في الحقيقة، كان رجلاً أجمل مما أوحت به الشائعات. وفي الوقت نفسه، كان فارسًا ذا هيبة عظيمة .
حبس الدوق كيوال أنفاسه وهو ينظر إلى الدوق الأكبر . على عكس شفتيه اللتين كانتا تبتسمان بكسل، كانت عيناه الحمراوان ضيقتين و حادتين، وكأنه كان يخمِّن ما يدور في ذهن الدوق كيوال .
لم يكن هناك حاجة لمرحلة طويلة من الاستكشاف. اختار الدوق كيوال كلماته بعناية .
" … لم أتخيل قط أن من سلب منا الابتسامة سيمنحنا إياها هكذا."
العدو المخيف الذي هزم هڤرتي كان الآن يساعد في إذلال العائلة الإمبراطورية أمام الوفود ! كانت أحداث غير مسبوقة تحدث باستمرار في إمبراطورية فرانز .
هل يجب أن يغضب أم يتجاهله ؟ أم ماذا ؟ قبض الدوق كيوال قبضته دون وعي. وكانت الاستجابة التي تلت ذلك، والتي تمناها أكثر، هي الضحك .
" كما تعلم أيها الدوق، الفوز كان لجلالة الإمبراطور، وليس لي، الثناء الذي زين بداية المأدبة كان كله موجهًا لجلالته "
كان المعنى الكامن في لهجته الهادئة واضحًا. ابتلع الدوق كيوال ريقه بصعوبة .
الدوق الأكبر ڤيكاندر، كلب الإمبراطور . انتشرت الشائعات التي تدور في الخفاء في هڤرتي أيضًا. إذا كان قد اختلف مع الإمبراطور لسبب ما، فربما يمكنه هو و وطنه هڤرتي أن يصبحا أقرب .
" … لقد جئت مستعدًا تمامًا، لكنني أرى أشياء غير متوقعة باستمرار "
" آمل أن تكون في الاتجاه الإيجابي."
" على كل حال، أنا أدرك أنك أنقذتني من المتاعب بطرق عديدة "
شدد الدوق كيوال على كلمات "بطرق عديدة". مجرد احترام المعاملة العادلة لأسرى الحرب و حماية المدنيين كان كافيًا لدفع الدوق لتقديم الشكر للدوق الأكبر، لكن عندما رأى الدوق كيوال وجه الدوق الأكبر وهو يبتسم ابتسامة عريضة وكأنه كان ينتظر ذلك، أدرك خطأه .
" بطرق عديدة ؟ أنا من النوع الذي يسترد ديونه بالكامل "
" …… "
" بالطبع، أنا أيضًا كريم في سداد الديون "
كانت كلماته خطيرة و مهددة مثل سيف ذو حدين . نظرة غامضة لا يمكن فهم ما ورائها حدقت في الدوق كيوال، و ظلت عبارة "دين يتم سداده بكرم" تغري الدوق كيوال .
إمبراطورية فرانز القوية، أم الدوق الأكبر ؟ ربما كان هذا فخًا من الإمبراطورية و الدوق الأكبر .
نظر الدوق كيوال إلى الدوق الأكبر الذي كان يبتسم بإشراق ساحر، وفتح شفتيه ببطء .
" حسنًا، هذا جيد."
بمجرد نطق المقطع الأول، تعمقت ابتسامة الدوق الأكبر. هز الدوق كيوال كتفه. في الواقع، كان الجواب محددًا بالفعل . منذ أن أطلق ضحكة السخرية في قاعة المأدبة قبل قليل، عندما رأى أمر الإمبراطور الذي كان أشبه بمسرحية هزلية .
" … أنا أيضًا من النوع الذي يسترد الديون مع الفوائد "
ابتسم الدوق الأكبر، الذي كان ينظر إليه بتمعن، ثم استدار و غادر بهدوء .
*
*
بعد أن انحنى الدوق كيوال و قدم تحيته الأخيرة، دخل إلى قاعة المأدبة مرة أخرى .
بعد أن رأى هوارد ظهر الدوق كيوال الذي انحنى رأسه باعتزاز ثم اختفى، نظر إلى الدوق الأكبر بإعجاب للحظة .
لم يكن لديه اليقين بأن الدوق كيوال، الذي كان معروفًا بسمعته الصارمة حتى في هڤرتي، سيوافق على هذه المحادثة الجريئة، لكن الدوق الأكبر، الذي تحدث وكأنه يعرف أن هذا سيحدث منذ البداية، هز كتفه فقط .
