الفصل ٣٦ : ‏Do Your Best to Regret

{ ليس خطأك }


كانت هذه هي المرة الأولى التي أكون فيها بمفردي في غرفة غريبة .

كبتت إيسيلا شعورها بالقلق و شبكت يديها . شعرت ببرودة عقد الألماس الوردي الذي كانت تحمله اليوم .

جف حلقها . أرادت شرب كوب من الشاي الدافئ على الأقل، لكن الشاي الذي أحضره الخادم ذو المظهر الفظ كان باردًا منذ فترة طويلة .

مر وقت طويل منذ وصولها إلى هنا، لكن الباب لم يُفتح .

فجأة، تذكرت إيسيلا، التي كانت تحدق في الباب بانتظار، الصوت البارد للدوق الأكبر .

" إذا كنتِ واثقة من أنكِ لن تتوقعي شيئًا، فسوف أدعكِ تدخلين "

لقد كان كلامه صحيحًا، لكنها استمرت في التحديق في الباب . خفضت إيسيلا رأسها مرة أخرى .

لا تتوقع شيئًا . مجرد دخولها إلى هنا كان أكثر مما تستحقه، لذا، لا تتوقع رؤية أختها .

استمرت إيسيلا في تكرار كلمات الدوق الأكبر .

عندما بدأ الظلام يحل، تمكنت إيسيلا بمساعدة فيرونيكا و سالي من مغادرة قصر مادلين و الوصول إلى قصر الدوق الأكبر ڤيكاندر .

لم يكن هناك سبيل للدخول إلى القصر المغلق بإحكام . كان عليها فقط أن تنتظر قدوم أختها التي كانت في الخارج .

بدأت السماء تُظلم . عندما توقفت عربة أمام البوابة، تسلل الصوت البارد فوق رأس إيسيلا .

نظرت إلى نافذة العربة وهي شاردة الذهن، فرأت الدوق الأكبر ڤيكاندر .

رجل وسيم بشكل مذهل، وفي الوقت نفسه، رجل مخيف لدرجة لا يمكن تصديقها .

لو كانت إيسيلا في حالتها الطبيعية، لتجمدت في مكانها، لكن ما هذه الشجاعة ؟

أمسكت إيسيلا بقلادة الألماس الوردية في يدها وقالت للدوق الأكبر :

" … إيـ، إيسيلا مادلين تحيي البطل العظيم صاحب السمو الدوق الأكبر ڤيكاندر، فقط أخبر أختي أنني هنا."

اختفى كل ما تعلمته عن الحفاظ على الأناقة و الهدوء، و اهتز صوت إيسيلا بشكل بائس .

بمجرد أن أنهت إيسيلا كلامها، التوى فم الدوق الأكبر من جانب واحد بابتسامة . برقت عيناه الحمراوان اللتان تحدقان بها بشكل مخيف .

شعرت إيسيلا بالرجفة و تراجعت للخلف دون وعي بسبب الهالة التي تضغط عليها بقوة .

" إذا استمرت في قول مثل هذه الكلمات السخيفة، فاطردوها على الفور "

كانت هذه هي النهاية . قبل أن تتمكن إيسيلا من قول المزيد، انفتح الباب و غادرت العربة، ثم سمعت صوت هادئ من الخلف .

" ماذا تفعلين ؟ "

نزل فارس ذو شعر بني من الحصان و سألني وهو يحدق بي . في هالة أكثر راحة بكثير من الدوق الأكبر الذي كان يسبب التجمد، قالت إيسيلا بحذر :

"جئت لرؤية أختي، ألا يمكنك أن تخبر أختي أنني هنا؟"

قد تكون هذه هي الفرصة الأخيرة اليوم . بما أنني خرجت سرًا هكذا، فقد أضطر إلى البقاء في المنزل من الآن فصاعدًا . كان عليّ أن أرى أختي و أخبرها .

لكن على عكس نية إيسيلا القوية، حدق الفارس ذو الشعر البني بها بتفاجؤ ثم قال ببرود : " هل يجب أن نخبر الآنسة أوليڤيا بمجيئك ؟ "

" ماذا ؟ ما هذا الهراء … "

آنسة ؟ أختي هي الأميرة مادلين .

قبل أن تتمكن من تصحيح اللقب الخاطئ، واصل الفارس ذو الشعر البني حديثه بصوت رتيب .

