نظرت إليها أعين لا حصر لها، و امتزج الشك و الدهشة في نظراتهم .
أخفت الأميرة دوارها، ثم تظاهرت بابتسامة حزينة .
بماذا يجب أن تبرر الموقف ؟ كان عقلها فارغًا، ولم يتبادر إلى ذهنها أي فكرة .
لو قالت أنها علمت بالأمر، لكان ذلك يعني أنها وافقت على خطوبة ماريا إثيل السخيفة، ولو قالت أنها لم تعلم، لكان ذلك يعني فقدان سيطرتها على مأدبة الصيف .
أيًا كان اختيارها، فسوف يترك وصمة عار على سمعتها المثالية .
كان عليها أن تجد تلك الحمقاء ماريا إثيل و تحبسها في مكان ما منذ وقت طويل . شدت على أسنانها من الغضب، و اجتاحها ندم شديد، لكنها لم تستطع إظهار أي علامة على ذلك أمام النبلاء .
كان على الأميرة أن تختار الخيار الأقل سوءًا .
" أرادت الآنسة إثيل أن تدعم أخي بطريقة ما … لكن مهما توسلت بشدة، كان عليّ أن أتحقق بدقة، لقد سببت الإزعاج للجميع "
آه . حينها فقط، ظهر تعبير التفهم على وجوه النبلاء المحيطين بالأميرة. كانت الآنسة إثيل، التي كانت دائمًا تحسد إنجازات الأميرة مادلين، قادرة تمامًا على فعل ذلك .
كانت قصة من شأنها أن تبدو صادقة للنبلاء في الإمبراطورية الذين كانوا يعرفون الوضع . وعلى الرغم من أنها كانت قلقة بشأن مأدبة الغد، إلا أنه إذا تجاوزت اليوم، فسيكون كل شيء على ما يرام .
إذا أقنعت الإمبراطورة، أوليڤيا مادلين. بدلاً من هذه المأدبة المتهالكة، ستُقام مأدبة راقية .
" تحياتي لسمو أميرة الإمبراطورية."
في تلك اللحظة .
" شكرًا لكم على دعوتي إلى هذه المأدبة الرائعة، أنا الدوق كيوال، ممثل الوفد من هڤرتي."
قام رجل وسيم يرتدي نظارة أحادية بإلقاء التحية على الأميرة. خلف الرجل الذي قدم نفسه على أنه الدوق كيوال، تبعه الدوق الشاب مادلين .
" بما أنني قادم من هڤرتي، لم أستطع فهم القصة جيدًا، إن لم يكن هذا وقاحة، هل يمكنني أن أسأل ما علاقة دعم سمو ولي العهد بالآنسة التي غادرت للتو ؟ "
صمتت الأميرة للحظة، و بدا جميع النبلاء محرجين . بسبب حادثة اليوم، سوف يُطرد الماركيز إثيل من العائلة الإمبراطورية تقريبًا .
وفي خضم ذلك، لم تكن هناك حاجة للكشف للعالم أن ماريا و ولي العهد كانا عاشقين، لكن الإساءة إلى دولة أخرى قد بدأت بالفعل في المأدبة، لذا قدمت الأميرة عذرًا مناسبًا .
" … إنه لأمر طبيعي تمامًا أن يرغب المرء، كنبيل في قلب الإمبراطورية، في دعم سمو ولي العهد "
" شكرًا لك على شرحكِ يا سمو الأميرة، لقد انتشرت الشائعات في هڤرتي بأن سمو الأميرة تشرف على جميع جوانب مأدبة الصيف ببراعة، و يبدو أن الآنسة التي غادرت للتو كانت من المقربين الذين تثقين بهم كثيرًا."
مقربة … ! أمال نبلاء الإمبراطورية رؤوسهم للحظة عند سماع تلك الكلمة. كان هناك اختلاف كبير عن الشائعات المنتشرة بين النبلاء .
" ألم تكن سمو الأميرة تكره ماريا إثيل ؟ "
" صحيح، لم تُشارك حتى الفضل في المأدبة مع السيدة ليبرون التي تحبها كثيرًا، فكيف أصبحا مقربين بهذا الشكل ؟ "
" آه، لا أعرف السيدة ليبرون، ولكن من يكون ذلك الشخص ؟ عندما ذهبت سموها فجأة لحل مشكلة مقاطعة ريتايل في ربيع العام الماضي، خلال مأدبة الصيف، سمعت أن شخصًا ما تولى فحص المأدبة في ذلك الوقت "
" آه، صحيح، إنها الأميرة مادلين."
عندما نقر أحدهم أصابعه و أجاب بلا مبالاة، شحب وجه الأميرة. تخللت الهمهمات البسيطة كلمات مفتاحية يمكن من خلالها الكشف عن الحقيقة .
