الفصل ٩٨ : ‏Do Your Best to Regret

{ اللحظة التي تشعل فيها شرارة الشك }


" كاتانغا ؟ أليس هو 'ذلك' الكاتانغا ؟ "

" اووشش، صوتك مرتفع جدًا يا صديقي "

شعرت الأميرة وكأن نورًا قد أضاء في رؤيتها المتلاشية. تداخلت كلمة "كاتانغا" في المحادثات السرية بين النبلاء .

'ذلك' الكاتانغا ؟ كيف عرف النبلاء عنها ؟ لقد تأكدت من أن شائعة مكوثها القصير في كاتانغا الشهر الماضي لم تنتشر .

نبض قلبها بخوف، و ابتلعت الأميرة أنفاسها المتسارعة بصعوبة . كان عليها أن تظل هادئة، كان عليها التخلص منهم قبل أن تُحفر حقيقتهم في أذهان النبلاء .

لكن كيف ؟ هل كان دماغها قد تعرض للضغط الزائد ؟ لم تستطع شفتاها سوى الارتجاف دون أن تنطق بكلمة واحدة، و أصبح عقلها فارغًا تمامًا .

في تلك اللحظة بالذات، بدأت نظرات النبلاء نحو الأميرة تأخذ منحى غريبًا .

" … تحياتي، سمو الأميرة."

رفعت الأميرة رأسها فجأة. الصوت الخافت الذي ظهر كالمخلص كان لجايد مادلين. عضو في عائلة مادلين الموالية للإمبراطور، و نائب قائد فرسان القصر الإمبراطوري … !

استعادت الأميرة وقارها على الفور، و تظاهرت بالترحيب وهي تنظر إلى الفيكونت و زوجته من كاتانغا .

" أهلاً بكما، أيها الفيكونت و السيدة كاتانغا "

قبل أن يدرك الفيكونت و زوجته من كاتانغا تغير تعابير الأميرة المفاجئ، ابتسمت الأميرة بأناقة وقالت لجايد مادلين : " لقد أتيت في الوقت المناسب يا سير مادلين، هل يمكنك أن ترافق هؤلاء إلى غرفة الاستقبال ؟ لقد التقيت بهم لفترة وجيزة من قبل … "

ابتسمت الأميرة بحرج وهي تنظر حولها. حينها فقط، فهم النبلاء الموقف و أرسلوا ابتسامات ساخرة نحو الفيكونت و زوجته من كاتانغا .

كان هناك دائمًا نبلاء من الطبقة الدنيا يتفاخرون بصداقتهم مع الأميرة في كل مأدبة . يبدو أن هؤلاء هم من يفعلون ذلك هذه المرة .

شعرت الأميرة بالراحة لتغير نظرات النبلاء. وفي الوقت نفسه، شعرت بالنشوة لقدرتها على بناء قاعدة دعم قوية .

يبدو أن الفيكونت و زوجته من كاتانغا أدركا على الفور تغير نظرات النبلاء . ارتعش فم الفيكونت من الظلم. كان جسده المنهك يؤلمه، لكن لم يكن من السهل التحدث في هذا الجو .

ومع ذلك، تم تجاهل كلماته التي جمع لها الشجاعة بصعوبة من قبل الأميرة .

" أنا …… "

" أيها الفيكونت، سررت بلقائكما، لا بد أنكما قد عانيتما من السفر الطويل، خذا قسطًا من الراحة ثم عودا، و شكرًا لكما مقدمًا "

لم يكن التحكم في الرأي العام في الأوساط الاجتماعية أمرًا صعبًا بالنسبة للأميرة، خاصة عندما يتعلق الأمر بخصم لا يذكر. لقد أتقنت ذلك، وكان الأمر أسهل مع وجود حليف .

كانت لا تزال هادئة و راقية. كان مظهرها كافيًا لمحو الصورة الحساسة التي اختفت بها للتو مع أوليڤيا في الشرفة .

سرعان ما انهالت السخرية على الفيكونت و زوجته كحد السيف .

" يبدو أن تلك الشائعة كانت كاذبة."

" بالطبع، سمو الأميرة تقوم بالكثير من الأعمال الخيرية، ولهذا يأتي إليها حتى هؤلاء النبلاء الريفيون، لقد طُرد أحدهم من قبل."

" آه، لكن ذلك البارون أحضر دعوة على الأقل، هل هذا الشخص أتى بدون دعوة ؟ "

" مستحيل ! كيف يدخل هذه القاعة بدون دعوة ؟ "

" يجب أن نتحقق من ذلك."