" لو علمت الآنسة بقدومك، لرغبت في رؤيتكِ بالتأكيد "

" ولكن لماذا …؟! "

" لأن الآنسة طيبة القلب، و أنتِ التي تعلمين ذلك، جئتِ بلا مبالاة لزيارتها دون مراعاة مشاعرها "

للحظة، شعرت إيسيلا وكأنها تلقت صفعة على مؤخرة رأسها .

ماذا يعرف هذا الرجل الغريب ليكون وقحًا هكذا ؟

أرادت إيسيلا أن تنفجر غضبًا على الفور، لكن شفتيها كانتا ترتجفان .

أرادت إيسيلا فقط أن تعتذر لأختها . لقد أخطأت كثيرًا حتى الآن . أرادت أن تبكي و تتوسل إلى أختها لتغفر لها .

" مجرد مجيئكِ إلى هنا يضيق خيارات الآنسة، بخلاف قرار ما إذا كانت ستلتقي بكِ أم لا، فإنها ستضطر إلى اتخاذ قرار ما إذا كانت ستلتقي بكِ 'الآن' أم لا "

لكنها لم تكن تعلم أن مجيئها لمقابلة أختها دون سؤالها عما إذا كانت تريد مقابلتها، كان خطأً . لم يكن هناك أي لوم حتى في صوت الفارس الذي كان يذكر الحقائق بهدوء .

كان هذا جانبًا لم تفكر فيه أبدًا عندما جاءت للاعتذار . ما إذا كانت أختها تريد رؤيتها أم لا … وما إذا كان الوقت مناسبًا الآن أم لا … أشياء كهذه .

كيف يمكن لشخص غريب أن يهتم بأختي أكثر مني، وأنا عائلتها ؟

انحنى رأس إيسيلا ببطء. نظر الفارس إليها وسأل مرة أخرى ببطء : " … لا تتوقعي أن تخرج الآنسة، ولكن إذا أردتِ ذلك، فستتمكنين من شرب كوب من الشاي على الأقل قبل أن تذهبي، ماذا ستفعلين ؟ "

لم يكن لدى إيسيلا سوى إجابة واحدة . أومأت برأسها بضعف .

" … سأفعل ذلك."

* * * * * * * * * * * * * * * * * *

نظرت إيسيلا إلى الباب عدة مرات . ظل الباب المغلق بإحكام كما هو، وكأنه لم يُفتح قط.

تراكم الإحباط تدريجيًا، لكنها همست لنفسها في كل مرة : " لقد دخلت و أنا عازمة على ألا أتوقع شيئًا، أختي قد لا تأتي "

الافتراض الذي كان يضرب قلبها بقوة أصبح حقيقة تدريجيًا .

أحاطت إيسيلا كوب الشاي البارد بهدوء بيديها . شعور البرودة هدأت قلبها بدلاً من ذلك .

نعم. على أي حال، حتى لو التقت بأختها الآن، لما استطاعت أن تتحدث بشكل صحيح .

ربما كانت ستقول كلمة "آسفة" فقط .

آسفة لأنني قلت كلمات لا ينبغي أن تقال لأختي، آسفة لأنني ألقيت اللوم على أختي في وفاة أمي، آسفة لأنني لم أتدخل عندما أساء أبي و إخوتي معاملة أختي .

حتى عندما كنت أعلم أن أختي تتعرض للتوبيخ في اليوم التالي لكل مرة ألعب فيها معها، كنت أذهب للعب .

فجأة، اتسعت عينا إيسيلا . فقدت القوة من يدها التي كانت تمسك كوب الشاي .

في ذلك الوقت، كانت أختي تبلغ من العمر ثماني سنوات فقط . عمر كافٍ للخوف من الأشباح . حتى أنا أشعر بالقلق في هذه الغرفة الغريبة الآن . لماذا لم أفكر أبدًا أن أختي قد تخاف من الأشباح في ذلك الوقت ؟

خطر وجه أختي على ذهني . الوجه الذي كان يبتسم دائمًا من بعيد . كيف لأختي أن تبتسم دائمًا ؟ لا بد أن الأمر كان صعبًا، ولكن إذا كانت معتادة على عدم إظهار ذلك …

كم عدد الأشياء التي تجاهلتها و أدت إلى إيذاء أختي ؟

شعرت وكأن شيئًا حادًا خدش حلقها من الداخل . وخز أنفها و شعرت بانقباض في صدرها .

لا يمكنني البكاء بمفردي هكذا في قصر الدوق الأكبر، كالمغفلة .

