الفصل ٥٦ : ‏Do Your Best to Regret

{ الشخص الذي يمنحني الشجاعة للتحدث }


" لا أعرف ماذا أقول أولاً … لذا، تفضلا بالذهاب أولاً، سأبقى أحرس المدخل "

قال هوارد بصوت أجشّ للغاية . على عكس صوته المرتعش بوضوح، لم يكن هناك أي اهتزاز في وضعية رأسه المنحنية .

قبل قليل، وبعد أن تأكد من أن إدوين بخير بعد مروره بمدخل المنجم، تجمد هوارد في مكانه، ثم تنقل ذهاباً و إياباً بين داخل مدخل المنجم و خارجه عدة مرات، بوجه مليء بالارتباك .

في كل مرة كان يعبر فيها، كان يبدو وكأنه على وشك البكاء من عدم التصديق، لكنه اختار في النهاية أن يخفض رأسه بدلاً من أن يُظهر وجهه الباكي .

ظنت أوليڤيا التي كانت تراقبه، بطبيعة الحال، أن مكانها بجانب هوارد .

" لن أعترض طريقك أبدًا و أنت تتفقد المنجم، لذلك، هذه المرة فقط، اذهب معي "

لقد قالت لإدوين عدة مرات أنها لن تعيقه عن استكشاف المنجم، لذا، كان دورها يقتصر على تسليم قلادة الحجر السحري لإدوين .

كانت أوليڤيا على وشك رفع يدها مرة أخرى لخلع القلادة .

عندها، أمسكت يد كبيرة و قوية بيد أوليڤيا اليمنى بلطف . في باطن الكف الذي تلامس، كان النبض ينبض بسرعة .

لم تتمكن حتى من التمييز ما إذا كان هذا الصوت غير المنتظم لنبض قلبها أم نبض قلب إدوين .

على عكس أوليڤيا التي تفاجأت، ابتسم إدوين بلطف و رفع زاوية فمه .

" إذن، انتظر هنا "

" حسنًا، يا صاحب السمو."

مال إدوين قليلاً نحو هوارد و أضاف شيئًا .

كان صوته منخفضاً لدرجة أن أوليڤيا التي كانت بجانبه لم تسمعه، لكن هوارد بدا وكأنه فهم و أومأ برأسه قليلاً . ارتجفت قبضة هوارد المشدودة بشدة .

أضاء ضوء القمر وجه هوارد للحظة . بدا طرف أنفه أحمر، وكان لا يزال يمسك بدموعه .

نظرت أوليڤيا إلى داخل المنجم متظاهرة بأنها لم ترى شيئًا . تذكرت بوضوح الطريق المظلم الذي عبرته في المرة الأخيرة .

في تلك اللحظة، فكرت أنه ربما كان من الأفضل أن تذهب معه لأنها تعرف الطريق جيدًا، بدلاً من أن يذهب إدوين وحده .

" هل نذهب ؟ "

" معًا ؟ "

" بالتأكيد."

أن يمسك يدها يعني حقًا أنه ينوي الذهاب معها . كانت مذهولة بعض الشيء لأن ما كانت تفكر فيه قد حدث فعلاً .

قاد إدوين أوليڤيا بخفة . بينما كانت أوليڤيا تخطو نحو داخل المنجم، قالت بصوت هادئ لهوارد :

" … لا تقلق أيها اللورد إنترفيلد، سنعود بسلام "

كانت هذه الكلمات موجهة لهوارد، ولكنها في الوقت نفسه كانت تقولها لنفسها أيضاً .

كانت تعرف منجم الكريستال الأبيض هذا أفضل من أي شخص آخر . حتى أنها كانت تعرف أين تكون أرضية المنجم زلقة .

كما لو كانت تخرج في نزهة قصيرة، أصبح قول "سأعود" طبيعيًا الآن في كل مرة تذهب فيها إلى مكان ما . المكان الذي ستعود إليه هو هنا، ڤيكاندر .

كانت أوليڤيا على وشك أن تخطو مرة أخرى بعد أن جمعت شتات نفسها . عندما وصلها صوتٌ مخنوق و كئيب عبر الريح .

" … نعم، يا آنستي، عليكما العودة بسلام "

* * * * * * * * * * * * * * * * * *

لقد تذكرت أوليڤيا كم كان هذا المنجم كئيبًا و باردًا، لكن اليوم، ذلك المكان البارد جداً كان يشعرها بالدفء، كما لو أن حرارة ما تحيط بجسدها .

ربما كان ذلك بسبب الحجر السحري الذي يحافظ على حرارة الجسم .

بحثت أوليڤيا بيدها الأخرى، غير الممسكة بإدوين، عن قفل القلادة خلف رقبتها . لم تتمكن من الإمساك بالقفل جيداً بيد واحدة .

