاها، ألم يكن ما تريده هو منجم الكريستال الأبيض ؟ "
ضحك الإمبراطور بوقاحة، بينما جف فمه . نظر الدوق الأكبر إلى الإمبراطور بوجه مستمتع .
" منجم الكريستال الأبيض كان في الأصل ملكًا للوڤيل، أنا ببساطة أريد تعويضًا عن الأشياء التي كانت يجب أن تكون لي والتي سُرقت مني يا صاحب الجلالة "
" هاهاها، أنت الدوق الأكبر و بطل الحرب، لا ينقصك شيء، تريد تعويض ؟ أخبرني، ما الذي ينقصك ؟ "
" ماذا تعتقد أنه ينقصني يا صاحب الجلالة ؟ "
عبس الإمبراطور على الصوت المرح. لم يستطع أن يقرر ما إذا كان هذا مزحة، أم علامة على أنه يعرف شيئًا .
ابتسم الدوق الأكبر بإشراق، ثم فجأة، نظرت العيون الحمراء المبتسمتين إلى الإمبراطور بشكل مرعب .
" ألستَ أنتَ من أخذ ما كان ينبغي أن يكون لي ؟ "
الأشياء التي أخذها الإمبراطور والتي كانت يجب أن تكون للدوق الأكبر. خطرت له الكثير من التخمينات .
للحظة، التقط الإمبراطور أنفاسه . العيون الحمراء التي كانت تنظر إلى الإمبراطور مع شعور غريب، تألقت بحدة .
في النهاية، ولأول مرة، تجنب الإمبراطور نظرة الدوق الأكبر، و طأطأ رأسه لفترة طويلة .
* * * * * * * * * * * * * * * * * *
غرفة نوم الإمبراطور، في أعمق مكان فيها .
" ما كان ينبغي أن يكون له …… "
تمتم الإمبراطور بهدوء، وهو يحدق في صورة الأميرة المقلوبة .
في تلك اللحظة، خطرت بباله الأميرة .
' هل يطلب تعويضًا عن ماضٍ سُلبت فيه أمّه ؟ '
حاول الإمبراطور قلب الصورة مرة أخرى، لكنه هز رأسه. فجأة، شعر بالغضب . كما هو الحال دائمًا، حتى في هذه الحالة، كانت الأميرة تدير ظهرها له، لكنه لم يمتلك الشجاعة لقلب الصورة .
كان يود أن يسخر من الأميرة عندما يعود كل شيء إلى مكانه، لكن الآن، من يتعرّض للسخرية هو الإمبراطور نفسه .
أطلق الإمبراطور تنهيدة من الاستياء، وفجأة، خطرت في ذهنه فكرة أخرى .
" هل يمكن أن يكون …… ؟ "
' من المستحيل أن يكون قد عرف ما حدث للدوق الأكبر السابق '
تمتم الإمبراطور بصوت عالٍ في محاولة لتهدئة قلقه .
" لقد سقط في وادي سينوا، سيتم اعتبار الدوق الأكبر ڤيكاندر في عداد المفقودين، أنا آسف يا صاحب الجلالة لأننا لم نتمكن من إحضار جثته "
لا يزال صوت من قدّم التقرير واضحًا في ذاكرته. على الرغم من أنه في العالم الآخر الآن، إلا أن كل من كان على علم بتلك المسألة قد مات .
في البداية، كان غاضبًا لعدم التأكد من الأمر، لكن كان لا بأس في النهاية لأنه تم اعتباره مفقودًا ولم يتم العثور على جثته .
وادي سينوا، الواقع على أطراف إقليم ڤيكاندر .
يعرف الإمبراطور جيدًا أنه لا يمكن لأحد النجاة من الوادي الشمالي الوعر الذي يشبه فم الشيطان، لكن، لماذا يشعر بالقلق إلى هذا الحد ؟
الأميرة، الدوق الأكبر السابق، منجم الكريستال الأبيض، و …
شعر الإمبراطور بالقشعريرة . هناك الكثير من الأمور التي تزعجه، ولم يستطع التخمين .
على الأقل لم تُوجّه الأميرة سيفها ضدي فورًا بعد استيلائها على المنجم .