نهضت إيسيلا بسرعة من مكانها . لم يكن لديها وجه لترى أختها اليوم .

لاحقًا، عليها أن تعود لاحقًا . كان عليها أن تكتب رسالة تعبر فيها عن مشاعرها الحقيقية تجاه أختها، وليس مجرد اعتذار سطحي فكرت فيه.

كانت تلك هي اللحظة التي اقتربت فيها إيسيلا من الباب . انفتح الباب وفي نفس الوقت دخل وجه مألوف .

" أوه، أختي."

" … إيسيلا."

الشخص الذي اتسعت عيناه الخضراوان الجميلتان بتفاجؤ، كانت أوليڤيا. خطر على ذهن إيسيلا أن هذه قد تكون الفرصة الأخيرة، فانفتح فمها .

" أختي، أنا هنا، لدي الكثير لأعتذر لكِ عليه، وهذا المجيء المفاجئ أيضًا."

اهتز صوتها بشكل مثير للشفقة، و كانت تتحدث بشكل غير مترابط لدرجة أنها لم تكن تعرف حتى ما تقوله بنفسها .

نظرت أوليڤيا إليها دون أن تقول شيئًا . شعرت إيسيلا بالخوف الشديد لأنها كانت المرة الأولى التي ترى فيها مثل هذا التعبير الذي لا يمكن قراءته .

شعرت وكأن أختها ستستدير و تذهب في أي لحظة . انقبض قلب إيسيلا فجأة، لذلك، بدأت تقول ما أرادت قوله دون حتى ترتيب .

" … أختي، لقد جئت للاعتذار، أنا آسفة لمجيئي فجأة، ولكن مهما فكرت، لم يكن يجب أن أقول لكِ تلك الكلمات."

أغمضت إيسيلا عينيها بإحكام . تداخلت كلماتها التي قالتها في ذهنها .

" هل حقًا … بسببكِ ماتت أمي ؟ "

" لا تلمسيني ! أنتِ قذرة ! "

" كان بسببكِ … اختفت أمي فجأة … كان كله بسببكِ ! "

لقد اتهمتها بجرأة، و حكمت عليها بقسوة . كيف يمكنني أن أقول مثل هذه الكلمات لأختي ؟

" … لم يكن يجب أن أتجاهل ما كان يفعله أبي و إخوتي لكِ."

ماذا لو كنت قد دافعت عن أختي مرة واحدة ؟ ماذا لو كنت قد قلت أنني سأذهب مع أختي إلى حفلة شاي ڤيرونيا ؟ ماذا لو أنني أحضرت عصيرها إلى أبي كلما تجاهل عصير أختي ؟

تكسرت الأحداث الماضية كشظايا زجاج و استقرت في قلبها . تدفقت عليها الأحداث التي لا يمكن إصلاحها بغزارة .

" لم يكن يجب أن تعاني وحدكِ في القصر الإمبراطوري بدلاً مني."

" …… "

" … ولم يكن يجب أن تكوني وحدكِ في غرفة العلية المخيفة في الطابق الرابع."

كلما تحدثت أكثر، لم تستطع فتح عينيها لرؤية وجه أختها . أصبح صوت إيسيلا أجشًا بشكل متزايد .

لا يجب أن أبكي … لا يزال لديّ الكثير لأقوله .

فجأة، فتحت إيسيلا عينيها .

لو كانت هذه هي المرة الأخيرة، أردت أن أرى وجه أختي على الأقل .

في اللحظة التي رفعت فيها رأسها و واجهت أوليڤيا، لم يخطر ببال إيسيلا أي شيء . كان وجه أختها الذي رأته آخر مرة شاحبًا تمامًا، لكن أختها الآن كانت تتلألأ بأجمل ما رأتها به على الإطلاق .

وكأنها تشعر بالراحة التامة في هذا المكان .

وبمجرد أن أدركت إيسيلا هذه الحقيقة، عضت شفتيها بقوة . عضتها بقوة شديدة، لكنها لم تشعر بالألم .

تمتمت إيسيلا : " … آه، ماذا أفعل ؟ "

كان تنهدًا مليئًا بالارتعاش، وكأنها لا تعرف ماذا تفعل . احمر أنف إيسيلا، ثم بدأت الدموع الشفافة تملأ عينيها الأرجوانيتين.

" أختي، أنا آسفة … حقًا، أنا آسفة حقًا."

