مدخل قصر الماركيز إثيل .
بمجرد أن فُتح باب العربة، ركضت الابنة الصغرى لعائلة إثيل إلى داخل القصر .
الخدم الذين كانوا متوترين منذ دخول العربة، انحنوا بشكل مبالغ فيه.
" مرحبًا بعودتكِ، يا آنسة "
لكن ماريا، على غير عادتها، تجاوزت الخدم و دخلت القصر .
" أين أبي ؟ "
عندما صرخت ماريا بحدة، اقترب أحد الخدم . فكرت ماريا أن احتمال وجود والدها في القصر قليل جدًا . كان الأجدر بها الذهاب إلى الحانة أو الكازينو في شارع ليهرن بدلاً من ذلك .
في تلك اللحظة، أشار الخادم إلى غرفة الاستقبال الداخلية في الطابق الأول .
" الماركيز موجود في غرفة الاستقبال الآن."
رمشت ماريا ثم ابتسمت ابتسامة مشرقة. يبدو أن الأمور ستسير على ما يرام. لم تتوقع أن تلتقي بوالدها المشغول بهذه السرعة !
ركضت ماريا بسرعة نحو غرفة الاستقبال . الخادم الذي اعتقد أنه تجاوز المحادثة مع الآنسة بنجاح، أدرك فجأة خطأه .
" آنستي ! "
الماركيز طلب من الجميع الابتعاد بعد قدوم الدوق إلكين قبل قليل .
توقف الخادم الذي كان على وشك الدخول خلف الآنسة في مكانه. أمام الرواق المؤدي إلى غرفة الاستقبال، نظر إليه رأس غزال كبير معلق كتحذير .
الجواهر الزرقاء الساطعة المثبتة في عينيه الفارغتين بدت تمامًا كعيني الماركيز إثيل. شعر الخادم بقشعريرة في عموده الفقري و أدرك في نفس الوقت .
حتى لو دخلت الآنسة إلى هناك فلن يحدث لها شيء، لكن الأمر مختلف بالنسبة لخادم مثلي . خاصة في قصر الماركيز إثيل، الذي لا يرحم أكثر من أي عائلة نبيلة أخرى .
هز الخادم كتفيه، وعاد إلى عمله .
* * * * * * * * * * * * * * * * * *
كلما اقتربت من غرفة الاستقبال، سمعت أصواتًا هامسة .
غرفة الاستقبال في الطابق الأول كانت فاخرة ولكنها لم تكن معزولة جيدًا للصوت. عندما كانت ماريا تقف عند الباب على وشك أن تطرق .
" … كان يجب أن أتخلص من العواقب، لو أنني أعطيتها دواءً … "
قبل أن تطرق الباب، حبست ماريا أنفاسها . صاحب الصوت المنخفض الذي سمعته كان والدها.
دواء ؟ قبل أن تتمكن ماريا من ترتيب أفكارها، سمعت صوتًا آخر .
" في ذلك الوقت، هل فكرت في ذلك ؟ كنت مهتمًا فقط بإعطاء تحذير للدوق مادلين."
" بالتأكيد، كلامك صحيح يا دوق."
" لكن كلامك صحيح، لو لم تظهر تلك النصفية في ذلك الوقت، لما اضطر الدوق مادلين لتقديم ابنته "
" هل يجب أن نقول عن ذلك حظًا جيدًا أم لا ؟ هل يجب أن نلومه لأنه يعيش مع دليل على الخيانة، أم يجب أن نعجب به لأنه حصل على قربان لإدخاله إلى القصر الإمبراطوري بدلاً من ابنته ؟ أليس هذا محرجًا حقًا ؟ "
" إذا كان قربانًا، فالشكر يجب أن يكون لنا، ألم نضع تلك الراقصة معه ؟ "
دوت الضحكات الخافتة، و غطت ماريا فمها لا إرادياً .
الشخص الوحيد الذي يمكن لأبي أن يناديه "الدوق" باحترام هو الدوق إلكين، زعيم الفصيل النبيل و شقيق الإمبراطورة الأكبر، و القصة التي يتحدثون عنها الآن ربما تكون …
قبل حوالي أربعة عشر عامًا، قصة الابنة غير الشرعية للدوق مادلين التي هزت الأوساط الاجتماعية .
