في قصر الإمبراطور .
أمام مكتب الإمبراطور المهيب و الفخم، اخترقت أشعة الشمس الزجاج الملون لتتكسر على أرضية الرخام .
واجهت أوليڤيا كبير خدم قصر الإمبراطور الذي كان يقف كحارس على الباب الضخم .
" صاحب الجلالة مشغول بأعمال هامة الآن."
كانت هذه هي المرة الثالثة . كرر كبير الخدم نفس الكلمات بلا أي مشاعر .
أعمال هامة ؟ لقد حددت الوقت مسبقًا، ومع ذلك لم ينفتح الباب السميك .
تأجيل المقابلة بالتحجج بأعذار . كانت حجة واضحة في نظر أوليڤيا، ولقد مرت بها كثيرًا .
لم يكن ليوبارد و الأميرة الوحيدين اللذين لا يلتزمان بالموعد .
" راجع صاحب الجلالة مرة أخرى، أخبره أن الدوق الأكبر ڤيكاندر قد أتى ليعرب عن أمنيته، كما وعد."
وأخيرًا، جاء صوت إدوين البارد و القاسي، كأنه سيلتهم كبير الخدم . حتى أوليڤيا، التي كانت تقف خلف إدوين، تفاجأت قليلاً بهذا الصوت، و تشققت ملامح كبير الخدم المخضرم الذي كان عديم التعبير .
" … سأتحقق من ذلك."
في النهاية، دخل كبير الخدم الباب الثابت . وفي تلك اللحظة، التفت إدوين، الذي كان يهدد كبير الخدم، نحو أوليڤيا.
"ألست متعبة من الوقوف طوال هذا الوقت؟"
" لم تمضي سوى خمس دقائق فقط ؟ "
"مع ذلك، الأحذية ذات الكعب العالي مؤلمة للقدمين."
" لقد اعتدت عليها، لذا لا بأس … "
توقفت أوليڤيا عن إكمال إجابتها الرقيقة . نظر إدوين، الذي كان يحدق بقلق في أطراف فستان أوليڤيا، بوجه متسائل .
" … يبدو أنك تعرف الكثير عن الأحذية ذات الكعب العالي، يا سموك "
كان قصدها المزاح، لكن صوتها الذي خرج كان شقيًا نوعًا ما . اتسعت عينا إدوين، ثم ضاقت بخفة .
" إنها تبدو غير مريحة بمجرد النظر إليها، ولكن لماذا تناديني 'سموك' مرة أخرى ؟ "
" … لأننا في القصر الإمبراطوري."
" وما خطب ذلك ؟ "
" بكل تأكيد، يصعب مناداة سموك باسمه خارج القصر."
كلما ازدادت ابتسامة إدوين عمقًا، أصبحت إجابات أوليڤيا أكثر حرجًا . تجنبت أوليڤيا النظر هنا وهناك دون وعي، ولكن عندما استمرت عيناه اللحوحتان في مواجهتها .
" همهم."
تدخل صوت سعال متعمد .
كان هذا وينستر . سعل بصوت عالي، لكنه تجنب نظر إدوين . لو التقت عيناهما بهذا النظر الشديد، فلن ينتهي الأمر بلف بضع لفات حول قصر الدوق الأكبر، لكن هذا لم يكن قصر الدوق، بل القصر الإمبراطوري، وأمام مكتب الإمبراطور تحديدًا .
هنأ وينستر نفسه وهو يتحمل النظرات الحارقة .
في تلك الأثناء، تراجعت أوليڤيا خطوتين عن إدوين، ثم ابتسمت بلطف وكأن شيئًا لم يحدث .
" واو … أهذا ما تفعلينه ؟ "
" ماذا ؟ "
كان تعبيره الذي بدا وكأنه غاضبًا جدًا مضحكًا . رفعت أوليڤيا ذقنها بتصنع اللامبالاة، وعندما هم الدوق الأكبر بالرد، انفتح باب المكتب .
" صاحب الجلالة لا يزال يعقد اجتماعات هامة، يبدو أن اليوم لن يكون مناسبًا، فهل ترغبون في طلب مقابلة في يوم آخر ؟ "
نقل كبير الخدم كلمات الإمبراطور حرفيًا . نظر الدوق الأكبر إليه بلا تعابير، ثم حول بصره إلى الباب .
حدق في الباب بعينين حمراوين كالدماء، وكأنه يقيم شيئًا ما .
