الفصل ٣٠ : ‏Do Your Best to Regret

{ تحية فسخ الخطوبة }


" فقط قولي بصراحة ماذا تريدين "

هز ليوبارد كتفه العريض . على عكس نبرته الساخرة المليئة بالغضب، كان موقفه هادئًا جدًا .

نظرت إليه أوليڤيا بصمت .

" … لا أعلم إن كانت كلمة 'صراحة' مناسبة، لكنني أخبرتك الحقيقة."

" ليس ذلك."

رفع ليوبارد خصلات شعره الذهبي المُصفف بعناية، و التوى فمه الوسيم نحو الأعلى .

" أنتِ تتصرفين هكذا لأنكِ رأيتني مع ماريا و تشعرين بالغيرة، أليس كذلك ؟ "

في اللحظة التي رن فيها صوته الواثق في أذنيها، ارتجفت أوليڤيا بالكامل . شعرت وكأن شفتيها سترتعشان بشكل قبيح إذا لم تمسك يديها بإحكام .

ليوبارد كان يعلم سبب مغادرتها قصر تياجي في ذلك اليوم .

' … ومع ذلك، هل هذا كل ما لديه ليقوله لي ؟ '

على الأقل … كان يجب أن يحافظ على آدابه تجاهها، حتى لو كان يستمتع بوقته مع ماريا، حتى لو تركها و رافق ماريا كشريكته.

لقد كانا مخطوبين، حتى في ظل هذا الوضع المنهار تمامًا، تمنت أن يحافظ على الحد الأدنى من اللباقة، لكن ليوبارد، كعادته، تجاهل آدابه تجاه أوليڤيا بأكثر الطرق فظاعة .

" إذا طلبت منك موعدًا آخر، فلن تري الدوق الأكبر بعد الآن، أليس كذلك يا أوليڤيا ؟ "

كان صوته حلوًا كالعسل، وبدا محتواه المتغطرس واضحًا الآن .

ليوبارد لم يحبها أبدًا، الرجل اللامع الذي أحبته لم ينظر إليها قط كخطيبة متساوية ولو للحظة واحدة .

في اللحظة التي اعترفت فيها بهذه الحقيقة، اضطرب قلب أوليڤيا.

هل هذا غضب أم حزن ؟

في هذا اليأس الذي لا يوصف، لم تستطع أوليڤيا أن تقول كلمة واحدة . في هذه الأثناء، بدا أن ليوبارد فسر صمت أوليڤيا على أنه موافقة، فضحك بصوت منخفض .

" أجل، أوليڤيا، كم هو جميل أن تسمعي كلامي هكذا "

" …… "

" و إنهاء الخطوبة ؟ أنتِ لم تصدقي كلام الدوق الأكبر ڤيكاندر حقًا، أليس كذلك ؟ أوليڤيا، كيف يمكنكِ أن تكوني ساذجة هكذا في التاسعة عشرة من عمركِ ؟ "

" … أنا في العشرين يا سموك."

" حقًا ؟ هل بلغتِ العشرين بالفعل ؟ "

حتى مع تصحيح أوليڤيا، أومأ ليوبارد برأسه وكأنه غير مهتم . نظرت أوليڤيا إليه ثم انفجرت فجأة في الضحك .

صوت ضحكها الجميل الذي رن بوضوح فاجأ حتى البارونة سوفرون التي كانت بعيدة جدًا، و امتد عنقها دون وعي لتنظر نحو الطاولة .

لم ترى سوى ظهر الأميرة، ولم تتمكن من رؤية تعابير وجهها . كانت هذه هي المرة الأولى التي تضحك فيها الأميرة بصوت عالي هكذا .

اجتاحها القلق، لكن البارونة سوفرون لم تستطع النظر أكثر من ذلك، لأنها لاحظت أن حاجب ولي العهد قد عبس .

أوليڤيا أيضًا لاحظت أن تعابير ليوبارد قد تغيرت، لكنها لم تكن تنوي التوقف عن الضحك .

رجل لا يتذكر حتى عمرها، في المقابل، لم يكن هناك شيء لا تعرفه هي عن ليوبارد … كان الأمر مضحكًا .

لقد كرست قلبها كله لرجل لا يعرف حتى عمرها . منذ أن دخلت القصر لأول مرة في التاسعة من عمرها، وحتى تلقيها عرض زواج من الدوق الأكبر، بل ربما حتى اللحظة التي شعرت فيها باضطراب في قلبها قبل قليل، لكن الآن، أوليڤيا قد اتخذت قرارها بثبات .

المشاعر التي اجتاحتها و اشتعلت و اختفت لم تترك شيئًا وراءها .

