لقد مرّ وقت طويل منذ أن خرجت بعربة في مثل هذا الوقت المتأخر من الليل .
لم يكن الفارس النبيل هوارد إنترفيلد يجيد ركوب الخيل فحسب، بل كان ماهرًا أيضًا في قيادة العربة .
تعمدت أوليڤيا النظر من النافذة و التفكير في أشياء أخرى . على الرغم من أنها فكرت في مهارة هوارد في القيادة التي كانت تجعل العربة بالكاد تهتز، إلا أنها وجدت نفسها تنظر إلى وجه إدوين المنعكس في النافذة دون وعي .
لم تكن تملك الشجاعة للنظر إلى وجه إدوين الجالس مقابلها مباشرة . شعرت أنها بمجرد أن تنظر إليه، ستتذكر التعبير الذي أبداه سابقًا .
* * * * * * * * * * * * * * * * * *
غرفة أوليڤيا قبل قليل .
هدأ ارتعاش إدوين بين ذراعيها. بينما كانت تربت عليه، قالت أوليڤيا باندفاع :
" إذا كنتَ بخير، هل تريد الذهاب لرؤيته الآن ؟ "
" هـ، هل يمكنني ذلك ؟ "
نظرت أوليڤيا إلى وجه إدوين و صوته المشبع بالرطوبة . في تلك اللحظة، ربما كان التعبير الذي ارتسم على وجه إدوين شيئًا لن تنساه أبدًا لبقية حياتها .
كان وجهه ينظر إليها بيأس كطفل وحيد، انكشف لها ذات إدوين الداخلية، التي كانت تحتضنها بقوة .
حبست أوليڤيا أنفاسها لا شعوريًا . امتلأت عيناه الحمراوان بالدموع و انهمرت على زوايا عينيه . بوجه احمرت فيه زوايا عينيه و طرف أنفه، نظر إدوين إليها كما لو كانت منقذته .
كان الأمر مختلفًا عن نظراته الحنونة المعتادة التي تجعل قلبها يرفرف، أو تحديقه المستمر الذي كان يجعلها تشعر بالخجل .
هز إدوين رأسه قليلاً بوجه مرتبك وكأنه لا يصدق، كان تعبيره لا يوحي بأي كلمات .
ابتلعت أوليڤيا ألم قلبها الذي ينبض بشدة، و تأكدت على الفور أن هذا التعبير، الذي انغرس في قلبها كقطعة زجاج، لن يزول أبدًا .
لكن في هذه اللحظة، إذا بكت هي، فإن إدوين سيهدئها تاركًا ألمه، لذلك، حبست أوليڤيا غصتها وقالت بلطف، تمامًا كما كان إدوين يفعل معها :
" بالطبع، منجم الكريستال الأبيض أصبح ملكًا لإدوين الآن، يمكنكَ الذهاب لرؤيته في أي وقت تريد "
الميراث المسلوب من والدته، و كنز مملكة لوڤيل . كانت أوليڤيا تعرف جيدًا مدى التأثير الذي تحدثه مثل هذه الأشياء . ربما لو أعطاها أحدهم سوار خيط والدتها، فقد تتفاجأ هي أيضًا و تبدأ بالبكاء مثل إدوين .
شكرت أوليڤيا القدر على حقيقة أنها يمكن أن تكون بجانب إدوين في هذه اللحظة، هو الذي لطالما دعمها .
أمسكت أوليڤيا بيد إدوين بقوة و التقت عيناهما .
" في المرة القادمة، يمكنك الذهاب وحدك، لكن اليوم فقط، اذهب معي "
أرادت أن تكون خلفه فقط. لم تستطع ترك هذا الرجل العزيز عليها وحده في مثل هذا اليوم .
أضافت أوليڤيا على عجل : " لن أعترض طريقك أبدًا و أنت تتفقد المنجم، لذلك، هذه المرة فقط، اذهب معي "
انتظرت أوليڤيا بفارغ الصبر إجابة إدوين . أومأ إدوين برأسه بصعوبة، وكأنه يظهر موافقته بالكاد .
