الفصل ٧١ : ‏Do Your Best to Regret

{ العودة إلى النظام }


عضّ وينستر على شفتيه بشدة .

هذا الارتجاف لم يعتريه قط منذ أن أقسم الولاء لسمو الدوق الأكبر .

بعد أن التقى بيثاني صدفةً في طريقه إلى القلعة، و أخبرته أن الفرسان سيؤدون قسم الولاء للآنسة اليوم، هرع مسرعًا .

قد يكون ولاء الجميع للآنسة متشابهًا، لكنه هو من يجب أن يؤدي القسم الثاني. لطالما اعتبر نفسه مخلصًا للآنسة منذ أن كانت في قصر الدوق الأكبر في العاصمة .

" هل يا تُرى … "

عندما انبعث صوت خافت، شعر وينستر وكأنه مرّ بلحظة من الجحيم. لم تكن هذه كلمات قبول القسم .

" هل اليوم هو عيد ميلادي ؟ "

لكن الكلمات التي تلتها أعادت وينستر إلى الجنة .

قالت الآنسة بمزاح وهي تتلقى السيف. و رغم أنها حاولت التظاهر بالهدوء، إلا أن صوتها كان يرتجف، و شعر وينستر بصدق أنه أحسن صنعًا بقدومه سريعًا .

" … لا أصدق أنني أتلقى هدية عظيمة كهذه."

" واو، لم تقولي ذلك عندما أقسمتُ لكِ "

تمتم إدوين متذمرًا للحظة، لكن الابتسامة كانت مرسومة على وجهه أيضًا .

" أنا أوليڤيا، و بصفتي الدوقة الكبرى المستقبلية، أقبل قسمك بكل سرور، وليكن فرحي جزءًا من مجدك "

ملأ صوت مرتجف القاعة، وما أن انتهى القسم الثاني، حتى استعاد هوارد و ديان وعيهما و تنافسا على دورهما .

" أنا الفارس هوارد إنترفيلد، بصفتي فارسًا أقسم الولاء لڤيكاندر، أطلب شرف أن أكون سيف الآنسة "

" أنا الفارس ديان سيزيلين، بصفتي فارسًا أقسم الولاء لڤيكاندر، أطلب شرف أن أكون سيف الآنسة."

ركع الفرسان واحدًا تلو الآخر، مؤدين قسمًا عظيمًا. ومع كل قسم مخلص، كانت الهتافات تتصاعد .

لم تعرف أوليڤيا كيف تتصرف. تحركت شفتاها مرة واحدة، ثم ابتلعت المشاعر الجياشة التي كادت تفجر قلبها، وقبلت كل تلك الوعود .

في تلك اللحظة، اختلط صوت شخص ثمل، كأنه يتلعثم، بين الهتافات .

" الآنسة أصبحت الآن ملكًا لڤيكاندر تمامًا ! لقد انتصر الدوق الأكبر بالفعل ! هذا الانتقام المثالي … "

— أوه .

اختفى الصوت على الفور. أوليڤيا، التي لم تسمع جيدًا، أمالت رأسها في حيرة .

لكن … حدق إدوين بعينين حادتين نحو مصدر الصوت .

وينستر و هوارد و ديان، الذين كانوا غارقين في فرح أداء القسم، و بيثاني التي كانت تطلق الألعاب النارية بالسحر، والعديد من الفرسان الذين كانوا يؤدون القسم، لكن لا أحد منهم أظهر أي رد فعل .

" أرجوكِ، ارفعي نخبًا يا آنسة "

لأنه لم يكن هناك شخص واحد يرغب في إفساد فرحة أوليڤيا، التي كانت عيناها تتلألأ من الهتافات الصاخبة .

في النهاية، وقفت أوليڤيا على المنصة مرة أخرى. وكان كأسها، الذي كان فارغًا، قد امتلأ بنبيذ الفاكهة الذهبي .

عندما رفعت أوليڤيا الكأس، ساد الصمت قاعة الولائم مرة أخرى. كان عدد لا يحصى من الفرسان و التابعين ينظرون إليها، وكأنهم لا يريدون تفويت كلمة واحدة.

وكانت نظراتهم مليئة بالثقة و الولاء و المودة اللطيفة. كان أنفها يؤلمها و حلقها يحترق، لكن أوليڤيا عرفت بالضبط ما يجب أن تقوله في هذه اللحظة .

