الفصل ٩٠ : ‏Do Your Best to Regret

{ خطوبة القرن (3) }


عندما فُتح باب قاعة المأدبة على أنغامٍ موسيقية راقية، آمنت ماريا أن عالمها قد تغير أخيرًا اليوم.

كل شيء كان مثاليًا . بتلات الزهور المتناثرة عليها، الأضواء المتلألئة، و فستان الخطوبة البراق المرشوش بمسحوق الألماس، و جميع المجوهرات التي ستجعلها تتألق .

وحتى النظرات التي كانت تتبعها مع كل خطوة .

أرادت أن تُظهر بوضوح أن في هذا المكان النبيل، حيث تأتي حتى الوفود الأجنبية، الشخص الذي يستحق التقدير ليس مجرد وضيعة ذات دم مختلط، بل ماريا إثيل النبيلة .

خاصة لأوليڤيا مادلين، التي كانت تراقبها من مكان ما في القاعة بوجه متجهم .

متعة قوية و مبهجة اخترقت ماريا من أخمص قدميها إلى رأسها. كاد قلبها أن ينفجر من شدة الفرح . عندما انعكس ضوء الشمس خلف ليوبارد الذي كان يركض نحوها من أسفل الدرج، وكأنه قد وجدها . لم تستطع ماريا إلا أن تبتسم بإشراق .

أكثر من يتألق في هذا المكان هو ليوبارد الذي يصعد الآن، وهي من ستمسك بيده .

لكن ……

" أولـ … ـيڤيا "

الاسم الذي دوى في القاعة الهادئة لم يكن اسمها . المستقبل الوردي الذي كان يطفو فوق الغيوم سقط فجأة. رمشت ماريا بهدوء و نظرت إلى ليوبارد .

كان يجب أن يمسك بيدها و يبتسم بلطف، لكن ليوبارد أدار ظهره لها، وكانت عيناه تركزان على مكان واحد في القاعة بوجه لم ترَه عليه من قبل، وهناك ……

كانت أوليڤيا مادلين.

كانت أوليڤيا مادلين تبتسم وكأنها تملك كل شيء، و الدوق الأكبر بجانبها .

هذا، لا يمكن أن يكون صحيحًا. سيطر شعور غريب مألوف على ماريا، و دون أن تعرف حتى طبيعة الشعور المألوف، صرخت ماريا بيأس نحو ليوبارد :

" … ماذا تفعل يا ليوبارد ؟ أنا هنا … ! "

ارتجف صوت ماريا. لطالما كان ليوبارد يلتفت إليها عندما تبكي هكذا، لكن عيناه الحنونتين، اللتين كان يجب أن تتجها إليها، ظلتا ثابتتين وكأنهما مسمرتان في مكان واحد .

اجتاحتها موجة من الخوف لا يمكن السيطرة عليها. بينما كانت تتخلص من الهمسات التي كانت تسمعها في أعماق قلبها، أمسكت ماريا بذراع ليوبارد بقوة .

شعرت وكأنها ستموت إذا تركت هذه الذراع .

" أنا هنا ! أنا ماريا خاصتك ! "

ماريا خاصتك .

تردد صدى صوتها الغاضب في قاعة المادبة عالية السقف .

" أنا هنا …… "

إلى أين تنظر يا ليوبارد ؟

" توقفي ! "

عندما سمعت صيحة الإمبراطور القوية، فُزعت ماريا و أغلقت فمها. عندها فقط، رأت كل شيء بوضوح أمام عينيها اللتين كانت قد غشيهما السواد .

ظهر حبيبها الذي كان حنونًا، والذي لم يعد ينظر إليها. أوليڤيا مادلين، التي كانت في الاتجاه الذي كان ينظر إليه، و الوفود الأجنبية و النبلاء الذين كانوا يراقبون الموقف باهتمام .

الأميرة التي كانت تحدق بها وكأنها ستمزقها إربًا، و الإمبراطورة التي كانت بجانبها .

عندما رأت الإمبراطورة تنظر إليها بعينين باردتين، شعرت ماريا فجأة وكأنه سكب عليها ماء بارد و استفاقت، و بدأت تسمع همسات النبلاء التي لم تكن تسمعها من قبل .

" ماذا يحدث هنا ؟ هل ولي العهد نادى الأميرة مادلين حقًا ؟ "

" في حفل خطوبته مع الآنسة إثيل ؟ لا، هل هذا حفل خطوبة حقًا ؟ قالوا أنه عرض احتفالي للوفود."

" إنه مشهد يستحق المشاهدة، أن يحدث شيء كهذا بوجود وفود أجنبية، هل الآنسة إثيل فعلت هذا بمفردها ؟ "

" مستحيل، الأميرة تراقب المأدبة بدقة شديدة."