أوقفت أوليڤيا ضحكتها ببطء، و ارتسمت ابتسامة أكثر برودة على فمها، لكن ليوبارد، الذي لم يلاحظ هذا التغيير حتى، قال بنبرة مزعجة : " ليس من اللباقة أن تضحكِ بمفردكِ أمام شخص، يا أميرة "

" ألا تجد الأمر مضحكًا يا سموك ؟ "

" ماذا تقصدين ؟ "

أجاب ليوبارد بإهمال، وكأنه غير مهتم . كان يجب أن ترضى بعد أن هدأها بلطف هكذا، لكن أوليڤيا واصلت الحديث وكأنها لا تتعب .

فكر ليوبارد في الإجابة باقتضاب بضع كلمات ثم المغادرة حقًا، لكن هذه الفكرة اختفت في اللحظة التي سمع فيها صوت أوليڤيا الممزوج بالضحك .

" ألم يكن سموك أيضًا غير مهذب عندما أدخلت الآنسة إثيل إلى قصري دون إذني ؟ "

" …… ماذا ؟ "

أجاب ليوبارد متأخرًا بلحظة واحدة . ابتسمت أوليڤيا بخفة و رفعت كوب الشاي لترطب شفتيها للحظة .

كانت حركاتها أنيقة لدرجة لا يمكن ملاحظة أي عيب فيها، و عندما تقابلا بالعيون مرة أخرى، في اللحظة التي رأى فيها عينيها الخضراوين الهادئتين، تصدع كبرياء ليوبارد المتغطرس .

" هاه " خرجت ضحكة باردة من فم ليوبارد .

" هل تلومينني الآن يا أميرة ؟ "

قال ببرود . لم يسمع في حياته أبدًا كلمة لوم من أحد، كان ذلك أمرًا لا يمكن تصوره، خاصة إذا كان الطرف الآخر هي أوليڤيا مادلين.

قالت أوليڤيا بهدوء : " لقد أخبرتك، لأنك تبدو وكأنك تحب الصراحة."

" … همم، كفى الآن، و عودي اليوم، لا أعتقد أنني أرغب في تحمل غضبكِ أكثر من ذلك، و تجنبي التصرفات الطائشة، إذا لم تكوني جادة في إنهاء الخطوبة."

قال ليوبارد وهو يضغط على أسنانه .

يجب أن تفهم ما يعنيه هذا . لم يكن يعلم ما هي المؤامرات التي دبرتها مع الدوق الأكبر بسبب غيرتها، لكنه كان يعرف جيدًا مدى تعلق أوليڤيا بعلاقة الخطوبة .

كان ليوبارد يضغط على صدغيه، يفكر في تجاهل حتى موعد الأربعاء من الآن فصاعدًا، حتى تدرك خطأها .

" كما قلت يا سموك، ستنهي خطوبتك معي "

هل ستبدأ في تكرار الأمر ؟

نظر ليوبارد إلى وجه أوليڤيا الهادئ و ضحك باستهزاء .

" بإذن من مَن ؟ "

" بإذن من سموك، و رغبتي."

" ما هذا الهراء ؟ "

" لدى سموك شخص آخر ترغب في أن تكون الإمبراطورة."

نظرت عيناه الزرقاوان الحادتان إلى أوليڤيا وكأنه يخترقها، محاولاً معرفة ما إذا كانت تمزح أم لا، لكي تؤكد له، قالت أوليڤيا ببطء : " أنا أعي مكاني جيدًا، و أنت تعلم ذلك."

تردد صوت واضح في ذهن أوليڤيا، كان صوت ليوبارد في ذلك اليوم …… " الأميرة تعرف مكانها جيدًا، لن تسبب أي مشكلة أبدًا، أعدك بذلك."

" … لقد تجاوزتِ حدود الغيرة يا أميرة، هل تجسستِ علينا ؟ "

عند رؤية وجهه الذي عبس بانزعاج، ابتسمت أوليڤيا بخفة، لأنه لم يكن هناك أي اعتبار لها على الإطلاق، حتى لو بحثت عنه بالعين المجردة، لذا، ذكرت أوليڤيا الحقيقة .

" بدلاً من التجسس، نسي سموك موعده معي و قابل شخصًا آخر سرًا في حديقة قصر ولية العهد هذه، حيث كنت أنتظر "

" يا أميرة ! "

اجتاحتها هالة قاتلة، قالوا إنه فارس عظيم . لم تكن تتوقع أن تشعر بذلك بهذه الطريقة . على الرغم من أن ضغطه كان يجعلها بالكاد تتنفس، إلا أن أوليڤيا بذلت قصارى جهدها لتبقى مستقيمة .

كان هذا هو الكبرياء الذي أرادت الحفاظ عليه، و الصورة الأخيرة التي أرادت أن تظهرها .

وفي تلك اللحظة، تدخل صوت خطوات .

" هل انتهى وداعكما الأخير، يا آنستي ؟ "

ابتسمت أوليڤيا بخفة عند سماع الصوت الرقيق الواضح . أصبحت تتنفس بسهولة مرة أخرى .