تم تسوية الوضع ببراعة . ابتسمت الأميرة ابتسامة محرجة، لكنها لم تمنع النبلاء من الكلام .

لقد شعرت ببعض الانزعاج لأن الآنسة ليبرون و السيدات النبيلات لم يتدخلن لتهدئة الجو الفوضوي، لكنها لم تعر الأمر اهتمامًا كبيرًا.

' إذا أرادا حضور المأدبة، كان عليهما الاتصال بهدوء، لماذا أثارا كل هذه الضجة ؟ '

نظرت الأميرة بغطرسة إلى الفيكونت و زوجته. كان من المفترض أن يهربا وهما في حالة صدمة، لكنهما بقيا جامدين بوجهين شاحبين.

هل تجمدوا ؟ بينما كانت تفكر في أن جايد مادلين يجب أن يتخلص منهما بسرعة، نظرت الأميرة حولها عن قصد، ثم وجهت سخرية نحو الدوق الأكبر و أوليڤيا اللذين كانا يقفان بعيدًا .

لم يكن هناك أي تهديد لها على الإطلاق . طالما استمر ازدهار الإمبراطورية الأبدي، فإنها ستحافظ على مكانتها كأميرة ذات وقار .

يبدو أنهما حاولا إهانتها بذلك المنجم المهجور وذلك التهديد الحقير من أوليڤيا السافلة . في ذهنها الصافي، خطرت لها أفكار أفضل بكثير .

إذا تخلت عن ذلك المنجم المهجور و الدوق الأكبر، و تزوجت أمير مملكة ويلتون الثري، أو أمير مملكة أورهان، فإنها لن تتجنب غضب الإمبراطور فحسب، بل قد يكون ذلك ورقة رابحة أفضل لها.

رمقت الأميرة وفود الدول الأخرى بطرف عينها . ابتسمت بأناقة، وقام نبلاء الوفود بتحية خفيفة لها.

بسيطرة إمبراطورية فرانز على القارة بأسرها، فإن إقليم ڤيكاندر لا يشكل أي تهديد .

لو لم يكن هناك أحد، لضحكت بصوت عالي . كيف كانت أمها ستثني عليها لكونها أميرة حقيقية . بينما كانت تنظر إلى عيني الدوق الأكبر ڤيكاندر الحمراوين اللتين لا يمكن التنبؤ بما في داخلهما، بصقت الأميرة في ذهنها، ثم حولت نظرها إلى أوليڤيا التي كانت تقف بجانبه .

إذا أذلت الدوق الأكبر ڤيكاندر الذي أهانها، فالقادم هو أوليڤيا الواقفة هناك . عند رؤية وجهها الخالي من التعبيرات، عادت الإهانة التي تعرضت لها للتو .

إذا اختفى دعم الدوق الأكبر، فلن تتركها وشأنها أبدًا. عادت عينا الأميرة الزرقاوين تحدقان في أوليڤيا بغطرسة. كان أمرًا سخيفًا أن تشاهدها من بعيد وكأنها تشاهد أوبرا . منذ وقت ليس ببعيد، كانت أوليڤيا مجرد مشهد ترفيهي .

في هذه الأثناء، اقترب خادمان لكسر هذا الجو .

" أيها الفيكونت كاتانغا، و الفيكونتيسة، نرجو منكما مرافقتنا للحظة، هل يمكن أن تريانا بطاقتي الدعوة ؟ "

كانت نهاية مرضية . نظرت الأميرة إلى الخادمين بوجه مدروس، وكانت ابتسامتها الودودة كافية لكسب ود النبلاء. كل شيء عاد كما كانت تريده .

" مهلاً "

توقفت الأميرة لا إراديًا عند سماع صوت خافت. في هذا الموقف، يجب أن يكون الدوق الأكبر هو الوحيد الذي يعترض … لكن الصوت كان قريبًا جدًا ليكون صوت الدوق الأكبر .

رفعت الأميرة رأسها متسائلة، و فجأة، اتسعت عيناها الزرقاوان بصدمة .

" لقد رافقتهم بصفتي ضامنًا لهم "

ماذا يفعل الآن ؟

" آه، نائب القائد بنفسه ؟ "

تلعثم الخادم في الكلام وهو مرتبك. وعندما أومأ جايد مادلين برأسه، لم تستطع الأميرة تصديق هذا الموقف الذي يتكشف أمام عينيها .

" مـ، ماذا ؟ أنت يا سير … ! "

كان عليها أن تقول شيئًا، لكن لسانها تجمد. نظر جايد مادلين إلى الأميرة بوجه لا مبالي .