بدا وكأنه يريد تحطيم الباب .
شعر كبير الخدم بقشعريرة تسري في عموده الفقري . كان الباب مصنوعًا من الكربون، وهو من أصلب المعادن .
حتى لو كان الدوق الأكبر يُعرف بكونه "قاتلاً وحشيًا"، فلن يتمكن من تحطيم الباب المحمي بسحر التعزيز الواقي من السحرة .
أراد أن يعتبرها مجرد أفكار لا داعي لها، لكن غريزته استمرت في إثارة تخيلات مشؤومة .
في تلك اللحظة .
" إذن هل نأتي لاحقًا ؟ "
التفت إدوين نحو أوليڤيا . ابتسمت أوليڤيا بابتسامة متكلفة و همست لإدوين : " في الحقيقة، كنت متعبة قليلاً."
ألقت أوليڤيا نظرة خاطفة نحو الباب . لم تكن ترغب في العودة إلى هذا القصر، لكنها كانت متعبة بالفعل . يبدو أنها كانت متوترة دون وعي عندما واجهت ليوبارد سابقًا .
" إذن هل نذهب ؟ "
خطى إدوين خطوات سريعة، وكأن مهمته قد انتهت . كان وينستر قد ابتعد بالفعل ليجهز العربة، وكأن الأمر كان مفهومًا بينهما .
تبعت أوليڤيا و إدوين وينستر . عندما كانت البحيرة في الحديقة الخلفية تبدو هادئة من النافذة المفتوحة .
من بعيد، كانت مجموعة من النبلاء تقترب . توقف النبلاء عندما لاحظوا أوليڤيا. لم تكن مثل هذه النظرات شيئًا ذا أهمية . كانت أوليڤيا على وشك المضي قدمًا بهدوء .
… لو لم يكن كونراد يحدق بها بعينين باردتين من بين هؤلاء النبلاء .
عبس كونراد. لقد كانت أوليڤيا تبتسم بشكل مشرق قبل لحظات، لكن تعابيرها تجمدت في اللحظة التي التقت عيناهما .
الشخص الذي يجب أن يكون بهذا التعبير الآن يجب أن يكون هو . لم تكتفي بمغادرة المنزل بتهور، بل كانت مع الدوق الأكبر المتورط في الفضيحة .
وفي الوقت نفسه، وصلت همسات النبلاء المحيطين إلى أذنيه : " لماذا هما معًا ؟ "
"يبدو أنها ستتزوج الدوق الأكبر حقًا."
" إذن ماذا عن الأمير ولي العهد ؟ "
" ما الذي يمكن فعله ؟ هناك الأميرة الصغرى."
تداولت أسماء مادلين كأنها مجرد ثرثرة يومية . عبس كونراد بانزعاج. كان سبب غضبه واضحًا. قصر الدوق كان في فوضى عارمة .
إيسيلا كانت حزينة لأنها أرادت رؤية أوليڤيا، و انتهى بها الأمر بالحبس في غرفتها . و جايد، الذي عاد للتو من ساحة المعركة، كان يتفوه بكلمات غريبة، وكانت كلها تتعلق بأوليڤيا.
إذن، كل هذا حدث لأن أوليڤيا غادرت قصر الدوق .
كان من الأفضل لو بقيت هادئة كما كانت، لكنها ذهبت فجأة إلى قصر الدوق الأكبر و تعتزم الزواج منه .
و إذا حدث ذلك، فماذا عن إيسيلا ؟
مع هذه الأفكار التي جمدت عقله، فتح كونراد فمه لينادي أوليڤيا.
" أولـ …… "
" قلتِ إنك متعبة، أليس كذلك ؟ "
دمر صوت رائع كلمات كونراد. وضع الدوق الأكبر يد أوليڤيا بلطف على ذراعه .
"ألا يجب أن تكون العربة قد وصلت الآن؟"
" … أعتقد ذلك ؟ "
أجابت أوليڤيا بصعوبة . لقد تعاملت مع الدوق و جايد، لكنها تفاجأت بمجرد رؤية كونراد .
ربما لأنه لم يكن هناك خاتمة . لم تتحدث معه بكلمة واحدة حتى في آخر يوم من مأدبة الانتصار .
كان آخر لقاء لها مع كونراد في الليلة الأخيرة في قصر الدوق، حيث كان ينظر إليها بكره شديد . ارتجفت أطراف أصابعها قليلاً .
