خلف الخادمة التي ركضت وهي تلهث، ظهرت خادمة أخرى . كانت ملابس الخادمة الشابة تحمل شعار قصر الأميرة .
" لقد قمت بالفعل بحجز موعد مسبق مع سمو ولي العهد، لذا يرجى إخبار سمو الأميرة بأنني سأزورها لاحقًا."
قالت أوليڤيا بصوت منخفض . كان في صوتها حزم . ارتعشت الخادمة و أضافت على عجل : " ذ … ذلك، سمو الأميرة قالت أنها طلبت إذنًا مسبقًا من سمو ولي العهد أيضًا."
ابتسمت أوليڤيا بمرارة . لم تكن هذه هي المرة الأولى التي تقوم فيها الأميرة بخداع أوليڤيا بهذه الطريقة .
في إحدى المرات، جعلت أوليڤيا تدور في القصر طوال اليوم، قائلة أن ليوبارد موجود في مكان ما.
"سأتحقق."
أجابت أوليڤيا باقتضاب و نادت البارونة سوفرون .
إذا ذهبت البارونة، وهي ليست خادمة صغيرة يمكن خداعها بسهولة، فستعرف الحقيقة بوضوح .
استغرق الأمر بعض الوقت، لكن أوليڤيا انتظرت بهدوء. ولم يقل الأرشيدوق أي شيء بجانبها، لكن الإجابة التي عادت بها البارونة، التي ذهبت بالعربة، كانت أن ليوبارد غادر القصر في الصباح الباكر .
" كان هناك رسالة تفيد بأنه قد يتأخر في العودة، لذا يرجى تناول العشاء مسبقًا."
بينما كانت البارونة سوفرون تنقل كلمات ليوبارد، كانت تراقب رد فعل أوليڤيا.
تجمد رأس أوليڤيا عند الكلمات التي افترضت انتظارها بشكل طبيعي . ابتسامة باردة حامت على شفتيها .
لقد أرسل رسالة يطلب منها الحضور على عجل، ثم خالف ليوبارد موعده معها مرة أخرى . علاوة على ذلك، الأميرة التي لم تحدد موعدًا، دعتها دون اعتبار لجدولها الزمني، وكل هذا انكشف أمام الأرشيدوق الذي كان معها اليوم بالذات .
ضربت المشاعر المختلطة من الخجل و الإهانة أرضية مشاعرها المبهجة السابقة . شعرت بنظرة الأرشيدوق من جانبها .
رفعت أوليڤيا ذقنها بزهو . ابتسمت وكأن الأمر لا يهمها . كانت أوليڤيا بارعة في ارتداء الأقنعة .
" يجب أن أغادر للحظة، ابقى مرتاحًا في مشاهدة المكان."
" آنستي."
التفتت أوليڤيا التي كانت على وشك المغادرة، إلى الأرشيدوق . سار أمام أوليڤيا بحركة أنيقة، و عندما وقفا وجهًا لوجه، أدركت من جديد أنه رجل طويل القامة حقًا .
مد يده إلى أوليڤيا بشكل طبيعي .
" هل أنت حقًا سترافقني حتى العربة الآن ؟ "
ابتسمت أوليڤيا بهدوء . أمسك الأرشيدوق بيدها و نظر إليها ببطء وقبل ظهر يدها . اتسعت عينا أوليڤيا عند شفاهه الناعمة التي لامست ظهر يدها برقة .
أطلق أحدهم شهقة صغيرة، لكن حتى هذا الصوت لم يُسمع . ثبت الأرشيدوق نظره في أوليڤيا بإصرار .
لمعت عيناه الحمراوان الغامقتان بشكل خفيف وكأنها ستسحر أي شخص .
" … كما تعلمين، لقد حققت النصر دائمًا."
انخفض صوت الأرشيدوق . برقت عيناه التي أعطت شعورًا غامضًا كاللغز، بنظرة استفزازية تجاه أوليڤيا للحظة .
" لذا، فإن آنستي ستكون كذلك أيضًا."
دغدغ صوته الكسول أذنيها . وعندما أبعد الأرشيدوق يده عن يدها، استدارت أوليڤيا وخطت خطواتها .
في اللحظة التي نظر فيها الأرشيدوق إلى ظهر أوليڤيا وهي تسير بأناقة أكثر من أي شخص آخر، أدرك حدسيًا .
أن كلماته التي كانت أشبه بالأمنيات، كان لها تأثير فعال للغاية عليها .
* * * * * * * * * * * * * * * * * *
نزلت أوليڤيا من العربة و سارت في حديقة قصر الأميرة .
كانت حديقة ورد متفتحة بالكامل . و تحت المظلة التي حمت من أشعة الشمس الدافئة، كانت الأميرة تجلس أمام الطاولة .