نظرت الأميرة حولها بسرعة. كان يجب أن تختفي هذه الثرثرة تمامًا . كانت السيدة ليبرون، التي كانت تنظر إليها ببعض الاستياء، يمكن تهدئتها في أي وقت .
الأمر العاجل الآن هو قصة أوليڤيا مادلين، تلك النصفية، التي ظهرت فجأة . لو لم تكن تلك الوضيعة موجودة، لكان بإمكاني تغيير مسار القصة في أي وقت ……
توقفت أفكار الأميرة التي كانت تهدئ نفسها فجأة. لم تكن أوليڤيا مادلين بعيدة، بل كانت تجلس على أريكة مريحة وكأنها تشاهد أوبرا، و تنظر إليها مع الدوق الأكبر .
كانت هناك سخرية واضحة في عينيها الخضراوين اللامباليتين وكأنهما تخترقانها . حتى الآن، لم تتعرض أبدًا لمثل هذه السخرية من أي شخص .
اهتز قلب الأميرة على الفور . الخوف و الرعب من السمعة. اهتز أساس كل ما تقوم عليه الأميرة من جذوره. إذا تدخلت أوليڤيا هنا، لكانت النهاية بالنسبة لها .
ارتجفت أطراف أصابعها. فقدت الأميرة سيطرتها على نفسها، و حاولت يائسة ألا تترك لأوليڤيا أي فرصة للتدخل، لذلك، أجابت بلا مبالاة :
" صداقة ؟ هذا مستحيل، فقط، كما يعلم الجميع، الآنسة إثيل كانت تريد دائمًا الوقوف بجانب أخي رسميًا، لذلك …… "
" سمو الأميرة "
ظهرت البارونة روهاس، مربيتها . فزعت الأميرة من الإلحاح في الصوت المنخفض و نظرت حولها، لكن الأوان كان قد فات .
" آه، إذن أنتِ تقولين أنها لم تكن مجرد آنسة 'مريضة' "
قال الدوق كيوال، الذي حول كلمات الأميرة ببراعة، و أومأ برأسه. نظر نبلاء الإمبراطورية إلى الأميرة بوجوه حائرة .
كيف للأميرة التي كانت دائمًا مثالية أن تكشف عيوب ولي العهد ؟ ما هذا الذي يحدث .
على الفور، واجهت الأميرة الدوق كيوال بوجه شاحب تمامًا وكأن كل الدماء قد سُحبت منه .
أتمنى ألا يكون قد فهم ما كنت أقصده … قبل أن يزدهر الأمل بشدة، انحنى الدوق كيوال باحترام .
" بسبب انشغالنا بإعادة الإعمار بعد الحرب، تأخرت جميع الأخبار في هڤرتي، يؤسفني أنني كنت أسمع فقط أن خطيبة ولي العهد هي الأميرة مادلين "
لقد كانت ضربة قاضية. لقد تم تأكيد ما كان معروفًا علنًا، ولكن لم يؤكده أحد، وكأن الأميرة أكدته بفمها . أغلقت الأميرة فمها بإحكام وكأنه قد طُلي بالغراء .
نظرت إلى الدوق الشاب مادلين خلف الدوق كيوال، لكن الدوق الشاب، الذي كان دائمًا كفئًا، لم ينبس ببنت شفة .
خيم جو ثقيل، ولم يكن هناك ما يمكن أن يحل هذا الموقف .
" آه، يبدو أنني قد أخطأت قراءة الجو مرة أخرى."
ابتسم الدوق كيوال بغباء. كما فعل عندما تحدث إلى الأميرة للمرة الأولى. نظرت إليه الأميرة في ذهول ثم ابتسمت ابتسامة خفيفة بعد فترة طويلة .
" … سأخرج قليلاً، أحتاج إلى بعض الهواء النقي "
استدارت الأميرة ببطء. عندما ابتعدت خطواتها الأنيقة، أدرك النبلاء لأول مرة منذ بدء مأدبة الصيف أنه لا يوجد أي فرد من العائلة الإمبراطورية في قاعة المأدبة .
الآن، كان الدوق الأكبر، وهو الأسمى منزلة في هذا المكان، يبتسم بارتياح بينما يرافق آنسته .
" يبدو أن الأمر قد انتهى، فهل نعود الآن ؟ "
* * * * * * * * * * * * * * * * * *
داعب نسيم الليل البارد وجنتيها . أطلقت الأميرة أنفاسًا غاضبة من بين أسنانها. لمعت عيناها الزرقاوان القاتمتان بشكل مخيف .
