في مواجهة السؤال المفاجئ، لم يستطع الكونت كومودي الإجابة .
في لحظة، تجمد الجو في قاعة الاجتماعات وكأنه جليد . ارتسمت ابتسامة بطيئة على شفتي الدوق الأكبر .
" إذا كنتَ حزينًا جدًا لدرجة أنك لا تستطيع الإجابة، فسأغير السؤال، عندما كان ابنك على قيد الحياة، ماذا أرسلتَ له ؟ "
" مساعدات، مساعدات إغاثية ! "
كانت هذه فرصته. أجاب الكونت بفخر، و أومأ النبلاء بالموافقة وهم يهمسون : " صحيح، أجل، الكونت كومودي و الفيكونت أوديلف أرسلا مساعدات و تبرعات، أليس كذلك ؟ "
" هذا صحيح، سموك."
في وقت ما، انتشر خبر المساعدات إلى هڤرتي كالنار في الهشيم لتلميع سمعة النبلاء . ابتسم الدوق الأكبر ابتسامة عريضة وهو يحدق في الكونت كومودي .
" أيها اللورد إنترفيلد."
" نعم، سموك."
كان الكونت كومودي على وشك الإجابة وهو ينظر إلى الدوق الأكبر، لكنه أغلق فمه . في هذه الأثناء، تقدم البارون هوارد إنترفيلد، أحد المقربين من الدوق الأكبر، خطوتين .
كان يحمل ملفين من الأوراق سميكين كالطوب .
" هل أرسل الكونت كومودي مساعدات إلى المعسكر من قبل ؟ "
عندما طرح الدوق الأكبر سؤاله، شحب وجه النبلاء الذين ادعوا أنهم أرسلوا مساعدات .
أجاب هوارد بصوت هادئ : " مرة واحدة "
" ماذا كانت محتويات المساعدات ؟ "
" عشرة أكياس من الجزر و عشرة أكياس من البطاطس، ولكن، هناك ملاحظة بين قوسين : 'فاسدة'."
شحب وجه الكونت كومودي، كحبة بطاطس متعفنة . بعد أن أنهى هوارد كلامه، خيم صمت عميق على قاعة الاجتماعات لدرجة أن صوت قطرة ماء كان سيُسمع بوضوح، و ابتسم الدوق الأكبر ابتسامة عريضة .
" أوه، الكونت كومودي العزيز، الذي يطالب الآن بثمن حياة ابنه الثمين … "
في كل مرة كان صوته الرائع يتردد، كان النبلاء يشعرون وكأن شخصًا يضغط بقوة على أكتافهم .
" لم يرسل لابنه الثمين لا درعًا ليحميه، ولا رمحًا، ولا حصانًا."
حتى الإمبراطور، الذي كان يواجه نظرة الدوق الأكبر الحمراء مباشرة، لم يكن استثناءً .
وقف الدوق الأكبر و نظر إلى الإمبراطور وتابع كلامه : " ولا حتى بطانية ليرتاح عليها جسده."
ارتسمت صورة الدوق الأكبر السابق على وجه الدوق الأكبر، الذي كان دائمًا يظن أنه يشبه الأميرة .
" بل أرسل بطاطس و جزر فاسدة."
حتى صوته الساخر كان يشبهه .
" لكن هذا أفضل من لا شيء، أليس كذلك، يا جلالة الإمبراطور ؟ قبل أكثر من عقد، عندما لم تكن الإمبراطورية غنية كما هي الآن، لم يكن هناك شيء على الإطلاق."
كان الدوق الأكبر الآن يوجه حديثه إلى الإمبراطور، مستخدمًا النبلاء كذريعة . يطالبه بمسؤولية موت الدوق الأكبر السابق الذي انطلق إلى ساحة المعركة دون أي دعم .
التقى نظريهما في الهواء. في اللحظة التي رأى فيها الإمبراطور الكراهية المتقدة تحت السطح الهادئ، غمره خوف لا يوصف .
إلى أي مدى يعرف هذا الرجل ؟ لا، كم يعرف بالضبط ؟
" ماذا تقصد ……؟ "
" يا جلالة الإمبراطور الموقر."
بينما كانت عيناه حادتين كحد السيف، تحدث الدوق الأكبر بلطف .
" بصفتي القائد الأعلى للقوات، أشعر بمسؤولية كبيرة عن الخسائر الناجمة عن الحرب."
القائد الأعلى للقوات … هل لهذا السبب ؟ هل السبب الذي جعله يصر على حضور اجتماع النبلاء هو للتباهي أمامهم بمدى نبل وفاة والده ؟
" أشعر بالمسؤولية من كل الجوانب : كإنسان، و كقائد أعلى، و كدوق أكبر."