" إذن هل يعني هذا أن الأميرة وافقت على هذا ؟ "

لم تستطع الفهم، لقد قال الدوق إلكين بوضوح أنه سيُجهّز كل شيء .

تفحصت ماريا القاعة بسرعة بوجهها الشاحب . الآن، الوحيد الذي يمكن أن يدعمها هو الدوق إلكين.

وبعيدًا، عندما رأت وجه الدوق إلكين، صرخت ماريا بصوت يائس دون وعي : " هناك شيء خاطئ يا جلالتك ! هذا ما قاله الدوق إلكين أيضًا، لا بل جلالة الإمبراطورة، أوه ! "

فجأة، ضغطت يد كبيرة على كتف ماريا . أصيبت ماريا بالرعب من القوة الشديدة لدرجة أنها لم تستطع التنفس .

ليوبارد … لو رأى ليوبارد هذا، فلن يسكت .

" … لن أتسامح معك بعد الآن، يا آنسة إثيل."

اتسعت عينا ماريا، و ارتجفت رموشها الطويلة. الهمس الذي وصل إلى أذنيها كان بالتأكيد صوت ليوبارد.

سمعت صوت الإمبراطور البعيد بخفوت : " حالة الآنسة ليست جيدة، أخرجوها بسرعة "

ماذا يحدث الآن ؟ هل هذا حلم ؟

كان ظهر ليوبارد وهو يستدير باردًا. على الرغم من أن يده قد تركت كتفها، إلا أنها شعرت وكأن هناك وزنًا ثقيلاً ما زال باقيًا .

" سوف نعتني بكِ يا آنسة."

في هذه الأثناء، أحاط الفرسان و الوصيفات الذين أسرعوا بالحضور بماريا. وعلى عكس كلماتهم المهذبة، غطوا فم ماريا ثم أمسكوا ذراعيها بلا مبالاة وكأنهم يعتقلونها .

نظرت ماريا إلى قاعة المأدبة بصعوبة من بين الفرسان. كان على أي شخص أن يدرك هذا الموقف بشكل صحيح، لكن جميع النظرات التي كانت تعتبرها رهبة، كانت تسخر منها .

" حقًا، لماذا تطمع في ولي عهد لديه خطيبة بالفعل ؟ "

" ربما لم تعرف الآنسة إثيل أن قلب ولي العهد قد مال هكذا."

" آه يا إلهي، لو كنت مكانها، لكنت قد لاحظت ذلك بالأمس، بسبب اللقب الودي ! "

وكأنها غارقة في الماء، أصبح كل العالم صامتًا و بطيئًا. الكلمات المتهامسة حكمت على موقف ماريا بتهور .

في اللحظة التي رأت فيها طرف الفستان الثمين للغاية يسحب على الأرض بشكل سيء، خطر في ذهنها مصدر شعورها بالريبة .

" في ظل حمايتي و مودتي، ستظلين جميلة، أليس كذلك ؟ "

العيون الزرقاء التي كانت تنظر إليها ببرود، و صوت حبيبها اللطيف الذي كان يطلب إجابة محددة مسبقًا، وكأن الأمر انتهى عند هذا الحد .

" … هذا مستحيل "

وحتى الإجابة القوية التي قالها وكأنه يرفض افتراض أن الأميرة مادلين قد لا تعود .

لا، لا، هذا مستحيل .

كانت في حيرة، ولم تستطع التصديق. بينما كانت ترمش بعينيها و تهز رأسها، رأت ماريا إثيل فجأة امرأة بعينين خضراوين .

أوليڤيا مادلين .

لماذا تنظرين إليّ بهذا التعبير ؟

اتسعت عينا ماريا اللتان تجمدتا كالثلج، ثم …

— بـوم !

أغلق باب قاعة المأدبة. عندما لامست الرياح الباردة في الردهة خدها، أطلقت ماريا ضحكة يائسة .

كان كل شيء .

في حالة فوضى عارمة .

* * * * * * * * * * * * * * * * * *

" ماريا ! "

صرخ الماركيز إثيل بقلبٍ يحترق. لم يستطع حتى رؤية ابنته التي تُجرّ بعيدًا، محاطةً بالفرسان، و بالنبلاء الذين وقفوا كالجدار .

" إنها جشعةٌ جدًا "

" ولي العهد لا ينظر إليها حتى "

همست الأصوات باللوم و التقليل من شأن ابنته. كان هذا أمرًا لا يمكن أن يحدث أبدًا. ابنته الصغرى الثمينة، لم تكن طفلة تستحق سماع مثل هذه الكلمات .

