الفصل ٤٦ : ‏Do Your Best to Regret

{ أظهر المودة للأسماك التي تصطادها }


" ديان، ألن تتدرب ؟ "

دفع هوارد ديان . بعد مغادرة سمو الدوق الأكبر و الأميرة مادلين، امتلأت ساحة التدريب بالضجيج مرة أخرى مع استئناف التدريب، لكن ديان، بدلاً من الاندماج في الأجواء الصاخبة، كان يقف متجهًا نحو طريق القلعة الرئيسي حيث اختفى سمو الدوق الأكبر و"الأميرة".

كانت عينا ديان البنيتان تحدقان في القلعة الرئيسية بذهول، وكأنه لا يصدق .

" … سررتُ بلقائكِ يا سيدتي، أنا ديان سيزيلين، فارس ڤيكاندر الذي أقسم الولاء لسمو الدوق الأكبر "

وقت تدريب الصباح . أمام صفوف الفرسان، أدى ديان تحية للأميرة . اتسعت عينا الأميرة الخضراوان قليلاً .

بدا أنها تتذكر لقاء الأمس، لذا كان الأمر يستحق كبت غضبه و الانحناء للأميرة .

أوليڤيا مادلين … الابنة الكبرى لعائلة مادلين، زعيم الفصيل الإمبراطوري، و خطيبة ولي العهد .

وفي الوقت نفسه، أخت جايد مادلين، نائب قائد فرسان القصر الإمبراطوري الثالث الذي لا يمكن السيطرة عليه، وأيضًا …

… لقيطة شيطانية و متمردة ذات عيون خضراء، ترمز إلى الراقصة الوضيعة، و تنظر إلى الناس بتعجرف .

لم يخبره أحدًا بذلك، لكن ديان كان يعرف الشائعات عن أوليڤيا مادلين أفضل من أي شخص آخر .

على الرغم من أنه كان يكره العاصمة، إلا أنه كان يجمع معلومات عنها سرًا من صحف العاصمة عندما كان يذهب إلى الحانة أحيانًا .

لهذا السبب، لم يستطع ديان تصديق الأميرة .

كيف يمكن لأميرة تحب ولي العهد، و تتسامح مع عشيقته، أن تغير موقفها فجأة و تتبع سمو الدوق الأكبر إلى ڤيكاندر ؟ لا بد أنها كانت تخطط لشيء سيء .

علاوة على ذلك، وفقًا للشائعات، كان من المفترض أن تتصرف الأميرة بوحشية تجاهه .

تمنى ديان بشدة أن تغضب الأميرة منه . حتى يمكن أن تزول غشاوة الحب عن عيني سمو الدوق الأكبر الذي يحترمه .

" يسعدني لقاؤك، أيها السير سيزيلين."

لكن عندما فتحت الأميرة شفتيها، تشوه وجه ديان للحظة . على عكس توقعاته، كانت تحية مهذبة و محترمة .

هذا ليس ما أردت …

نظر ديان إلى الأميرة بلا مبالاة . في تلك اللحظة، شعر وكأن أنفاسه انقطعت .

كانت عيناها الخضراوان اللتان تنظران إليه تحملان وقارًا لا يستطيع أحد أن يتجاهله .

قالت عيناها بوضوح وهما تنظران إلى ديان : " أتطلع للعمل معك."

" أتطلع للعمل معك " ؟ ماذا يعني ذلك ؟

خفض ديان رأسه على عجل دون أن يدري . أن يطأطئ ديان سيزيلين رأسه لشخص آخر غير سمو الدوق الأكبر، و بيثاني، و أخته ديزي، فهذا أمر غير لائق .

عندما رفع رأسه، بعد أن وبخ نفسه على هذا التصرف المشين، كان سمو الدوق الأكبر و الأميرة قد دخلا القلعة الرئيسية بالفعل .

عندها فقط، أطلق ديان نفسًا عميقًا من الإحراج المتراكم، و حدق في القلعة الرئيسية .

لقد قالوا أنها وقحة شيطانية !

" ما هذا بحق خالق الجحيم … آخخ ! "

قبل أن يكمل كلامه، أمسك ديان الجزء الخلفي من رأسه الذي كان يؤلمه . لم يكتفي شيء ما بضربه بقوة، بل ركله بشدة في ركبتيه من الخلف .

سقط ديان على الفور في ساحة التدريب، و سقط ظل فوقه .

" احترم الآنسة."

كان هوارد … رمش ديان بتفاجؤ .

هل هذا يعني أن الشخص الذي ضربه هو السير إنترفيلد ؟

ألقى هوارد قفازه الكبير الذي كان يحمله بوجهه المعتاد اللامبالي .