" ما الخطب ؟ هل تشعرين بعدم الارتياح ؟ "

" ليس كذلك "

انفصل القفل بفعل يدها التي كانت تبحث خلف رقبتها . وفي تلك اللحظة، اتسعت عينا أوليڤيا المستديرتين .

مع أن قلادة الحجر السحري انفصلت عن عنقها و سقطت في كف يدها، لم تشعر بالبرد، بل كان جسدها لا يزال دافئًا .

" إدوين، هل … هذا المنجم ليس باردًا ؟ "

" هل تشعرين بالبرد ؟ لحظة من فضلك."

ربما فهمها خطأ، بدأ إدوين بخلع رداءه الذي كان يرتديه باليد التي لم تكن ممسكة بيد أوليڤيا .

سارعت أوليڤيا لتلوح بيدها اليسرى التي كانت تمسك بقلادة الحجر السحري .

" ليس هذا ما أقصده، فالمنجم بارد بعض الشيء في الأصل … "

تحدثت أوليڤيا متذكرة ما حدث قبل عام، لكن إدوين، ربما فكر في منجم عادي، ابتسم وهز رأسه.

" أعتقد أن هذا المكان كان دائمًا هكذا، لم أتمكن من المجيء إلى هنا منذ أن كنت صغيراً جداً، لكن على عكس المناجم الأخرى حيث كنت أرتدي أردية سميكة، كنت أدخل إلى هنا ببساطة."

دائمًا ؟

نظرت أوليڤيا إلى داخل منجم الكريستال الأبيض بعينين مليئتين بالارتباك .

كان الأمر مختلفًا عما كان عليه قبل عام … ما الذي يحدث ؟

هدأت أوليڤيا قلبها الذي كان يمزجه الإثارة و القلق، ثم، وهي ممسكة بيد إدوين، سارت نحو داخل المنجم على طول الطريق الذي كانت تعرفه.

كلما توغلوا في الداخل، لمع الحجر السحري باللون الأخضر في كف يد أوليڤيا اليسرى، التي كانت تقبض قبضتها بإحكام .

تسارعت ومضات الحجر السحري وكأنها تتجاوب مع شيء ما، لكن لم يلاحظ أحد الضوء المحجوب بكف اليد .

الطريق الممتد داخل المنجم انقسم إلى ثلاثة عشر نفقًا .

كان الطريق الحجري مستقيماً قبل أن تظهر نقطة الانفصال . رن صوت قطرات الماء بوضوح من مكان ما .

كلما توغلوا في داخل المنجم، تناقص ضوء القمر من المدخل حتى اختفى تماماً . حتى لو اعتادت أعينهم على الظلام، كان من المستحيل تقريباً السير بمهارة داخل المنجم، لذلك، افترضت أوليڤيا بالطبع أنها ستتقدم .

قبل عام، أثناء استكشاف منجم الكريستال الأبيض هذا، سارت أوليڤيا عبر الأنفاق الثلاثة عشر وحتى النهايات المسدودة (الجزء المغلق من المنجم) عدة مرات .

استطاعت أن ترى كل شيء بوضوح، من الأجزاء البارزة إلى الأجزاء الزلقة .

" انتبهي لخطواتكِ يا أوليڤيا، المكان زلق هنا "

لكن إدوين كان يعرف منجم الكريستال الأبيض جيداً مثل أوليڤيا . قبل أن تتفوه أوليڤيا بكلمة، تباطأ إدوين خطاه و ضحك بصوت منخفض .

هل كان ذلك بسبب صدى المنجم أم بسبب زيادة حساسية الحواس الأخرى نتيجة لضيق الرؤية ؟

بدا صوت ضحكة إدوين أكثر سحراً من المعتاد . ارتجفت شعيرات أوليڤيا الدقيقة في أذنيها من ضحكته الخاملة، وسرعان ما توترت .

لسبب ما، بدت يد إدوين الممسكة بيدها أكبر و أكثر صلابة . ابتلعت أوليڤيا ريقها وقالت بأقصى ما يمكنها من رباطة جأش :

" … أنت تعرف الكثير عن المنجم، يا إدوين."

" كنت أعلم أن هذا اليوم سيأتي يومًا ما، ولذلك كنت أستعيد الذكريات كلما سنحت لي الفرصة حتى لا أنسى."

لامت أوليڤيا نفسها قائلة إن سؤالها كان غير مبالي، دون أن تجرؤ على تخمين حجم الجهد الكامن وراء صوته الهادئ الذي بدا وكأنه لا يبالي .

بالمناسبة، أرادت أن تخبر إدوين أنها استكشفت هذا المنجم بناءً على أمر إمبراطوري قبل فوات الأوان، لكنها لم تعلم كيف تقول ذلك، لذا صمتت أوليڤيا مرة أخرى .

