" هل استمتعتَ أيضًا، يا سمو ولي العهد ؟ "
الكلمات الثقيلة التي كنت أفكر فيها لفترة طويلة اختفت في الهواء . بدا وكأن هناك شقًا صغيرًا يظهر على وجه ليوبارد الخالي من التعبير .
في عينيه اللتين كانتا تنظران إليها دائمًا بهدوء، بدا وكأنه يظهر شعور غريب لأول مرة .
" …… لا."
عند سماع إجابته المنخفضة، أغلقت أوليڤيا فمها . ليوبارد اليوم كان مختلفًا حقًا عن المعتاد .
لقد وصفها بنفسه بأنها خطيبته، و ناداها بلقبها المستعار، ثم طلب منها الرقصة الأولى .
هل كانت هناك مشاعر ليوبارد الحقيقية في تلك الأمور التي ظنت أنها مجرد استخفاف بها ؟
على الرغم من أنها كانت خطوبة اضطر للموافقة عليها في البداية، ربما كان ليوبارد في قرارة نفسه يعتبرها خطيبته . ربما كان أيضًا يفتح قلبه لها بشكل غير مباشر .
اجتمعت آمال صغيرة واحدة تلو الأخرى . مع التوقعات التي تراكمت فوق خيبة الأمل، نظرت أوليڤيا ببطء إلى ليوبارد .
حنى ليوبارد عينيه بلطف، و نظر إليها بحدقة زرقاء سماوية في عينيه وكأنه يلومها .
شعرت أوليڤيا أن ليوبارد سيقول شيئًا مختلفًا عن توقعاتها .
" لقد تجرأتِ على معاملتي هكذا أمام جميع النبلاء، إذا قلتُ أنني استمتعتُ فقط، فهذا كذب "
برودة ماكرة ضغطت على أوليڤيا. ابتسمت أوليڤيا بمرارة لا إراديًا . لو لم تعض شفتيها، لهرب التنهد اليائس من فمها .
" اشكري ماريا "
ليوبارد الذي ذكر اسم ماريا ببرود، مرر خصلة من شعر أوليڤيا بلطف خلف أذنها . عند اقترابه قليلاً، شمت رائحة خشب رطب يحترق .
همس ليوبارد " لو لم تحاول ماريا تهدئة مزاجي، لكنتُ غاضبًا حقًا "
كانت أوهامها مضحكة . ليوبارد كان لا يزال كما هو، متى سيتحقق أملها في أن ينظر إليها إذا بذلت قصارى جهدها ؟
ضربها إدراك الواقع بقسوة . رفعت أوليڤيا طرف شفتيها بصعوبة .
عندما بدأت موسيقى جديدة، وضع ليوبارد يده على خصر أوليڤيا . كان ملمس يده على خصرها غريبًا .
ارتعشت أوليڤيا قليلاً، و همس ليوبارد وكأنه خطيبها المحبوب.
" إذا كنتِ مبتدئة، يجب أن تتظاهري بالبراعة، يا أميرة."
تلك الكلمات حفرت في قلب أوليڤيا كالمثقاب .
رقصت أوليڤيا …
لأيام لا حصر لها، كانت تتخيل هذا اليوم . الرقص مع ليوبارد وهي ترتدي ملابس بنفس لون ملابسه، و تتبع خطواته معًا .
من المؤكد أنها تخيلت أنها ستواجه عيني ليوبارد في وسط قاعة المأدبة الفاخرة، و تتلقى نظرات الجميع، وعندما يمسك بيدها و يرقص معها، كانت تعتقد أن عيني ليوبارد ستكون لطيفة كنسيم الربيع بالتأكيد، لكن الواقع لم يكن حلوًا أو دافئًا كما تخيلت .
على الرغم من أنها كانت نفس الرقصة بالتأكيد، إلا أن قيادة ليوبارد دفعت أوليڤيا بلا رحمة .
ركزت أوليڤيا بشدة و حاولت اللحاق بوتيرة ليوبارد . تحركت بسرعة بقدميها خوفًا من أن تدوس على قدمه . دارت و دارت، ارتفعت ثم نزلت … لم تكن هذه الرقصة ممتعة .
في لحظة ما، شعرت بألم في كاحلها، ثم أخيرًا انتهى الفالس .
— تصفيق، تصفيق .
اندلع تصفيق عالي . ليوبارد، الذي كان ينظر إليها بشكل طبيعي، أومأ لها برأسه قليلاً .