كانت ماريا في السادسة من عمرها عندما حدث ذلك، لكنها تذكرت بشكل عابر أن زوجة الدوق توفيت نتيجة لتلك الفضيحة .
أن يكون هذا الأمر كله فخًا من الدوق إلكين زعيم الفصيل النبيل و والدها !
شدت ماريا قبضتها. انغرزت أظافرها في كف يدها لكنها لم تشعر بالألم. كل هذا لم يكن له واقعية. أرادت أن تنادي والدها لكنها لم تستطع .
لم يكن الأمر بسبب خيبة الأمل . شعور غريب من النشوة غمر جسدها كله .
أوليڤيا مادلين، وُلدت تلك الوضيعة بفضل والدها و الدوق إلكين !
حياة بائسة حيث حتى ولادة طفل نحددها نحن النبلاء. كيف تجرأت تلك النصفية على الجلوس بجانب حبيبي كل هذا الوقت !
بينما كانت الأفكار تترتب في رأسها، حبست ماريا أنفاسها. كانت ستخبر والدها فقط، لكن ربما الآن، مع وجود الدوق إلكين، هو الوقت المناسب .
لتعزيز مكانتها كخطيبة ولي العهد … تحتاج إلى حلفاء آخرين غير ليوبارد .
تذكرت ماريا ليوبارد قبل قليل و هزت رأسها، ثم طرقت الباب .
— طرق، طرق .
قبل أن ينتهي صوت الطَرق المنتظم، انفجر صوت غاضب .
" من هناك ؟ لقد أمرت بعدم دخول أي شخص إلى هنا … ! "
" أبي، إنها أنا ماريا "
" ماريا ؟ "
مع صوت مرتبك، فُتح الباب على الفور. على أي حال، هذا الباب الذي لا يعمل بشكل صحيح .
فكرت ماريا أنها يجب أن تغير الباب و نظرت إلى داخل غرفة الاستقبال . كما توقعت، كان الدوق إلكين يجلس بأناقة على الأريكة .
شعره الأحمر و وجهه المبتسم كانا يشبهان الإمبراطورة تمامًا . كان وجه الماركيز إثيل مرتبكًا .
" أوه، ماريا، ما الذي أتى بكِ الآن ؟ الدوق موجود هنا."
" جئت لأتحدث مع أبي بشأن مأدبة الصيف، ولم أكن أعرف أنك هنا "
قالت ماريا بوجه اعتذاري و عدلت وقفتها، ثم انحنت للدوق إلكين الذي كان ينظر إليها .
" ماريا إثيل تحيي الدوق إلكين، هل كنت بخير ؟ "
" بفضلك كنت بخير، يا آنسة … لا، أنتِ الآن خطيبة ولي العهد ابن شقيقتي، لذا نحن أقرباء الآن "
ابتسم الماركيز إثيل بارتياح على المزحة التي ألقاها الدوق، و ابتسمت ماريا بإشراق .
" بالمناسبة، مأدبة الصيف ؟ لا أظن أنني يجب أن أكون هنا، لذا سأذهب أولاً يا ماركيز "
" لا يا دوق "
صوت رنان أوقف الدوق قبل الماركيز. ضاقت عينا الدوق إلكين وهو ينظر إلى ماريا بفضول . على وجه ماريا إثيل التي كانت تبتسم كزهرة، مرت لمحة من الرغبة التي لا تظهر إلا على وجه شقيقته الإمبراطورة .
" … هل لديكِ ما تقولينه لي، يا آنسة ؟ "
" إنها مأدبة الصيف، أليس كذلك ؟ الأميرة تفضلت بمنحي الفرصة لتقديم أفكار للمأدبة احتفالاً بأننا أصبحنا عائلة واحدة "
الجميع هنا يعرف أن هذا كذب .
عائلة واحدة ؟ الدوق إلكين استخدم نفس التعبير قبل قليل، لكن الأمر كان مختلفًا عندما ذكرت الأميرة .
