نظرت إيسيلا إلى الباب المغلق .
لم يكن هناك أي أثر للحركة خلف الباب السميك، ولكن بطريقة ما بدا أن كونراد لا يزال ينظر إلى غرفتي .
" آنستي، تعالي و تناولي الطعام بسرعة."
ناديتها فيرونيكا من الخلف، لكن إيسيلا هزت رأسها .
أشعر بالأسف على الطاهي، لكنني لم أستطع حتى إنهاء تلك السلطة الخفيفة و الحساء لشعوري بعدم الارتياح الشديد .
كلانا نعرف، لكنها قصة لا يمكن لأي منا التطرق إليها باستخفاف .
كيف انتهى بي الأمر في علاقة محرجة كهذه مع كونراد ؟
عائلتي، التي أحببتها أكثر من أي شيء، والتي كانت مثالية … لا، لنتجاهل كلمة "مثالية".
ابتلعت إيسيلا شعوراً مريراً و نظرت إلى الحائط . كانت الصورة المعلقة على جدار غرفتها، حيث لا يستطيع والدها و إخوتها الدخول، هي صورة عائلية أحضرتها من غرفة المعيشة .
الآن، رأت أن أختها في الصورة لم تكن تبتسم بسبب التوتر و الإحراج . ولأنها لم تستطع فعل الكثير لأجل أختها، أخرجت إيسيلا نفساً خفيفاً عن قصد و نظرت إلى فيرونيكا.
" فيرونيكا، أين توقفنا ؟ "
" حتى كيفية الإمساك بفنجان الشاي … لكنكِ يا آنستي تتقنين بالفعل جميع آداب المجتمع "
فيرونيكا، سيدة عائلة تابعة لدوقية مادلين، كانت، على عكس إيسيلا، معتادة تماماً على المجتمع الارستقراطي، لكن إيسيلا، التي لم تظهر في المجتمع من قبل، كانت قادرة بالفعل على إتقان الآداب التي أتقنتها فيرونيكا .
قالت فيرونيكا بتردد : " بدلاً من ذلك، يبدو أن الدوق الشاب يعلم أنكِ ستدخلين المجتمع الارستقراطي، هل ستشاركين حقاً في حفلات الشاي رسمياً من الآن فصاعداً ؟ "
ابتسمت إيسيلا بخفة و أشارت بعينيها إلى المكتب . كانت الرسائل المتراكمة على المكتب كلها دعوات لحفلات الشاي .
" بما أن أخي يعلم، يجب أن أذهب بثقة أكبر، ما تعلمته في الدروس قد يختلف عن الواقع، لذلك سأحاول حضور حفلات الشاي الخفيفة أولاً."
تذكرت إيسيلا بوضوح اليوم الذي التقت فيه بالأميرة . المحادثات الدقيقة التي دارت بينهما . الشعور بالاستبعاد للحظة، و ضحكاتها التي كانت تثير الأعصاب . وحتى الكلمات التي كانت تُلقى عليها بشكل عشوائي .
إذا كانت تتصرف معها هكذا، فكيف تصرفت مع أختها ؟ بمجرد التفكير في الأمر، بردت دمائها، فلوّت إيسيلا زاوية فمها .
" لقد قلتِ يا فيرونيكا أن المجتمع الارستقراطي يسير وفقاً لإرادة الملكة "
لتكون دقيقة، لقد قالت : " المجتمع الارستقراطي يسير كما تُحبّ السيدة التي تُسيطر على الجو ". لكن ما قالته إيسيلا لم يكن خاطئًا، لذا استمعت فيرونيكا بصمت .
رمشت إيسيلا ببطء، ثم رفعت زاوية فمها بتعالي .
" وبما أن والدتي كانت ملكة المجتمع الارستقراطي، فبالطبع يجب أن يكون المقعد التالي هو مكاني، كل شيء من حفل الشاي القادم إلى المأدبة "
كان إعلاناً وكأنها وُضعت للوراثة الطبيعية للمنصب .
كان عليّ مواجهة الأميرة التي أهانت أختي .
كان هذا كلامًا متعاليًا جداً لآنسة لم يتبقى على حفل ظهورها الأول سوى عام، لكن فيرونيكا أومأت برأسها وكأنها مسحورة .