كانت بالكاد تلتقط أنفاسها بسبب التركيز على قدميها . لم تستطع التقاط أنفاسها المتقطعة إلا بعد فوات الأوان وهي تنحني برأسها نحو ليوبارد .
عندما رفعت رأسها على الفور، كان ليوبارد قد استدار بالفعل .
أدركت أوليڤيا أن المكان الذي ذهب إليه كان بجوار الآنسة إثيل التي كانت ترتدي فستانًا ورديًا .
فجأة، خطرت لأوليڤيا هذه الفكرة . لربما وجه ليوبارد الأمامي أكثر ألفة لماريا إثيل . فهو كان الرجل الذي يظهر لأوليڤيا ظهره دائمًا .
ازداد ألم قدمها المؤلمة . عدلت أوليڤيا تعابير وجهها كما لو لم يحدث شيء، و فكرت وكأنها تلقي تعويذة على نفسها .
' أنا بخير، لا بأس، أنا حقًا بخير '
وقفت على حذائها ذي الكعب العالي، و أمسكت بفستانها . كان عليها البقاء في قاعة المأدبة حتى تعزف خمس قطع موسيقية أخرى .
جلست أوليڤيا على طاولة في الطرف و ركزت على الموسيقى . كانت تأمل أن لا يتحدث إليها النبلاء، لكنها شعرت بوجود شخص ما.
" أهنئكِ على الرقصة الأولى، يا أميرة "
كانت ماريا إثيل … كانت هذه هي المرة الأولى التي تتحدث فيها مع ماريا في الحفلة، لهذا تركزت أنظار النبلاء عليهما .
" شكرًا لكِ، يا آنسة، أن تهنئيني على أول رقصة لي، هذا لطيف منكِ."
" بالطبع، أنتِ خطيبة سمو ولي العهد، يجب أن أهتم بكِ أكثر "
جلست ماريا بجوار أوليڤيا متظاهرة بالود . بين رائحة عطر ماريا، كانت هناك رائحة خشب رطب يحترق … كانت رائحة سيجار مثل التي شمتها من ليوبارد .
سعلت أوليڤيا قليلاً . فتحت ماريا عينيها على وسعهما في مفاجأة ومالت بجسدها إلى الخلف .
" آه، عفواً يا أميرة، يبدو أن الرائحة علقت بي قليلاً لأنني مررتُ بالشرفة للحظة "
لم يكن أحد يجهل أن الشرفة التي تُسدل عليها ستائر سميكة هي مكان لقاءات العشاق السرية .
ابتسمت ماريا بخبث " كما تعلمين، سمو ولي العهد يصر دائمًا على هذا السيجار، أوه، ولكن بما أنكِ تسعلين، يبدو أن لديكِ قصبة هوائية ضعيفة، أو …… "
أطالت ماريا في كلامها " لا تتعرضين كثيرًا لرائحة السيجار."
فوق صوت بدا وكأنه يعبر عن القلق، صعد خبث دقيق . على حدقة ماريا التي كانت تميل رأسها متظاهرة بالبراءة، ظهر السخرية بوضوح .
ابتسمت أوليڤيا بخفة .
هذا هو السبب الذي دفع ماريا للبحث عني عن قصد .
نظرت أوليڤيا إلى ماريا بهدوء . رغم كل شيء، كانت ماريا جميلة حقًا . شعرها الأشقر اللامع، وجهها الأبيض المحبوب، موقفها الواثق عند النظر إلى الأمام، وعيناها الزرقاوان المتلألئتان كانتا جميلتان للغاية .
كانت جميلة كما لو أنها نشأت وهي لا تتلقى سوى الحب، لذلك، هل هذا هو السبب الذي يجعل ليوبارد لا يستطيع التخلي عنها ؟
" يا أميرة ؟ "
نادت ماريا أوليڤيا بودية وكأنها تكسر الصمت .
ابتلعت أوليڤيا كلمات لم تستطع قولها . الكلمات المبتلعة حطمتها بحدة و طعنت صدرها بألم .
وهي تنظر إلى عينيها المليئتين بالسخرية، أجابت أوليڤيا وهي تبتسم عمدًا بابتسامة لطيفة .
" صحيح، سمو ولي العهد عادةً لا يدخن السيجار أمامي، لا بد أن هذا يسعدك، يا آنسة، يبدو أن لديكِ قصبة هوائية قوية."