نادى ليوبارد اسمه بصوت خافت.

" …… الدوق الأكبر ڤيكاندر "

استدارت أوليڤيا ببطء . اقترب منها رجل ذو وجه أبيض كالثلج و شعر أسود قاتم، يبتسم بلطف .

كان يرتدي زيًا أسود يبرز كتفيه العريضتين و جسده القوي، بدا جميلاً و خطيرًا لدرجة يمكن أن يسحر أي شخص .

" يشرفني رؤية شمس الإمبراطورية الصغير، تبدو بخير تام يا سموك "

" ما هذه الوقاحة ؟ "

رفع ليوبارد زاوية فمه بشكل مائل . نهضت أوليڤيا ببطء .

" بعد أن أخبرتك يا سموك أنني سأنهي خطوبتي، سأذهب مع سموه "

حتى مع إجابة أوليڤيا، لم يخفي ليوبارد غضبه المتأجج .

" كيف يجرؤ الدوق الأكبر على دخول قصر ولية العهد دون إذن ؟ "

" لقد دعوته رسميًا، ألم يكن هذا القصر تحت سلطتي يا سموك ؟ "

نظرت أوليڤيا إلى ليوبارد للحظة . حدق بها بوجهه الوسيم وكأنه لا يصدق ذلك .

لم تستطع أوليڤيا تحديد ما الذي كان يدور في عينيه الزرقاوين الغائرتين … لا، لم تعد ترغب في تحديده .

لقد عاشت حياتها كلها تحت ضغط التوقعات، والآن حان الوقت لتتخلص من كل ذلك .

ابتسمت أوليڤيا بلطف . " صحيح، ظننت أنه لي، لكنه لم يكن كذلك "

" أوليڤيا."

" لذلك، لقد استخدمت صلاحيتي الممنوحة لي لآخر مرة، كان هذا خيارًا جيدًا لإنهاء وقت يشبه الحلم "

نظرت أوليڤيا حولها وكأنها تفعل ذلك لأول مرة . كل نبتة، كل شجرة، حتى كل نافذة تدعم هذا القصر، كانت أوليڤيا قد اهتمت بها. كل الأشياء الجميلة التي تمنت أن يراها ليوبارد . قصرها الذي اهتمت به بشدة لهذا السبب .

بعد أن نظرت إلى كل شيء في القصر، كانت أوليڤيا مستعدة لتوديع قصرها .

سارت أوليڤيا بخفة، وكما كان متوقعًا، توجهت إلى جانب إدوين .

في تلك اللحظة …

" …… توقفي هناك "

سمعت صوت خافت من الخلف . نظرت أوليڤيا إلى ليوبارد بطرف عينها .

بدا غاضبًا، لم يكن هناك أي سبب للغضب . بالنسبة لليوبارد، كانت أوليڤيا مادلين مجرد خطيبة تعرف مكانها جيدًا .

" …… آه."

وكأنها تذكرت شيئًا، استدارت أوليڤيا . في تلك اللحظة، ظهر على وجه ليوبارد شعور خفيف بالنشوة، وكأنه يعرف أن هذا سيحدث .

رفعت أوليڤيا طرف فستانها نحو ليوبارد و أدت التحية .

" أوليڤيا مادلين، تحيي شمس الإمبراطورية الصغير، و قريبًا سأكون زوجة الدوق الأكبر ڤيكاندر، و سأحييك مرة أخرى "

رفعت أوليڤيا رأسها . على الرغم من أن تصرفها لم يكن يتناسب مع آداب السلوك، إلا أنها لم تهتم .

عند رؤية وجه ليوبارد، الذي كان يحدق بها بفم مغلق وكأنه ينكر الموقف الذي يتكشف أمام عينيه، تذكرت نفسها في كل لحظة من الماضي.

نفسها في التاسعة من عمرها، عندما وقعت في حبه، الذي كان مشرقًا كالشمس . نفسها في الرابعة عشرة من عمرها، عندما كانت تمسك ربطة عنق لم تُسلم له، وهو يغادر في حملته الأولى، وهي تبتسم بصعوبة . نفسها في الثامنة عشرة من عمرها، عندما كانت تعتقد أن رقصتها الأولى في حفل الظهور الأول ستكون معه بالطبع، لكنها سحقت بوحشية في النهاية .

ونفسها في العشرين من عمرها، وهي تنظر إلى خطيبها الذي كان يعترف بحبه لشخص آخر في هذا المكان الذي كانت تعتقد أنه ملكها بلا شك.

أوليڤيا مادلين المسكينة في كل لحظة . تمكنت أوليڤيا مادلين، التي كانت تتوق إلى الحب، أخيرًا من تجاوز ليوبارد فرانز.