ترددت صرخة أحدهم : " إمساك رائع ! "

عندها فقط، استعاد وعيه . نهض ديان بحركة سريعة و نشيطة، و خفض جسده و حدق في هوارد .

ابتسم هوارد من زاوية فمه و رفع كتفيه وهو يرى ديان يتخذ وضعية قتالية بشكل تلقائي .

بالتأكيد، كان سمو الدوق الأكبر يتمتع بعينين ثاقبتين . لقد زاد قوة عائلة الدوق الأكبر من خلال استكشاف الرجال الأقوياء من ساحات المعارك، وحتى الشاب الذي التقطه وهو على وشك الموت كان عنيدًا جدًا .

على الرغم من أن طول ديان و بنيته أصبحا الآن متساويين مع هوارد، إلا أن هوارد كان لا يزال يتذكر بوضوح عندما رأى ديان لأول مرة .

جسم نحيف جدًا لدرجة أن ضلوعه كانت تنتفخ بوضوح مع كل نفس . كدمات صفراء شاحبة في كل مكان . وحتى عيناه الخضراوان الفاتحتان اللتان كانتا تغلقان ببطء . وكان الرجال الذين أحاطوا بديان يصرخون بصوت عالي وهم يهربون .

" أيها الوضيع ذو العيون الخضراء، كيف تجرؤ على العبث ! ألم تتخلى عنك أمك لأنك ذو عينين خضراوين ؟ "

عندما تذمر ديان بصوت منخفض، خرج هوارد من أفكاره و واجه ديان . برقت عيناه البنيتان الساطعتان داخل عينيه المائلتين بشكل شرس .

" الأميرة الآن …… "

" ليست أميرة، بل آنسة "

لكن لم يكن هناك سبب يدعو هوارد إلى التسامح مع هذا الشاب الذي كان ماضيه مؤلمًا . خاصة إذا كان هدفه هو الآنسة التي أقسم لها سمو الدوق الأكبر بالولاء، وكما أنه قرر أن يكون وفيًا لها .

نقّر هوارد بإصبعه. في الوقت نفسه، احمر وجه ديان الذي أسمرته الشمس مثل شعره الأحمر .

على الفور، سادت أجواء متوترة . على عكس أنفاس ديان الغاضبة، بردت عيناه البنيتان ببطء .

وسرعان ما تجمع الفرسان في دائرة حول هوارد و ديان في ساحة التدريب .

قال أحدهم، وهو يتفاخر أمام فارس متدرب : " راقب جيدًا، القتال بين السير إنترفيلد و السير سيزيلين هو قتال حقيقي."

" ماذا ؟ لكن السير سيزيلين هو تلميذ السير إنترفيلد، أليس كذلك ؟ هل سيتصرف معه بقسوة ؟ "

ارتعد الفارس المتدرب وهو ينظر إلى الفارس الأكبر . في الوقت نفسه، بينما كان يرى السير سيزيلين يهاجم وكأنه يريد قتله، كان على الفارس المتدرب أن يصحح أفكاره .

فمزاج ديان سيزيلين الناري، الذي قيل أنه مزق جنود هڤرتي في ساحة المعركة، ينطبق بنفس القدر على السير هوارد إنترفيلد المرعب .

* * * * * * * * * * * * * * * * * *

دوى هتافٌ عالٍ من ساحة التدريب التي تركوها خلفهم .

بينما كانت أوليڤيا تدخل حديقة القصر الرئيسي، ألقت نظرة خاطفة إلى الخلف .

رأت غبار الرمل يدور كإعصار في مهب الريح . وسط التشجيع الحماسي، سمعت أسم هوارد و ديان .

ديان … ديان سيزيلين .

رددت أوليڤيا اسم ديان في ذهنها … وفجأة، وضع إدوين وجهه أمامها .

مسافة 10 سنتيمترات فقط . قريب جدًا لدرجة أن أوليڤيا رأت رموشه الطويلة ترفرف، و كتمت أنفاسها للحظة .

أمال إدوين وجهه الجميل . على عكس تعابيره البريئة، كانت عيناه الحمراوان غارقتين بعمق، و تجذبان نظرة أوليڤيا بإصرار .

" إذا كنتِ مهتمة بالفرسان، فلديكِ واحد هنا بجانبكِ، يا أوليڤيا."

كان صوته ساحرًا لدرجة أنه أثار قشعريرة في أذنيها . كانت نظرته إليها لطيفة للغاية .

تذكرت أوليڤيا الليلة الماضية دون وعي. مع نظراته العميقة التي كانت تثير فيها حرارة غريبة، نظرت أوليڤيا إلى مكان آخر و أجابت 

" … حسنًا، فارسي الذي بجانبي مهتم بي بما يكفي لأكون واثقة "

على عكس صوتها الخادع، احمرت وجنتاها الخوخيتان . و أعجب إدوين بهذه الإجابة كثيرًا .