" آمل أن يُعبّر هذا عن موقف ڤيكاندر جيدًا "
" حتى لو لم يكن الدوق كيوال، فهناك الكثيرون في وفد هڤرتي الذين يحملون العداء للإمبراطورية، إذا بدأ الدوق، ممثل الوفد، الحديث، فسوف يضطربون جميعًا "
" يحملون العداء ؟ "
" عملية مجيء الوفد كانت مفاجئة جدًا … "
ثم أكمل هوارد كلماته بتردد : " … أليس كذلك ؟ "
" صحيح، إنها وقاحة، إلى حد الغباء "
ابتسم إدوين ببرود بوجهه الجميل . الإمبراطور الغارق في الغطرسة كان دائمًا يضع الأشياء الثمينة فقط في يد ابنه، بينما كان يأخذ الجواهر و الثروات من يدي إدوين الملطختين بالدم .
لذا، كم بدا العالم سهلاً في عيني ولي العهد . بغض النظر عما يفعله، فإن الأشياء الأكثر قيمة ستكون في كل مكان. ولي العهد الذي لم يستطع حتى التعامل مع الوفود بشكل صحيح في هذه المأدبة، لا بد أنه شعر وكأنه قد تجرّع السم .
" … هل هناك أي أخبار جديدة من بيثاني ؟ "
انخفض صوت الدوق الأكبر، و خيّم ظلٌّ خفيف على وجه هوارد الخالي من أي تعبير .
" نعم، قالت بأنها لم تكتشف بعد سرّ 'ذلك المكان' الذي تحدثت عنه سمو الدوقة الكبرى الراحلة "
" أيها اللورد إنترفيلد، لماذا تبدو مستاءً هكذا ؟ إنه مكان ثمين لم ندخله إلا للتو "
" … أنا آسف، قلبي في عجلة من أمره."
" لا بأس إن لم تكتشف بيثاني السرّ، قد يكون التلميح هنا."
ضحك الدوق الأكبر بضحكة خافتة. حتى مع كلماته المطمئنة، لم يتمكن هوارد من إخفاء توتره .
هوارد، الذي كان دائمًا هادئًا للغاية، كان يعبر عن مشاعره عادةً عندما يتعلق الأمر بشؤون إقليم ڤيكاندر. وفي هذه الأيام، كان الأمر يتعلق بشكل خاص بـ 'منجم الكريستال الأبيض'.
نظر إدوين إلى مسافة بعيدة للحظة، و تردد صوت والدته الذي لا يُنسى بوضوح في أذنيه .
" إنه سرٌّ يتناقله أفراد عائلة لوڤيل الملكية من جيل إلى جيل، و يُكشف عنه فقط للذي يبلغ سن الرشد، أتمنى أن يأتي اليوم الذي أستطيع فيه أن أخبرك بهذا السر قريبًا "
وفقًا لكلمات أوليڤيا، كان هناك "وثيقة منجم الكريستال الأبيض" في أرشيفات العائلة الإمبراطورية، لا يمكن لأحد سواهم رؤيتها. ربما تحتوي على دليل حول السر .
كان إدوين يخطط للاستيلاء على "الوثيقة" هذه المرة مهما كلف الثمن. سواء كان ذلك بجعل المفاوضات مع هڤرتي في صالح ڤيكاندر قدر الإمكان، أو بخفض نسبة الضرائب على المعادن إلى مستوى منخفض للغاية، أو ربما ……
مرت فكرة خطيرة على عينيه الحمراوين . في هذه الأثناء، تحدث هوارد بصوت مُشرق، وكأنه يغير الجو، دون أن يلاحظ نظرة الدوق الأكبر .
" بيثاني أيضًا تقول أنها لن تستسلم و ستظل في المنجم، حماسها كبير حقًا "
خفض هوارد صوته وهو ينظر حوله مرة أخرى، أصبح صوته خافتًا للغاية وكأنه يتحدث عن سر .
" … هناك دافعًا آخر لبيثاني بالإضافة إلى كشف سر سمو الدوقة الكبرى الراحلة "
" زواجي المؤجل ؟ "
" هل كنت تعلم ؟ "
أصاب الرد اللامبالي هوارد بالذهول، و واصل حديثه بوجه محبط .
" لهذا السبب الجميع يتحدثون بحذر، حتى لو تم الكشف عن سر المنجم و سارت الأمور وفقًا للهدف الأول، ألن ترغب الآنسة، التي تولي اهتمامًا كبيرًا للآداب، في إكمال فترة السماح لمدة عام بغض النظر عن ذلك ؟ "
ضحك إدوين بخفوت عند سماعه هذه الكلمات .