ابتسمت أوليڤيا ببهجة و واصلت حديثها : " … أتمنى لك السلامة حتى ذلك الحين "

استدارت أوليڤيا . كانت هذه هي المرة الأولى التي تظهر فيها ظهرها لليوبارد .

مد إدوين ذراعه، بعد أن أدى تحية صامتة لولي العهد .

— الصورة التوضيحية : هـنـا .

أمسكت أوليڤيا ذراع إدوين بخفة و بحركة أنيقة .

كان من الغريب أن تخطو وهي تترك شخصًا خلفها . لقد تركت الدوق و جايد خلفها و سارت من قبل، لكن هذا الشعور الغريب المتقلب يبدو وكأنه لن تعتاد عليه أبدًا .

فجأة، خطر لها سؤال : كيف يبدو ظهرها ؟

تذكرت أنها كانت دائمًا تنظر إلى ظهور الآخرين و تتوق إلى عاطفتهم، لذا فتحت أوليڤيا فمها بحذر .

" هل من الغريب أن تترك شخصًا خلفك و تمشي ؟ "

" …… ماذا ؟ "

" شعور غريب يجعلني أتساءل كيف يبدو ظهري، أسئلة لا فائدة منها كهذه "

بمجرد أن انتهت أوليڤيا من الإجابة، سمعت ضحكة لطيفة من جانبها . نظرت أوليڤيا إلى إدوين باستغراب .

عندما ارتسمت ابتسامة حلوة على زاوية عينيه الجميلتين، ضحك إدوين بصوت خافت .

" لقد رأيت ذلك "

ألقى إدوين نظرة خاطفة خلفه . رأى ولي العهد بوجه مرتبك، وكأنه مذهول . كان يشبه تمامًا مظهره الغبي قبل قليل، عندما كان يطلق هالة قاتلة متناسيًا حتى شرف الفارس .

و تذكر أكتاف أوليڤيا الصغيرة التي كانت منتصبة أمامه . إرادة ثابتة تعلن أنها لن تخضع لأحد . وضعية تظهر عقلية قوية و حازمة .

نظر إدوين مرة أخرى إلى اليد الرقيقة التي كانت تمسك ذراعه . كانت نظرات هذه الآنسة الصغيرة، التي تحملت هذا الشعور بالارتعاش الخفيف بمفردها، أكثر استقامة من أي شخص آخر .

" …… كنتِ رائعة جدًا "

اتسعت عينا أوليڤيا قليلاً عند الصوت المنخفض، و انتشر احمرار خفيف كزهور الربيع ببطء على خديها الأبيضين.

تجنبت أوليڤيا نظرة إدوين . وفجأة، رأت البارونة سوفرون و الوصيفات يقفن هناك . كانت وجوههن مليئة بالدهشة عندما التقت عيناهن .

" لحظة من فضلك."

اعتذرت أوليڤيا و تقدمت نحو البارونة سوفرون. نظرت البارونة سوفرون إلى أوليڤيا بوجه مرتبك .

" يا أميرة، إذن …… "

بعد أن فهمت البارونة الموقف برمته، شحب وجهها . ابتسمت أوليڤيا بصوت خافت .

" شكرًا لكِ على كل شيء، يا سيدتي."

لم تستطع البارونة سوفرون أن تقول كلمة واحدة . على الرغم من أن الآنسة إثيل كانت محبوبة، إلا أنها كانت تعتقد أن صاحبة قصر تياجي ستكون هذه الأميرة الأنيقة في النهاية .

" أتمنى أن تهتمي بقصر تياجي جيدًا في المستقبل."

كانت هذه الأميرة، التي أظهرت حبها للقصر حتى اللحظة الأخيرة، هي من ظنت أنها ستستولي على القصر .

تنهدت البارونة دون وعي .

من يمكنه أن يُظهر مثل هذا الحب للقصر ؟

بالنظر إلى الوراء الآن، لم يكن تفحصها لكل زاوية من القصر قبل قليل مجرد تمضية للوقت … يا ليتني لم أزعجها .

تسرب الندم الذي لا يمكن التراجع عنه كتنهيدة أخرى .

خطت الأميرة خطواتها مرة أخرى . كان ظهرها الذي لم يلتفت أبدًا حازمًا، وكأنها لن تعود أبدًا .

عندما ابتعدت صورتها الأنيقة كالنقطة، لم تميز البارونة سوفرون ما إذا كان الشعور الذي يتولد في قلبها هو حزن أم أسف .

لقد شعرت فقط بفراغ، وكأن المالك الأكثر ملاءمة لقصر تياجي قد غادر .

****************************

1 تعليقات

  1. غير معرف22 يونيو, 2025

    احسن موت قهر يالكريه، يعطيك العافيه على الفصل ^o^

    ردحذف
إرسال تعليق
أحدث أقدم

اعلان