كلما انتفخت عروق الإمبراطور، زادت ابتسامة الدوق الأكبر .
" لهذا السبب، سأقدم تعويضات لجميع الفرسان الذين ضحوا بحياتهم، و المتطوعين، و الأطباء، و الممرضات، وحتى جميع من ماتوا جوعًا خلال الحرب، و الذين عجزوا عن الحصول على الخبز."
في هذه الأثناء، ارتسمت علامات الفرح على وجوه النبلاء، ففتحوا عيونهم وسألوا : " … وماذا عن العائلات النبيلة ؟ "
بدا الدوق الأكبر وكأنه لم يسمعهم حتى، وكأنهم لا يستحقون الإجابة. وفي قاعة الاجتماعات التي عادت إلى الصخب، نظر النبلاء، كما هو معتاد، إلى الإمبراطور و الدوق إلكين و الدوق مادلين .
وكأن الدوق إلكين كان ينتظر هذا، فنهض : " لكن يا سمو الدوق الأكبر، لم تحصل الإمبراطورية على أي تعويضات من مفاوضاتها مع هڤرتي، ألم توقع أنت على 'اتفاقية سلام' ؟ "
" هل قال سمو الدوق الأكبر إنه لا ينبغي أن نحصل على تعويضات ؟ "
بكلمتين فقط، جعل الدوق إلكين الدوق الأكبر عدوًا لهم، لكن الدوق الأكبر لم يظهر أي ارتباك و رفع كتفيه .
" ما الذي يقلقك أيها الدوق ؟ أنا، بصفتي سيد عائلة ڤيكاندر، سأتحمل المسؤولية."
" …… "
" لكن هذا سيؤثر على مالية عائلة الدوق الأكبر … "
بينما كان الجميع في حالة صدمة، تحدث شخص ما بهدوء . على الرغم من أنهم كانوا يتظاهرون بالقلق على مالية عائلة الدوق الأكبر، إلا أن النبلاء كانوا في الواقع يحسبون ثروة العائلة في رؤوسهم .
كان يُقال إن عائلة الدوق الأكبر، التي كانت مجرد واجهة، تمكنت من استعادة مكانتها بفضل كمية هائلة من المجوهرات .
كانوا يبحثون عن طريقة للوصول إلى ثروة عائلة الدوق الأكبر، التي قيل إن ضرائب المعادن وحدها تفوق الضرائب من خمس مقاطعات غنية .
" صحيح، سنواجه صعوبات مالية، ولهذا السبب، تخطط عائلة الدوق الأكبر ڤيكاندر لتقديم طلب رسمي إلى الإمبراطور لتعديل معدل الضريبة على المعادن التي تقدمها حاليًا."
" …… "
ذهل جميع النبلاء ولم يجدوا ما يقولونه، و الإمبراطور أيضًا. لم يشعر حتى بألم الشفتين المطبقتين بقوة .
إمبراطورية فرانز الغنية و القوية . وهو يطلب تعديل معدل الضريبة الذي هو أساس قوتها، لكن السبب الذي قدمه الدوق الأكبر كان مثالاً على تصرف نبيل .
" هذا مجرد تعبير عن إخلاص عائلة ڤيكاندر، إذا تحدثتَ فجأة عن تعديل المعدل … "
" أنت تعلم يا جلالة الإمبراطور أن إخلاص ڤيكاندر لا يشك فيه أحد، أليس كذلك ؟ "
عند هذه الكلمات الساخرة، ضغط الإمبراطور مرة أخرى على ذراع الكرسي . شعر بذراع الكرسي التي انكسرت مرة واحدة بأنها على وشك الانهيار .
تحدث الدوق الأكبر إلى الإمبراطور و النبلاء كما لو كان يؤدي مسرحية .
" لذا، إذا سمح الإمبراطور، يجب عليّ أن أكون قدوة كسيد لعائلة الدوق الأكبر."
كان يطلب إذن الإمبراطور وفقًا للبروتوكول، لكنه كان واثقًا تمامًا . في مرحلة ما، اختفت الألقاب السرية التي كانت تُطلق عليه مثل "الشيطان القاتل" أو "كلب الإمبراطور". كان استخدامه لكلمة "سيد عائلة الدوق الأكبر" طبيعيًا و مُهيبًا بشكل مذهل .
بهذه الهيبة، ابتسم الدوق الأكبر ابتسامة مشرقة : " سأتبع مثال جلالة الإمبراطور، الذي دائمًا ما يرعى الجميع، و …… "
" …… "
" سأتبع مثال النبلاء الموجودين هنا، الذين يمارسون واجباتهم الأخلاقية كنبلاء."
