الفصل ١١٠ : ‏Do Your Best to Regret

{ المفاوضات الغريبة مع هڤرتي (2) }


" سمو الدوق الأكبر … "

" عندما زرت هڤرتي، كانت جميع مرافقها مدمرة بالكامل "

قاطع الدوق الأكبر ڤيكاندر كلام الدوق إلكين الذي كان يناديه على عجل، و واصل حديثه بنبرة جافة وهو ينظر إلى الدوق كيوال .

في لحظة خاطفة، انتقل جو الحديث إلى هڤرتي، وسأل الدوق الأكبر بلا مبالاة : " بالنظر إلى أن ذلك كان وقت الحرب، فما هو حجم الإصلاحات التي تمت حتى الآن ؟ "

" … ما زالت الأوضاع على حالها، حتى المرافق الطبية الأساسية لم يتم إصلاحها بعد، و يكافح الناس من أجل البقاء على قيد الحياة باللفت الفاسد "

توضيح : اللِّفْتُ أو الشلغم هو نبات من الخضروات، يشبه إلى حد ما الفجل أو الشمندر، وله شكل دائري ولون أبيض يميل إلى البنفسجي في الجزء العلوي .

" التعافي أبطأ مما كنت أعتقد، أيها الدوق كيوال "

" حسنًا … كما سمعت الآن، التعويضات التي تطالب بها الإمبراطورية ضخمة جدًا "

كان الاثنان صريحين بشكل غير عادي، وفي الوقت نفسه، كانت العلاقة بينهما ودية بشكل غريب. لدرجة أنه لم يكن لأحد أن يصدق أن هذه هي طاولة مفاوضات لتعويضات بين دولة منتصرة وأخرى مهزومة .

وكأن بعض النبلاء لم يعد بإمكانهم تحمل هذا الجو، فأطلقوا سعالاً خفيفًا. سارع الدوق إلكين بالنظر إلى الإمبراطور .

هز الإمبراطور، الذي كان يرمق الدوق الأكبر بنظرة استياء، رأسه موافقًا. وكأنما يطلب منه إنهاء هذا الوضع بسرعة، سارع الدوق إلكين، و عيناه تملؤهما الغضب، بمتابعة حديث الدوق الأكبر : " إذًا، إن كان الأمر كما قلت الآن …… "

رغم أنه يُلقب بـ "بطل الحرب"، إلا أن الدوق إلكين كان يمتلك ميزة أكبر في الساحة السياسية. وكان تخصصه هو التلاعب بالكلمات بذكاء للحصول على ما يريد .

" أنت محظوظ، أيها الدوق … "

إلا أن مقاطعة الدوق الأكبر المفاجئة جعلت الدوق إلكين يتوقف قليلاً، وفكر في سياق الكلام … ' محظوظ ؟ '، كانت كلمة غريبة لتُقال في هذا الموقف .

ابتعد الدوق إلكين بمهارة عن مجال رؤية الدوق الأكبر وقال : " … هاها، بالتأكيد لا تقصد أني أنا المحظوظ "

كان هناك ثلاثة دوقات في قاعة الاجتماعات الكبرى : الدوق كيوال من هڤرتي، و دوقا إمبراطورية فرانز : إلكين و مادلين .

ابتسم الدوق الأكبر ابتسامة هادئة و نظر ببطء إلى الدوقات الثلاثة، ثم إلى ولي العهد الذي كان يراقبه، وإلى الإمبراطور الذي كان يحدّق به بنظرة غاضبة. بعد ذلك، ارتسمت على شفتيه الجميلتين ابتسامة عريضة .

" الدوق محظوظ، فأنا لا أنوي تحميل هڤرتي مسؤولية كبيرة في هذه المفاوضات، بفضل هذا، ستنتهي مفاوضات اليوم بسلاسة "

" سمو الدوق الأكبر ! "

ثار النبلاء حول طاولة المفاوضات .

" يا صاحب السعادة، هذا ليس وقتًا مناسبًا لتقول فيه هذا الكلام … ! "

رفع الدوق إلكين صوته مرة أخرى .

" هذه كلمات الدوق الأكبر ڤيكاندر، بطل الحرب، هل تجرؤ الإمبراطورية على تجاهل كلام بطل الحرب بهذه الطريقة ؟ "

لكن وفد هڤرتي، الذي سمع عن إمكانية تقليص حجم التعويضات، احتجوا بشدة. أما نبلاء الإمبراطورية، الذين كانت مصالحهم مرتبطة بنتيجة مفاوضات التعويضات، فقد جفت حلوقهم .