ابتلعت الأميرة ريقها، بوجه شاحب، لسماع صوت يتردد في قاعة المأدبة .

لم تعد الأميرة تستطيع السماح للنبلاء بتذكر كاتانغا .

" هذا مستحيل ! يا سير، لا بل يا سير مادلين "

مادلين، شددت على اسم عائلته . توقف جايد للحظة عند هذا النداء الذي بدا وكأنه تهديد، يذكره بألا ينسى عائلته الموالية للإمبراطور.

لم تفوت الأميرة هذه اللحظة من التردد، و تلألأت عيناها. خطوة بخطوة، اقتربت منه، و صوتها المتعمد و الماكر توجه إلى جايد .

" ما تقوله في هذا المكان، يجب أن تتحمل مسؤوليته، لذا …… "

" بصفتي نائب قائد فرسان القصر المخلصين للإمبراطور، دخلت أنا وهذان الشخصان إلى قاعة المأدبة معًا لإزالة سوء الفهم الخاطئ، ذكر الفيكونت كاتانغا أن سمو الأميرة دعتهما شخصيًا إلى مأدبة الصيف بفضل العلاقة التي نشأت الشهر الماضي "

" حسنًا، أنا لا أعتقد أن سيد عائلة مادلين، و قائد الفصيل الإمبراطوري، سيقول شيئًا يضرني كأميرة، أنا متأكدة من أن الدوق مادلين سيوافقني الرأي أيضًا "

ابتسمت الأميرة، التي كانت تهمس كما لو كانت في محادثة خاصة، ابتسامة مشرقة و تراجعت خطوتين إلى الوراء .

وكأن جايد مادلين كان هو الورقة الرابحة التي يثق بها الفيكونت و زوجته من كاتانغا، ارتجفا كلاهما.

لم تستطع عائلة مادلين، المخلصة للإمبراطور، أن تخون الأميرة أمام هذا العدد الكبير من النبلاء .

" … سواءً كان ذلك صحيحًا أم لا، بصفتي 'مادلين'، سأدفع ثمن هذا الأمر الذي لم يكن شريفًا."

لذا، عندما بدأ جايد يتحدث مرة أخرى. اتسعت عيون الأميرة وكأنها تلقت صفعة على مؤخرة رأسها .

— الصورة التوضيحية : هـنـا .

تحدث جايد وكأنه يناجي نفسه، و عيناه معلقتان على نقطة بعيدة .

لم يكن لديها وقت لتدقيق كل كلمة غريبة، فصوته الهادئ الذي يتردد في قاعة المأدبة كان يعلن بوضوح أنه قد رفض الأميرة .

" لا أعرف إن كنتِ تعلمين، لكن الشائعة بأن سموك لم تذهب إلى إقليم ڤيكاندر بل زرتِ اقطاعية كاتانغا، قد انتشرت بالفعل على نطاق واسع "

" ماذا … ؟ "

ابتلعت الأميرة ريقها بصعوبة وهي تحدق بعينين مفتوحتين على وسعهما .

كانت تحاول إسكات الدوق الأكبر … ولكن جايد مادلين يفعل هذا الآن !

أصبح كل شيء أمام عينيها أسود، و أصبحت أطراف أصابعها باردة، شبه مخدرة، من الحرج .

بقيت الأميرة المتغطرسة، صامتة و عاجزة عن فعل أي شيء .

كان يجب على أحدهم أن يوقفه، لكن الغريب أن لا أحد من صديقاتها، بمن فيهم الآنسة ليبرون، تدخلت، و النبلاء الذين كانوا يحيطون بها و يمجدونها قبل قليل، صمتوا كما لو أن شفاههم قد غُطّيت بالغراء .

اجتاحتها موجة من اليأس، و هزت الأميرة رأسها فقط، وهي تتلقى نظرات حادة في المكان الذي تُركت فيه وحيدة.

وفي هذه الأثناء، استمر جايد في الكلام بلا توقف .

" إنه لأمر لا يليق بسموك التي تكرس نفسها دائمًا للإمبراطورية، فلماذا لا تزيلين سوء الفهم هنا الآن ؟ "

" سير مادلين ! "

صرخت الأميرة بحدة، و حدقت في جايد بعينين متوسلتين.

كانت عيناه الهادئتان لا تكشفان عن أفكاره. ساد الصمت المكان وكأن الماء قد سُكب. في قاعة المأدبة، التي توقف فيها العزف، نظرت الأميرة إلى جايد مادلين بيأس، وكأنها معلقة على حافة الهاوية .

