الفصل ٤٣ : ‏Do Your Best to Regret

{ إقليم ڤيكاندر و التوقعات التي زادت }


" ألستِ جائعة ؟ أنا جائع جدًا "

عندما قال إدوين أنه جائع داخل العربة المتجهة إلى إقليم ڤيكاندر، فكرت أوليڤيا تلقائيًا في الخبز كخيار لوجبة .

' أتمنى لو كانت شطيرة مليئًا باللحم المقدد و الجبن '

تذكرت الشطائر التي كانت تعدها الطاهية مارثا في قصر الدوقية، لكن سرعان ما ابتسمت بخفة و تخلت عن الفكرة .

كانت أوليڤيا تعلم أفضل من أي شخص آخر أن الخبز المدهون بالمربى هو الأسهل لتناوله في عربة متأرجحة .

كان ذلك بسبب الخبرة التي اكتسبتها في التنقل بين مناطق مختلفة بأمر من الأميرة .

* * * * * * * * * * * * * * * * * *

لذلك، كانت أوليڤيا غير معتادة على هذا الموقف الآن .

وقفت العربة في طريق هادئ في سهل واسع، و جلس الفرسان متفرقين هنا و هناك، يخرجون الشطائر من سلة جميلة .

" أوليڤيا، أي واحدة أفضل ؟ "

نظر إدوين إلى الشطائر الأربعة وكأنه يواجه أصعب معضلة في العالم .

" الجبن المذاب مع اللحم المقدد جيد، و شريحة الدجاج مع الجرجير و الزيتون الأخضر جيد، و الطماطم ولحم العجل المخلل جيد، آه، أنا أحب السلمون، لكنني لا أشتهيه اليوم كثيرًا."

نظر إدوين إلى أوليڤيا وكأنه يسألها عن رأيها . تراقص ضوء الشمس المتسرب بين أوراق الشجر الكثيفة على وجه إدوين .

الرياح التي تلاعبت بشعره، و رائحة العشب التي مرت عابرة، حتى جلوسه المريح . كل هذا وصل إليها بوضوح شديد .

ابتلعت أوليڤيا هذا الشعور الغريب وسألت : " … هل لا بأس بالذهاب هكذا ؟ "

" ماذا ؟ "

" أنت شخص مشغول، تستغرق الرحلة ثلاثة أيام إلى إقليم ڤيكاندر، وهذا يبدو وكأنه ….. "

توقفت أوليڤيا عن الكلام للحظة و نظرت حولها . سماء زرقاء صافية كأنها مرسومة بالطلاء، و سهل أخضر واسع، وحتى ضحكات الفرسان المبهجة الذين جلسوا على مسافات مناسبة .

" …… إنه مثل نزهة."

" ألم تظني أنها نزهة ؟ عندما تذهبين للعمل، يجب أن تنتهي بسرعة و تعودين، لكننا الآن نقوم بالتسكع ببطء "

فجأة تذكرت أوليڤيا أول مرة عادت فيها من رحلة إلى الخارج بأمر من الأميرة .

لقد لامتها الأميرة بشدة عندما روت لها أنها نزلت من العربة لتأكل الشطائر التي جهزتها لها سالي في الطريق .

شعرت أوليڤيا بالاستعجال دون قصد .

" هذه ليست نزهة، يجب أن نصل إلى وجهتنا في إقليم ڤيكاندر بسرعة."

" إنها ليست كالنزهة، بل هي نزهة."

نظرت أوليڤيا إلى إدوين للحظة . صحح إدوين كلام أوليڤيا و نظر إليها بوضوح .

توقفت يدها الصغيرة التي كانت تتحرك باستمرار وهي مدفونة في طيات الفستان، لكن بعد أن تأكد إدوين من أن ظهر يدها الأبيض ناعم و خالي من أي خدوش أظافر، لين عيناه الجميلتان بلطف .

" لماذا العجلة ؟ سواء استغرق الأمر ثلاثة أيام أو بضعة أيام، فالوجهة هي نفسها."

صوت إدوين المتقاعس حطم كلمات الأميرة التي كانت مترسخة في أعماق أوليڤيا في لحظة .

' لا داعي للعجلة، فالوجهة هي نفسها على أي حال '

ضربت هذه الكلمات القصيرة أوليڤيا كصدمة كبيرة، و رمشت ببطء .

تسارع نبض قلبها الذي كان ينبض بقلق، ولكن بمعنى مختلف .

" نزهة ؟ "

مرت مشاعر متنوعة على وجهها النقي . الفرح و الإثارة، و اختفى القلق الخفيف، فأصبح وجهها محببًا للغاية .