كانت ماريا خطيبة ولي العهد البديلة التي ستشغل المكان لمدة "سنة واحدة فقط". لذا كيف للأميرة أن تكون بهذا اللطف مع ماريا، و تناديها بالعائلة ؟
" هذا …… "
عندما حاول الماركيز إثيل الكلام بعجلة، رفع الدوق إلكين يده بهدوء. أشارت إيماءته إلى أنه يريد الاستماع المزيد، فابتسمت ماريا بعينيها وقالت :
" … أخبرتُ سمو ولي العهد أنني أرغب في إقامة حفل خطوبة كبير مسبقًا، لذا أفكر في إقامته خلال مأدبة الصيف لتعزيز مكانتي "
فتح الماركيز فمه على مصراعيه . حفل خطوبة في مأدبة الصيف الذي يتمنى جميع نبلاء الإمبراطورية حضوره. هذا كان خطيرًا جدًا، لكن الدوق رفع زاوية فمه و مرر سبابته على طرف ذقنه .
" … هل يعرف قريبي ولي العهد، بذلك ؟ "
" ألن يكون أسعد به إذا كان مفاجأة ؟ "
ماريا إثيل ابتسمت ابتسامة خجولة دون أن ترمش. نظر الدوق إلكين إلى وجهها وقام بحسابات سريعة .
شعر أشقر فاتح و وجه جميل كالجنية . جرأتها التي كانت تتردد على قصر تياجي منذ وجود الأميرة النصفية. حتى أن الشائعات كانت تقول أنها كانت تسخر من الأميرة بإرسال الزهور باسم ولي العهد .
" … لا بد أن أقابل جلالة الإمبراطورة "
— الصورة التوضيحية : هـنـا .
قال الدوق إلكين، بعد أن انتهى من حساباته، بلطف : " لم تكن صفقة سيئة ".
ابتسمت ماريا إثيل بإشراق كما لو كانت تعلم أن الأمر سيكون هكذا، و ابتسم الماركيز إثيل بجانبها ابتسامة عريضة.
" إذا تحدثت يا دوق إلى الإمبراطورة، فستتمكن ماريا، لا … أعني ولية العهد، من إعداد المأدبة بسهولة أكبر، شكرًا لك، أيها الدوق "
ولية العهد . ابتسمت ماريا عند هذا اللقب الجميل . ستكون خطوبتها أكثر فخامة من أي خطوبة لأي أميرة سابقة .
كم سيسعد ليوبارد. مجرد تخيل ذلك كان ممتعًا . وكان أكثر متعة التفكير في أوليڤيا، التي ستركع أمامها بوجه يائس .
* * * * * * * * * * * * * * * * * *
في تلك الأثناء، كانت أوليڤيا ترمش و تنظر إلى إدوين بوجهٍ يملؤه عدم التصديق .
" ما رأيك ؟ هل أعجبك ؟ "
بغض النظر عما إذا كان أعجبها أم لا .
أوليڤيا، التي كانت تنظر إلى صناديق المجوهرات التي تملأ الطاولة، و إلى الجواهر المتلألئة بداخلها، تمتمت بما في قلبها دون أن تدرك .
" أكثر من كونه يعجبني … "
عبس وجه إدوين، و غيرت أوليڤيا كلامها على الفور .
" … لقد أحببتهم لدرجة أنني لا أعرف ماذا أقول "
ابتسم إدوين بإشراق مرة أخرى كزهرة، بينما كانت أوليڤيا تشعر بالارتياح لرؤية وجهه، شعرت بالدوار عندما رأت المجوهرات التي تملأ الطاولة .
جواهر مقطوعة بدقة، و قلائد و أساور و خواتم و أقراط مصاغة بعناية . حتى أن هناك تاجًا على طرف الطاولة .
تاج من البلاتين مرصع بالزمرد و الماس على شكل دمعة . هذه الجواهر لا يقدر على شرائها إلا العائلة المالكة، أو الأميرات، أو الدوقة الكبرى .
وبغض النظر عن ذلك، فإن هذا الكم من المجوهرات كان من الصعب على الأميرة، بل حتى الإمبراطورة نفسها، أن تشتريه دفعة واحدة .
كانت أوليڤيا تعرف ميزانية الأميرة جيدًا، كما لو كانت تقرأها من كف يدها، وبسبب ذلك، حبست أنفاسها وهي تقدر أسعار المجوهرات كعادة .
صفق إدوين بخفة وهو يستمتع بمشاهدة أوليڤيا وهي تنظر إلى المجوهرات بوجه متفاجئ .
" إذن، بماذا نبدأ ؟ "
" أنا، الآن ؟ "
" نعم، إنها لأوليڤيا، لذا يجب أن تجربيها أولاً لنتأكد أنها تعجبك."