رفعت أوليڤيا كأسها. وفي الوقت نفسه، دوى صوت أنيق و مهيب فوق قاعة الولائم .

" من أجل ڤيكاندر ! "

" من أجله ! "

تبع ذلك هتاف عالي، وكان صوت ارتطام الكؤوس يتردد صداه كألحانٍ عذبة .

* * * * * * * * * * * * * * * * * *

في عمق الليل بعد المأدبة .

على عكس الأجواء المبهجة داخل القلعة، كانت غرفة الاستقبال باردة كالثلج .

كان الدوق الأكبر يحدق ببرود في بروك دروين، الذي كان يقف أمام المكتب . وكذلك وينستر و هوارد و ديان .

" الآنسة أصبحت الآن ملكًا لڤيكاندر تمامًا ! لقد انتصر الدوق الأكبر بالفعل ! هذا الانتقام المثالي … "

كان من تلفظ بتلك الكلمات فارسًا مبتدئًا من الفرقة الرابعة للفرسان . لم يتمكنوا من إفساد جو المأدبة، فصبروا بصعوبة، وعندما استدعوا بروك للسؤال عن ذلك، كانت إجابته صادمة .

" … سمعت أخبار قدوم الآنسة أثناء وجودي على الحدود، اعتقدنا بالطبع أن سموك قد انتقمت بالكامل من الإمبراطور لأخذ الدوقة الكبرى السابقة ظلمًا، أنا آسف يا سموك "

عندما سمع هوارد ذلك، شعر وكأن رأسه قد تلقى ضربة .

قليلون من الفرسان الشباب كانوا يعرفون قصة الدوقة الكبرى السابقة. ويا لسوء الحظ أن بروك، أحدهم، فكر هكذا .

كانوا يخشون فقط أن يعارض الفرسان بشدة قدوم الأميرة مادلين. لم يتوقعوا أبدًا أن يربطوا قدوم الآنسة بقصة الدوقة الكبرى السابقة و يعتبروه انتقامًا من العائلة الإمبراطورية .

لا عجب … كان يجب أن يعلموا منذ أن أظهر لها إعجابه بابتسامة واسعة بمجرد وصوله .

استمر الوضع في التوتر لدرجة أنهم لم يستطيعوا رفع رؤوسهم، ثم طرق أحدهم الباب، و دخلت بيثاني.

" الآنسة قد نامت بعمق "

عند سماع ذلك، تراجعت حدة نظرة إدوين . عندما خفت الضغوط التي كانت تثقل كاهل الجميع في غرفة الاستقبال، انبعث صوت خفيض .

" … تأكد من التزامهم الصمت "

" … نعم يا سموك."

عرف بروك دروين جيدًا أن هذه الكلمات القليلة لم تكن سهلة أبدًا . يعرف مدى صعوبة احتواء الشائعات التي انتشرت كأنها ريشة طارت ولا يمكن التقاطها، لكن خيار بروك الوحيد الآن هو واحد … منع الفرسان من إيصال أي شائعات إلى الآنسة .

خرج بروك من غرفة الاستقبال بوجه صارم، فقد كانت المسألة عاجلة .

بعد إغلاق الباب، أومأ الدوق الأكبر برأسه بوجه متعب .

بوجه يدعو إلى الإبلاغ، قدم وينستر الدعوة التي أحضرها وقال : " إنها دعوة لمأدبة الصيف."

" ألا يجب ألا يدخل أي شيء يتعلق بالعائلة الإمبراطورية إلى هذه القلعة ؟ "

" حسنًا … يقولون إنهم سيدعون وفد هڤرتي إلى مأدبة الصيف "

" … لقد استخدموا عقولهم جيدًا "

تمتم إدوين بخفوت و ألقى الدعوة على المكتب. نظر هوارد إلى الدعوة التي أدت غرضها الآن، وفكر بنفس الشيء .

دعوة وفد هڤرتي إلى مأدبة الصيف !

كان الدوق الأكبر قد أكد في اجتماع النبلاء أن "مفاوضات هڤرتي ستكون أول عمل رسمي" له.

في هذه الحالة، إذا لم يحضر المأدبة، فمن الواضح أن مسؤولي البلاط الإمبراطوري سيضخمون غيابه و يتحدثون عنه .

" ماذا ستفعل ؟ "

" سأذهب."