على عكس وجهها الذي عاد وكأنه لم يحدث شيء، احمرت أطراف أذنيها تدريجيًا . أكد إدوين ذلك وقال بمرح :

" قالت مارثا أن نأكل الشطائر في أسرع وقت ممكن، هل تعلمين أن جميع الفرسان ينظرون إليكِ الآن ؟ "

خف شعورها بالطفو قليلاً و أدركت الواقع . كما قال إدوين، كان جميع الفرسان الذين يحملون الشطائر ينظرون إليها .

التقطت أوليڤيا شطيرة عشوائية من يد إدوين بدهشة .

" إدوين، لماذا لم تأكل ؟ "

" كيف يمكنني أن آكل أولاً بينما أوليڤيا تعطي تعابير وجه مضحكة كهذه، كلي ببطء."

بينما قال إدوين بمرح أن تأكل ببطء، نزع غلاف الشطيرة الذي كانت تحمله أوليڤيا. انتشرت رائحة الجبن المذاب اللذيذة في أنفها .

ارتفعت شهيتها على الفور، و أخذت أوليڤيا قضمة من الشطيرة ببطء .

كان طعمًا مألوفًا . على الرغم من أنها كانت تعلم بالفعل أن شطائر مارثا المليئة باللحم المقدد و الجبن لذيذة .

" إنه لذيذ."

تمتمت أوليڤيا دون قصد . على الرغم من أنه كان نفس الشطيرة الذي كانت تأكله في الدوقية، إلا أنه كان لذيذًا جدًا حقًا .

" يسعدني أنكِ تجدين ذلك لذيذًا يا أوليڤيا، الشطائر التي تُؤكل في نزهة مختلفة، أليس كذلك ؟ "

" نعم، مختلفة حقًا."

" هل نذهب في نزهة مرة أخرى ؟ "

اقترح إدوين بخبث، منتظرًا رد فعل أوليڤيا.

كان يتوقع إجابة فورية، لكن أوليڤيا زمّت شفتيها ثم أجابت بعد لحظة .

" …… هل يمكن أن نذهب مرتين ؟ "

انفجر إدوين بالضحك من صوتها الجاد، و احمر وجه أوليڤيا بشدة من ضحكته المرحة .

— الصورة التوضيحية : هـنـا .

* * * * * * * * * * * * * * * * * *

" ولكن لماذا هذه النزهة ؟ هناك قرية على بعد مسافة قصيرة، ألن تكون السيدة مرتاحة أكثر في مطعم لائق ؟ "

عندما كادت الشطائر الكثيرة أن تنفد، سأل أحد الفرسان المتدربين بفضول . بدلاً من الإجابة، نظر هوارد خلسةً في اتجاه سيده .

تحت الأشجار الوارفة، بدا مظهر سمو الدوق الأكبر و الآنسة الجالسين على مفرش بيج واسع كلوحة فنية .

توضيح : تُوصف الشجرة بـ"الوارفة" عندما تكون أغصانها متشابكة و أوراقها غزيرة، مما يُكوّن ظلاً كثيفًا يُستخدم ملاذًا من الشمس .

استمر الاثنان في الابتسام وهما يتحدثان بسعادة .

تخلل صوت الطبيب براندون إلى مشهد سمو الدوق الأكبر وهو يضع العصير الفواكه أمام الآنسة بشكل طبيعي بين الحين والآخر .

" سِرْ بالعربة ببطء قدر الإمكان في طريقك، كما تعلم، السيدة من النوع الذي يتحمل كثيرًا، لذا قد لا تخبرك إذا شعرت بتوعك."

" وما هي النقاط الأخرى التي يجب الانتباه إليها ؟ "

" من الجيد أن تتعرض لأشعة الشمس كثيرًا، إنها شخصية هادئة و قليلة الحركة، ولا تتعرض لأشعة الشمس تقريبًا، هذا أمر يصعب وصفه."

تذكر هوارد سمو الدوق الأكبر وهو يستمع باهتمام و يحتفظ بابتسامة رائعة على شفتيه .

" لحسن الحظ، لقد أعددت ذلك بالفعل."

أومأ هوارد برأسه وهو يدرك خطة إدوين منذ أن طلب من مارثا إعداد مئات الشطائر .

" …… حسنًا، لأن الجو جميل."

ظل وجه الفارس المتدرب لا يفهم شيئًا، لكنه سرعان ما ابتسم ببهجة وكأن الأمور تسير على ما يرام.

* * * * * * * * * * * * * * * * * *

تدفق ضوء الشمس من بين الأوراق الخضراء الكثيفة . عندما أصابتها أشعة الشمس، لمعت الأوراق الخضراء الداكنة باللون الفضي .