" ذلك الوغد الدوق هڤرتي، كان يعرف كل شيء، ومع ذلك …… ! "
" سمو الأميرة ! "
فزعت البارونة روهاس من كلماتها القاسية و تلفتت حولها. لقد كانت مأدبة صيفية . كان وجهها يقول: "ماذا لو سمعها أحد المارة؟" لكن الأميرة لم تهتم بذلك .
" لماذا جاء وفد من دولة أخرى إلى هذه المأدبة خصيصًا … ! "
بينما كانت تفتخر دائمًا بحضور وفود من دول أخرى إلى مأدبة الصيف، أعربت الأميرة عن غضبها متجاهلة هذه الحقيقة تمامًا .
" ولماذا كانت أوليڤيا مادلين موجودة هناك تحديدًا … ! "
لو لم تلتقي عيناهما في تلك اللحظة، لكان الأمر أفضل. لماذا تحدث الدوق هڤرتي إليها في تلك اللحظة تحديدًا ؟ مهما نظرت إلى الأمر، كان من الواضح أن أوليڤيا مادلين قد استخدمت حيلة قذرة. وإلا، لما كانت تراقبها في تلك اللحظة تحديدًا .
ازداد صوت أنفاسها خشونة. ماريا إثيل، ثم الدوق هڤرتي، و أوليڤيا مادلين أيضًا .
" لا يمكن أن يستمر الأمر هكذا يا مربيتي، لن أتركهم وشأنهم أبدًا، لا أحد منهم."
" أحيي سمو الأميرة."
انتشرت تحية هادئة تحت سماء الليل. رمشت الأميرة المصدومة التي كانت غاضبة. فارس وسيم بشعر رمادي . عرفت الأميرة من يكون .
" … أنت فارس ڤيكاندر "
" سيدي لديه كلمة واحدة يريد من سمو الأميرة أن تعرفها "
تحدث الفارس مباشرة دون إذن. كان هذا أمرًا لا يمكن أن يحدث للأميرة التي حصلت على ولاء جميع الفرسان. استدارت الأميرة دون الاستماع إلى الفارس .
" كيف تجرؤ، دون إذن ! هل جميع فرسان ڤيكاندر بهذا القدر من الوقاحة ؟ "
" ستواجه سمو الأميرة ثلاث أزمات، ما حدث للتو كان الأزمة الأولى "
" … ماذا ؟ "
تجمد جسد الأميرة التي كانت على وشك التحرك فجأة كالثلج .
الأزمة الأولى ؟ ثلاث أزمات ؟ ما هذا الهراء ؟
خفق قلب الأميرة بشكل غير منتظم، و جف حلقها. هل يعقل أن كل هذا مؤامرة من تدبير الدوق الأكبر ؟
" ما هذا الهراء ؟! "
" هل ارتحتِ جيدًا في كاتانغا ؟ "
تصلب وجه الأميرة التي كانت تحاول السخرية، و هبت ريح باردة على طول عمودها الفقري .
" … كاتانغا ؟ كيف تجرؤ ! "
صرخت بصوت مرتعش و حاد. بينما شحب وجه البارونة روهاس خلفها بلون شعر الفارس الرمادي، لكن عيني الأميرة لم تبصر شيئًا .
" … هل تهددني، أنا الأميرة ؟ "
خرج صوتها خشنًا وكأنها تطحن الكلمات بين أسنانها. عندما واجهت عيناها اللامعتان الفارس، أجاب الفارس بوجه هادئ و ساكن كما كان منذ البداية .
" أنا فقط أنفذ أمر سيدي، حسنًا، هذا كل شيء "
بعد إيماءة خفيفة، سار الفارس بخطوات واسعة .
سأمزقك إربًا. هذا الفارس، و الدوق الأكبر ڤيكاندر الذي أصدر الأمر، و أوليڤيا مادلين التي تختبئ خلفه و تراقبها، جميعهم .
* * * * * * * * * * * * * * * * * *
في إحدى غرف الاستقبال في قاعة المأدبة .
لم تستطع ماريا تصديق ما كان يحدث. أطراف فستانها الممزقة، و شحمة أذنها التي تؤلمها وكأنها ممزقة، لا، بعيدًا عن كل هذا …
" ما الذي كنت تفكرين فيه عندما فعلتِ هذا ! "
عيني ليوبارد بلون البحر، التي كانت ماريا تحبها كثيرًا، كانت تحدق بها. تجمد جسدها من الخوف، و مدت ماريا يدها نحو ليوبارد متوسلة .
" ليـ، ليوبارد "
كانت الدموع تتلألأ في عينيها الزرقاوين، لكن ليوبارد لم يمسك بيدها .