كلامه، الذي بدا صادقًا تمامًا و خاليًا من السخرية، اخترق قلوب النبلاء مثل الخنجر. نظر إدوين إلى وجوههم ببطء . أولئك الذين يتحدثون عن الحزن بينما تبدو وجوههم مشرقة، و الذين يشتكون من فقدان أبنائهم بينما يظهرون الجشع. و الإمبراطور الذي يحدق به وكأنه يريد قتله، لكنه لا يستطيع أن يقول كلمة واحدة .
كان هناك نبيل ذو شعر فضي بدا شاحبًا بشكل خاص، لكن إدوين تجاهله بسهولة، ثم أضاف، كما لو كان يتذكر شيئًا في اللحظة الأخيرة :
" آه، لا تقلق يا جلالة الإمبراطور، لا تفكر أبدًا في أن عائلة الدوق الأكبر ستكون في خطر لأنني سأخسر بعضًا من ممتلكاتي."
عند هذا التصريح الذي أظهر الثروة و الكرم في آن واحد، كسر الإمبراطور الزخرفة على ذراع الكرسي للمرة الثانية .
عند سماع ذلك، ابتسم إدوين بخبث، و لمعت عيناه الحمراوان المرعبتان بحدة، وكأنهما ينتقمان من حقد قديم .
" على أي حال، ما ستمنحه لي يا جلالة الإمبراطور لن ينتهي ببعض الفتات، أليس كذلك ؟ "
— الصورة التوضيحية : هـنـا .
كان أثر تلك الكلمات الخافتة عميقًا .
توقف النبلاء عن الكلام فورًا، و بدأوا يراقبون الوضع بقلق، بسبب طلب الدوق الأكبر من الإمبراطور وكأنه ترك له شيئًا مهمًا .
سلطة إمبراطورية قوية، و دوق أكبر ثري و قوي يرفض الخضوع . في هذا المكان الذي غاب عنه ولي العهد، بدأ النبلاء يميلون نحو الدوق الأكبر كبندول مائل .
" آه، عليك أن تحضر الأوراق المتبقية المتعلقة بالمنجم هذا المساء، عندما يتم تعديل معدل ضريبة المعادن."
وكأنه يستجيب لنظراتهم، أضاف الدوق الأكبر هذه الجملة قبل أن يغادر قاعة الاجتماعات .
*
*
" … مهما كلف الأمر، أحضر الأميرة مادلين."
بعد أن غادر جميع النبلاء قاعة الاجتماعات، همس الإمبراطور بهذه الكلمات .
الدوق إلكين، الذي كان يقف بجانبه، غير كل خططه في رأسه و انحنى .
مع صوت إغلاق الباب، أصبح الإمبراطور وحيدًا، و نظر إلى الزخرفة المكسورة على ذراع الكرسي .
بريق يحسده الجميع، و مكانته الثابتة .
الدوق مادلين، الذي كان الأقرب إليه و يدعمه، نهض فورًا بعد انتهاء الاجتماع و اتجه نحو الدوق الأكبر .
الدوق الأكبر، الدوق الأكبر، الدوق الأكبر … !
في لحظة غضب، ألقى الإمبراطور بالزخرفة التي كان يمسكها، و تحطمت الزخرفة على الأرض، ثم تدحرجت مرتين أخريين .
" … إذن، كل ما يريده هو المستندات المتعلقة بالمنجم ؟ "
لكي يحافظ الإمبراطور على مكانته، لا يمكنه أن يفقد ثروته أو سمعته. لذلك، كان عليه أن يراجع مستنداته السرية مرة أخرى .
كان يأمل، حتى لو كان ذلك احتمالاً مستحيلاً، أن تحتوي هذه المستندات على السر الذي يبحث عنه الدوق الأكبر، و طوق يمكن أن يسيطر عليه به .
* * * * * * * * * * * * * * * * * *
في مكتب الدوق مادلين في القصر الإمبراطوري .
لم يصدق اللورد هُكسلي عينيه . فالدوق يشرب الشاي مع سمو الدوق الأكبر ڤيكاندر .
كان الجو في المكتب حادًا بسبب هذا اللقاء الغريب . خطر في ذهن اللورد هُكسلي أسئلة لا حصر لها، لكنه كان يعلم أن حياته ثمينة .
بعد أن غادر اللورد هُكسلي، ظل الدوق مادلين يحدق في لون الشاي في الفنجان لفترة طويلة .
الكلمات التي لم تخرج بسهولة، رغم نظرة الدوق الأكبر التي كانت تختبره، خرجت أخيرًا عندما برد الشاي و ارتفعت منه رائحة مُرّة .
" … هل هي بخير ؟ "
نطق الدوق بالكلمات بصعوبة .