ابتلعت إيسيلا شهقاتها و سحبت كم فستانها لتمسح وجهها . أمسكت أوليڤيا، التي كانت تحدق بها بنظرة فارغة، بذراع إيسيلا، ولم يكن ذلك باندفاع .

عندما نظرت إيسيلا إليها بوجه متفاجئ، عندها فقط، استقرت مشاعر أوليڤيا المضطربة قليلاً .

لم تستطع أوليڤيا فهم كل ما كانت تقوله إيسيلا .

رفعت أوليڤيا إصبعها ببطء، ثم نقرت على جبين إيسيلا الجميل المستدير .

" آه ! "

توقفت إيسيلا عن البكاء بسبب النقرة المفاجئة و نظرت إليها . وضعت أوليڤيا تعبيرًا صارمًا عمدًا .

" تلك الكلمات حقًا، لقد أخطأتِ فيها يا إيسيلا."

شعرت بالاستياء الشديد . ظل كلام إيسيلا يتردد في ذهنها لفترة طويلة، لكن أوليڤيا كبتت ذلك بصعوبة، حتى موقف إيسيلا التي لم تستمع إلى كلماتها .

يبدو أن إيسيلا كانت تشعر بنفس الشيء عندما تذكرت ذلك الوقت . امتلأت عيناها بالدموع مرة أخرى .

" لكن، أما بالنسبة للباقي …… "

توقفت أوليڤيا عن الكلام للحظة . أما الأشياء الأخرى التي اعتذرت عنها إيسيلا بخلاف ما قالته لها .

" أما الباقي، فليس خطأكِ يا إيسيلا."

" لا، كل ذلك …… "

أمسكت أوليڤيا كتف إيسيلا بخفة . ربما بسبب البكاء، كان جسد إيسيلا دافئًا . تمامًا كما كانت عندما كانت صغيرة، لذلك، استطاعت أوليڤيا أن تتحدث بوضوح أكبر .

" إيسيلا، هذا ليس خطأكِ."

" هذا ليس خطأكِ يا صغيرتي "

ثم رأت وجه الدوقة على وجه إيسيلا .

— الصورة التوضيحية : هـنـا .

شخصية حنونة و لطيفة و طيبة، و أنيقة بلا حدود . شخص لم يلوم أوليڤيا أبدًا، حتى مع امتلاء وجهها بالدموع .

كبرتُ و عرفت، كم كان من الصعب لوم زوجها الدوق مادلين، بينما كان من الأسهل أن تقوم بلومي .

سأكذب إذا قلت أنني لم أكره إيسيلا، لكن على الأقل، لم أرغب في إلقاء اللوم كله عليها، لأن الدوقة هي من علمتني ذلك .

لذا، كره الدوق لي، و ازدراء كونراد و جايد لي، و وجودي في علية الطابق الرابع المخيفة ……

" لقد اعتذرتِ عما قلتيه، لذا لا بأس."

كل شيء كان خطأ الدوق، و خطأ كونراد و جايد.

" لذا، لا تبكي."

طلبت منها ألا تبكي، لكن بمجرد سماعها تلك الكلمات، بدأت إيسيلا تبكي بصوت أعلى . استمرت الدموع في التدفق على وجهها المستدير، البكاء هكذا سيسبب لها صداعًا .

بشكل تلقائي، حاولت أوليڤيا مسح دموعها، ثم توقفت . لم تحتضن إيسيلا منذ فترة طويلة جدًا .

اعتقدت أنه لا يجب أن تقترب من إيسيلا، لكن الآن لم يعد الأمر كذلك . ربتت أوليڤيا على كتف إيسيلا بشكل محرج … مرة، و مرتين .

اتسعت عينا إيسيلا . فجأة، عانقت إيسيلا أوليڤيا .

احتضنها دفء مألوف، وفي نفس الوقت، ربتت إيسيلا الباكية على ظهرها .

دائمًا ما كنت أعتبرها صغيرة، لكن حضن إيسيلا الذي احتضنني كان دافئًا، و يدها التي تربت عليّ كانت غريبة .

عانقت أوليڤيا إيسيلا دون وعي . عندما انتشر الدفء الذي كان في يديها منذ فترة طويلة من منتصف راحة اليد إلى الخارج . بدأ وجه أوليڤيا يبتل بالدموع، تمامًا مثل إيسيلا .

****************************

*

إرسال تعليق (0)
أحدث أقدم

اعلان