" …… سأجهز العربة على الفور "
قال هوارد بعينين حمراوين، و الذي لم تعرف منذ متى وهو هنا .
* * * * * * * * * * * * * * * * * *
" سأطلب منكِ وضع ختم يثبت الملكية المشتركة حالما أعود، لذا، خذي قسطًا من الراحة، إن لم تفعلي، فلن أرى بيثاني غدًا، حسنًا ؟ "
وبالحديث عن ذلك، لا بد أن بيثاني ترتاح جيدًا .
فكرت أوليڤيا في بيثاني التي بالكاد أومأت برأسها وكأنها منهكة، و نظرت نحو قصر الدوق الأكبر للحظة .
كان قصر الدوق الأكبر الضخم قد أصبح نقطة صغيرة في الأفق . كم سيستغرق الوصول إلى المنجم ؟
تخيلت أوليڤيا المسافة، متذكرة المرة الأولى التي أتت فيها إلى ڤيكاندر. من أجل أن تتجنب النظر إلى إدوين بوعي في هذا الصمت، كان عليها أن تستمر في التفكير في أشياء أخرى .
" …… أوليڤيا "
نظرت أوليڤيا إلى إدوين متفاجئة من الصوت الذي يناديها .
ابتسم وجهه الجميل بلطف و نظر إلى أوليڤيا.
" لماذا أنتِ مندهشة هكذا ؟ "
" … حسنًا، لأنني لم أكن أتوقع أنك ستناديني "
ابتلعت أوليڤيا دهشتها وأجابت بصراحة . ضحك إدوين بصوت خافت .
اختفت أي علامة على الاحمرار من حول عينيه، و عادت إلى طبيعتها . لمعت عيناه الحمراوان اللتان كانتا غارقتين بالدموع بسحر .
" أنا آسف، لكن …… "
عبس إدوين للحظة . كان صوته الخافت و الجاف هو الأثر الوحيد الذي يدل على حالة الاضطراب التي كان فيها إدوين قبل قليل . ابتسم إدوين ابتسامة باهتة و مد يده .
" هل يمكنكِ أن تمسكين بيدي ؟ يبدو أنني أشعر بدوار الحركة اليوم."
نظرت أوليڤيا إلى يده و عضت شفتيها .
لقد فكرت بشكل خاطئ . عاد إلى طبيعته ؟ لقد شعرت بالحزن الشديد لرؤية إدوين يرتجف هكذا، ومع ذلك يقول أنه يشعر بدوار الحركة و يطلب فقط أن تمسك بيده .
هزت أوليڤيا رأسها ببطء . خرج صوتها من بين أسنانها المطبقة، مع تحكم أكبر في المشاعر من المعتاد .
" لا يمكنني إمساك يدك "
" آه، فهمت …… "
ضحك إدوين بخفة وتظاهر بأنه بخير، ثم اتسعت عيناه . اقتربت منه الرائحة الحلوة التي كانت دائمًا تثير جنونه .
جلست أوليڤيا بجانب إدوين على الفور، ولفّت ذراعها حول كتفه القوي وقالت : " أفضل شيء لدوار الحركة هو الاتكاء على الشخص الذي بجانبك و إغلاق عينيك."
على الرغم من أنها كانت وضعية غير مريحة، وضعت أوليڤيا رأس إدوين بلطف على كتفها . باليد الأخرى، أمسكت بيده .
" أتمنى أن تتفهم عنادي الآن، لن أزعجك أبدًا عندما نصل "
لمس الصوت القوي قلب إدوين الهش . امتلأت الفجوة الصغيرة المتبقية في صدره بشكل مذهل .
رمش إدوين بعينيه في الدفء و أغمض عينيه ببطء .
* * * * * * * * * * * * * * * * * *
" لقد وصلنا "
في لحظة ما، توقفت العربة تمامًا . عند سماع صوت هوارد وهو يطرق على الباب من الخارج، نظرت أوليڤيا إلى إدوين للحظة .