" إذا أصبحت أميرًا حاكمًا، فلن أكون مقيدًا بالآداب، لذا سيكون الأمر على ما يرام "
" ماذا تقصد …… ؟ "
بدأ الفهم يرتسم ببطء على وجه هوارد المذهول، ابتسم إدوين و أضاف : " المرأة التي كانت لها علاقة بالعائلة الإمبراطورية لا يمكنها الزواج من نبيل آخر لمدة عام، ولكن نحن مستعدون تمامًا، و بمجرد أن نكتشف السر، يمكننا أن نعلن استقلالنا على الفور، في هذه الحالة، سيكون عرض زواج من أمير حاكم، وبمعنى أدق، لن يكون من 'نبيل آخر'، أليس كذلك ؟ "
ثغرة لم يفكر بها أحد. أصبحت هذه الثغرة نقطة تحول أثارت إدوين. رمش هوارد، ثم قال بذهول وكأنه فاجأه : " … لهذا السبب، كنت دائمًا تتفاعل ببرود حتى الآن."
" على كل حال، كل شيء يسير على ما يرام، لذا سترى أن الوضع سينقلب بشكل واضح اعتبارًا من الغد "
صمت إدوين للحظة. اعتبارًا من الغد، كما قال قبل قليل، من المحتمل أن تعود أوليڤيا إلى إقليم ڤيكاندر غدًا، أو بعد غد كحد أقصى .
يا ترى ما هو التغيير الذي طرأ على مشاعرها ؟
استعرض إدوين أحداث الأمس و اليوم بسرعة في ذهنه، لكن كل ما تذكره كان أوليڤيا وهي تطلب منه مراقبتها بثقة، ثم خروجها بأناقة بعد انتهاء محادثتها مع الأميرة في الشرفة .
تنهد إدوين تنهيدة خفيفة. لم يكن يمانع عدم الانخراط مع سكان القلعة الإمبراطورية أكثر من ذلك، لكن إدوين كان يعلم أفضل من أي شخص آخر أن محاولة كبح جماح شيء ما بهذا الشكل تجعل المرء يشعر بالبؤس .
" ماذا لو أردت المزيد من الاعتذارات ؟ "
هل تريد اعتذارًا، أم تريد المسامحة ؟
سيدة قوية و حازمة. كان إدوين يعلم أكثر من أي شخص آخر أن تحت تلك القوة توجد أوليڤيا التي بكت في منتصف الشارع في وقت متأخر من الليل وقالت أنه ليس لديها مكان تذهب إليه .
اشتدت قبضته الخفيفة، و تعمقت عيناه الحمراوان أكثر فأكثر. على الرغم من أنه كان دائمًا سريع البديهة، إلا أنه في مثل هذه اللحظات، لم يكن يفهم ما يدور في ذهنها على الإطلاق .
في هذه اللحظة، قرر إدوين أن يفعل بسرعة ما يستطيع فعله بالتأكيد، وهو الانفصال التام عن الإمبراطورية .
لحسن الحظ، كانت رغبته في مساعدة أوليڤيا تتوافق تمامًا مع هدفه .
— الصورة التوضيحية : هـنـا .
* * * * * * * * * * * * * * * * * *
" مهما حدث، امنعوا تسرب خبر الأميرة ! "
تردد هدير الإمبراطور الغاضب حتى من خلال باب المكتب الذي كان مغلق .
نظر الدوق مادلين إلى الباب المغلق تمامًا . الخدم الواقفون أمام الباب لم يجرؤوا على رفع رؤوسهم .
" يبدو أن جلالة الإمبراطور غاضب جدًا، حسنًا، أنا نفسي أشعر بالغضب لدرجة أن جسدي يرتعش."
اقترب صوت مألوف. كان الدوق إلكين. وجهه المطابق لوجه الإمبراطورة، نظر بخبث كالأفعى إلى الدوق مادلين، ثم إلى كونراد و جايد الواقفين خلفه، و إلى الفيكونت و زوجته .
" لو نظرنا إلى الموقف، لظننا أن الدوق مادلين ينتمي إلى فصيل النبلاء، لا، كيف يمكن لنبيل إمبراطوري أمام وفود أجنبية أن يهين سمو الأميرة … ! "
عبس الدوق إلكين وكأنه لم يعد يستطيع قول المزيد، ثم طرق باب المكتب. سرعان ما جاء الإذن، و دخل الدوق إلكين إلى المكتب .