الشخص الوحيد الذي يمكنه حل هذا الموقف هو شخص واحد فقط. توسل الماركيز إثيل بصوت مرتجف إلى الدوق إلكين : " أيها الدوق، هل يمكن أن تفعل شيئًا …… "

" ماذا يمكنني أن أفعل ؟ "

كان صوته هادئًا. نظر الماركيز إلى الدوق إلكين بوجه مذهول .

" ماذا ؟ "

حتى الأمس، كان الدوق يسأل ابنته ما إذا كانت الاستعدادات تسير على ما يرام، ولكن الآن، بدا وكأنه لا يهتم !

" أيها الدوق، حتى الأمس …… ! "

" صحيح، قبل أن ينادي ولي العهد الأميرة مادلين بلقب ودي "

تجهم وجه الماركيز، و رفع الدوق إلكين زاوية فمه بشكل رفيع .

كيف يمكن للأب و الابنة أن يكونا بهذا الغباء ؟ أن يواصلوا الخطة حتى بعد رؤية وجه ولي العهد وهو ينادي الأميرة مادلين بالأمس .

هز الدوق إلكين رأسه، لقد أعد كلا الاتجاهين .

لو سارت الأمور جيدًا مع الآنسة إثيل، لكان قد سار في ذلك الاتجاه، لكن الآن بعد أن أثارت الآنسة إثيل غضب الإمبراطور، كان هذا هو الوقت المناسب لتعديل العلاقات مع الوفود وكسب ثقة الإمبراطور و ولي العهد .

خاصة إذا كان الدوق مادلين على وشك أن يفقد مكانته لدى الإمبراطور بسبب عدم إحضاره للأميرة .

نظر الدوق إلكين إلى الأميرة مادلين الواقفة على بعد مسافة قصيرة .

كيف يمكن أن يكون وجهها بهذا التجرد من المشاعر على الرغم من تلقيها كل اهتمام ولي العهد ؟ بالإضافة إلى الدوق الأكبر الذي كان يتقدم لحمايتها .

كلما نظر إليها، كلما ازداد إعجابه بها .

" … وبالمناسبة، إذا نظرنا إلى الأمر، فأنا مثل حاكم لتلك الفتاة "

* تم تغيير الكلمة إلى حاكم .

تمتم الدوق إلكين بهدوء. بما أنه هو من أرسل المرأة لإعطاء الدوق مادلين تحذيرًا، فقد كان حاكم في ميلاد الأميرة .

من ناحية أخرى، كان الماركيز إثيل في حالة غير طبيعية. الشيء العاجل الآن هو ابنته الصغرى الثمينة التي جُرّت إلى الخارج .

" ماذا ؟ لا … أيها الدوق ! "

" لقد أنفقتُ الكثير من المال على الفستان، ستصل الفاتورة من التاجر قريبًا."

قال الدوق بنبرة هادئة. أحمر وجه الماركيز إثيل الشاحب، وكأنه فهم أخيرًا .

" كنت تعلم أن الوضع سيؤول إلى هذا، ومع ذلك تركت ابنتي … ! "

" يجب أن ترافقنا، أيها الماركيز إثيل "

تدخل صوت جاف فوق كلمات الماركيز إثيل. قال كبير الخدم الإمبراطوري، الذي اقترب سرًا بينما كان الانتباه منصبًا على ماريا إثيل، بهدوء .

ارتجفت شفتا الماركيز إثيل وكأنه أدرك أخيرًا وضعه المتغير، و تراجع الدوق إلكين خطوتين و همس : " إذن لماذا أصبحتَ جشعًا إلى هذا الحد يا ماركيز ؟ اذهب … لن أودعك "

* * * * * * * * * * * * * * * * * *

عُزفت مقطوعة الفالس الجديدة من قبل الأوركسترا بقيادة المايسترو، ولكن لم يرقص أحد .

المأدبة الصيفية التي كان من المتوقع أن تكون ممتعة، أصبح النبلاء يتبادلون النظرات الحذرة بينهم . نظرت أوليڤيا خلسة إلى الباب الذي خرج منه الإمبراطور و الإمبراطورة للتو .

" لقد حدث شيء غير سار في حضور وفود جاءت من مسافات بعيدة."

لم تكن أوليڤيا الوحيدة التي لاحظت ارتعاش شفاه الإمبراطور الذي كان يحاول الإبتسام .

" أتمنى أن ينسى الجميع ما حدث للتو و يستمتعوا بالمأدبة."