اختلط صوت خطوات الأحذية بصوت قطرات الماء المنتظمة . بعد قليل، كان من المتوقع أن يظهر بداية الأنفاق المتفرعة إلى ثلاثة عشر اتجاهًا .

كان ذلك في تلك اللحظة …… " آه " .

في نفس الوقت الذي سمع فيه صوت اصطدام شيء صلب، مال جسد إدوين قليلاً إلى الجانب . عند سماع تأوه إدوين الخافت، أمسكت أوليڤيا بيده بإحكام بشكل تلقائي .

تذكرت فجأة أنه قبل ظهور الأنفاق المتفرعة، قام العلماء و السحرة بتثبيت قطع خشبية على الأرض لتمييز المسافات .

" احذر ! هناك قطعة خشب في هذا المكان … "

توقفت أوليڤيا عن الكلام فجأة، وهي تقولها عن غير قصد، ثم نظرت إلى إدوين .

اتسعت عينا إدوين قليلاً وكأنه تفاجأ، ثم ابتسم بلطف دون أن يظهر أي أثر لذلك .

" شكرًا لكِ يا أوليڤيا، لم أكن أعرف هذا."

تمتم إدوين وهو يدفع قطعة الخشب على الأرض بقدمه، ثم التفت إلى أوليڤيا .

كانت عيناه الحمراوان مليئة بالمودة تجاهها فقط . في تلك اللحظة، أدركت أوليڤيا أن هذا هو الوقت المناسب للاعتراف بالحقيقة .

" … متى كانت آخر مرة جئت فيها إلى هنا ؟ "

" عندما كنت في التاسعة، لذا فقد مضى أكثر من عشر سنوات."

أجاب إدوين بهدوء . أكثر من عشر سنوات. ابتلعت أوليڤيا هذا الوقت الذي لا يمكن حسابه، و أخرجت صوتاً مرتجفاً :

" أنا … قبل عام، عندما أتيت إلى منجم الكريستال الأبيض هذا."

توقعت منه أن يتفاجأ، لكن إدوين، على غير المتوقع، ربّت على ظهر يدها بهدوء، كما لو كان يتوقع ذلك .

" في مثل هذا الوقت من العام الماضي، قمت باستكشاف منجم الكريستال الأبيض هذا بناءً على أمر من الأميرة، مع العديد من السحرة و العلماء."

وسط صدى الأصوات في كل مكان، باحت أوليڤيا بكل شيء بصوت منخفض .

سواء كان ذلك استكشاف منجم الكريستال الأبيض بأمر من الأميرة، أو إعداد تقرير عن هذا المنجم المهجور الذي توقف عمله و تقديمه للإمبراطور .

حتى زيارتها لمقاطعة ڤيكاندر مرة واحدة لاستكشاف منجم الكريستال الأبيض، كل شيء .

كلما باحت أوليڤيا بالمزيد من القصة، شعرت أن قلبها أخف .

نظر إدوين الذي سمع كل القصة إلى أوليڤيا بنفس العيون التي كان ينظر بها قبل سماع القصة .

" هناك أشياء كثيرة أريد قولها، لكن أول شيء أريد قوله هو … "

كان الصوت الناعم دافئًا جداً، فشدت أوليڤيا زاوية فمها . على الرغم من الاضطراب و الارتعاش، كانت تعلم …… أن ما سيقوله إدوين الآن سيجعلها تبكي .

" … لا بد أنكِ مررتِ بوقت عصيب يا أوليڤيا."

كانت تعلم أن هذا سيحدث. كم من الناس لن يبكوا إذا تحدث شخص بلطف هكذا ؟

بدأت تشعر بوخز في أنفها، فجعدت شفتيها عمداً، ثم قالت بنبرة مزاح، متظاهرة بأنها بخير :

" على الأقل، أعرف ما هو التقرير الذي وصل إلى جلالته، لقد أبلغتُ أن هذا المنجم لا يحتوي على أي خصائص مميزة، يا له من حظ "

" أنا ممتن لكِ حقًا، بفضلك يا أوليڤيا، لن يكون لدى الإمبراطور أي شكوك بشأن منجم الكريستال الأبيض هذا "

أومأت أوليڤيا برأسها على صوته الذي أبدى إعجاباً صادقاً . تردد إدوين الذي كان ينظر إليها بلطف للحظة .

" … لأنني ممتن حقًا، فقط قولي ما تشائين إذا أردتِ."

" ماذا ؟ "

" إذا طلبتِ رأس الأميرة، فسأحضره لكِ خلال يومين "

تفاجأت أوليڤيا من كلمات إدوين التي بدت حقيقية . لمعت عيناه اللتان كانتا تنظران إليها بلطف منذ قليل ببرودة في لحظة واحدة .