نظروا بلهفة إلى الدوق مادلين. فقبل أن يتدخل الإمبراطور، كان الدوق مادلين هو الأقوى دبلوماسيًا، ولكن … رغم أن مساعده همس في أذنه، إلا أن الدوق مادلين لم يفتح فمه المطبق بإحكام. وبدلاً منه، تحدث الدوق كيوال من هڤرتي .

" هل أنت جاد ؟ "

خلف العدسة الواحدة لنظارته، اهتزت عينا الدوق كيوال بشدة، فلم يستطع التصديق .

هل كان كلام الدوق الأكبر، الذي لمح إليه في المأدبة الأخيرة بأنه سيقف في صفهم، حقيقيًا ؟ وهل هو جاد إلى هذا الحد ؟

ابتسم الدوق الأكبر ابتسامة لطيفة، غير آبه بنبرته المترددة .

" … هل تظن أني لست جادًا، أيها الدوق ؟ "

صوته الذي تردّد بقوة في القاعة سيطر على الأجواء على الفور . ضحك الإمبراطور بتكلف و وقف من مكانه. لم يعد بإمكانه تحمل الجو الذي أفسده الدوق الأكبر بتصرفاته الطائشة .

جالت عيناه الحادتان في أرجاء القاعة. ولي العهد و الدوق مادلين لم ينطقا بكلمة. أما النبلاء، فقد نسوا كرامتهم و راحوا يتبادلون الصراخ، و الدوق الأكبر كان ينظر إليه، وكأنه يتحدّاه بسلاح التعويضات الذي يملكه .

" هاهاها، الدوق الأكبر قضى حياته في ساحات المعارك، ولذلك هو غير معتاد على المفاوضات، لم يكن جادًا "

" لا يمكن أن لا أكون جادًا، يا جلالة الإمبراطور "

" أيها الدوق الأكبر ! "

لمعت عينا الإمبراطور ببريقٌ قاتل، و هز رأسه في وجه الدوق الأكبر. إشارة واضحة بأن عليه التوقف عن الكلام، لكنها كانت مضحكة .

" أنا الذي سأحصل على تعويضات هائلة من هذه الاتفاقية، لا أحتاج حقًا إلى هذه التعويضات الكبيرة."

لم يسبق للدوق الأكبر أن طالب بحصته من تعويضات ما بعد الحرب. هل يمكن أن يصبح ما قاله في اجتماع النبلاء الأخير حقيقة ؟

في اللحظة التي نظر فيها النبلاء لبعضهم البعض في ذهول و صدمة، نظر الدوق الأكبر إلى الإمبراطور و ابتسم. كانت ابتسامة ساخرة بوضوح .

هدأت القاعة على الفور مرة أخرى .

" جلالة الإمبراطور بالتأكيد راضٍ بما قدمته له من غنائم و تعويضات حتى الآن، أما أنتم أيها النبلاء الحاضرون … "

جال صوته البطيء على النبلاء. كلما سقطت نظراته الحادة على أحد نبلاء الإمبراطورية، كانوا يسرعون في تذكر التعويضات التي حصلوا عليها و يتجنبون النظر إليه. مرّت ضحكة ساخرة باردة، و هز الدوق الأكبر كتفيه .

" … لم يعد لدي أي سبب أو حاجة لتقديم المزيد من الجزية الهائلة لجلالة الإمبراطور "

عند سماع تلك الكلمات، نظر جميع النبلاء إلى الإمبراطور . كانت تلك العيون الواضحة التي تتساءل "ماذا يحدث؟" تنتظر إجابة من الإمبراطور، وكأن النبلاء الذين اعتادوا العيش في ترف باستخدام كرامتهم كسلاح يطالبون الإمبراطور بتوضيح هذا الموقف .

كانت قوة الإمبراطور تتهاوى. حدّق الإمبراطور في النبلاء بعينين حادتين. حينها فقط، استوعب النبلاء الموقف و أحنوا رؤوسهم، لكن نظراتهم التي شاهدها الإمبراطور مرة واحدة لن تختفي من ذاكرته أبدًا .

ضغط الإمبراطور على أسنانه، و أمسك بقوة بمسند عرشه. كانت ذكرى ذلك اليوم، عندما كان شيء ما يختفي من بين أصابعه مثل حبات الرمل، تتكرر الآن .

ابتسم الدوق الأكبر ابتسامة لطيفة، و عيناه الحمراوان تتوهجان ببريق .

" فلماذا إذن يجب أن أستمر في هذه المفاوضات و أضغط على هڤرتي بهذا الشكل ؟ "

* * * * * * * * * * * * * * * * * *

" … ما رأيك في هذه المفاوضات أيها الدوق الأكبر ؟ ما الذي كنت تفكر فيه وأنت تحضرها ؟ "

في قاعة المؤتمرات الكبرى، بعد مغادرة الوفد و النبلاء، نظر إدوين إلى جانبه . كان ولي العهد، الذي عادة ما يغادر، يقف اليوم بجانب الإمبراطور . وجهه كان نسخة طبق الأصل من وجه الإمبراطور الذي كان يجلس على العرش بصلابة .