" بالمناسبة، مأدبة الصيف في القصر الإمبراطوري سيقام قريبًا، هل ستقوم الأميرة بالتحضير له هذه المرة أيضاً ؟ "
ابتسمت إيسيلا بخفة على كلمات فيرونيكا . منذ عامين، كانت الأميرة هي مضيفة مأدبة الصيف . بعد أن أكملت حفل ظهورها الأول بنجاح، أصبحت الأميرة على الفور زهرة المجتمع الارستقراطي .
انتشرت مأدبة الصيف الأنيقة و المبهرة، التي أرضت حتى الأذواق الصارمة للسيدات النبيلات، كثرثرة في المجتمع الارستقراطي ذلك العام .
" لكن يا آنستي، لا يمكنكِ حضور الحفل الرئيسي بعد، و حفل ظهورك الأول سيكون العام القادم."
قالت فيرونيكا وهي تنظر إلى إيسيلا بتعبير حائر، لكن إيسيلا رفعت كتفيها بلا مبالاة .
" حتى لو لم أتمكن من حضور الحفل الرئيسي، يجب أن أحضر حفل شاي التحضير لحفل الصيف للأميرة، ففي نهاية المطاف أنا الأميرة مادلين."
آه، أومأت فيرونيكا برأسها لا إرادياً .
كانت الأميرة دائماً ما تقيم حفل شاي عند التحضير لحفل الصيف، و العذر هو الحصول على أفكار للحفل، لكن في الواقع، كان "حفل شاي خاص" تحضره السيدات الشابات اللاتي يشكلن عمود المجتمع الارستقراطي .
يبدو أن آنستها كانت تستهدف ذلك .
في تلك اللحظة، سُمع طرق من خارج الباب، و صوت سالي .
تراجع التوتر الذي كان قد ارتفع خوفاً من أن يكون كونراد مرة أخرى .
" ادخلي "
على الفور، فُتح الباب و دخلت سالي . كان وجه سالي، التي كانت غائبة عن المكان اليوم، مشرقاً . كانت تحمل مظروفاً كبيراً من المستندات وكأنها تتعامل مع شيء ثمين جداً .
" أين كنتِ ؟ وما هذا ؟ "
" لقد كنت أقوم بمهمة لآنستي أوليڤيا ! لقد أخبرتني بشيء قبل أن تغادر ! "
اهتمت إيسيلا بحديثها عن أختها . على وجه إيسيلا الفضولي، لم تستطع سالي إخفاء فرحتها و تحدثت بطلاقة .
" لقد طلبت مني الآنسة أن أوصل أي رسائل تصل إليها إلى قصر الدوق الأكبر فوراً "
" ولكن لماذا لم ترسليها على الفور ؟ "
" لأنني كنت سأرسل رسالة إلى الآنسة، لم أعرف أن هناك رسائل قد وصلت بالفعل، لذلك تركتها و ذهبت لإحضارها لأرسلها معاً، إذا كانت لديكِ أي رسائل تريدين إرسالها يا آنسة، فهل ستعطيني إياها ؟ "
بمجرد أن سمعت اقتراح سالي، تحولت تعابير وجه إيسيلا الحائرة إلى إعجاب، ثم بدأت إيسيلا بالتحرك بسرعة .
" انتظري لحظة، سأكتب الرسالة فوراً ! "
في هذه الأثناء، نظرت سالي بوجه سعيد إلى محتويات مظروف المستندات . كان بداخله ثماني رسائل إجمالاً .
بعد أن غادرت الآنسة إلى مقاطعة ڤيكاندر، كانت سالي تتفقد صندوق البريد باستمرار نيابة عنها . ومع ذلك، لم تتوقع أن تصل رسائل كانت قد انقطعت لأكثر من نصف عام .
يا إلهي ! لقد وصلت رسائل … ثماني رسائل في آن واحد !
قرأت سالي الخط على الرسائل بعينين راضيتين .
كُتب على الظرف بخط يد أنيق : " مع خالص الشكر لـليڤ جرين ".
* * * * * * * * * * * * * * * * * *
في الوقت نفسه، وفي قصر الفيكونت كاتانغا، الذي كان يعج بالنشاط بسبب زيارة الأميرة، وصل فارس من القصر الإمبراطوري .
عندما قال الفارس إنه يحمل رسالة مختومة بختم الإمبراطور، اتسعت عينا الفيكونت و زوجته بدهشة بالغة .