الآن، اتضح أن هذه الآنسة الشكاكة كانت تثق به ضمنيًا على الأقل . ابتلع إدوين ضحكته و تظاهر بالأسى .

" هل هذا يعني أنكِ لا تطعمين السمكة التي اصطدتها ؟ "

" هذا ليس صحيحًا، أنا فقط أريد أن أحب جميع سكان ڤيكاندر، حيث تعيش سمكتي … آآه ! "

اتسعت عينا أوليڤيا بدهشة عندما أمسك إدوين بيدها، التي لوحت بها بلا مبالاة .

كانت يده التي تمسك بها في كل مرة يرافقها فيها، لكن قلبها كان ينبض بقوة وكأنها تمسكها للمرة الأولى . و شعرت أن يد إدوين دافئة بشكل خاص .

لا بد أنها لا تزال ثملة، فقد تناولت حساء الطماطم في الصباح الباكر .

حاولت أن تفكر في أشياء أخرى، لكن يد إدوين، و نظرته، استمرا في شغل تفكيرها .

في اللحظة التي التقت فيها عيناهما، حبست أوليڤيا أنفاسها .

مد إدوين أطراف كلماته بخبث : " لماذا عيناكِ مثل أرنب خائف ~ ؟ "

" لأنك أمسكت بي فجأة."

" إذن ألا يُعجبكِ الأمر ؟ "

في الوقت الذي امتلأ فيه صوته بالقلق، خففت يده التي كانت تمسكها بقوة قبضته بلطف .

شعرت أوليڤيا بالأسف على يده التي كانت على وشك أن تتركها و تتراجع، فأمسكت يده مرة أخرى بإحكام، وفي تلك اللحظة، انحنت عينا إدوين بلطف .

" هكذا بسهولة … تعرفين كيف تتحكمين بي."

أتحكم به بسهولة ؟ بينما قلبي ينبض بقوة وأنا ألهث هكذا .

لكن أوليڤيا زمّت شفتيها بدلاً من الكلام .

" أُرحب بحبكِ لڤيكاندر، لكن …… "

" …… "

" بقدر اهتمامك بأراضي ڤيكاندر، أظهري بعض الاهتمام بهذه السمكة التي اصطدتها أيضًا."

مع كل نظرة مكثفة، احمرت وجنتا أوليڤيا مثل تفاحة ناضجة . كانت يدها الصغيرة ترتعش بين يده، مما دفعه ذلك للجنون .

عرف إدوين أن هذه الآنسة الشبيهة بالأرنب ستركض، لكنه قرر أن يتلاعب بها .

" … لأوضح لكِ أكثر، يا آنستي الخجولة."

سحب إدوين يد أوليڤيا أقرب إليه . عندما اتسعت عيناها الخضراوان من الدهشة، قبّل إدوين معصمها الرقيق حيث كان نبضها ينبض بسرعة .

بعد أن تردد صوت قبلته على بشرتها بطريقة مثيرة نوعًا ما، خفض إدوين عينيه و أطلق سراح أوليڤيا.

— الصورة التوضيحية : هـنـا .

" أريدكِ أن تهتمي بي جيدًا "

علقت قطعة من الإغراء الأحمر على طرف شفتيه، و رنّ صوته المرهق بشدة في أذنيها .

سحبت أوليڤيا ذراعها، من يد إدوين إلى صدرها، و شعرت أن اللحم الرقيق فوق نبض معصمها الداخلي ساخن وكأنه احترق .

لم تعرف ماذا تقول، فاستدارت أوليڤيا.

تسارعت خطوات الأميرة الأنيقة نحو قلعة الدوق الأكبر .

ركضت دون أن تلاحظ الخدم و الخادمات الذين كانوا ينحنون لها أثناء مرورها، و سمعت ضحكة عالية قادمة من الخلف .

* * * * * * * * * * * * * * * * * *

بينما كانت بيثاني جالسة في الشرفة، نادت أوليڤيا بوجه حائر .

من بين الاثنين اللذين خرجا معًا بعد الإفطار لرؤية الفرسان، عادت الآنسة فقط بوجه أحمر قرمزي، ولم يُعرف أين ذهب الدوق الأكبر .

" ماذا ؟ آه، بيثاني."

كان وجهها الأبيض الجميل مشعًا ببهجة غامضة . بالتأكيد لم يكن هذا بسبب الحرارة في هذا الشمال البارد .

سرعان ما فهمت بيثاني الأمر و ابتسمت ابتسامة خفيفة. وكما هو متوقع، كانت ضحكة إدوين تنتشر بسعادة من بعيد .