" ماذا يخفون أيضًا ؟ "
تذكر وجه الدوق الأكبر المبتسم، و أمسك برأسه. أفكار لم يفكر بها من قبل اجتاحت ذهنه و عذبته .
" لو كان المنجم لي، لما كانت لديّ هذه المخاوف "
في غضبه، نظر الإمبراطور إلى الغرفة بنظرة باردة . لقد مرّ وقت طويل منذ أن أزال صورة العائلة المالكة التي كانت معلقة في أفضل مكان في غرفة نومه .
تذرّعت الأميرة بالمرض، فلم تستطع حتى القيام بواجباتها. حتى مع حماية الإمبراطورة، لم يعد بإمكانه تحمل الأمر .
كان على الأميرة أن تتحمّل مسؤولية أفعالها كأميرة. يا للعار ! أن تعود هبة منجم الكريستال الأبيض، التي كان الهدف منها ربط الدوق الأكبر بالأميرة إلى الأبد، بهذه الطريقة المهينة ! .
بينما كان يرتعش و يحدّق في غرفة نومه بنظرة حادة، فجأة لمعت فكرة في ذهن الإمبراطور .
أسرع الإمبراطور و أعاد صورة الأميرة إلى مكانها الأصلي. مواجهًا الأميرة ذات التعبير الخالي من المشاعر في الصورة، سأل الإمبراطور بصوت حاد :
" هل كانت رغبته الشديدة في امتلاك ذلك المنجم المهجور حقًا بسبب حبه لوالدته ؟ "
لم تقل الأميرة في الصورة أي كلمة. متجاهلاً الشعور بالهزيمة الذي انتشر في داخله، أطلق الإمبراطور أنفاسًا متوترة .
" … لقد اتخذت كل الاحتياطات "
" هناك العديد من الأساطير المثيرة للاهتمام حول لوڤيل، والأكثر غموضًا بينها هي قصة شخص غنى بصوت نبيل و يملؤه الإخلاص، ألا تتساءل ماذا يحدث إذا غنى المرء بصدق ؟ "
منذ أن سمع الإمبراطور أسطورة لوڤيل من الأميرة، عرف أن تلك الكلمات لم تكن مجرد أسطورة، لأنه رأى بنفسه كيف استخدمت الأميرة تلك القوة لشفاء جرح الدوق الأكبر السابق .
خوفًا من تلك القوة، اضطهد جميع ذوي العيون الخضراء، الذين اعتقد أنهم من نسل لوڤيل، واصفًا إياهم بالراقصين المتواضعين، و منعهم حتى من فتح أفواههم. علاوة على ذلك، جعلهم يعيشون كما لو كانوا مطاردين باستمرار .
بطبيعة الحال، كانت العيون الخضراء موضع ازدراء في المجتمع الراقي، حتى الأميرة مادلين النبيلة النصفية ……
فجأة، حدّق الإمبراطور في الصورة بشرود .
عندما تداخلت العيون الخضراء الواضحة مع عيون الأميرة مادلين، أطلق الإمبراطور صرخة عالية دون وعي.
" … مادلين، استدعوا الدوق مادلين على الفور ! "
* * * * * * * * * * * * * * * * * *
في حديقة قصر الإمبراطور .
ابتسم إدوين و نظر إلى وينستر. كان وينستر يبتسم ابتسامة عريضة، على عكس عادته في الإسراع إليه و القلق عليه .
" لماذا لا تسألني اليوم عما حدث ؟ "
" لقد انتشرت الشائعات بالفعل في القصر بأن الإمبراطور ألقى بالأشياء التي على مكتبه يا سموك "
هز وينستر، الذي كان يتحدث بحرية حتى بين أشدّ خدم القصر الإمبراطوري صرامة، كتفيه .
" بهذه السرعة ؟ لقد سمعت صوت تحطّم المكتب عندما أغلقت الباب "
" ألم تتأخر في الخروج، يا سموك ؟ الشائعات وصلت بالفعل إلى المغسلة "
بينما كان يتحدث، شعر وينستر بشيء غريب و رفع حاجبيه .