في لحظة، تغير وجه ماريا . بينما صمتت ماريا للحظة وكأنها تبحث عن شيء لتقوله، قالت أوليڤيا ببرود :
" هل تريدين أن تكوني عشيقة ؟ "
تجمدت ماريا في مكانها . في هذا المكان المليء بالناس، قالت أوليڤيا بصوت ليس مرتفعًا ولا منخفضًا .
" في إمبراطورية فرانز، لا نعترف بتعدد الزوجات، لذا في النهاية، المكان الذي يمكنكِ الوصول إليه يا آنسة هو زوجة الكونت روالتز "
كان هناك طريقان فقط للشابة النبيلة لتصبح عشيقة … إما أن تعيش كآنسة طوال حياتها، أو أن تجد زواج مناسب و تتزوج، ثم تتصرف كعشيقة غير رسمية بموجب اتفاق ضمني .
" مرت 30 عامًا بالفعل منذ وفاة الكونتيسة روالتز، أليس هذا مكانًا مناسبًا تمامًا ؟ "
بالطبع، كلاهما كان عملاً غير مشرف على حد سواء .
كما لو أنها غضبت متأخرة، وقفت ماريا فجأة من مكانها . بدا وكأنها نسيت النبلاء الذين كانوا يميلون آذانهم للتنصت على محادثتهما .
" كـ، كيف تجرؤين، على … قول مثل هذا الشيء لي !! "
" إذا لم يكن الأمر كذلك، فما هو سبب إصراركِ يا آنسة على التفاخر بعلاقتكِ مع سمو ولي العهد أمامي ؟ "
ارتعشت شفتا ماريا عند كلماتها الهادئة . بدا وكأن الدموع تتجمع في عينيها الزرقاوين الرقيقتين، ثم سرعان ما ركضت ماريا إلى مكان ما.
نظرت أوليڤيا إلى ظهر ماريا وهي تبتعد، و وقفت أيضًا . قبل أن تخطو خطوة واحدة، انتشر ألم مؤلم في قدمها، بينما كانت تسير بوجه خالي من التعبير، تجمعت الشابات حول أوليڤيا.
" يا أميرة، يبدو أنكِ تتحدثين عن شيء ممتع، دعينا نشارك معكما "
" الرقصة الأولى و الثانية كانتا رائعتين جدًا "
" والآن وقد ذكرتم ذلك، أين ذهبت الآنسة إثيل ؟ "
امتلأ محيط أوليڤيا بتساؤلات خفية تتظاهر بأنها أصوات ودية . في وسط تلك الاستفزازات الواضحة، أجابت أوليڤيا بـ "أجل، هذا صحيح"، مع كلماتها الغامضة التي لا يمكن فهمها، بدأ النبلاء يتحدثون إلى أوليڤيا بمزيد من التلهف .
عن كيف تعرف الدوق الأكبر، ولماذا غضبت الآنسة إثيل، وأين ذهب سمو ولي العهد ؟
انهالت الكلمات التي كانت نبيلة في لهجتها فقط، ولكنها خالية من أي احترام تجاه أوليڤيا.
ابتسمت أوليڤيا بلطف و انحنت برأسها قليلاً .
" كما رأيتم، كان هناك الكثير من الأمور، سأستأذن أولاً اليوم "
انهالت التعليقات اللاذعة خلف ظهرها، لكن ذلك لم يهم .
انتشر ألم حارق في قدمها، و سارت أوليڤيا بظهر مستقيم و نظرت حولها .
لم يكن الدوق الأكبر ظاهرًا في أي مكان في قاعة المأدبة . للأسف، شعرت بخيبة أمل بشكل غريب .
رمشت أوليڤيا وقالت " آه ".
الآن وقد ذكرت ذلك، لم تتمكن من التحدث عن دبوس الجوهرة الذي أعطته لها إيسيلا .
مأدبة النصر ستستمر لعدة أيام، لذا سيكون هناك فرصة لمقابلة الدوق الأكبر في أي مأدبة، إذا طلبت منه حينها، بدت وكأنها ستتمكن من استعادة دبوس الجوهرة .
بشكل غريب، كانت واثقة من أن هذا سيحدث، فظهرت ابتسامة خفيفة على شفاه أوليڤيا .
* * * * * * * * * * * * * * * * * *
" آآآه !! "
في غرفة الأميرة الفاخرة، صرخت الأميرة رينا .
رينا، التي كانت تدوس على باقة الزهور المسحوقة بعينين مليئتين بالحقد، صرّت على أسنانها .
إدوين لويل ڤيكاندر، مجرد شخص يُدعى الشيطان القاتل على الرغم من أنه دوق .