" أخبرتكِ يا ماريا إثيل، عليكِ أن تبذلي جهدًا لمدة عام واحد فقط، لكنكِ لم تستطيعي حتى إنجاز هذا العام بشكل صحيح و ارتكبتِ هذا الفعل ؟ هل أنتِ عاقلة أم لا ! وفوق كل ذلك، أمام وفود الدول الأجنبية ! "
الاستياء الذي انتشر في كل اتجاه طعن ماريا بلا رحمة. تمسكت ماريا بكرامتها التي تمزقت بشكل بائس، و شدت على أسنانها .
" أنا حبيبتك، لماذا أنا خطيبة لمدة عام واحد فقط ؟ "
" … ماذا ؟ "
أصبحت رؤية ماريا ضبابية. اجتاحتها موجة من الأسى و اليأس الذي كانت تكبته، كموجة عاتية .
تلاشت خيبة الأمل من الوضع، و موقف حبيبها الذي كان يعاملها بفظاظة، و الخزي من تعرضها للإهانة أمام جميع النبلاء. في النهاية، نطقت ماريا بالكلمة التي كرهتها أكثر من الموت .
" لماذا تعاملني كـ … عشيقة ! "
" فقط، بسبب شيء كهذا ! آه …… "
لكن غضبًا أكبر قطع كلام ماريا. شعرت ماريا بالدوار، و تسارعت أنفاسها، و شعرت أن كل شيء غريب كالحلم .
فقط، فقط ؟ كررتها عدة مرات، لكن لم يتغير شيء. وبشكل غريب، جفت عيناها على الفور. وفي غضون ذلك، رأت ليوبارد ينظر من النافذة عبر رؤيتها الواضحة .
" … لنتحدث لاحقًا."
غادر ليوبارد غرفة الاستقبال دون أن تتمكن من إيقافه، و ظهر الفرسان الذين كانوا يحرسون المكان بحزم لفترة وجيزة، ثم ……
— أُغلق الباب .
كانت التوقعات السيئة دائمًا صحيحة . استخدمت ماريا قوة ساقيها المترنحة لتنهض، ثم اقتربت من المكان الذي وقف فيه ليوبارد و نظرت إلى الخارج، ثم ……
" هاهاهاها "
انفجرت ماريا بالضحك. هذا، ربما ليس واقعًا. هزت ماريا رأسها كشخص فقد عقله. بدأ الجزء السفلي من عينيها الزرقاوين اللتان بلا تركيز يتحول إلى اللون الأحمر .
* * * * * * * * * * * * * * * * * *
" كيف كان ؟ هل كان جيدًا ؟ "
تألقت عينا إدوين الحمراوان المليئتان بالتوقع نحو أوليڤيا. تحت سماء الليل الحالكة، توقفت أوليڤيا للحظة .
" بصراحة، نعم."
" هاهاها "
ضحك إدوين بخفوت، و هزت أوليڤيا كتفيها. لقد كان وقتًا ممتعًا للغاية. أن ترى بنفسها سمعة الأميرة التي كانت دائمًا محبوبة تهتز .
كان شعورًا غريبًا. في الماضي، كانت هي من تهتز سمعتها دائمًا. أن تراقب ظهر ليوبارد و تُغرقها شائعات المجتمع، و تتلقى أسئلة حادة .
كان أمرًا غريبًا .
وضعها الذي كان طبيعيًا جدًا في ڤيكاندر، كان غريبًا للغاية في مأدبة العاصمة اليوم. كانت أوليڤيا اليوم في المكان الذي كانت أوليڤيا مادلين في الماضي تتمنى أن تكون فيه .
تتلقى الحب و الحماية، و تراقب معاناة شخص آخر وكأنها لا تعنيها .
ما هي الخطوة التالية ؟
" أوليڤيا ! "
فجأة، سمعت صوت ولي العهد ينادي اسمها بقلق. رفعت أوليڤيا رأسها دون أن تُدرك .
تحت سماء الليل التي يغمرها ضوء القمر، كان ولي العهد يركض نحوها. وكان يُظهر تعابير لم تره من قبل .
هل كان سحر ضوء القمر ؟ أم أن وضعها قد تغير حقًا ؟
بدا أن ولي العهد كان يركض خلفها .
— الصورة التوضيحية : هـنـا .
اقترب ولي العهد و عض شفتيه للحظة. نظرت أوليڤيا إلى عينيه بلون البحر المتلألئتين وكأنه يريد أن يقول شيئًا، و ابتسمت ابتسامة فارغة، ثم تحدثت إليه أولاً .
" تهانينا على خطوبتك، يا سمو ولي العهد "
****************************
شكرا على الفصل ^o^
ردحذف