رافق إدوين أوليڤيا بسلاسة و سهولة . وقف ثابتًا كحائط بينها وبين كونراد .
— الصورة التوضيحية : هـنـا .
تقبلت أوليڤيا هذا الاهتمام و الراحة بامتنان، و توقف ارتجاف يدها دون أن تدري .
* * * * * * * * * * * * * * * * * *
" لقد غادر الدوق الأكبر، يا جلالة الإمبراطور."
أومأ الإمبراطور برأسه بابتسامة قلقة بعد سماعه تقرير كبير الخدم . فهم كبير الخدم الذكي أن الإمبراطور يريد أن يكون بمفرده، فغادر المكتب .
حدق الإمبراطور من النافذة . كانت العربة السوداء التي تحمل شعار عائلة ڤيكاندر تغادر حديقة القصر الإمبراطوري .
قبض الإمبراطور قبضته ببطء . قبل بضعة أسابيع فقط، كان واثقًا من قدرته على إمساك ذلك الوغد في راحة يده .
ولهذا السبب أيضًا منح الأميرة منجم الكريستال الأبيض . كان منجم الكريستال الأبيض، الذي كان يطمع فيه كثيرًا، طعمًا ممتازًا . وحتى السيف الذي أحضره لأداء القسم كان السيف المقدس إيرالوتين .
لقد افترض بشكل طبيعي أنه سيقسم للأميرة . وفي هذا الافتراض، منح الإمبراطور أمنية باسمه .
لكن كيف يجرؤ على أن يتمنى الزواج من الأميرة مادلين بهذه الأمنية ؟
عاد الصداع يضرب رأسه . لم يكن الأمر مجرد عدم أداء القسم للأميرة، بل كان طلب الزواج من الآنسة مادلين، خطيبة ولي العهد، مشكلة بحد ذاتها .
كانت عائلة الدوق مادلين، رأس فصيل الإمبراطور، أفضل مكان لترسيخ أساس ولية العهد . إذا لم تكن الابنة الكبرى متاحة، فالثانية على الأقل .
" … إنها من نسل مادلين، إن قبلتَ تلك الطفلة أميرةً لعهدك، فسيظل ولاء مادلين ملازمًا لجلالتك."
قبل أربعة عشر عامًا، طفت كلمات الدوق التي كانت مدفونة في الذاكرة بوضوح .
لقد كان الإمبراطور يضع عينيه على إيسيلا مادلين، ابنة الدوق الشرعية، منذ ولادتها، لكن الدوق، الذي كان يتردد باستمرار، أحضر فتاة أكبر منها قليلاً ذات يوم مدعيًا أنها الابنة الكبرى .
لقد انتشرت الشائعات بالفعل في الأوساط الاجتماعية بأن الدوق أحضر ابنته غير الشرعية . وفي النهاية قبلها الإمبراطور على الرغم من أصلها المتواضع .
مسح الإمبراطور ذقنه . تذكر للحظة عينين خضراوين شعر فيهما بشعور مألوف، لكن هذا لم يكن مهمًا الآن .
ولاء عائلة الدوق، و الكلب الذي أشبعه . هذا الشيء المهم سيُسلب . الكلب الذي لطالما ظنه ملكه، الدوق الأكبر ڤيكاندر .
" … ماذا يجب أن أفعل بكلب يظهر أسنانه لسيده ؟ "
برقت عينا الإمبراطور الزرقاوان . في تلك اللحظة، مع طرق على الباب، قال كبير الخدم من الخارج : " صاحبة الجلالة الإمبراطورة قد حضرت."
بمجرد أن أعطى الإمبراطور الإذن، فتح الباب و دخلت الإمبراطورة . عندما رأت الإمبراطورة وجه الإمبراطور المتجهم، مالت رأسها كفتاة صغيرة .
" يا إلهي، جلالة الإمبراطور، هل هناك ما يقلقك ؟ لا ينبغي لك أن تجعل وجهك الوسيم هكذا."
مع صوتها الناعم، اقتربت الإمبراطورة من الإمبراطور . بيدها الناعمة، ومع رائحة الزيت العطري الحلو، ضغطت على جبين الإمبراطور دون تردد .
مع ضغط مناسب، بدأت تجاعيد جبين الإمبراطور تتلاشى ببطء . قال الإمبراطور ببطء : " لقد جاء الدوق الأكبر، و طلب السماح له بالزواج من الأميرة مادلين "
" يا له من وقح لا يعرف قدره."