" … هل ننزل ؟ "
تنهد إدوين و عدّل صوته الذي كان خافتًا تمامًا وكأنه يشعر بالحرج . على الرغم من أن أوليڤيا أرادت أن تبتسم ابتسامة خفيفة لتخفيف الجو، إلا أن شفتاها بالكاد ارتفعت بسبب التوتر .
بمجرد نزولها من العربة، أطلقت أوليڤيا نفسًا عميقًا . كان منجم الكريستال الأبيض أمام عينيها تمامًا كما رأته آخر مرة.
بدا وكأن أثر أقدام البشر لم تصله بعد، فكانت الأشجار عند المدخل لا تزال جافة و عارية . كلما هبت الريح، كان صوت اصطدام الأغصان ببعضها البعض موحشًا .
تذكرت أوليڤيا أن الرياح داخل المنجم كانت باردة لدرجة تجعل جسدها يتجمد، ولمست قلادتها دون قصد .
لو كان لديها هذا الحجر السحري، لكان جسدها دافئًا كما هو الآن . بمجرد أن ربطت الفكرة بإدوين، حاولت أوليڤيا فك قفل العقد خلف رقبتها .
" لحظة … سأدخل أولاً."
قبل أن تتمكن من فك العقد، قال هوارد بصوت حازم . ارتسم التوتر بوضوح على وجه هوارد الخالي من المشاعر .
" لا بأس." قال إدوين وهو يهز رأسه .
نظرت أوليڤيا إلى إدوين و هوارد اللذين بديا عازمين وكأنهما سيدخلان مكانًا محظورًا، و فتحت شفتيها للحظة وسألت :
" … هل هناك قاعدة تنص على منع الدخول إلى هنا ليلاً ؟ "
وإلا، لم يكن هناك داعٍ لهذه الوجوه الصارمة عند الدخول . بدلاً من إدوين الذي كان يبتسم دون إجابة، قال هوارد بعد تردد قصير :
" … عندما امتلك الإمبراطور منجم الكريستال الأبيض، أمر ساحرًا بإلقاء تعويذة مقاومة ضد جميع أفراد ڤيكاندر هنا "
" تعويذة مقاومة ؟ "
لم تستطع أن تصدق .
سحر المقاومة، الذي يمنع دخول الأشخاص غير المصرح لهم، هو سحر لا يمكن إجراؤه إلا من قبل سحرة ذوي مهارة عالية .
أن يكون هذا السحر، الذي يُوضع فقط على الخزائن الأكثر أمانًا في القصر الإمبراطوري، قد وُضع على هذا المنجم !
نظرت أوليڤيا إلى المنجم، وقد تفاجأت تمامًا بهذه الحقيقة التي لم تكن تعرفها على الإطلاق، و أضاف هوارد :
" نعم، لقد وُضع السحر بطبقات عديدة لدرجة أن حتى السيدة بيثاني لم تتمكن من فكه، لذلك كان دخولنا مقيدًا طوال هذه الفترة "
" الآن وقد نُقل إلى آنستي، أعتقد أنه يمكننا الدخول "
غمز إدوين بمرح و خطا خطوات واسعة نحو المنجم . قبل أن تتمكن أوليڤيا من تهدئة نفسها من الصدمة من كلمات "تعويذة مقاومة"، تفاجأت و صرخت باسم إدوين .
" إدوين ! "
قالوا أنه إذا منع سحر المقاومة الدخول، فسيعاني ذلك الشخص من ألم مميت . مع تذكر الكلمات التي سمعتها عرضًا، ركضت أوليڤيا مذعورة إلى جانب إدوين في لحظة .
هل يمكن أن تكون الأميرة على علم بهذا و نصبت لي فخًا ؟ أتمنى أن يكون إدوين بخير .
