كانت هذه هي المرة الأولى التي أكون فيها بمفردي في غرفة غريبة .
كبتت إيسيلا شعورها بالقلق و شبكت يديها . شعرت ببرودة عقد الألماس الوردي الذي كانت تحمله اليوم .
جف حلقها . أرادت شرب كوب من الشاي الدافئ على الأقل، لكن الشاي الذي أحضره الخادم ذو المظهر الفظ كان باردًا منذ فترة طويلة .
مر وقت طويل منذ وصولها إلى هنا، لكن الباب لم يُفتح .
فجأة، تذكرت إيسيلا، التي كانت تحدق في الباب بانتظار، الصوت البارد للدوق الأكبر .
" إذا كنتِ واثقة من أنكِ لن تتوقعي شيئًا، فسوف أدعكِ تدخلين "
لقد كان كلامه صحيحًا، لكنها استمرت في التحديق في الباب . خفضت إيسيلا رأسها مرة أخرى .
لا تتوقع شيئًا . مجرد دخولها إلى هنا كان أكثر مما تستحقه، لذا، لا تتوقع رؤية أختها .
استمرت إيسيلا في تكرار كلمات الدوق الأكبر .
عندما بدأ الظلام يحل، تمكنت إيسيلا بمساعدة فيرونيكا و سالي من مغادرة قصر مادلين و الوصول إلى قصر الدوق الأكبر ڤيكاندر .
لم يكن هناك سبيل للدخول إلى القصر المغلق بإحكام . كان عليها فقط أن تنتظر قدوم أختها التي كانت في الخارج .
بدأت السماء تُظلم . عندما توقفت عربة أمام البوابة، تسلل الصوت البارد فوق رأس إيسيلا .
نظرت إلى نافذة العربة وهي شاردة الذهن، فرأت الدوق الأكبر ڤيكاندر .
رجل وسيم بشكل مذهل، وفي الوقت نفسه، رجل مخيف لدرجة لا يمكن تصديقها .
لو كانت إيسيلا في حالتها الطبيعية، لتجمدت في مكانها، لكن ما هذه الشجاعة ؟
أمسكت إيسيلا بقلادة الألماس الوردية في يدها وقالت للدوق الأكبر :
" … إيـ، إيسيلا مادلين تحيي البطل العظيم صاحب السمو الدوق الأكبر ڤيكاندر، فقط أخبر أختي أنني هنا."
اختفى كل ما تعلمته عن الحفاظ على الأناقة و الهدوء، و اهتز صوت إيسيلا بشكل بائس .
بمجرد أن أنهت إيسيلا كلامها، التوى فم الدوق الأكبر من جانب واحد بابتسامة . برقت عيناه الحمراوان اللتان تحدقان بها بشكل مخيف .
شعرت إيسيلا بالرجفة و تراجعت للخلف دون وعي بسبب الهالة التي تضغط عليها بقوة .
" إذا استمرت في قول مثل هذه الكلمات السخيفة، فاطردوها على الفور "
كانت هذه هي النهاية . قبل أن تتمكن إيسيلا من قول المزيد، انفتح الباب و غادرت العربة، ثم سمعت صوت هادئ من الخلف .
" ماذا تفعلين ؟ "
نزل فارس ذو شعر بني من الحصان و سألني وهو يحدق بي . في هالة أكثر راحة بكثير من الدوق الأكبر الذي كان يسبب التجمد، قالت إيسيلا بحذر :
"جئت لرؤية أختي، ألا يمكنك أن تخبر أختي أنني هنا؟"
قد تكون هذه هي الفرصة الأخيرة اليوم . بما أنني خرجت سرًا هكذا، فقد أضطر إلى البقاء في المنزل من الآن فصاعدًا . كان عليّ أن أرى أختي و أخبرها .
لكن على عكس نية إيسيلا القوية، حدق الفارس ذو الشعر البني بها بتفاجؤ ثم قال ببرود : " هل يجب أن نخبر الآنسة أوليڤيا بمجيئك ؟ "
" ماذا ؟ ما هذا الهراء … "
آنسة ؟ أختي هي الأميرة مادلين .
قبل أن تتمكن من تصحيح اللقب الخاطئ، واصل الفارس ذو الشعر البني حديثه بصوت رتيب .