" يا إلهي، صاحب الجلالة بنفسه أرسل رسالة إلى مقاطعتنا ! "
" … لقد بذلت جهداً كبيراً يا سير، استرح ثم عد، يا فيكونت، هل يمكنك إعارة مكان للراحة للفارس الذي قطع مسافة طويلة بأمر من جلالة الإمبراطور ؟ "
على هذه الدعوة الأنيقة للرحيل، نظر الفيكونت إلى الأميرة بوجه حزين . كم سيكون جيداً لو تضمنت إجابة هذه الرسالة شيئاً عن كاتانغا، لكن الأميرة لم تنظر إلى الفيكونت الذي كان يتردد بشدة، وبينما كان الفيكونت على وشك النهوض ببطء .
" عذراً، يا صاحبة السمو الأميرة."
ركع الفارس ذو الوجه الشاب أمام الأميرة وقال : " لقد تلقيت أمراً بمرافقة صاحبة السمو الأميرة لمدة خمسة أيام، حتى تعود صاحبة السمو إلى القصر الامبراطوري "
" … ماذا تقول يا سير ؟ "
ظنت الأميرة أنها سمعت خطأ . فإذا كانت كلمات الفارس صحيحة، فهذا يعني أن والدها قد أرسل لها حارساً، لكن إجابة الفارس كانت ثابتة : " ليس لدي معلومات أخرى بخلاف ما أمرت به، يا صاحبة السمو."
" هل تقول أنك جئت بأمر من جلالة الإمبراطور، وهل ستعودين إلى القصر بالفعل يا صاحبة السمو ؟ يا للأسف، ماذا سنفعل ؟ "
أضاف الفيكونت و زوجته كلمات بعد الفارس، وبينما كانت الأميرة قلقة و مشوشة، اختلطت كلمات الثلاثة، فقالت الأميرة بحدة لا إرادية :
" اصمتوا جميعًا ! "
هدأت غرفة الأميرة على الفور . "آه"، فحصت الأميرة محيطها . نظرت البارونة روهاس، مربيتها، إلى وجهي الفيكونت و زوجته و الفارس بوجه مرتبك .
الفيكونت و زوجته، اللذان لم يريا الأميرة إلا في صورتها القديسة دائماً، تفاجآ قليلاً، وكذلك الفارس .
" … أعاني من صداع، سأكون ممتنة لو خفضتم أصواتكم."
ابتسمت الأميرة بلطف كالمعتاد. عندها فقط، نهض الفيكونت و زوجته وهما يضحكان بشكل محرج .
" الآن وقد فكرت في الأمر، على الأميرة قراءة الرسالة أيضًا، سننهض أولاً "
" سأكون ممتنة لو استطعت المغادرة للحظة أيضًا، أعتقد أن الأميرة بحاجة إلى استراحة قصيرة بعد قراءة الرسالة."
عند كلمات البارونة روهاس، تردد الفارس للحظة ثم أومأ برأسه، وقبل المغادرة، نظر إلى الأميرة .
في اللحظة التي التقت فيها الأعين، احمرّ وجه الفارس . أدركت الأميرة غريزيًا : ' آه، يمكنني حل هذا الأمر مع هذا الفارس بطريقة ما '
* * * * * * * * * * * * * * * * * *
[ سأعطيكِ مهلة خمسة أيام، أنهي تحقيقك في منجم الكريستال الأبيض و عودي بسرعة ]
في اللحظة التي قرأت فيها الرسالة، بدا وكأنها تسمع صوت والدها، الإمبراطور . حاولت الأميرة أن تضغط على قلبها المتوتر .
كان من الطبيعي أن يعرف الإمبراطور أنها هنا . علاوة على ذلك، إذا كان والدها مهووسًا بالمنجم المهجور إلى هذا الحد، فمن الواضح أنه سيقرأ تقريرها هذه المرة بعناية أكبر .
ولكن ……
" كيف يمكنني الذهاب في ذلك الطريق مرة أخرى ؟ "
" يا صاحبة السمو ! "
صاحت البارونة روهاس بصوت أعلى، بوجه مذهول، بعد أن لفظت الأميرة كلماتها بخشونة .
" ماذا لو سمعك أحد ؟ " كانت المربية في غاية القلق، لكن الأميرة لم تهتم بمربيتها .
مهما فكرت في الأمر، لم تستطع العودة إلى ذلك الطريق الوعر الرهيب مرة أخرى، ولا يمكنها التخلي عن المنجم المهجور هكذا .
نظرت الأميرة بعينين حادتين إلى "وثائق" المنجم المهجور .