مع هذا التمني اليائس، أمسكت أوليڤيا بإدوين و اجتازت مدخل الكهف . عندما أغمضت أوليڤيا عينيها بإحكام بينما كانت تمسك بيده القوية .
" … لقد دخلنا، يا أوليڤيا "
نظر إدوين إلى أوليڤيا وكأنه لا يصدق . لقد دخلا منجم الكريستال الأبيض هذا، الذي لم يستطع التخلي عنه على الرغم من الألم الذي كان يحرق عظامه وكأنه تعرض لصاعقة رعدية كلما حاول الدخول، وبدلاً من أن يُدفعا إلى الخارج، وقفا في مكانهما .
فتحت أوليڤيا عينيها اللتين كانت قد أغمضتهما بإحكام ببطء . وبعد أن تأكدت تمامًا من أن إدوين بخير، غضبت .
" كيف لك أن تدخل هكذا ! ألا تعلم كم هو مخيف سحر المقاومة ؟ قيل إنه سحر يحرق الناس حتى الموت … "
في تلك اللحظة، عانق إدوين أوليڤيا بقوة .
على الرغم من أنه شعر بغضبها وهي تتنهد بجسدها الصغير و الرقيق، إلا أن إدوين لم يستطع كبح هذا الشعور الغامر بالبهجة .
— الصورة التوضيحية : هـنـا .
" …… منذ زمن بعيد " تمتم إدوين وهو يكبت غصته .
" … كانت والدتي تُحدثني كثيرًا عن هذا المكان، لقد كانت تُقدّر منجم الكريستال الأبيض هذا كثيرًا لدرجة أنها كانت تقول دائمًا أن هناك سرًا عظيمًا هنا "
" إنه سرٌّ يتناقله أفراد عائلة لوڤيل الملكية من جيل إلى جيل، و يُكشف عنه فقط للذي يبلغ سن الرشد، أتمنى أن يأتي اليوم الذي أستطيع فيه أن أخبرك بهذا السر قريبًا "
كانت صورة والدته وهي تتحدث بمرح واضحة في ذهنه . حتى النعاس الذي لا يطاق الذي كان يجتاحه، و صوت والدته وهي تغني له بصوتها الجميل كالكناري وهو على وشك النوم، و الأيدي الحنونة التي تُداعب رأسه بلطف .
تمنى في ذلك الوقت أن يبلغ الثامنة عشرة بسرعة، لكن عندما بلغ الثامنة عشرة، لم يتمكن حتى من عبور مدخل هذا المكان .
ابتلع الألم الذي كان يحرق جسده وكأنه يحترق، و ظل يأمل أن يتمكن يومًا ما من الدخول .
أبعد إدوين كتف أوليڤيا عن ذراعيه لفترة وجيزة . واجهته عيناها الخضراوان اللتان كانتا مليئتين بالدموع و القلق .
في تلك اللحظة، تذكر إدوين العبارة التي أرسلتها إليه هذه الآنسة المتألقة .
" …… أقصى جهودي، قد تحققت "
" أتمنى أن تتحقق أقصى جهودك أيها الفارس … من ليڤ جرين "
نظر إدوين إلى وجه أوليڤيا التي لم تفهم ما قاله، وقال مرة أخرى : " أوليڤيا، لقد حققتِ أقصى جهودي "
صوته خافت مليء بالارتجاف . جعلتها كلمات إدوين تشعر بشيء مألوف، لكنها لم تسأل عن أي شيء .
بدلاً من ذلك، احتضنت إدوين بقوة .
مهما كان الأمر، كان من الجيد أن أقصى جهود إدوين قد تحققت . كان صوت ضحكته الناعمة مريحًا للغاية، و يسبب شعورًا بالوخز اللطيف .
تمنت أوليڤيا أن تستمر هذه اللحظة إلى الأبد .
****************************
للتوضيح أكثر : ( أتمنى أن تتحقق أقصى جهودك ) هي أمنية بأن ترى ثمار تعبك و جهدك الكبير، و تعبر عن تمني صادق بنجاح جهود الشخص المبذولة .