كان من الممتع جدًا رؤية الأغصان الرفيعة تتأرجح مع كل هبة ريح .

تطاير شعرها في مهب الريح اللطيفة، و دغدغت مؤخرة عنقها، لكن أوليڤيا لم تحاول جاهدة ترتيب شعرها .

كل شيء كان جميلاً . أصوات الفرسان البعيدة، و رؤية العشب الذي ينهض بعد أن أطاحته الرياح، و ضوء الشمس المبهر الذي يخترق الفراغات .

" ألا تشعرين بالبرد ؟ على الرغم من أننا في أواخر الربيع، إلا أن هناك رياحًا."

و إدوين الذي قدم لها البطانية .

رفعت أوليڤيا زاوية فمها وهي تواجه عينيه الحمراوين المبتسمتين . هذه اللحظة التي تشبه لوحة فنية .

اعتقدت أوليڤيا أن الآن هو الوقت المناسب للتحدث .

" لديّ معروفٌ أطلبه منك يا إدوين "

اتسعت عينا إدوين وكأنه وجد الأمر ممتعًا . أخذت أوليڤيا نفسًا خفيفًا و استمرت في الكلام .

" عندما نصل إلى إقليم ڤيكاندر، هل ستنتظرني لأتأكد مما إذا كانوا الناس يرحبون بي أم لا ؟ "

* * * * * * * * * * * * * * * * * *

" … الجميع في إقليم ڤيكاندر مستعدون لخدمة الآنسة بكل إخلاص."

قبل أيام قليلة، وقبل مغادرتهم الدوقية . كانت إجابة سوبيل على سؤال أوليڤيا حكيمة، لكن أوليڤيا ابتسمت وقالت مرة أخرى :

" سألت عن الولاء، وليس عن الخدمة المخلصة."

سوبيل، الذي كان دائمًا يجيب ببرود و وقاحة، لم يتمكن من فتح فمه بسهولة . وعند رؤية ذلك، اعتقدت أوليڤيا أنه أمر طبيعي .

أول ما شعرت به عند وصولها إلى الدوقية هو أن الجميع هنا يحملون عداءً تجاه الإمبراطور و الأسرة الإمبراطورية .

وبينما كانوا يستخدمون تعبيرات محايدة قدر الإمكان عند التحدث معها، إلا أنهم استخدموا تعبيرات سلبية عن الإمبراطور بشكل غير مباشر .

إدوين أيضًا كان هكذا . لم ترى قط نبيلاً لا يطلق لقب "صاحب الجلالة" على الإمبراطور . في كل مرة يحدث ذلك، تتذكر أوليڤيا المعلومات التي لديها عن دوقية ڤيكاندر الكبرى دون أن تظهر شيئًا .

القصة المنتشرة في الإمبراطورية كانت : " كان هناك صراع بين الإمبراطور و الدوق الأكبر السابق، لكن الدوق الأكبر السابق خسر، و كتعويض لذلك، خاض الدوق الأكبر السابق الحرب و مات، وبعد وفاة الدوق الأكبر السابق، تولى الدوق الحالي إدوين القيادة و تجول في ساحات القتال كذراع الإمبراطور اليمنى و اكتسب قوته ".

وبهذا المعنى، كان بإمكانها فهم عداء دوقية ڤيكاندر للإمبراطور، لذلك، لم تستطع إلا أن تفكر أكثر .

أنا مستعدة للنظر إلى الجميع في إقليم ڤيكاندر، لكنهم …

و نظرت إلى سوبيل الذي لم يستطع الكلام، فوجدت أوليڤيا الإجابة .

لذلك أرادت أن تخبر إدوين بذلك بالتأكيد … أن يراقبها فقط .

* * * * * * * * * * * * * * * * * *

" عندما نصل إلى إقليم ڤيكاندر، هل ستنتظرني لأتأكد مما إذا كانوا الناس يرحبون بي أم لا ؟ "

حتى بعد أن تحدثت، راقبت أوليڤيا تعابير إدوين، و شعرت بجفاف في حلقها بشكل غريب .

هل جعلت كلماتها أهل إقليم ڤيكاندر أشخاصًا متحيزين عن غير قصد ؟ كانت قلقة في تلك اللحظة .

" سأفعل ذلك."

أومأ إدوين برأسه بهدوء وكأن الأمر ليس شيئًا كبيرًا . لم تتوقع أوليڤيا هذا، لقد فوجئت برؤية إدوين يوافق على كلامها بسهولة . عند رؤية ذلك، ضاقت عينا إدوين و ظهرت عليهما لمسة من الخبث .

" لماذا ؟ ألم يكن هذا ما أردته ؟ "

" لا، ليس ذلك، لكنني لم أتوقع أن توافق بهذه السهولة."

