ضربت قطرات المطر الغزيرة الزجاج . أثناء الاستماع إلى صوت الماء يتساقط "تو دوك تو دوك"، شعرت بشكل غريب بالراحة .
" الطقس بارد "
اقترب لوسيان الذي جاء دون أن تشعر به، و أبعدها عن حافة النافذة ثم أغلق النوافذ بإحكام . بعد ذلك، غطى كتف سيرفيليا ببطانية ناعمة .
توجهت سيرفيليا إلى السرير بطاعة . بينما كانت مستلقية بهدوء، قام هو بتغطيتها باللحاف و اعتنى بتزويدها بماء دافئ .
استندت سيرفيليا بجسدها المرهق على السرير الناعم، مستسلمةً للمساته .
فجأة، خطرت ببالها فكرة أن هذا الوضع كان مضحكًا حقًا .
قبل قليل في اجتماع المكتب، ناقشت قضايا تتعلق بالقضاء على القراصنة الذين يظهرون في البحر الغربي و تنفيذ أحكام الإعدام المؤجلة .
صرخت بصوت عالٍ على الكونت الذي لم يتخلى عن عناده، وفي النهاية، من شدة غضبها، ألقت بالأوراق في الهواء، ولكن عندما عادت إلى غرفتها، حظيت برعاية فائقة وكأنها كائن صغير و ضعيف .
كانت الفجوة غريبة جدًا، و شعرت بدغدغة في جميع أنحاء جسدها بلا سبب .
" بطني لم يبرز بعد، لكنك تثير ضجة بالفعل "
" من الطبيعي أن تكوني أكثر حذرًا في المراحل المبكرة."
قبل لوسيان شفتي سيرفيليا العابسة ثم سحب كرسياً و جلس بجوار السرير .
" كيف تشعرين ؟ "
" هممم … لا أشعر بواقعية الأمر."
بالأمس فقط، تم تشخيص سيرفيليا بالحمل من قبل الطبيبة .
عند سماع خبر الحمل بعد ثلاث سنوات من الزواج، بكى لوسيان فرحًا، أما سيرفيليا، فقد كانت في حالة ذهول ولم تشعر بشيء حتى الآن .
تلمست بطنها المسطح . لا يبدو مختلفًا كثيرًا عن المعتاد، لكن هناك حياة أخرى بالداخل …
إذا كان الحمل سيحدث هكذا، فلماذا لم يحدث قبل ذلك ؟
كانت سيرفيليا تخمن السبب بشكل تقريبي .
" سبب عدم حدوث الحمل حتى الآن هو، على الأرجح …… "
" نعم، يبدو أنه بسبب انقسام أرواحنا، بما أن الروح لم تكن كاملة، لم نتمكن من إنجاب حياة جديدة "
وبما أن الأرواح و الذكريات عادت بالكامل، فربما كان من الطبيعي أن تأتي حياة جديدة بعد ليلة حافلة بالشغف .
" لقد كانت أيامًا صعبة و طويلة."
" نعم، كانت كذلك."
" لقد عدت عدة مرات، لكن لا يمكنني أن أصف لك مدى سعادتي لوجودي هنا معك، يا سيرفيل "
أمسك لوسيان بيد سيرفيليا بقوة و قبّل كل إصبع منها باحترام .
بعد تجربة اتحاد الروح المنقسمة مرة أخرى، لم يتحدث الاثنان كثيرًا عن ذلك . حتى بدون كلام، كانا يفهمان تمامًا ما يفكر به كل منهما وما يشعر به.
العديد من الأحداث و الوقت الذي لا يحصى الذي مرا بهما جعلا ذلك ممكنًا .
وهكذا، قرر لوسيان بيرنز أنه يجب عليه أن يتناول النقطة التي كانت زوجته قلقة بشأنها باستمرار .
" هناك شيء واحد أريد أن أعدكِ به."