نظر الدوق مادلين إلى مكان بعيد للحظة. كان الأمر كما قال الدوق إلكين، لقد تهاوى وقار الأميرة أمام وفود أجنبية . بصفته زعيم فصيل الإمبراطور، كان لديه الكثير ليفعله، مثل قضية الفيكونت كاتانغا و زوجته، أو المحادثات مع الوفود .
تدفقت أفكار لا تُحصى في ذهنه، لكن ما قاله لمساعده، اللورد هُكسلي، الراكض نحوه من بعيد، تجاوز كل التوقعات .
" … أيها اللورد، هل يمكنك ترتيب سكن للفيكونت و الفيكونتيسة ؟ "
" ماذا ؟ لدينا سكن، يا سيدي الدوق "
فزع الفيكونت كاتانغا و هز يديه. لقد كان شجاعًا قبل قليل لأنه كان مدعومًا من قبل جايد مادلين، لكن الوضع تغير الآن. لقد استنزفه مجرد رؤية غضب الإمبراطور، كان يريد العودة إلى مسكنه و الراحة بسرعة .
بدت الفيكونتيسة بنفس الشعور، و عيناها المنتفختان مليئتان بالدموع، لكن الدوق قال ببرود، بوجه هادئ، وكأن شيئًا لم يحدث : " علينا التحقيق في هذا الأمر، لذا من الأفضل أن تكونا في جانبنا "
" لـ، لكن …… "
" سيرافقكما اللورد هُكسلي إلى مكان مناسب "
" … يا سيدي الدوق، أرسل الفيكونت و الفيكونتيسة إلى مسكنهما "
عارض صوتٌ هادئ كلمات الدوق. كان جايد، وجهه كان باردًا لدرجة أنه كان من الصعب تصديق أنه قد مر بغضب الإمبراطور قبل قليل .
الفيكونت و زوجته، بما في ذلك اللورد هُكسلي، كانوا يتبادلون النظرات باستمرار. كان الجو غريبًا و حادًا لدرجة أنه كان يخنق الأنفاس .
أشار اللورد هُكسلي إلى كونراد. الشخص الوحيد الذي يمكنه حل هذا الموقف الآن هو كونراد. عادةً ما كان كونراد يسيطر على جايد بلطف، لكنه تصرف بغرابة بعض الشيء اليوم .
" …… أنت "
كسر الدوق الصمت الثقيل، و نظر إلى جايد بعيون هادئة بشكل مخيف .
ابنه، الذي رأه طوال حياته، بدا اليوم وكأنه غريب تمامًا .
" علينا أن نتحدث الآن "
" … حسنًا، لنذهب إلى القصر، أود أن أتحدث في غرفة استقبال الدوق "
كان صوت ابنه، الذي استمر في مناداته "الدوق" حتى النهاية، غريبًا .
أومأ الدوق برأسه موافقًا على ذلك .
*
*
تحت ضوء القمر الساطع، غادرت ثلاث عربات القصر الإمبراطوري و دخلت قصر الدوق مادلين .
كانت وجوه الأشخاص الثلاثة المنعكسة على النوافذ متشابهة بشكل لافت، لكنها مختلفة تمامًا .
****************************
للتوضيح أكثر : " بطرق عديدة ؟ أنا من النوع الذي يسترد ديونه بالكامل "
" بالطبع، أنا أيضًا كريم في سداد الديون "
هنا إدوين يلمح إلى أن مساعدة الدوق كيوال ليس خدمة مجانية، بل هو دين يجب سداده بالكامل .
لذا وضعه أمام خيارين :
الخيار الأول : سداد الدين الذي عليه، وهو ما سيتبعه مكافأة سخية جدًا .
الخيار الثاني : عدم سداد الدين، وهو ما يلمح إلى عواقب وخيمة .
" … أنا أيضًا من النوع الذي يسترد الديون مع الفوائد "
هنا، يرد الدوق كيوال على إدوين بأسلوب مشابه تمامًا، لم يكتفي الدوق كيوال بالقول أنه سوف يسترد ديونه، بل أضاف "مع الفوائد". هذا يعني أنه لن يقبل بأقل من حقه، بل سيطلب مقابلاً أكبر .
بشكل عام، هو يوافق على الصفقة التي بدأها إدوين، ولكنه سيضع شروطه الخاصة .
.
ياااه وصلنا 100 الله + تسلم يدك ع الترجمه ✨♥️
ردحذفالله يسلمك 💓
حذف