" لو علمت الآنسة بقدومك، لرغبت في رؤيتكِ بالتأكيد "
" ولكن لماذا …؟! "
" لأن الآنسة طيبة القلب، و أنتِ التي تعلمين ذلك، جئتِ بلا مبالاة لزيارتها دون مراعاة مشاعرها "
للحظة، شعرت إيسيلا وكأنها تلقت صفعة على مؤخرة رأسها .
ماذا يعرف هذا الرجل الغريب ليكون وقحًا هكذا ؟
أرادت إيسيلا أن تنفجر غضبًا على الفور، لكن شفتيها كانتا ترتجفان .
أرادت إيسيلا فقط أن تعتذر لأختها . لقد أخطأت كثيرًا حتى الآن . أرادت أن تبكي و تتوسل إلى أختها لتغفر لها .
" مجرد مجيئكِ إلى هنا يضيق خيارات الآنسة، بخلاف قرار ما إذا كانت ستلتقي بكِ أم لا، فإنها ستضطر إلى اتخاذ قرار ما إذا كانت ستلتقي بكِ 'الآن' أم لا "
لكنها لم تكن تعلم أن مجيئها لمقابلة أختها دون سؤالها عما إذا كانت تريد مقابلتها، كان خطأً . لم يكن هناك أي لوم حتى في صوت الفارس الذي كان يذكر الحقائق بهدوء .
كان هذا جانبًا لم تفكر فيه أبدًا عندما جاءت للاعتذار . ما إذا كانت أختها تريد رؤيتها أم لا … وما إذا كان الوقت مناسبًا الآن أم لا … أشياء كهذه .
كيف يمكن لشخص غريب أن يهتم بأختي أكثر مني، وأنا عائلتها ؟
انحنى رأس إيسيلا ببطء. نظر الفارس إليها وسأل مرة أخرى ببطء : " … لا تتوقعي أن تخرج الآنسة، ولكن إذا أردتِ ذلك، فستتمكنين من شرب كوب من الشاي على الأقل قبل أن تذهبي، ماذا ستفعلين ؟ "
لم يكن لدى إيسيلا سوى إجابة واحدة . أومأت برأسها بضعف .
" … سأفعل ذلك."
* * * * * * * * * * * * * * * * * *
نظرت إيسيلا إلى الباب عدة مرات . ظل الباب المغلق بإحكام كما هو، وكأنه لم يُفتح قط.
تراكم الإحباط تدريجيًا، لكنها همست لنفسها في كل مرة : " لقد دخلت و أنا عازمة على ألا أتوقع شيئًا، أختي قد لا تأتي "
الافتراض الذي كان يضرب قلبها بقوة أصبح حقيقة تدريجيًا .
أحاطت إيسيلا كوب الشاي البارد بهدوء بيديها . شعور البرودة هدأت قلبها بدلاً من ذلك .
نعم. على أي حال، حتى لو التقت بأختها الآن، لما استطاعت أن تتحدث بشكل صحيح .
ربما كانت ستقول كلمة "آسفة" فقط .
آسفة لأنني قلت كلمات لا ينبغي أن تقال لأختي، آسفة لأنني ألقيت اللوم على أختي في وفاة أمي، آسفة لأنني لم أتدخل عندما أساء أبي و إخوتي معاملة أختي .
حتى عندما كنت أعلم أن أختي تتعرض للتوبيخ في اليوم التالي لكل مرة ألعب فيها معها، كنت أذهب للعب .
فجأة، اتسعت عينا إيسيلا . فقدت القوة من يدها التي كانت تمسك كوب الشاي .
في ذلك الوقت، كانت أختي تبلغ من العمر ثماني سنوات فقط . عمر كافٍ للخوف من الأشباح . حتى أنا أشعر بالقلق في هذه الغرفة الغريبة الآن . لماذا لم أفكر أبدًا أن أختي قد تخاف من الأشباح في ذلك الوقت ؟
خطر وجه أختي على ذهني . الوجه الذي كان يبتسم دائمًا من بعيد . كيف لأختي أن تبتسم دائمًا ؟ لا بد أن الأمر كان صعبًا، ولكن إذا كانت معتادة على عدم إظهار ذلك …
كم عدد الأشياء التي تجاهلتها و أدت إلى إيذاء أختي ؟
شعرت وكأن شيئًا حادًا خدش حلقها من الداخل . وخز أنفها و شعرت بانقباض في صدرها .
لا يمكنني البكاء بمفردي هكذا في قصر الدوق الأكبر، كالمغفلة .