تبع ولي العهد الإمبراطور و الإمبراطورة و هرع خارج قاعة المأدبة. شعرت أوليڤيا بنظرات ليوبارد الذي كان يحدق بها حتى النهاية، لكنها لم تلتقي بعينيه. لم تكن ترغب في التفكير في صوته الذي ناداها باستهتار .

كان النبلاء، الذين كانوا يهمسون فقط في الجو المتجمد، يراقبون الفرصة بحذر و يتفحصون فريستهم ببطء. كان أكثر ما يثير اهتمامهم الآن هي أوليڤيا، التي نُودي باسمها، و الأميرة التي كانت بعيدة .

لو لم يكن هناك ثلاثة فرسان أمامها الآن، لكانت قد تعرضت للافتراس منذ زمن بعيد. كان النبلاء يُقيّمون العلاقة بين أوليڤيا و الأميرة .

رمشت أوليڤيا بعينيها. بشكل غريب، عادت إلى ذهنها عينا ماريا اللتان كانتا جميلتين كدمية و زرقاوين، و اللتان حدقتا بها للحظة قصيرة مع مشاعر غريبة .

" … هل أنتِ بخير يا أوليڤيا ؟ "

" ماذا ؟ "

" أعتقد أنني رأيت عرضًا ممتعًا، لكن أوليڤيا تبدو وكأنها مصدومة قليلاً "

ابتسمت أوليڤيا عند الكلمات التي أضيفت كدعابة، كان لصوت إدوين قوة غريبة . قوة غامضة تجعلها تنسى عيني ماريا إثيل، و الفستان الذي أرسله ولي العهد .

" ماذا يجب أن نفعل ؟ إذا كنتِ بخير يا أوليڤيا، أود أن أطلب رقصة، لكن يبدو أن العودة إلى القصر ستكون جيدة أيضًا."

الآن، اتضح أن إدوين ليس وحده من ينتظر قرار أوليڤيا، بل هوارد و وينستر أيضًا. هزت أوليڤيا رأسها وهي تنظر إلى وجوههم .

كان عليها أن تحمل ذكريات جيدة فقط إلى قصر الدوق الأكبر. كان عليها أن تتخلص من هذا الشعور بالضيق في قاعة المأدبة .

" سأكون بأمان تحت حماية فارسيّ الشهمين، فلماذا لا تذهب يا إدوين و تلقي التحية على الوفود ؟ "

كانت إجابتها مرحة. للحظة، ضاقت عينا إدوين بخبث وهو ينظر إلى أوليڤيا.

" همم، لا أرغب بالابتعاد عن أوليڤيا للحظة، إذن، ما رأيك في أن نراقب الموقف معًا ثم نعود ؟ "

" نراقب ؟ "

كانت كلمة غريبة. رفع إدوين زاوية فمه بإغراء و أمسك بيد أوليڤيا وسحبها . عندما اقتربا من الأميرة، توقفا في مكان كان قد أُعد خصيصًا، حيث كانت هناك أريكة مريحة و طاولة .

تصاعدت الموسيقى الرائعة تدريجيًا نحو ذروتها. ابتسم إدوين بابتسامة عريضة و همس بلطف : " هذا من أجل أوليڤيا الطيبة، التي لم تطلب حتى قطع رأس الأميرة "

قطع الرأس ؟ ارتعشت أوليڤيا، و تذكرت فجأة المحادثة التي دارت بينها وبين إدوين في المنجم .

بمجرد أن تذكرت كلماته بأنه سيقطع رأس الأميرة إذا أرادت، واصل إدوين حديثه : " لقد شعرتُ أنني أستطيع أن أريكِ موقفًا ممتعًا سيحدث بالصدفة "

" هل خططت لشيء ممتع ؟ "

" فقط، مقدمة خفيفة، ربما ؟ "

هز إدوين كتفيه وأشار نحو الأميرة .

" لكن كيف تجرأت الآنسة إثيل على إدراج شيء كهذا في مأدبة سموك ؟ "

انطلقت تساؤلات لطيفة من مجموعة النبلاء المحيطين بالأميرة .

" الجميع يعلم مدى دقة سموك في الإشراف على الحفلات."

" لا يمكن أن تكوني على علم بأن الآنسة إثيل ستفعل شيئًا كهذا."

بين النبرات النبيلة المتواصلة، برز وجه الأميرة الشاحب بوضوح، و ارتعشت عيناها الزرقاوان اللتان التقتا بعيني أوليڤيا برفق .

— الصورة التوضيحية : هـنـا .

آه، لهذا السبب طلب مني أن أراقب .

ابتسمت أوليڤيا ابتسامة خفيفة .

****************************

*

إرسال تعليق (0)
أحدث أقدم

اعلان