بما أنها طفلتها التي أنجبتها، فمن الطبيعي أن تشبهها، ولكن حقيقة أنها ورثت منها هذه الصفات بالذات جعلتها تدرك أنها تشبهها حقًا .
ركضت على الدرج، وكانت تكاد تكون نصف هرولة، وفتحت الباب بقوة قبل أن يتمكن الحارس من إعلان وصولها .
" فاليري ! "
كان هناك صبي مستلقي على السرير الكبير، و فتاة أخرى تشبهه تمامًا تجلس بشكل مائل على حافة السرير، و بجانبها كان لوسيان .
" هل أتيتِ ؟ "
" أمـي "
قفز سايروس، الذي كانت ذراعه ملفوفة بضمادة سميكة، من السرير و ركض نحو سيرفيليا.
" سايروس "
جلست سيرفيليا القرفصاء و مدت يديها نحو الطفل . احتضن سايروس أمه و بكى بوجه عابس .
" إنه يؤلمني … "
قامت بلف الطفل ذهابًا و إيابًا أولاً للتحقق من حالته . لحسن الحظ، لم يبدو أن هناك إصابات أخرى غير كسر في ذراعه .
بينما كانت فاليري تشاهد سيرفيليا تعتني بسايروس، أصدرت صوتًا متذمرًا .
" أيها الأحمق، لو تركتَ الأمر كما هو، لما أصيب أحد، بسببك، سأتعرض للتوبيخ أنا وحدي دون داعٍ "
" لكنكِ سقطتِ … "
تمتم سايروس بخيبة أمل من اتهام توأمته الحاد، لكن عذره جعل فاليري أكثر غضباً .
" في ذلك الارتفاع، حتى لو سقطت قطة صغيرة، فلن تتأذى ! و إذا لم تلمسني، لم أكن لأسقط ! كنتُ هذه المرة على وشك الصعود إلى الطوبة الثالثة ! "
تذمرت فاليري كما لو أنها تعرضت لظلم كبير .
" …… الطوبة الثالثة ؟ "
قدرت سيرفيليا حجم الطوبة التي تشكل الجدار تقريبًا . في هذا الارتفاع، بالكاد يصل إلى صدر سيرفيليا .
أمسكت سيرفيليا برأسها بألم .
إذن، بعد رؤية فاليري، التي لم تكد تصعد بضع خطوات، خاف سايروس و اندفع نحوها، و سقطت فوقه مباشرة، و كسر ذراعه بلا داع .
" هكذا حدث الأمر "
على الرغم من كونهما توأمًا بالاسم، فإن الشيء الوحيد المشترك بين الأطفال هو مظهرهما .
لم يقتصر الأمر على أن شخصيتهما و أذواقهما كانت متناقضة تمامًا، بل كانت المشكلة أن أحدهما كان شجاعًا للغاية و الآخر خائفًا للغاية .
صلاة سيرفيليا الملحة لم تُستجب على الإطلاق . باستثناء لون شعرهما الأسود، كان الأطفال نسخة طبق الأصل من سيرفيليا الصغيرة .
حتى فاليري ورثت شخصية سيرفيليا الصاخبة، مما سبب لها الكثير من المتاعب .
على عكسها، نظر لوسيان إلى عيون الأطفال الخضراء و سعد كما لو أنه قد امتلك العالم كله .
بالطبع، حتى لو كان اللون الأخضر واحدًا، فإن شعور العينين كان مختلفًا تمامًا .
عينا فاليري كانتا خضراوين داكنتين مثل يوم صيفي تحت شمس حارقة، بينما كانت عينا سايروس خضراوين فاتحتين ناعمتين تشبهان الأوراق الصغيرة التي تفتحت مع ندى الفجر .
علاوة على ذلك، كانت فاليري دائمًا تحدق بعينين حادتين، بينما كان سايروس يبكي في نصف الأيام على الأقل، مما جعل الفرق أكبر .
" أنت ! في المرة القادمة، لا تنقذني، سأعتني بنفسي ! ولا تتبعني ! "
" لا، لا أريد … "
كان الطفلان يتشاجران هكذا كل يوم .
فاليري، عندما تحصل على فرصة، كانت تهرع نحو الجدار دون خوف و تقول أنها ستذهب إلى مكان والدها، بينما سايروس، الذي كان يخاف من الجدار و يبكي بمجرد النظر إليه، كان يتبعها خائفًا، قائلاً أنه لا يستطيع ترك فاليري وحدها هناك .
بما أنهما توأم و يختلفان إلى هذا الحد و يتشاجران كل يوم، لم يكن من الواضح ما إذا كانت علاقتهما جيدة أم سيئة على الإطلاق .