كان هناك كوب شاي واحد فقط، و طبق حلويات واحد، وحتى كرسي واحد فقط، وهو الكرسي الذي كانت الأميرة تجلس عليه .
لم يكن هناك حتى خادم قريب . عند الإشارة الواضحة لعدم وجود ضيافة، نظرت أوليڤيا إلى الأميرة بعينين باردتين .
شعرت الأميرة بوجود أوليڤيا، فرفعت رأسها و ابتسمت ابتسامة مشرقة .
" طال غيابك يا أميرة، لقد تأخرتِ كثيرًا."
على عكس زاوية فمها الملتوية، كانت عيناها الزرقاوان كالبحر تحملان غضبًا شديدًا وهما تحدقان في أوليڤيا.
تقدمت أوليڤيا ببطء نحو الأميرة وهي تتنفس ببطء .
" … تشرفني رؤية سمو الأميرة."
" لقد مر وقت طويل منذ أن أرسلت خادمتي، كدت أشعر بالاستياء لأنك لم تأتي."
تظاهرت الأميرة بالاستياء و أشارت إلى الأمام .
" آه، ظننت أنكِ لن تأتِ، فأزلت الكوب، هل شاي الورد يناسبكِ ؟ "
كانت عينا الأميرة مليئتين بالسخرية وهي تنظر إلى أوليڤيا. كانت أوليڤيا مليئة بمشاعر معقدة لدرجة أن يديها كانتا شاحبتين حتى الآن، لكنها الآن كانت هادئة بشكل غريب .
ابتسمت أوليڤيا بلطف، فنظرت الأميرة إلى أوليڤيا بغضب للحظة .
' تبتسم ؟ كيف تجرؤ هذه النصفية على التظاهر بالكرم أمامي ؟ '
أصبحت أنفاسها الغاضبة أعلى فأعلى . عندما نظرت إلى وجه أوليڤيا التي كانت تبتسم وكأن شيئًا لم يحدث، تصاعد غضبها الذي لم يُحل بعد بقوة .
عندما عادت الأميرة الثانية إلى المنزل بوجه متهالك، شعرت الأميرة بالرضا . وكان الأمر كذلك عندما انتشرت الشائعات بأن أوليڤيا طُردت .
الآن، لن تتمكن تلك الحقيرة النصفية من رفع رأسها بشكل صحيح، لقد قمعت أخيراً روحها.
لقد استمتعت الأميرة بالإشاعات وهي تشعر بالارتياح . كلما أصبحت شائعات اختفاء أوليڤيا، التي لا يمكن العثور على أثر لها، أكثر فوضى، كلما زادت الأميرة سعادة بنشرها .
ماذا ستفعل حتى لو هربت ؟ ستعود أوليڤيا مادلين في النهاية إلى الأميرة لتطلب المغفرة .
مع أكوام من المهام التي كان عليها إسنادها، تزينت الأميرة بجمال وهي تتطلع إلى اليوم الأخير من مأدبة النصر .
وفي اليوم الأخير من مأدبة النصر، بينما كانت تسير بخفة إلى قاعة الحفل، سمعت شائعة غريبة .
" … ماذا ؟ هل تقدم الدوق الأكبر لخطبة الأميرة مادلين ؟ "
كان ذلك أمرًا لا يصدق . هدّأها والدها الإمبراطور وقال إن الدوق الأكبر سيركع أمامها في النهاية .
" ابنتي الأميرة تحمل كنزًا ثمينًا، فلا تقلقي."
لم يخطئ كلام الإمبراطور الجليل قط . آمنت الأميرة بكلام الإمبراطور حرفيًا . لقد كان الإمبراطور دائمًا ما يقول لها أنها كنز لا مثيل له في العالم، لذا، اعتقدت أنه لا يوجد رجل يجرؤ على رفضها، لكن الشائعات كانت صحيحة.
قبل دخولها قاعة المأدبة، ارتجف جسد الأميرة من الإهانة بسبب القصة التي انتشرت على نطاق واسع .
بدا مظهرها الذي زينته بجمال وكأنها ستتلقى عرض زواج، مثيرًا للسخرية .
إلى أي مدى استخفّت بها تلك الحقيرة ؟
استدعت الأميرة أوليڤيا على الفور، التي عضت أسنانها، لكنها لم تأتي، و قدمت عذرًا روتينيًا بأنها مريضة، وجاءت الآن فقط .
حدقت الأميرة في أوليڤيا التي كانت تقف أمامها بحدة . حاولت أن تكبت غضبها، لكنها لم تستطع تهدئته عند رؤية وجهها الهادئ .