" يا آنسة ؟ "

لكن بيثاني، كشخص بالغ و حكيم، تظاهرت بعدم المعرفة و سحبت كرسي أوليڤيا.

جلست أوليڤيا على الكرسي و لوحت بيديها كالمروحة، متظاهرة بأنها تشعر بالحر .

" هل رأيتِ الفرسان الذين يمكن تكليفهم بالحراسة جيدًا ؟ "

" آه، نعم."

صحيح . عندها فقط، تذكرت أوليڤيا سبب ذهابها لرؤية فرقة الفرسان مرة أخرى .

" … جولة في الإقطاعية جيدة أيضًا، لكن، اذهبي فقط برفقة خادمة مخصصة و فارس حارس."

تذكرت ما قاله إدوين في وجبة الإفطار . عند تذكر صوت إدوين، بدا وكأن حرارة غامضة تتدفق إلى خديها مرة أخرى .

لوحت أوليڤيا بيديها كالمروحة، و سعلت . شعرت بنظرة بيثاني إليها غريبة بلا سبب، فتحدثت أوليڤيا لنفسها :

" … الشمال ليس باردًا كما اعتقدت."

" ليس باردًا ؟ هذا من حسن حظك يا آنسة "

كان وجه بيثاني يوحي بأنها سعيدة حقًا، فشعرت أوليڤيا ببعض وخز الضمير، ثم سارعت بتغيير الموضوع :

" ولكن كيف يتم تعيين الخادمة المخصصة ؟ بما أنني لم أصبح الدوقة الكبرى بعد، فمن المحرج أن أستقبل سيدات من عائلات التابعين."

عادةً ما تكون الخادمة المخصصة للدوقة الكبرى هي سيدة من عائلات التابعين لعائلة الدوق الأكبر، لكن أوليڤيا كانت تعلم جيدًا أن عائلات التابعين لعائلة الدوق الأكبر قد انقطعت أنسابهم واحدًا تلو الآخر في الحرب التي مات فيها الدوق الأكبر السابق .

بما أنها تحدثت بطريقة غير مباشرة، فإن بيثاني ستؤيدها عندما يأتي إدوين لاحقًا …

" إذن يمكنني أن أتولى مهمة الخادمة المخصصة أيضًا ! "

رمشت أوليڤيا عندما رأت بيثاني تصفق بحماس .

" لكن، بيثاني هي كبيرة الخدم و ساحرة الشمال وأيضًا … عليكِ القيام بالتطريز "

لكن بيثاني هزت رأسها وكأن لا مشكلة لديها .

" لا تقلقي، لقد جئت إلى ڤيكاندر في الأصل كخادمة مخصصة للدوقة الكبرى السابقة."

الدوقة الكبرى السابقة … كانت الأميرة الأخيرة لمملكة لوڤيل المدمرة .

كانت القصص المتعلقة بها من المحرمات عمومًا . سمعت أيضًا أن سبب ذهاب الدوق الأكبر السابق إلى الحرب كان بسبب الدوقة الكبرى السابقة .

مع تذكر القصة بشكل عابر، حافظت أوليڤيا على صمتها . سرعان ما ابتسمت عينا بيثاني التي كانت تلمع بالدموع ابتسامة عريضة .

" آه ! يا آنستي، ماذا ستفعلين بشأن فارس الحراسة ؟ سمعت أنكِ كنتِ مرتاحة مع وينستر في العاصمة، هل ستجعلين هوارد فارسًا مخصصًا لكِ حتى يأتي ؟ "

لم تسأل أوليڤيا عن الدوقة الكبرى السابقة عمدًا . بدلاً من ذلك، نظرت إلى وجه بيثاني المليء بالحنين و ابتسمت بمرح .

" أريد أن أتوافق مع الجميع "

أمالت بيثاني رأسها في حيرة .

ما علاقة التوافق مع الجميع بتعيين فارس حراسة ؟

ثم نظرت إلى أوليڤيا بعيون مدركة . أومأت أوليڤيا برأسها و ابتسمت وكأنها أصابت الهدف مباشرة .

" أفكر في أن يتولوا فرسان الحراسة المهمة بالتناوب."

" فكرة جيدة، يا آنستي ؟ "

" سأبدأ بالسير سيزيلين."

ابتسمت أوليڤيا ابتسامة عريضة و نظرت نحو ساحة التدريب .

في اللحظة التي تذكرت فيها ديان سيزيلين الذي كان يحدق بها سابقًا، بدا وكأن صرخة بعيدة تُسمع من المسافة .

****************************

*

إرسال تعليق (0)
أحدث أقدم

اعلان