المنجم المهجور كان سينتهي بغضب الإمبراطور، لكن هذا كان مدفنًا لها في المجتمع الراقي نفسه. فلو كُشف أن الأميرة، التي كانت تُقدَّس كقديسة، غير كفؤة ولا تستطيع أداء أمر الإمبراطور بشكل صحيح، خاصة مع وجود وفود أجنبية …

سرت قشعريرة في عمودها الفقري، و اهتزت رؤيتها، و تدفق عرق بارد على طول ظهرها النحيل .

مجرد التفكير في الأمر جعل عالمها ينهار. حتى في خيالها، لم تستطع الأميرة تحمل كل هذه الانتقادات . دون وعي، توسلت إلى جايد مادلين بصوت ضعيف .

" يا سير ! فكر في عائلة مادلين، ولا تنسى فخرك بولائك للقصر الإمبراطوري."

كانت هذه إشارة له بالتوقف عن الكلام. وكأن جايد مادلين قد سمع توسلها اليائس، صمت للحظة . عندما رفعت الأميرة رأسها، رأت بوضوح، أن ما كان ينظر إليه هو أوليڤيا مادلين .

أدار جايد مادلين رأسه نحو الأميرة مجددًا، و شفتيه مرفوعتان بابتسامة ساخرة. شعرت الأميرة بقشعريرة غريبة، و عجزت عن التنفس، فحدقت في جايد مادلين و أوليڤيا ثم الدوق الأكبر .

عندما تحولت نظرتها المرتعشة إلى شفتي جايد مادلين المرتجفتين مرة أخرى .

" سير مادلين ! كيف تجرؤ على هذا الافتراء على سمو أميرة الإمبراطورية دون أي دليل ! "

كان هذا الدوق إلكين. تقدم خطوة للأمام ليصبح في مركز قاعة المأدبة، و صرخ في جايد مادلين.

" يا سير، يجب أن تتحمل مسؤولية ما قلته، ولن يتمكن الدوق مادلين من التهرب من المسؤولية التي تقع على عائلته ! "

وفي الوقت نفسه، اجتاح غضبٌ عارمٌ قاعة المأدبة .

" ما هذا الهراء أيضًا ؟! "

لقد ظهر الإمبراطور .

*

*

" يا صاحب الجلالة، يجب أن تعاقب هؤلاء بشدة ! كيف يجرؤون على استغلال لطف سمو الأميرة بادعاءات صداقة سخيفة ! "

" افتراء ! لقد كنا نقول الحقيقة عن شرفنا في خدمة سمو الأميرة ! "

" توقفوا ! "

دوى زئيرٌ كزئير الأسد في أرجاء قاعة المأدبة .

انكمش الجميع بخوف و انحنوا برؤوسهم أمام غضب الإمبراطور. نظر الإمبراطور إلى النبلاء أسفل المنصة، و علامات الغضب محفورة عميقًا بين حاجبيه .

الأميرة، التي يجب أن تكون دائمًا أنيقة و متفوقة، كانت في المركز وهي مرتبكة تمامًا .

حدث أمر غير مقبول في المأدبة . لماذا انتشرت الشائعة بأن الأميرة لم تذهب إلى إقليم ڤيكاندر بل أقامت في إقطاعية كاتانغا فقط ؟

التقط الإمبراطور أنفاسه الغاضبة، و نظر إلى الجميع بعيون مليئة بالاستياء .الأميرة و المنجم المهجور كانا مشكلة لاحقة. سبب هذا الاضطراب هو أن النبلاء تجرأوا على تحدي سلطة الأميرة، و سلطة العائلة الإمبراطورية . وخاصة الابن الثاني للدوق مادلين، وهو من فصيل الإمبراطور .

تزايد الغضب الشديد نحو جايد مادلين، وإلى الدوق الذي لم يتمكن من إيقافه. وفي هذه الأثناء، ظهر الدوق الأكبر الذي كانت عيناه الحمراوان تلمعان بشكل خاص بين النبلاء الذين لم يستطيعوا حتى مواجهة الإمبراطور .

أحكم الإمبراطور قبضته على عرشه. صرّت أسنانه، لكنه كان عليه أن يحل هذا الموقف بسرعة .

" … لا أعرف سبب هذه الضجة، لكن هل أنت متأكد من أن الأميرة بقيت في كاتانغا، أيها الفيكونت ؟ "

كان من الممكن إسكات الرجل المرتجف بسهولة، وهكذا ستنتهي المأدبة .

" بفففت "

اندلعت ضحكة خافتة في قاعة المأدبة الهادئة . كانت سخرية واضحة .

****************************

*

إرسال تعليق (0)
أحدث أقدم

اعلان