" إذا لم تعجبني …… "
" يجب أن نستدعي البارون ستون و الصائغ، أليس كذلك ؟ ليحضروا أشياء أجمل مرة أخرى "
بينما كان الدوق الأكبر يتحدث بلا مبالاة، صُدم ديان الواقف خلفه في نفسه . لقد كان اختيار هذا الكم صعبًا جدًا لدرجة أنه كاد يبكي، وها هو يقول "مرة أخرى". وحتى بعض المجوهرات التي أحضرها بنفسه تم استبعادها لأنها لم تكن جميلة بما فيه الكفاية .
نظر ديان إلى الآنسة بعينين متوسلتين. لحسن الحظ، بدت الآنسة تشاركه نفس الشعور، فهزت يديها و عيناها مستديرتان كالأرنب.
" لا، كلها تعجبني، حتى الإمبراطورة لم تكن لتملك مثل هذه الأشياء الثمينة … "
تحدثت أوليڤيا عن غير قصد و ندمت على الفور. لم تكن تعلم السبب بالضبط، لكنها كانت تعلم أن إقليم ڤيكاندر بأكمله كان معاديًا للقصر الإمبراطوري، لذا لم يكن هذا ما يجب أن تقوله .
كانت تفكر دائمًا في توخي الحذر، لكنها بعد عشرين عامًا من العيش في العاصمة، كانت لا تزال كل أفكارها تدور حول العاصمة و القصر الإمبراطوري .
نظر إدوين إلى أوليڤيا وهي تختار كلماتها للحظات، ثم ضحك بكسل .
" سأمنحك أشياء أثمن بكثير من أن تُقارن بالإمبراطورة "
ابتسم إدوين بإشراق كما لو أن الأمر لا يهم. في لحظة شعرت فيها أوليڤيا بالارتياح، أخرج إدوين علبة خاتم مغطاة بالساتان الأحمر من جيبه .
عندما فُتحت علبة الخاتم بصوت ناعم، رمشت أوليڤيا .
خاتم دائري مصنوع من البلاتين، مرصع بماسة رقيقة فوقه . للوهلة الأولى، يبدو خاتمًا ماسيًا عاديًا، لكن ما يجعله مميزًا هو أنه لا يوجد منه سوى اثنان فقط في هذا العالم .
لسبب ما، ارتجفت أطراف أصابعها قليلاً . بالإضافة إلى خاتم الجوهرة الحمراء الذي أقلقها طوال اليوم، ظهر خاتم آخر يثير قلقها.
" بالطبع … "
غمز إدوين مبتسمًا بلطف .
" إذا وضعت آنستي نفس الخاتم في إصبعي أيضًا "
* * * * * * * * * * * * * * * * * *
" لماذا ترتجف يداك هكذا ؟ هل تشعرين بالبرد ؟ "
لم يكن لديها وقت لتصرف نظرها عن الصوت الماكر، لأنها كانت تعلم جيدًا مدى ارتجاف يد إدوين الموضوعة على يدها .
" … هذا لأن يد إدوين ثقيلة "
" مستحيل "
على الرغم من أنه اعترض على الفور، إلا أن إدوين نظر بقلق إلى يدها و يده بالتناوب للحظة .
عند رؤية يدها البيضاء التي كانت نصف حجم يده، بدا الأمر وكأنها حقًا لا تستطيع تحملها . على الرغم من أن أوليڤيا كانت ترى بوضوح ما يفكر فيه إدوين، إلا أنها ركزت فقط على وضع الخاتم .
يد طويلة، أنيقة، و قوية . في اللحظة التي أمسكت فيها بإصبعه البنصر و وضعت الخاتم الدائري، حبست أوليڤيا أنفاسها دون أن تدرك .
" لقد انتهيت."
نظر إدوين إلى يده التي يرتدي عليها الخاتم للحظة، ثم مد يده نحو أوليڤيا .
" لكنني ارتديت الخاتم بالفعل ! "
" لقد ارتديتِ اثنين فقط "
اتسعت عينا أوليڤيا مرة أخرى، وهي التي كانت تحاول أن تتجاهل الأمر بلهجة غير مبالية .
عندما ابتسم إدوين و أشار إلى المجوهرات على الطاولة، أدركت أوليڤيا خطأها .
يا إلهي … لقد كان جادًا في وضع الخواتم على أصابعها العشرة كلها .
****************************