كيف يجرؤ على عدم تقديم سيفه الثمين لي، على الرغم من كرم جلالة الملك العظيم ؟
في البداية، كان صحيحاً أنها ترددت بسب الشائعات التي وصفته بالشيطان القاتل، لكن عندما رأت مظهره الوسيم وهو يدخل بثقة، تغير رأيها .
فكرت : "إذا كان وجهه بهذا القدر … فلا بأس به " و ابتسمت له أولاً .
لقد كان الدوق الذي تجاهلها وهي تحمل باقة الزهور و استدار أمام عينيها .
كيف يجرؤ الدوق الذي تجاهلها، على أن يكون الشخص الذي قدم له اليمين ليس سوى عار مادلين .
لم تتعرض لمثل هذه الإهانة من قبل في حياتها .
كيف تجرؤ، كيف تجرؤ !!! أوليڤيا مادلين على الرقص مع الدوق و ولي العهد واحدًا تلو الآخر وكأنها مضيفة المأدبة !
لم تصدق ذلك، هذا المكان كان بالطبع لها، لرينا فرانز !
" تصرفي كأميرة يا رينا، أنتِ تملكين دمًا أنبل من أي شخص آخر "
عندها فقط رفعت رينا رأسها، و رأت والدتها جالسة بأناقة تفوق أي شخص آخر .
والدتها الإمبراطورة كانت دائماً تتحكم في أوليڤيا بإصبع واحد، لهذا عندما سمعت كلمات والدتها، شعرت بالهدوء إلى حد كبير .
صوت أنفاسها الذي كان لاهثاً من الغضب بدأ يهدأ تدريجياً، و استمرت رينا في التفكير .
بصفتها أميرة، كان عليها أن تكسر وقاحة أوليڤيا مادلين، و أصبح عقلها المعقد هادئاً .
الآن بعد أن فكرت في الأمر، ابنة عائلة مادلين الشرعية تدافع عن أختها بشكل جيد، أليس كذلك ؟
وحدها في بستان الزهور، جاهلة ولا تعلم شيئًا …
لمعت عينا رينا الزرقاوان للحظة . ابتسمت الإمبراطورة أيضاً ابتسامة عريضة عند رؤية ابنتها وكأنها توصلت إلى فكرة جيدة .
* * * * * * * * * * * * * * * * * *
حلّ الظلام تدريجياً …
من نافذة العربة، كان سور القصر قد أصبح مرئياً بالفعل .
القدمان اللتان كانتا تمشيان باستقامة حتى مغادرة قاعة الحفل، انهارتتا بمجرد ركوب العربة .
' لقد تحملتِ جيداً يا أوليڤيا '
فجأة، تذكرت كلمات إيسيلا التي طلبت منها أن تحكي لها عن الحفل بعد عودتها .
أن الدوق أقسم لها قسم الفارس، وأنها رقصت أول رقصة لها، وأنها حذرت الآنسة الشابة إثيل .
باستثناء الأمر الأول، كان ماحدث بعد ذلك سراً لا يمكن البوح به أبداً .
أوليڤيا، التي كانت تفكر بهدوء، أطلقت تنهيدة .
كم تمنت لو أنها استطاعت أن تخبر إيسيلا أنها رأت جايد .
على الرغم من أنه كان حفل النصر، إلا أن جايد لم يكن مرئياً في أي مكان في قاعة المأدبة، أين يمكن أن يكون يا ترى ؟
توقفت العربة و دخلت أوليڤيا القصر . كان ذلك عندما بدأ الألم المتراكم يهاجمها مع كل خطوة .
" أنتِ … "
رفعت أوليڤيا رأسها فجأة عند سماع الصوت المألوف . الصوت القادم من أمام الدرج كان واضحاً .
كان جايد .
" جايد ! "
ركضت أوليڤيا نحو الدرج بلهفة غامرة . ألم قدميها، و خيبة الأمل المتراكمة، كل شيء تلاشى بمجرد رؤية جايد عائداً بصحة جيدة .
" لقد انتظرتك حقًا ! "
" ما هي علاقتك بذلك الرجل المجنون ؟ "
توقفت أوليڤيا عند سماع الصوت الحاد و المنزعج .
— الصورة التوضيحية : هـنـا .
لم يكن هذا المظهر موجودًا … في كل تخيلاتي لعودة جايد، لم يكن هناك مظهر لجايد وهو يحدق بي هكذا …
لذا، نظرت أوليڤيا إلى جايد بنظرة فارغة .
****************************