اتسعت عينا الجميع في غرفة الاستقبال، وليس هوارد فقط. ضحك إدوين، الذي أجاب بهدوء .

" لماذا أنتم متفاجئون هكذا ؟ "

اختفى الجو البارد الذي كان يلف غرفة الاستقبال تمامًا، و تمتم وينستر، مرتبكًا .

" هـ، هذا لأننا اعتقدنا أنك لن تذهب إلى العاصمة."

" هذا هو أول عمل رسمي لي، بالطبع يجب أن أذهب."

" متى بدأت تهتم بالعمل الرسمي هكذا يا سموك ؟ "

تمتمت بيثاني بدهشة. عند سماع كلماتها، ارتخت عينا إدوين بخفة .

" حسنًا، إنه بسبب ضريبة المعادن الثمينة "

أمالت بيثاني و ديان رأسيهما في حيرة. وينستر وحده هو من فهم هذه الكلمات .

متجاهلاً الوجوه المليئة بالفضول، أشار إدوين إلى الشيء الذي كان وينستر يحمله بعناية . كان مظروفًا للبريد يحمله منذ فترة .

" ولكن، ما هذا ؟ "

" آه، هذه رسالة للآنسة."

" لأوليڤيا ؟ "

" هذه دعوة لمأدبة القصر الصيفي، و …… "

توقفت كلمات وينستر فجأة .

" ماذا ؟ "

طرح الدوق الأكبر سؤاله، لكن وينستر لم يقل شيئًا آخر. لم تكن رسائل الدوق مشكلة، لكن الرسالة من 'ليڤ جرين' كانت مختلفة .

سر الآنسة بأنها 'ليڤ جرين' لا يجب أن ينكشف هنا. كان هذا سرًا خاصًا لا يعرفه إلا الدوق الأكبر و سوبل و هوارد وهو فقط .

" … حقًا ؟ هل الآنسة هي 'ليڤ جرين' حقًا ؟ "

" اهدأ يا وينستر، الدوق الأكبر قال إنه سر، كيف عرفت ذلك ؟ "

هذا بعد أن نسي هوارد تمامًا كيف كان يمسك رأسه في حيرة بسبب معرفته بالسر من تلقاء نفسه .

رفع وينستر رأسه بفخر و سلم المظروف لبيثاني.

" بيثاني، من فضلك سلميها للآنسة."

أخذت بيثاني المظروف، و نظرت إلى الدوق الأكبر بعينين قلقتين .

" لا أعرف شيئًا آخر، لكن ماذا لو قررت الآنسة الذهاب إلى المأدبة ؟ "

لم تكن بيثاني مستعدة لإرسال الآنسة إلى تلك العاصمة الصعبة بعد . لم تعد أميرتها التي ذهبت إلى القصر الإمبراطوري إلى هنا مجددًا، لكن الدوق الأكبر ضحك بتهكم دون أن يجيب . عندها فقط أدركت بيثاني أنها كانت تقلق دون داعٍ .

إدوين لوڤيل ڤيكاندر .

الدوق الأكبر الذي أمامها لم يكن ليسمح لتلك الحادثة أن تتكرر أبدًا مهما حدث، بل سيمارس ضغطًا قويًا على العائلة الإمبراطورية .

* * * * * * * * * * * * * * * * * *

في صباح مشرق، كانت أوليڤيا تسير في الردهة وهي تمسك بطرف فستانها . خطاها التي كانت دائمًا خفيفة، بدت الآن وكأنها تركض .

صرخت بيثاني التي كانت تتبعها بدهشة : " يا آنستي ! "

كان رأس أوليڤيا لا يزال يؤلمها بشدة من آثار الكحول، و معصمها يؤلمها من حمل أكثر من مائة سيف للقسم، لكنها لم تستطع التوقف عن السير .

كان السبب هو الرسائل التي رأتها فور استيقاظها .

" وصلت رسالة من دوقية مادلين، أحضرها وينستر بالأمس "

كان هناك مظروف من دوقية مادلين. بداخله رسالتان من إيسيلا و سالي، بالإضافة إلى دعوة فاخرة، و مظروف آخر .

ما هذا ؟

انتابها الفضول، لكن أوليڤيا قرأت رسالتي إيسيلا و سالي أولاً. أغلقت فمها عندما غمرها شعور غريب بالسعادة عند رؤية الخطوط المألوفة، ثم اتسعت عينا أوليڤيا عندما رأت العبارة المكتوبة في نهاية رسالة سالي :

— يسعدني أن أرسل لك الرسالة التي لطالما انتظرتها .