ضحك إدوين بخفة وهو ينظر إلى الإمبراطور .

بدا أن ضحكته هذه زادت من غضب الإمبراطور، فرفع صوته قائلاً : " هل تحاول أن تُظهر انقسام الإمبراطورية أمام أمة مهزومة ؟ "

" هذا جزء مما كنت أنويه "

" ماذا ؟ "

" يجب أن يعرف الجميع، أنني لم أعد بحاجة للانحناء أمام جلالتك، وأن ڤيكاندر قد استعاد كنز لوڤيل الذي سلبته يا جلالتك "

تلاشت قوة الإمبراطور الصلبة، ومرت على وجهه الشاحب نظرة من الذهول .

" إذن … "

تمتم الإمبراطور، و أصبح عقله فارغًا .

هل حقًا لن يعود مجده أبدًا ؟

" جلالتك "

كسر ليوبارد الصمت الثقيل، و نظر الإمبراطور، الذي بدا وكأنه قد تقدم في السن عشر سنوات في لحظة، إلى ولي العهد ببطء .

" هل يمكنني التحدث مع الدوق الأكبر قليلاً ؟ "

" حسنًا، هذا جيد، لدي شيء لأقوله لولي العهد أيضًا "

" افعل ذلك إذن "

أعطى الإمبراطور الإذن و نهض في نفس الوقت. كانت خطواته نحو الباب بطيئة .

بدا كتفا الإمبراطور، اللذان كانا دائمًا شامخين، متداعيين بشكل مثير للشفقة اليوم .

*

*

" … ماذا تريد أيها الدوق الأكبر ؟ "

" هناك شيئان، إذا تحدثنا عنهما واحدًا تلو الآخر، أولاً، تعديل نسبة الضرائب على المعادن التي تقدمها ڤيكاندر … "

" دعك من المطالب السطحية، و أخبرني مباشرةً أيها الدوق الأكبر، ماذا تريد لدرجة أنك أخذت منجم الكريستال الأبيض، و … أوليڤيا ؟ "

أوليڤيا … لم يكن ليوبارد يعلم أن هذا الاسم سيضغط على قلبه بهذا الشكل، مجرد نطقها جعل شفتيه جافتين .

تغلب ليوبارد على توتره و تذكر القصة التي سمعها من والده الإمبراطور . لقد تم نقل المنجم المهجور الذي كان ملكًا للأميرة إلى أوليڤيا، و أُمِر بإعادة أوليڤيا إلى جانبه بأي ثمن .

كان هذا شيئًا يرغب فيه ليوبارد بشدة أيضًا .

كان لدى ليوبارد القدرة على تلبية بعض مطالب الدوق الأكبر إذا كان لديه أي شيء يريده . إذا كان كل ما يريده هو المنجم المهجور، لكان الأمر أسهل بكثير بالنسبة له.

لكن على عكس ليوبارد الذي كان ينتظر إجابةً بفارغ الصبر، كانت تعابير وجه الدوق الأكبر غامضة .

تحدث ليوبارد مرة أخرى محاولاً إقناعه : " تحدث أيها الدوق الأكبر، قد تكون ضعيفًا في المفاوضات لقلة خبرتك، ولكنني سأوافق على أي شيء طالما أنك تعدني بإعادة أوليڤيا لي "

" آه، ولي العهد …. "

بدأ الدوق الأكبر في الكلام ببطء، و ابتلع ليوبارد أنفاسه ببطء. كان واثقًا من أنه سيمنح الدوق الأكبر أي شيء يطلبه .

" كما سمعت، أنت غير مهذب "

" … ماذا ؟ "

شعر وكأنه تلقى ضربة على مؤخرة رأسه. في نفس الوقت، تذكر صوتًا حازمًا .

" ألم يكن سموك أيضًا غير مهذب عندما أدخلت الآنسة إثيل إلى قصري دون إذني ؟ "

كلمة "غير مهذب". هذه الكلمة، التي قيلت بابتسامة خفيفة، أعادت إلى ذهنه ما قالته أوليڤيا .

تصلبت تعابير وجه ليوبارد على الفور . هل يجرؤ على التباهي بعلاقته مع أوليڤيا أمامه ؟

نظر الدوق الأكبر إلى ليوبارد وقال ببرود : " أنت وضيع و قبيح يا ليوبارد فرانز "

" ماذا ؟!! "

" هذا هو أول ما كنت أرغب في قوله، أيها الأمير، أنت الذي لا تملك أخلاقيات الفارس ولا كرامة العائلة المالكة، و تجرؤ على توجيه نيتك القاتلة دون أن تعرف لمن يجب أن تتوجه حقًا."