شربت الأميرة شاي الورد بسرعة لتهدئة غضبها . كانت رائحة الشاي البارد فوضوية .
على وشك أن تصرخ في الخادمة، أجابت أوليڤيا بوجه هادئ .
" لا بأس، سموك، على أي حال، لدي شيء أود قوله لكِ داخل القصر."
" داخل ؟ تتحدثين بطريقة مضحكة حقًا يا آنسة."
قالت الأميرة بصوت منخفض تعبيرًا عن استيائها . ارتفع صوت الأميرة تدريجيًا، وكأنها تظهر انزعاجها بالكامل .
" أنا أرغب في الجلوس هنا الآن، هل تجرؤين على أن تطلبي مني تغيير مكاني ؟ "
" كنت أخشى أن يلحق ذلك الضرر بسمو الأميرة، لذا قلت ذلك."
" ماذا ؟ ضرر لي ؟ "
' هاه، سخيفة جدًا '
سخرت الأميرة . غمر الغضب عينيها الزرقاوين كالأمواج، و صرخت بحدة .
" أيتها الآنسة، هل ستستمرين في اللعب بالكلمات ؟ "
" منطقة حبوب تريستان."
هذا المكان الذي ذكرته أوليڤيا بهدوء كان ثاني أغنى و أخصب إقطاعية ضمن ممتلكات الأميرة رينا فرانز . وفي الوقت نفسه، كانت إحدى الإقطاعيات التي أسندت إلى أوليڤيا مهمة العمل عليها .
اتسعت عينا الأميرة في تلك اللحظة . دون أن تفوت هذه الفرصة، واصلت أوليڤيا حديثها بصوت هادئ .
" إقطاعية ريتايل."
لقد كانت إقطاعية الأميرة التي عانت من نقص الغذاء في الربيع . وكانت أيضًا المكان الذي أعادت أوليڤيا بناءه سرًا دون أن يعلم أحد .
" قلادة لوكال."
كانت قلادة يتناقلها الأساطير من مملكة دمرت قبل قرون . لقد كادت الأميرة تخسر خامس أغنى إقطاعية لها، وهي إقطاعية مينيرال، لامتلاك هذه القلادة التي قيل أن نسل الجان قد زرع فيها الحظ .
وكانت أوليڤيا بالطبع هي من قامت بتسوية هذا الأمر .
" منجم الكريستال الأبيض "
" آ، آنسة !! "
ضربت الأميرة الطاولة و نهضت . ألقى الخدم، الذين كانوا بعيدين، نظرات خاطفة عند صرخة الأميرة العالية .
شحب وجه الأميرة . مالت أوليڤيا رأسها وهي ترى شفتيها ترتجفان .
" هل يمكنني التوقف عن قول المزيد ؟ "
" ما الذي تفعلينه ؟ لقد أردتِ الزواج من أخي كثيرًا، ما الذي فعله الأرشيدوق لكي تتجرأي على تهديدي الآن بهذا الشكل القذر ؟ "
ابتسمت أوليڤيا بمرارة عند مظهر الأميرة التي كانت تتحدث بغضب و تهديد وهي تعض أسنانها .
لم تكن الأميرة لتحلم بمثل هذا اليوم عندما أسندت إليها المهام . هي نفسها لم تكن تعلم أن مثل هذا اليوم سيأتي .
لقد كانت دائمًا تخاف الأميرة . كانت تخشى الأميرة التي كانت تكلفها بالمهام لاختبار مؤهلاتها كخطيبة ولي العهد، و شعرت بالحزن عندما رأت الأميرة تشجع ليوبارد على الرقص مع سيدات أخريات .
عندما أدركت أن وعد الأميرة بأنها ستشجع ليوبارد على الرقص معها إذا بذلت جهدًا كان مجرد مزحة، شعرت بالدوار .
كانت الأميرة تتحكم بها بقدر ما كانت الإمبراطورة، لكن عندما تخلت عن منصب خطيبة ولي العهد، أصبح كل شيء واضحًا .
هذه الشخصية التي ترتبك بسهولة، و تغضب بسهولة، و تهدد بشكل غير بارع، كانت الأميرة تلهث بوجه أحمر أمامها .
نظرت أوليڤيا إلى الأميرة مباشرة، ثم ابتسمت بلطف .
" هل ستغيرين مكانكِ الآن ؟ "
— الصورة التوضيحية : هـنـا .
* * * * * * * * * * * * * * * * * *
غرفة استقبال قصر الأميرة .
أمرت الأميرة، وهي تجلس و تحاول أن تبدو هادئة، وصيفاتها : " لدي حديث مهم مع الآنسة، فلتتراجع كل واحدة منكن بعيدًا."
" نعم، سموك."