" سمو الدوق الأكبر، الذي يكره القصر الإمبراطوري، وخاصة قصر الإمبراطور، هل قضيت وقتًا إضافيًا عمدًا ؟ هل كنت تتوقع رؤية وجه الإمبراطور الغاضب ؟ أم كان هناك شيء آخر يزعجك ؟ "
في كل الأحوال، كانت حاسة وينستر جيدة . هزّ إدوين كتفيه على النظرة الثاقبة، ثم فكّر في الإمبراطور للحظة .
الإمبراطور الذي يخبّئ أفكاره مثل ثعبانٍ ماكر، فجأةً ابتلع كلماته في منتصف الحديث، و تجنب نظره. كما لو أنه كان لديه شيء يخفيه، في وضع لا يستطيع فيه حتى تخمين ما يطلبه الدوق الأكبر .
التنفس المرتعش، النظرة المهتزّة، و الأصابع التي كانت ملتفة كما لو كان يشعر بالتوتر . لقد لاحظ إدوين كل شيء في الإمبراطور.
' ماذا كان ذلك ؟ ماذا توقع أنني أريد حتى يشعر بالتوتر إلى ذلك الحد ؟ '
" … لا تنظر إلى اليسار، ستتلوث عيناك "
نظر إدوين غريزيًا إلى اليسار عند صوت وينستر الصارم و أومأ برأسه موافقًا . وينستر، الذي حذّره مسبقًا، أدار وجهه عن الدوق مادلين، الذي كان يقترب بوجه صارم .
كان من المفترض أن يمرّ دون اهتمام. كان الدوق، الملتزم بالآداب، سيُحييه، لكن إدوين نفسه سيتقبّل التحية على مضض فقط .
لكن … على الرغم من تلاقي أعينهما، لم يحيي الدوق إدوين .
' هل هذا لأنه زعيم فصيل الإمبراطور ؟ '
كانت هذه الفكرة تنمو في ذهنه .
مال إدوين برأسه. على عكس وجهه المعتاد الصلب و الحاد، بدا وجه الدوق فارغًا. كما لو أنه تلقّى صدمة ما …
" يا سموك ! يا سموّ الدوق الأكبر ! "
دوّى صوت ينادي على الدوق الأكبر في حديقة الإمبراطور .
كان هوارد، الذي كان يهرع من بعيد، بوجه غريب بدلاً من وجهه المعتاد الخالي من التعبيرات.
ضحك وينستر، بعبث، وقال " انظر إلى وجهه".
إدوين، الذي لم يفهم ما يحدث، كان هو الآخر مشوشًا .
" أيها السير إنترفيلد، هل هناك أي خطأ ؟ "
" الآنسة لديها كدمة على معصمها ! "
في تلك اللحظة، تغيرت تعابير إدوين .
* * * * * * * * * * * * * * * * * *
اعتقدت أوليڤيا أن هذا المساء، أي آخر مساء لها في قصر الدوق الأكبر في العاصمة، سيكون لطيفًا . تبادل بطاقات وداع، و تناول عشاء لذيذ، و تبادل تحيات قصيرة، و وعد باللقاء مجددًا، لكن ……
" يا آنستي، من فعل هذا بمعصمك ؟ "
في اللحظة التي وصل فيها ديان إلى قصر الدوق الأكبر و رأى معصمها، انتهى كل شيء .
" أهئ أهئ، يا آنسة، إنه لا يزول حتى لو وضعتُ ضمادة "
" هل من الأفضل أن يأتي ساحر معالج، لا، ماذا عن السيدة بيثاني ؟ "
عند رؤية ديان الذي كان يتحدث وكأنه يطحن أسنانه، و هانا التي كانت تبكي بشدة، و سوبيل الذي كان هادئًا ولكنه مضطربًا.
بالإضافة إلى الخادمات و الخدم الذين كانوا ينظرون من خلف باب غرفة الاستقبال بقلق .
في تلك اللحظة، نسيت أوليڤيا كل خططها و انفجرت ضاحكة .
" لقد وصل سمو الدوق الأكبر ! "
… لم تكن أوليڤيا مستعدة لرؤية إدوين بعد .
فجأة، تعكّر وجه أوليڤيا المشرق .
— الصورة التوضيحية : هـنـا .
****************************
انحلت المشكلة اللي كانت تواجهنا، و بنرجع ننزل لكم الفصول 🙏🏻💓
.