" نعم، لكنها أمنية باسمي، أليس كذلك ؟ من المحرج أن أرفضها، ولكني أخشى على علاقتي بعائلة مادلين إذا وافقت."
" لماذا لا تتبع القواعد يا جلالة الإمبراطور ؟ "
قالت الإمبراطورة وكأن الأمر لا شيء . فتح الإمبراطور عينيه على مصراعيها .
"القواعد؟"
ابتسمت الإمبراطورة بلطف .
" نعم، يا جلالة الإمبراطور، وفقًا للكتب القديمة، لا تستطيع المرأة التي كانت في علاقة زواج مع العائلة الإمبراطورية أن ترتبط بنبيل آخر لمدة عام كامل لتوضيح نسب الخلفاء "
تحدثت الإمبراطورة بهدوء .
" لذا، وافق على الزواج بشرط تأجيل لمدة عام، ألن تقبل الآنسة، التي تحب الكتب القديمة، هذا الشرط ؟ "
همهم الإمبراطور متأوهًا . تذكر فجأة أن الأميرة مادلين ذكرت قواعد الكتب القديمة عندما تلقت قسم الدوق الأكبر . عندها فقط بدأت زوايا فم الإمبراطور ترتفع ببطء .
" أيتها الإمبراطورة، كيف توصلت إلى هذه الفكرة الرائعة ؟ "
" كل ذلك بفضل جلالتك، أليس كذلك ؟ "
ابتسمت الإمبراطورة بدلال . كان عقل الإمبراطور يعمل بسرعة بينما كان ينظر إليها بارتياح .
تأجيل لمدة عام …
خلال ذلك الوقت، بالتأكيد ستظهر خطة جيدة . سواء كانت إعادة الابنة الكبرى إلى مكانها الأصلي، أو تزويج الابنة الثانية لولي العهد .
بالطبع، أفضل طريقة كانت إعادة الابنة الكبرى إلى مكانها الأصلي .
كان من حسن الحظ أن الدوق الأكبر يبدو جادًا بشأن الآنسة، لأنه سيشعر باليأس الشديد عندما يُحرم من سعادته .
تمامًا كما حدث مع الدوق الأكبر السابق .
ابتسم الإمبراطور ببرود . سألت الإمبراطورة، وهي تنظر إليه بنعومة : " لكن يا جلالة الإمبراطور، لدي سؤال."
" ما هو، أيتها الإمبراطورة ؟ "
" هل وافقت الأميرة مادلين أيضًا على طلب زواج الدوق الأكبر ؟ "
اتسعت عينا الإمبراطور . لم يفكر في الأمر حتى عندما طلب الدوق الأكبر مقابلة، لكنه كان ملاحظة مهمة .
"لقد كانت الآنسة تحب ولي العهد كثيرًا، ألن يكون الأمر مؤسفًا للغاية إذا تم فسخ الخطوبة بسبب إكراه الدوق الأكبر؟"
الإمبراطورة، التي لم تشعر بالشفقة على أوليڤيا قط، تحدثت بوجه حزين . ضحك الإمبراطور بصوت منخفض و أثنى على الإمبراطورة .
"كم أنا محظوظ لوجود شخص ذكي مثلك بجانبي، أيتها الإمبراطورة."
" إنها مجاملة مبالغ فيها يا جلالة الإمبراطور."
توفّر شرطان جيدان لمهاجمة الدوق الأكبر . كان الإمبراطور يعلم جيدًا أن الآنسة كانت تفكر كثيرًا في ولي العهد . إذا أظهرت الآنسة فقط أنها لا تريد ذلك، فإن قلقه سيصبح بلا فائدة .
ضحكت الإمبراطورة بسخرية وهي ترى الإمبراطور يضحك بغرور .
يا له من عديم الفائدة ! لا يستطيع حتى السيطرة على كلبه، و هذا لا يليق بإمبراطور، ولكن لحسن الحظ، أطفالها، الذين سيكونون مستقبل هذه الإمبراطورية، يشبهونها .
الأميرة التي تستخدم أوليڤيا كأداة، و ولي العهد الذي يتلقى دائمًا حب أوليڤيا المخلص .
مرت ابتسامة فخر على وجه الإمبراطورة، وهي لا تدري في أي موقف يقع أبناؤها العظيمون .
****************************
ياييي شكرا على الفصل
ردحذف