حتى المربية، البارونة روهاس، التي كانت تراقب وجه الأميرة حتى النهاية، غادرت غرفة الاستقبال .
حينها فقط، حدقت الأميرة في أوليڤيا بعينين مليئتين بالشر .
" هاه، لقد تركت هذه الحقيرة البسيطة خطيبة لأخي بهدوء، والآن هي تقلب إحساني بهذه الطريقة ؟ "
" …… "
" لا أعرف ما الذي همس به الأرشيدوق لكِ، لكن اركعي الآن و اطلبي رحمتي و وجهكِ على الأرض، كيف تجرؤين على التحدث معي عن أمور لا يوجد دليل عليها ؟ "
نعم، لن يكون هناك دليل .
شعرت الأميرة بالراحة قليلاً .
منذ البداية، عندما أسندت المهام إلى أوليڤيا، أكدت والدتها، الإمبراطورة، مرارًا وتكرارًا : " الحقيرون و الجهلة يتركون أدلة، يا أميرة، كوني حذرة دائمًا حتى لا يتم الإمساك بكِ، أو استخدمي ذيلاً لا يهم قطعه."
لقد اتبعت دائمًا نصيحة والدتها . الوصيفات اللواتي خدمن أوليڤيا كن يرسلن إلى الأطراف الريفية مرة كل بضع سنوات .
وكانت التقارير دائمًا تسلم يدويًا، لذا لم يكن ليراها أحد آخر . في أسوأ الأحوال، كان يمكنها أن تتذرع بأنها أدخلت أوليڤيا كمساعدة لتساعدها فقط في العمل .
على الرغم من أصولها الحقيرة، إلا أنها كانت تؤدي عملها ببراعة، لذلك لم تكن لتترك أي أثر.
كان حتى الطفل البالغ من العمر ثلاث سنوات يعلم من كلامه موثوق به أكثر : كلام ابنة الدوق غير الشرعية، أم كلامها كأميرة شرعية .
رفعت الأميرة ذقنها بغطرسة . وبينما كانت أوليڤيا تفكر أن الوجه المبتسم بثقة يشبه ليوبارد إلى حد ما، أخرجت ورقة من جيبها .
" هذا هو سجل نفقاتي الشخصية."
كما توقعت، لم تنظر الأميرة إليها حتى.
" ما هذا ؟ "
" هذا يوضح كيف استخدمت أموالي الشخصية لإعادة بناء إقطاعية ريتايل، التي عانت من نقص الغذاء، بينما كنت تتنقلين في المزادات السرية بحثًا عن قلادة لوكال."
" ماذا ؟ "
انتزعت الأميرة الورقة على عجل . في صفحة واحدة من الدفتر المنظم جيدًا، كانت تفاصيل استخدام المبلغ مكتوبة بوضوح .
" لا تكذبي ! هل قمتِ بإنشاء دفاتر حسابات مزدوجة من تلقاء نفسكِ مخالفة لأوامري ؟ ألم تقل الوصيفات المراقبات شيئًا ؟ "
" هذا ليس دفتر حسابات مزدوجًا، بل هو نسخة من دفتر حساباتي الشخصية، عندما كدتِ تخسرين إقطاعية مينيرال، طلبتِ مني أن أتصرف بأموالي الخاصة أولاً، وقد بقيت التفاصيل التي قمت بتنفيذها كما هي."
" يمكن تزوير مثل هذه الأشياء بسهولة ! "
صرخت الأميرة بحدة، لكن أوليڤيا ابتسمت بلطف و أشارت إلى جانب من نسخة الدفتر .
كان هناك ختم و توقيع رئيس بنك الإمبراطور، و التاريخ كان هو نفسه تمامًا .
تخلت الأميرة عن مظهرها المعتاد الأنيق و الرقيق، وحدقت في أوليڤيا بوحشية . ارتجفت عيناها الزرقاوان كالبحر بلا هدف .
ربما كان هذا المظهر يناسبها أكثر من مظهرها الذي كانت تخفي به مشاعرها بنبل . نظرت أوليڤيا إلى الأميرة بصمت ثم قالت :
" ليس لدي نية للكشف عن هذه الحقيقة بشكل منفصل، لقد جئت إلى هنا بغرض واحد فقط، وهو أن أطلب منكِ طلبًا يا سمو الأميرة."
" طلب ؟ لقد تحدثتِ معي وكأنكِ تهددينني، والآن تقولين طلب ؟ ما سبب هذا التغيير المفاجئ ؟ "
حدقت الأميرة في أوليڤيا . نظرت أوليڤيا إلى ظهر يدها للحظة في عينيها المليئتين بالكراهية، ثم ابتسمت بلطف .
" لأنني بحاجة إلى مهر "
****************************