" لا أحتاج إلى هذا ! "

صرخت أوليڤيا بخوف .

عندما انتشر صوتها المدوي في أرجاء المنجم، انفجر إدوين بالضحك قليلاً . عندئذٍ فقط، اعتقدت أوليڤيا أن ذلك كان مزحة و ضحكت معه.

" لا تمزح هكذا، حسناً ؟ "

لعق إدوين شفتيه وكأنه يشعر بخيبة أمل للحظة، لكنه لم يظهر ذلك . بدلاً من ذلك، شد قبضته على يد هذه الفتاة الشجاعة و القوية .

كان لديه الكثير ليقوله، لكنه ابتلع كل الكلمات و اقترح : " … هل نتقدم أعمق قليلاً ؟ "

" هل أنت بخير يا إدوين ؟ "

" بالتأكيد."

ابتسمت أوليڤيا و أومأت برأسها. على الرغم من الوقت المتأخر، لم تشعر بأي تعب .

بل شعرت بالانتعاش وكأنها نامت جيداً .

* * * * * * * * * * * * * * * * * *

في وقت متأخر من الليل، بينما كان ضوء القمر البارد يضيء النافذة الزجاجية الكبيرة، في غرفة أوليڤيا .

استيقظت بيثاني ببطء من وضعها وهي مستلقية بلا حراك . تفاجأت الخادمة التي كانت بجانب السرير و حاولت منع بيثاني.

" سيدتي بيثاني، ابقي مستلقية، لقد أمرتكِ الآنسة بالاستلقاء بهدوء و راحة."

" يجب أن أذهب و أستلقي في غرفتي، كيف يمكن أن أكون مرتاحة وأنا مستلقية على سرير الآنسة ؟ "

" مع ذلك …… "

قبل أن تتمكن الخادمة التي تعاطفت مع كلمات بيثاني للحظة من قول أي شيء، خطت بيثاني خطواتها .

دخلت بيثاني غرفتها و أغلقت الباب، وبدلاً من الاستلقاء على السرير، دخلت إلى غرفة المعيشة الموجودة في أحد زوايا الغرفة، ثم اتجهت نحو المكان الذي كان معلقاً فيه ستار في أحد أركان غرفة المعيشة .

بأرجل مرتعشة، خطت بيثاني خطوة بخطوة، ثم رفعت الستار .

امتلأت عينا بيثاني بالحنين وهي تنظر إلى الصورة خلف الستارة .

امرأة شقراء ترتدي فستانًا أبيض .

لم يكن وجهها مرئيًا لانعكاسه في ضوء القمر، لكن حتى دون رؤية وجهها، تحدثت بيثاني بصوت مرتعش إلى المرأة التي لا تزال حية في ذاكرتها :

" يا أميرتي، لقد عاد منجم الكريستال الأبيض إلى ڤيكاندر "

نظرت بيثاني إلى الصورة و بكت مرة أخرى .

" لقد أتت آنسة ثمينة جداً، تُشبه الكنز، إلى ڤيكاندر ومعها كنز الأميرة."

في تلك اللحظة، أضاء ضوء القمر وجه المرأة . كانت عينا المرأة، التي كانت تبتسم ابتسامة مشرقة بوجهها الجميل الشبيه جداً بسيدها الشاب، خضراوين زاهيتين .

* * * * * * * * * * * * * * * * * *

في تلك الليلة، في غرفة نوم الإمبراطور في القصر الإمبراطوري .

" …… ماذا ؟ "

نهض الإمبراطور، الذي كان قد ذهب إلى الفراش، من سريره مسرعًا . لم يجرؤ كبير الخدم على رفع رأسه أمام وجه الإمبراطور الشاحب الذي فقد لونه .

اتجه الإمبراطور الذي كان يحدق في كبير الخدم بخطوات واسعة إلى عمق غرفة النوم . في تلك اللحظة، حبس الإمبراطور أنفاسه .

" هذا … لماذا بحق خالق الجحيم ؟ "

لقد سقطت الصورة التي كان من المفترض أن تكون محاطة بالستائر الفخمة التي ترمز إلى إمبراطورية فرانز على الأرض .

أن تسقط صورة كانت حتى محمية بسحر الحفظ ! … لم يحدث هذا من قبل .

في الصورة التي سقطت تحت الستار، كانت امرأة شقراء جميلة بلا تعابير .

للحظة، شعر الإمبراطور وكأن عينيها الخضراوين الباردتين ابتسمتا .

— الصورة التوضيحية : هـنـا .

****************************

*

إرسال تعليق (0)
أحدث أقدم

اعلان