فتحت أوليڤيا المظروف الصغير و تحققت من مرسل الرسالة بداخله، ثم حبست أنفاسها .

رسائل من 'فارس مجهول'. ثماني رسائل !

كانت أوليڤيا لا تدري ماذا تفعل من فرط السعادة، وبعد أن قرأت رسالة واحدة، خرجت فوراً إلى الخارج .

— إذا كان ذلك مناسبًا لكِ، أود مقابلتك بعد ظهر الأربعاء القادم في شارع ليهرن .

لم تستطع معرفة ما إذا كان هذا الفارس المجهول من فرسان البلاط الإمبراطوري أو من فرسان ڤيكاندر، لكن مجرد وصول الرسائل أسعدها .

— الصورة التوضيحية : هـنـا .

أرادت أوليڤيا أن تشارك هذه السعادة مع أحدهم، ولم يأتي في بالها سوى إدوين، لكن عندما وجدته، كان عليها أن تلتزم الصمت للحظة أمام كلامه المتتابع .

" لديّ ما أفعله في العاصمة، هناك مأدبة الصيف، و سيحضر وفد من هڤرتي أيضًا "

مأدبة الصيف . بمجرد سماع هذه الكلمات، تذكرت أوليڤيا دعوة القصر الإمبراطوري التي لم تقرأها بعد .

تذكرت أن مأدبة الصيف الذي كانت تستعد له كل عام كان في هذا الوقت .

" لقد وصلتك دعوة أيضًا يا أوليڤيا، بالطبع، الحضور هو اختيارك، ماذا تريدين أن تفعلي ؟ "

اختيار ……

تمتمت أوليڤيا بالكلمة بهدوء. بعد أن مُنحت مهلة عام واحد، لم يكن لديها أي نية للذهاب إلى العاصمة خلال تلك السنة .

لم ترغب في رؤية أي شخص هناك، لكن ……

" … أنا أيضًا "

كان يجب أن تفكر أولاً. كان يجب أن تفكر في الأمور العملية . عندما امتلأ رأسها بفكرة أن إدوين سيذهب إلى العاصمة بمفرده، بالإضافة إلى رسالة الفارس المجهول، توصلت أوليڤيا إلى استنتاج دون وعي منها .

" أنا أيضًا، سأذهب إلى العاصمة "

ابتسم إدوين بخفة و أومأ برأسه أمام كلماتها الحازمة، وكأنه كان يعلم أنها ستفعل ذلك .

* * * * * * * * * * * * * * * * * *

في حديقة قصر الأميرة، حيث تفتحت أزهار الصيف الجديدة بعد أن ذبلت الورود المشرقة .

كانت حفلة الشاي، التي تقام سنويًا تحت ستار "التحضير لمأدبة الأميرة الصيفية"، تقام تحت مظلة توفر الظل، لكن الحضور كانوا صامتين لدرجة أنها لا تليق بحفلة شاي، وكل منهم كان يراقب الآخر بصمت. كسرت الأميرة هذا الصمت المزعج .

" … أيتها الأميرة الصغيرة، ماذا قلتِ للتو ؟ "

شدّت الأميرة شفتيها بقوة، و نظرت إلى إيسيلا مادلين التي كانت تجلس على يمينها .

اتسعت عينا إيسيلا وقالت ببراءة : " ماذا قلت ؟ "

صحيح، مهما كانت لا تدرك الأمور، فمن غير المرجح أن تقول الأميرة الصغيرة شيئًا كهذا لها …

تجهم وجه الأميرة، التي كانت ترفع زاوية فمها بشعور خفيف بالابتهاج، قليلاً عند سماع كلمات إيسيلا التالية .

" آه، هل أنتِ منزعجة لأنني قلت أن مفهوم هذه المأدبة يبدو وكأنه شيء رأيته من قبل ؟ "

في تلك اللحظة، لمعت عينا الأميرة بحدة، و ابتسمت إيسيلا بهدوء . وبفضل ذلك، لم يعرف أحد مدى السم العميق الذي يكمن تحت عينيها الهادئتين بلون الجمشت .

****************************

1 تعليقات

إرسال تعليق
أحدث أقدم

اعلان