نهضت إيسيلا بسرعة من مكانها . لم يكن لديها وجه لترى أختها اليوم .
لاحقًا، عليها أن تعود لاحقًا . كان عليها أن تكتب رسالة تعبر فيها عن مشاعرها الحقيقية تجاه أختها، وليس مجرد اعتذار سطحي فكرت فيه.
كانت تلك هي اللحظة التي اقتربت فيها إيسيلا من الباب . انفتح الباب وفي نفس الوقت دخل وجه مألوف .
" أوه، أختي."
" … إيسيلا."
الشخص الذي اتسعت عيناه الخضراوان الجميلتان بتفاجؤ، كانت أوليڤيا. خطر على ذهن إيسيلا أن هذه قد تكون الفرصة الأخيرة، فانفتح فمها .
" أختي، أنا هنا، لدي الكثير لأعتذر لكِ عليه، وهذا المجيء المفاجئ أيضًا."
اهتز صوتها بشكل مثير للشفقة، و كانت تتحدث بشكل غير مترابط لدرجة أنها لم تكن تعرف حتى ما تقوله بنفسها .
نظرت أوليڤيا إليها دون أن تقول شيئًا . شعرت إيسيلا بالخوف الشديد لأنها كانت المرة الأولى التي ترى فيها مثل هذا التعبير الذي لا يمكن قراءته .
شعرت وكأن أختها ستستدير و تذهب في أي لحظة . انقبض قلب إيسيلا فجأة، لذلك، بدأت تقول ما أرادت قوله دون حتى ترتيب .
" … أختي، لقد جئت للاعتذار، أنا آسفة لمجيئي فجأة، ولكن مهما فكرت، لم يكن يجب أن أقول لكِ تلك الكلمات."
أغمضت إيسيلا عينيها بإحكام . تداخلت كلماتها التي قالتها في ذهنها .
" هل حقًا … بسببكِ ماتت أمي ؟ "
" لا تلمسيني ! أنتِ قذرة ! "
" كان بسببكِ … اختفت أمي فجأة … كان كله بسببكِ ! "
لقد اتهمتها بجرأة، و حكمت عليها بقسوة . كيف يمكنني أن أقول مثل هذه الكلمات لأختي ؟
" … لم يكن يجب أن أتجاهل ما كان يفعله أبي و إخوتي لكِ."
ماذا لو كنت قد دافعت عن أختي مرة واحدة ؟ ماذا لو كنت قد قلت أنني سأذهب مع أختي إلى حفلة شاي ڤيرونيا ؟ ماذا لو أنني أحضرت عصيرها إلى أبي كلما تجاهل عصير أختي ؟
تكسرت الأحداث الماضية كشظايا زجاج و استقرت في قلبها . تدفقت عليها الأحداث التي لا يمكن إصلاحها بغزارة .
" لم يكن يجب أن تعاني وحدكِ في القصر الإمبراطوري بدلاً مني."
" …… "
" … ولم يكن يجب أن تكوني وحدكِ في غرفة العلية المخيفة في الطابق الرابع."
كلما تحدثت أكثر، لم تستطع فتح عينيها لرؤية وجه أختها . أصبح صوت إيسيلا أجشًا بشكل متزايد .
لا يجب أن أبكي … لا يزال لديّ الكثير لأقوله .
فجأة، فتحت إيسيلا عينيها .
لو كانت هذه هي المرة الأخيرة، أردت أن أرى وجه أختي على الأقل .
في اللحظة التي رفعت فيها رأسها و واجهت أوليڤيا، لم يخطر ببال إيسيلا أي شيء . كان وجه أختها الذي رأته آخر مرة شاحبًا تمامًا، لكن أختها الآن كانت تتلألأ بأجمل ما رأتها به على الإطلاق .
وكأنها تشعر بالراحة التامة في هذا المكان .
وبمجرد أن أدركت إيسيلا هذه الحقيقة، عضت شفتيها بقوة . عضتها بقوة شديدة، لكنها لم تشعر بالألم .
تمتمت إيسيلا : " … آه، ماذا أفعل ؟ "
كان تنهدًا مليئًا بالارتعاش، وكأنها لا تعرف ماذا تفعل . احمر أنف إيسيلا، ثم بدأت الدموع الشفافة تملأ عينيها الأرجوانيتين.
" أختي، أنا آسفة … حقًا، أنا آسفة حقًا."