" أخبرني "
" سأضع حدًا لقدرة الدوق الأكبر بيرنز على العودة بالزمن في جيلي، طفلنا لن يحمل هذا العبء أبدًا "
أومأت سيرفيليا برأسها بصمت، لأنها مرت بكل تلك الأحداث معه، كانت تفهم اختياره جيدًا أكثر من أي شخص آخر .
ربما اعتبروا عائلة بيرنز السابقون تلك القدرة كنزًا للعائلة و تناقلوها عبر الأجيال، لكن لوسيان و سيرفيليا، أكثر من أي شخص آخر، عرفا أن القدرة على تجاوز الزمن لم تكن بركة على الإطلاق .
لم تكن قدرة ولا بركة، بل لعنة .
" فكرة جيدة، في المستقبل، سنحمي هذه الأرض بشكل مثالي، لذا لن نحتاج إلى الاعتماد على مثل هذه القدرة، و …… "
اختارت سيرفيليا كلماتها بعناية فائقة، محاولةً ألا تمس جراحه .
" الآن، حتى لو متُ قبلك، يمكنك أن تدعني أذهب بسلام، أليس كذلك ؟ لقد عشتُ بما يكفي الآن "
كانت نبرتها مازحة، لكن المعنى كان جاداً . ابتسم لوسيان ابتسامة باهتة بدلاً من الإجابة، لأنه فهم كلامها تمامًا .
" بصراحة، لديّ الكثير من القلق، الولادة صعبة جدًا على جسد المرأة، أشعر وكأنني فعلت شيئًا سيئًا جدًا …… "
" كلامك ليس خاطئاً تماماً."
على كلامها، انحنى لوسيان بعمق وكأنه مذنب . كان غارقًا في مشاعر معقدة من الفرح و الأسف، و الشعور بالامتنان و الشعور بالذنب .
وهكذا، قالت سيرفيليا، نصفها يهدف إلى تهدئته، و نصفها يحمل صدقًا .
" لذا، الطفل الثاني، عليك أن تنجبه، بأي وسيلة "
" فهمت، كنت أفكر في طلب ذلك من الآنسة روزتيل على أي حال، ربما يمكن فعل شيء بالسحر …… "
" لااا، أنا أمزح ! لا تطلب ذلك منها أبدًا، مهما حدث ! "
فزعت سيرفيليا و أوقفته على الفور .
أن يطلب من آريا روزتيل البحث في حمل الرجال ؟ إذا فعل ذلك، قد ينجب شيئًا آخر غير إنسان .
حذرت سيرفيليا مرة أخرى بقوة . لا تجلب أبدًا موضوع بحث غريب كهذا لآريا …
لكن لوسيان تمتم بكلام ينذر بالسوء بأنه يجب عليه البحث في جميع أوراق البحث الخاصة بساحري برج السحر، دون أن يستسلم .
" …… على أي حال، ماذا تريدين أن تسمي طفلنا ؟ "
" همم "
في الواقع، كانت قد فكرت بالفعل في اسم و قررت .
" إذا كانت فتاة، فماذا عن فاليري، وإذا كان صبيًا، سايروس ؟ "
" كلاهما اسمان جميلان، فاليري أبردين، سايروس أبردين … "
كرر لوسيان الاسمين عدة مرات حتى يعتاد عليهما .
"على أي حال، هل تفضلين أن يكون فتى أو فتاة ؟ "
" فتاة "
كانت إجابة بلا تردد على الإطلاق، وكأنها قد استعدت مسبقًا .
" إذا أمكن، أتمنى أن تكون فتاة تشبهك تمامًا."
" ما هذا الكلام المشؤوم الذي تقوله … "
على كلام سيرفيليا المذعور، انفجر لوسيان ضاحكًا .
* * * * * * * * * * * * * * * * * *
في صباح أحد الأيام الذي كان فيه الهواء منعشًا بشكل خاص . كانت سيرفيليا و لوسيان جالسين في غرفة الاستقبال يشربان الشاي .