" أنا أستمع لكلمات أوليڤيا جيدًا، وبالمناسبة، لقد جعلتِ وينستر في صفكِ بالفعل دون أن أفعل أنا أي شيء."

" ماذا ؟ "

أمالت أوليڤيا رأسها . وينستر كان دائمًا يبتسم بطبيعته، لذا لم تفهم ما كان يقصده .

" وينستر، على الرغم من أنه يبتسم كثيرًا، إلا أنه يفهم الناس جيدًا، حقيقة أن هذا الرجل الانتقائي انحاز إلى جانب أوليڤيا هي قوتكِ، قوة تفتح قلوب الناس بسهولة."

مع صوته الهادئ، خفضت أوليڤيا رأسها . تلاقت قدماها تحت الفستان، لا تعرفان ماذا تفعلان، و تشابكت أصابعها مرارًا وتكرارًا .

هذا الشعور الذي يدغدغ من أسفل بطنها كان غريبًا جدًا لدرجة أنه لا يمكن التعود عليه، وفي نفس الوقت كان جميلاً .

" ستقومين بعمل جيد في إقليم ڤيكاندر أيضًا، ما الذي يجب أن أقلق بشأنه ؟ أنا يجب أن أقلق على نفسي، إذا لم تتفاعلي معي هناك "

على الرغم من تظاهر إدوين بالتذمر، كانت عيناه مليئتين بالثقة في أوليڤيا.

كان شعورًا لطيفًا جدًا أن يلمس قلبها هكذا .

وفي هذه الأثناء، ازداد توقع أوليڤيا شيئًا فشيئًا .

* * * * * * * * * * * * * * * * * *

في غرفة استقبال دوقية ڤيكاندر .

" لا يعقل ! أن تكون السيدة التي اختارها سمو الدوق الأكبر هي الأميرة مادلين ! "

— بوووم .

مع صوت ضربة قوية على الطاولة، تجمدت عينا بيثاني . عندما أدرك الفارس ذو الشعر الأحمر ذلك، ارتعشت عيناه البنيتان وسرعان ما راجع موقفه .

" أنا آسف بيثاني، لكن هذا غير مقبول، كيف يأخذ أميرة من فصيل الإمبراطور ! ويُقال أنها كانت خطيبة ولي العهد ! "

" وماذا في ذلك ؟ إنها السيدة التي أقسم لها سمو الدوق الأكبر، لماذا أنت ثائر هكذا ؟ حتى أن عينيها خضراوان "

ضيّقت بيثاني عينيها المتجعّدتين وكأن الأمر لا يهم . كما هو متوقع، ارتعش الفارس ذو الشعر الأحمر، ديان سيزيلين، عند ذكر "العينين الخضراوين".

حاول ديان إخفاء ذلك و تحدث بمبالغة أكبر .

" … لكن ! إنها أميرة من عائلة مادلين الموالية للإمبراطور ! من يدري ما هي نواياها ؟ لا أريدها أن تجلب معها الشائعات أيضًا، ينبغي أن يختار سمو الدوق الأكبر سيدة مثالية، آه … "

فجأة، أمسك ديان عينيه، و عبس جبينه وكأن عينه اليسرى تؤلمه . عند رؤية ذلك، تخلت بيثاني حتى عن موقفها البارد وقالت بأسف :

" لقد أخبرتك أن تخلع العدسات، أخبرتك مرارًا و تكرارًا أن العدسات ليست ضرورية في إقليم ڤيكاندر، يمكنني حتى أن ألقي عليك تعويذة سحرية."

" شكرًا لك، لكن هذا أكثر راحة، آسف، هل يمكنني العودة إلى غرفتي ؟ "

أومأت بيثاني برأسها لكلماته . عندما غادر ديان غرفة الاستقبال وهو يخفض رأسه بأدب، هزت بيثاني رأسها بأسف .

" إنه فتى طيب."

نظرت بيثاني إلى ديان وكأنه جرو صغير حذر، ثم التفتت إلى الخلف .

دمعت عينا بيثاني وهي تنظر إلى الصورة المغطاة بالستارة .

* * * * * * * * * * * * * * * * * *

أمام المرحاض .

وضع ديان يديه على الحوض، و أخذ نفسًا عميقًا، و نظر في المرآة .

" لقد عاد."

تردد صوت ديان الحزين في المرحاض، و نظر في المرآة بوجه يبدو عليه بعض الحزن .

عدساته التي جعلت عينيه تبدوان بنيتين، تحتها ظهرت عيناه الخضراوان الفاتحتان .

****************************

*

إرسال تعليق (0)
أحدث أقدم

اعلان