— منجم الكريستال الأبيض، الذي كان ملكًا للدوقة الكبرى ڤيكاندر السابقة و آخر أميرة لمملكة لوڤيل المنهارة، إزميرالدا لوڤيل ڤيكاندر، قد أُلحق بالعائلة الإمبراطورية بسبب مسؤولية الدوق الأكبر ڤيكاندر السابق عن هزيمته في الحرب … بعد تحقيق السحرة و العلماء، تأكدوا من انقطاع انتاج المنجم تمامًا .
فاجأت الجملة التالية الأميرة :
— ومع ذلك، لا يمكن استبعاد احتمال أن يكون أولئك الذين كانوا ماهرين في السحر، قبل انهيار مملكة لوڤيل المنهارة، قد أخفوا شيئًا ما، علاوة على ذلك، بما أن الدوق الأكبر ڤيكاندر يهتم بهذا المنجم بشدة، على جميع الأجيال القادمة أيضًا، اكتشاف ما أخفوه و البحث جيدًا .
…… إخفاء شيء ما !
صرت الأميرة على أسنانها على الجملة التي أصابتها بالقشعريرة، ثم حدقت في أوليڤيا مادلين، التي لم تكن أمام عينيها .
ماذا لو كانت تلك الفتاة "النصفية" قد اكتشفت شيئاً خاصاً في المنجم، و أسقطته عمداً من التقرير، ثم خدعتها و أخذت منها منجم الكريستال الأبيض ؟
" … لا يمكن أن يكون الأمر كذلك، تلك الحمقاء ترددت حتى لحظة الختم، لا بد أنها لم تعثر على أي شيء بعد "
— الصورة التوضيحية : هـنـا .
تمتمت الأميرة وكأنها تحاول قمع قلقها .
عندما طلبت تلك "الفتاة النصفية" بوقاحة مهراً، كانت هي التي اقترحت عليها المنجم المهجور … للأسف .
بما أنها ترددت حتى لحظة ختم الوثائق، فمن المحتمل أن تلك "الدم الوضيع" لا تعرف أن هناك شيئاً مخبأً في المنجم .
ومع أنها حاولت تهدئة نفسها بهذه الطريقة، إلا أن الحقيقة لم تتغير : كانت على وشك إعادة المنجم الذي كان الدوق الأكبر ڤيكاندر مهووسًا به، إلى يديه .
وفي اللحظة التي بلغ فيها غضب الأميرة ذروته، قالت المربية بحذر : " سيكون من المستحيل الذهاب و العودة في غضون خمسة أيام، كان يجب أن نصحح تقرير الأميرة مادلين و نعدله في وقت سابق "
عند هذه الكلمات، انفجرت الأميرة غضبًا .
" يا مربية ! ما هذا الهراء الذي تقولينه ! الجميع في قصر الفيكونت هذا يعلمون أنني لم أذهب إلى ڤيكاندر ! "
ارتعدت المربية من كلمات الأميرة و أحنت رأسها، وكأن كلمات المربية كانت شرارة، ضغطت الأميرة على المربية بلا رحمة .
" بالإضافة إلى أنني قلقة بالفعل من تجهيز ماريا لحفلتي، جديًا أوليڤيا تلك الوضيعة حقًا لا تساعد … ! "
اتسعت عينا الأميرة وهي تفرغ غضبها، ثم مرّ صوت الفيكونتيسة المحبط في ذهنها .
" يا له من عار ! مأدبة الصيف الذي تستضيفه صاحبة السمو الأميرة سيبدأ قريباً، لم نتلقى دعوة لحضور مثل هذا الحفل الكبير، لكن على صاحبة السمو، بصفتها المضيفة، أن تعود بسرعة "
تلك النظرات الواضحة التي كانت توجهها الفيكونتيسة التي ترغب في حضور الحفل، و نظرات الفارس التي كانت موجهة إليها !
على أي حال، فإن أوليڤيا تلك "النصفية" ستحضر الحفل بصفتها خطيبة الدوق الأكبر، لذا يمكن مقابلتها في القصر الإمبراطوري .
بما أنه من المستحيل أن تعرف أوليڤيا مادلين عن المنجم المهجور، إذن، ليس عليّ الذهاب إلى ڤيكاندر، أليس كذلك ؟
لماذا لم أفكر في هذا من قبل ؟
بدأت ابتسامة ترتسم على شفتي الأميرة .
" يا مربية ! أخبري الفيكونت و زوجته و الفارس أن يأتوا فورًا، لا، الفارس أولاً ! "
****************************