" من هي ؟ لا أعرف من تسأل عنه أيها الدوق."
على عكس استعداده الهادئ للقاء، كان الدوق الأكبر يتصرف بلامبالاة. شعر الدوق مادلين بعطش غريب. وبعد فترة طويلة، نطق بالاسم أخيرًا .
" … أوليڤيا."
" لا أعرف لماذا يهتم الدوق بآنسة تخصني، لكنها لم تصل إلى أراضي ڤيكاندر بعد."
لم يتوقع الدوق أن يكون كلامه الحاسم مؤلمًا . حاول الدوق تغيير الموضوع بسرعة . ما زال يتذكر بوضوح ظهر أوليڤيا وهي تغادر وحدها، بعد أن رفضت حتى العربة .
منذ ذلك الحين، كان الدوق يفكر في أوليڤيا لفترة طويلة، وفي النهاية أدرك أنه قلق بشأنها، لكن … المخاوف التي ربما كانت ستخرج لإيسيلا أو جايد أو كونراد، لم تستطع أن تخرج بسهولة من فمه .
بينما كان الدوق يحرك شفتيه، ابتسم الدوق الأكبر ڤيكاندر ابتسامة عريضة .
" سمعت أنكم، أنتم الثلاثة، أخذتم إجازة، هل هي إجازة للاحتفال بيوم الأب ؟ "
ربما كان الدوق الأكبر يعلم وجهتهم أيضًا، لكن قبل أن يتحدث الدوق مادلين، قال الدوق الأكبر ڤيكاندر أولاً : " آمل أن تتوقف عن التفكير في أوليڤيا في تلك العطلة."
لم يستطع أن يقول "لا يمكنني ذلك". لكنه لم يستطع أن يدعي أي حق، كما فعل من قبل .
نظر الدوق الأكبر ڤيكاندر إلى الدوق مادلين وكأنه يرى شيئًا جديدًا، ثم نهض ببطء و همس : " من الجيد أن الدوق لم يصف نفسه بالأب بشكل سخيف اليوم."
*
*
عندما خرج إدوين من مكتب الدوق، انحنى مساعد الدوق باحترام، بينما بدا وينستر مستاءً لسبب ما .
" لم أتخيل أبدًا أن سموك ستقبل بلقاء الدوق على انفراد."
فهم إدوين على الفور سبب استيائه و أجاب بلامبالاة : " كنتُ فضوليًا بشأن مظهره الشاحب."
كان فضولاً سخيفًا. أراد أن يرى ما الذي سيفعله ذلك الوجه الشاحب الذي يبدو وكأنه يحمل همومًا بين كل تلك الوجوه المبهجة .
" ماذا ؟ "
"حسنًا، لم يكن الأمر يستحق العناء، على أي حال، وينستر، الست فضولي أكثر بشأن الأوراق ؟ "
نسي وينستر أمر الدوق على الفور و خفض صوته .
" إذن، تلك الأوراق السرية … ؟ "
" طلبتُ منه أن يحضرها الليلة عند تحديد معدل الضريبة، سنرى ما سيحدث."
" ماذا ؟ هل قلتَ ذلك علانيةً ؟ "
قفز وينستر، و ابتسم الدوق الأكبر ابتسامة جانبية و رفع كتفيه .
" ما المشكلة ؟ هناك من في هذا القصر يعطي هذه الأشياء الثمينة على الفور."
كانت إشارة غريبة . عندها فقط، رأى وينستر الأميرة واقفة عند زاوية الممر .
كانت الأميرة تحمل مظلة، و ترافقها خادمة واحدة فقط، وكأنها تحاول إعداد لقاء مصادفة . عندما التقت عيناها بالدوق الأكبر، ابتسمت بجمال .
" أيها الدوق الأكبر، أعطني لحظةً من فضلك … "
" أعتذر، يا سموك، أنا مشغول."
رفض بأدب تقديم الشكر على الخطأ الساذج، وإن كان ممتنًا، بتسليم منجم الكريستال الأبيض لأوليڤيا. إدوين، الذي كان يسير، ظانًا أنه أجاد الحساب، توقف للحظة .
عندما فكر في الأمر، ألا يجب أن تكون الأميرة ممتنة له لأنه لم يسحق رقبتها فقط ؟ لا يمكنه تركها وشأنها إذا فكر فيما فعلته بـأوليڤيا.
بينما كان مترددًا، بدأ وينستر بتقديم تقريره بصوت منخفض .
" سموك، وهناك ماريا إثيل في قصر ولي العهد."
" ماذا عنها ؟ "
" هذا …… "
بينما كان يتحدث بصوت خافت، ارتفعت ابتسامة إدوين على شفتيه .
****************************