اختلاف شخصيتهما كان له مزايا و عيوب، ولكن بسبب ذلك، بدا أن من سيكون وريث العرش ومن سيكون حامي الجدار قد تقرر بالفعل .
" تعالي إلى هنا، فاليري "
على عكس السابق، هذه المرة جاءت إلى والدتها بسهولة . احتضنت سيرفيليا الطفلة و سارت نحو الشرفة .
تجاهلت لوسيان و سايروس وهما ينظران إليها بفضول، و أغلقت الباب الزجاجي للشرفة خلفها .
في الخارج، كان الظلام قد خيم بالفعل . نظرت سيرفيليا إلى ابنتها الوحيدة على ضوء النجوم الخافت .
كانت فاليري تشبه سيرفيليا إلى حد كبير لدرجة أن من يراها قد يعتقد أن سيرفيليا سافرت عبر الزمن و التقت بنفسها وهي في السابعة .
بفضل ذلك، عرفت سيرفيليا تمامًا ما هو السلاح المثالي الذي سينجح مع نسختها المصغرة . ويبدو أن هذه اللحظة بالذات كانت أفضل وقت لإخراج هذا السلاح .
" فاليري "
" نعم."
" أعتقد أنكِ ستكونين فارسة قوية جدًا … و ربما عظيمة أيضًا ؟ "
" واو، أنا أحب ذلك "
لوحت فاليري بيديها في الهواء، مقلدةً حمل السيف .
" و الفارس الحقيقي يحمي الأضعف منه، هذه هي الفروسية."
عند كلام سيرفيليا، فتحت الطفلة عينيها الواسعتين و نظرت إليها . عندما رأت ذلك، تذكرت سيرفيليا الوقت الذي قررت فيه أن تصبح فارسة لأول مرة .
ربما كانت عيناها تبدوان تمامًا هكذا آنذاك . ألم تصبح فارسة في النهاية لأنها لم تستطع نسيان مشاعرها و قرارها في ذلك اليوم ؟
" لذا يا فاليري، سوف تقومين بحماية الكثير من الناس "
" مثل أمي ؟ "
" نعم، مثلي."
بدا أن فاليري قد أعجبت بكلام سيرفيليا كثيراً، فضحكت ضحكة لطيفة، ثم عقدت قبضتيها الصغيرتين وكأنها قد اتخذت قراراً حازماً .
" إذن، لن أضرب سايروس بعد الآن "
" فكرة جيدة، حتى لو ضربتيه بالصدفة، لا تضربيه على رأسه، يبدو أن سايروس ذكيٌّ جدًا في النهاية … "
قبلت سيرفيليا جبين فاليري المتعرق و عانقتها بقوة . و تردد صدى ضحكة الطفلة في سماء الليل .
فجأة فُتح الباب الزجاجي، و خرج لوسيان وهو يحمل سايروس بين ذراعيه و تبعها إلى الشرفة .
نظرت فاليري إلى سايروس كعادة منها، و أرخت عينيها بسرعة، ثم مدت يدها نحو توأمها .
انكمش عنق سايروس كالسلحفاة من الخوف، لكن على عكس ما توقعه، امتدت يد فاليري نحو ذراعه الملفوفة بالضمادة .
" هل يؤلمك ؟ "
" … نعم."
" لا تمرض ! "
"حسنًا … "
كان حوارًا بسيطًا، لكنه كان كافيًا ليعرفا أن الطفلين قد تصالحا .
ضحك الأطفال وهم يهمسون بكلمات غير واضحة وهم في أحضان والديهما .
ابتسمت سيرفيليا أيضًا و نظرت إلى طفليها، ثم رفعت رأسها و نظرت إلى لوسيان .
بالطبع، كان لوسيان يحدق في سيرفيليا طوال هذا الوقت .
" لوسيان "
" نعم، سيرفيل "
صوته اللطيف الذي يناديها لن تمل منه أبدًا مهما سمعته .
تتألق النجوم كالنوتات الموسيقية على سجادة سماء الليل حالكة السواد . و يداعب صوت ضحكات الأطفال أذنيها، بينما نظرة لوسيان الحنونة تُذيب قلبها و تُدفئ خديها .
كانت سيرفيليا على يقين جازم أنها حتى لو عاشت ألف حياة مرة أخرى، فلن تكون أكثر سعادة من هذه الحياة أبدًا .
كان الأمر، بكل معنى الكلمة، لا يمكن أن يكون مثاليًا أكثر من ذلك .
— نهاية القصة الجانبية .
****************************
{ وهنا، تُطوى صفحات هذه الرحلة الممتعة . سنودّع بشيء من الحنين شخصياتها التي ألِفناها، و نأمل بصدق أن تكون متعتكم في قراءتها قد عادلت أو فاقت ما غمرنا من سرور أثناء العمل على نقلها إليكم . }
.