ابتلعت إيسيلا شهقاتها و سحبت كم فستانها لتمسح وجهها . أمسكت أوليڤيا، التي كانت تحدق بها بنظرة فارغة، بذراع إيسيلا، ولم يكن ذلك باندفاع .
عندما نظرت إيسيلا إليها بوجه متفاجئ، عندها فقط، استقرت مشاعر أوليڤيا المضطربة قليلاً .
لم تستطع أوليڤيا فهم كل ما كانت تقوله إيسيلا .
رفعت أوليڤيا إصبعها ببطء، ثم نقرت على جبين إيسيلا الجميل المستدير .
" آه ! "
توقفت إيسيلا عن البكاء بسبب النقرة المفاجئة و نظرت إليها . وضعت أوليڤيا تعبيرًا صارمًا عمدًا .
" تلك الكلمات حقًا، لقد أخطأتِ فيها يا إيسيلا."
شعرت بالاستياء الشديد . ظل كلام إيسيلا يتردد في ذهنها لفترة طويلة، لكن أوليڤيا كبتت ذلك بصعوبة، حتى موقف إيسيلا التي لم تستمع إلى كلماتها .
يبدو أن إيسيلا كانت تشعر بنفس الشيء عندما تذكرت ذلك الوقت . امتلأت عيناها بالدموع مرة أخرى .
" لكن، أما بالنسبة للباقي …… "
توقفت أوليڤيا عن الكلام للحظة . أما الأشياء الأخرى التي اعتذرت عنها إيسيلا بخلاف ما قالته لها .
" أما الباقي، فليس خطأكِ يا إيسيلا."
" لا، كل ذلك …… "
أمسكت أوليڤيا كتف إيسيلا بخفة . ربما بسبب البكاء، كان جسد إيسيلا دافئًا . تمامًا كما كانت عندما كانت صغيرة، لذلك، استطاعت أوليڤيا أن تتحدث بوضوح أكبر .
" إيسيلا، هذا ليس خطأكِ."
" هذا ليس خطأكِ يا صغيرتي "
ثم رأت وجه الدوقة على وجه إيسيلا .
— الصورة التوضيحية : هـنـا .
شخصية حنونة و لطيفة و طيبة، و أنيقة بلا حدود . شخص لم يلوم أوليڤيا أبدًا، حتى مع امتلاء وجهها بالدموع .
كبرتُ و عرفت، كم كان من الصعب لوم زوجها الدوق مادلين، بينما كان من الأسهل أن تقوم بلومي .
سأكذب إذا قلت أنني لم أكره إيسيلا، لكن على الأقل، لم أرغب في إلقاء اللوم كله عليها، لأن الدوقة هي من علمتني ذلك .
لذا، كره الدوق لي، و ازدراء كونراد و جايد لي، و وجودي في علية الطابق الرابع المخيفة ……
" لقد اعتذرتِ عما قلتيه، لذا لا بأس."
كل شيء كان خطأ الدوق، و خطأ كونراد و جايد.
" لذا، لا تبكي."
طلبت منها ألا تبكي، لكن بمجرد سماعها تلك الكلمات، بدأت إيسيلا تبكي بصوت أعلى . استمرت الدموع في التدفق على وجهها المستدير، البكاء هكذا سيسبب لها صداعًا .
بشكل تلقائي، حاولت أوليڤيا مسح دموعها، ثم توقفت . لم تحتضن إيسيلا منذ فترة طويلة جدًا .
اعتقدت أنه لا يجب أن تقترب من إيسيلا، لكن الآن لم يعد الأمر كذلك . ربتت أوليڤيا على كتف إيسيلا بشكل محرج … مرة، و مرتين .
اتسعت عينا إيسيلا . فجأة، عانقت إيسيلا أوليڤيا .
احتضنها دفء مألوف، وفي نفس الوقت، ربتت إيسيلا الباكية على ظهرها .
دائمًا ما كنت أعتبرها صغيرة، لكن حضن إيسيلا الذي احتضنني كان دافئًا، و يدها التي تربت عليّ كانت غريبة .
عانقت أوليڤيا إيسيلا دون وعي . عندما انتشر الدفء الذي كان في يديها منذ فترة طويلة من منتصف راحة اليد إلى الخارج . بدأ وجه أوليڤيا يبتل بالدموع، تمامًا مثل إيسيلا .
****************************