" كيف تجرؤ … ! "

تطاير الشرر من عيني ليوبارد مع استمرار الكلمات الجافة، و أمسك بياقة الدوق الأكبر على الفور .

كانت هذه فرصة جيدة، فقد أراد أن يضرب وجهه النحيل منذ فترة. شعر بجسد صلب تحت ملابسه، لكن ليوبارد كان أيضًا فارسًا ماهرًا، لكن هذا الأمير المتغطرس و المتبجح لم يكن يعلم أن الدوق الأكبر قد سمح له بالإمساك به عن قصد .

مد ليوبارد يده ليمسكه، ولكن في لحظة ما، وجد أن يده في الهواء. بعد ذلك بقليل، شعر بألم في ظهره. فتح ليوبارد عينيه على مصراعيه .

" كانت هناك كدمة على معصم آنستي "

لم يكن هناك أي شعور في العينين الحمراوين اللتين تنظران إليه. استرجع ليوبارد ذكرياته الباهتة، ثم، " آه "، أطلق صوتًا منخفض جدًا .

— الصورة التوضيحية : هـنـا .

الآن بعد أن فكر في الأمر، في المرة الأخيرة التي رآها ……

" تذكر أن السبب الذي يجعلني أتركك سالمًا الآن هو أن الانتقام لكدمة معصم آنستي ليس من مسؤوليتي "

وصلت كلمات الدوق الأكبر إلى مسامعه، و أغلق ليوبارد عينيه للحظة، مع تلاشي نية القتل و القوة، سمع صوت إغلاق الباب .

*

*

أمام قاعة المؤتمرات الكبرى .

نفض إدوين يديه بجد، كما لو أنه لمس شيئًا قذرًا، ثم تنهد بخفة. الإمبراطور، ثم ولي العهد، والآن الدوق مادلين .

بدا وكأن هذا اليوم يومٌ مميز .

" … سمعت أن تلك الفتاة، ذهبت إلى أراضي ڤيكاندر "

كان صوت الدوق مادلين، الذي كان هادئًا على غير العادة اليوم، منخفضًا و عميقًا، لكن إدوين لم يهتم على الإطلاق، وشخر بخفة .

" لا أعرف عمن تتحدث، فلا يجمعنا شيء "

تحرك إدوين مبتعدًا دون أن يمنح الدوق فرصة لمواصلة الحديث. ومن زاوية عينه، رأى الدوق مادلين يراقبه حتى النهاية .

'هذا هو السبب.' شعر وكأنه فهم الآن لماذا كانت أوليڤيا تبدو مضطربة .

لاحظ وينستر، الذي كان يتبعه، نفس الشيء .

" إنه متشبث بها بشدة، يحاول أن يزعزع آنسة رقيقة القلب "

تذكر إدوين وجه أوليڤيا المضطرب ليلة المأدبة .

هل كانت حقًا مضطربة بسبب هذا ؟ أم بسبب شيء آخر ؟

لم يستطع أن يخمن ما يدور في ذهنها، فهز رأسه. وبدلاً من ذلك، ابتسم ابتسامة عريضة وقال لوينستر :

" هل وصلت رسالتي ؟ "

" نعم، يجب أن يكون قد وصل الآن."

لم يكن من الصعب على الفارس، الذي كان يركب بجهد منذ الصباح، أن يلحق بعربة الآنسة التي تتحرك ببطء .

* * * * * * * * * * * * * * * * * *

في نفس الوقت .

" وادي الشياطين ؟ هل ذهبت إلى مكان خطير كهذا ؟ "

تحت ظلال الأشجار التي تخترقها أشعة الشمس الساطعة . قالت أوليڤيا ذلك بمزاح وكأنها متفاجئة حقًا .

" آه ! " شتم ديان فمه، و قال : " الاسم الرسمي، هو في الواقع وادي سينوا، لقد عرفت الطريق إليه بالصدفة حقًا، أنا جاد ! "

على الرغم من تأكيده عدة مرات، لم يستطع ديان منع العرق البارد من التسلل إلى ظهره .

كان الفضول قد بدأ بالفعل يتلألأ في عيني الآنسة الخضراوين. حبس ديان أنفاسه وهو يلوم نفسه في داخله .

' لماذا بحق خالق الجحيم ذكرتُ هذا الموضوع ؟ '

ابتسمت أوليڤيا لأن نظرة ديان كانت واضحة جدًا، ثم نظرت إلى مكان بعيد للحظة .

كان السبب في ذلك، حقول القمح التي بدأت تتحول إلى اللون الذهبي .

****************************

*

إرسال تعليق (0)
أحدث أقدم

اعلان