" … لذلك، سيكون من الجيد تناول العشاء مع الكونت لفروندي هذا المساء "
اقترح لوسيان جدولاً زمنيًا خفيفًا على سيرفيليا، لأن الكونتيسة لفروندي و زوجها قد سافروا إلى الشمال قبل فترة قصيرة، و طلبا رؤيتهما عدة مرات بإصرار، لكن سيرفيليا وضعت فنجان الشاي وقالت بحزم :
" لا."
مال لوسيان رأسه قليلاً للحظة . حسب علمه، لم يكن لديهم أي جدول رسمي اليوم .
بالطبع، بما أنها لم تكن وحدها، كان الأفضل أن تستريح براحة، لكنه اعتقد أنه لا بأس بتناول العشاء معًا .
" هل لديكِ أي جدول آخر ؟ "
" آه، هناك ضيف قادم، أتوقع وصوله اليوم، لذا يجب أن أنتظر."
وضعت فنجان الشاي و نظرت سريعًا نحو الباب .
عند التفكير في الأمر، ربما كان سبب سؤالها عن الوقت باستمرار، و التحقق من الباب، و إطلالها من النافذة هو وجود شخص تنتظره .
من يا ترى من سيزور سيرفيليا لدرجة أنها تنتظره بفارغ الصبر ؟
لم يدم هذا التساؤل طويلاً قبل أن يُحل .
" صاحبة الجلالة، الضيف الذي ذكرتِه وصل إلى بوابة القلعة."
" أوه، حقًا ؟ لقد وصل أسرع مما كنت أتوقع، أحضروه إلى هنا على الفور."
أشرق وجه سيرفيليا عند سماع الأخبار التي نقلها الحارس . حثت الخادمات على إحضار المزيد من فناجين الشاي و إحضار بعض الوجبات الخفيفة، ثم نظرت إلى الباب بعينين لامعتين .
وعندما فتح الباب أخيرًا بصوت صرير، قفزت سيرفيليا من الأريكة .
بعد رؤية شعر الضيفة البني المجعد عند دخولها الباب، فهم لوسيان لماذا كانت سيرفيليا متحمسة للغاية هكذا .
خلعت الضيفة قبعتها و قدمت تحيتها، لكن قبل أن تلامس ركبتاها الأرض، أمسكت سيرفيليا بيدها و أوقفتها .
"تشاسترتي."
" سيرفيليا، لقد مر وقت طويل."
تشاسترتي، التي رأتها بعد فترة طويلة، كانت مختلفة تمامًا . بمعنى آخر، بدت أكثر صحة و حيوية من ذي قبل .
لم تكن ترتدي الرداء الأبيض المقدس الذي كانت ترتديه دائمًا، بل ملابس عادية بلون داكن .
على الرغم من أنها لم تكن فخمة، إلا أن الملابس كانت مكوية تمامًا دون أي تجاعيد .
لم تكن تبدو كقديسة جميلة و مقدسة، بل كامرأة عادية يمكن رؤيتها في أي قرية، ولكن لسبب ما، أحبت سيرفيليا تشاسترتي الحالية أكثر .
أمسكت تشاسترتي بيد سيرفيليا بقوة و أعادتها إلى الأريكة، ثم تصرفت بعناية فائقة حتى جلست مرة أخرى .
" لا داعي لكل هذا."
مرت خمسة أشهر منذ أن علمت أن هناك طفل في بطنها . ومع ذلك، لم تعتد سيرفيليا بعد على ردود فعل المحيطين بها الذين كانوا قلقين من أن تنكسر أو تتفتت إذا نظروا إليها .
وبطبيعة الحال، كان الأسوأ بينهم جميعًا هو زوجها لوسيان .
لقد كان مستحوذًا عليه تمامًا القلق من أن يضرب بطن زوجته دون قصد أثناء نومهما في نفس السرير .
وهكذا، وجدت سيرفيليا لوسيان جاثيًا على ركبتيه بجانب السرير و يقضي الليلة بأكملها هكذا خمس مرات على الأقل .
بالنسبة لها، التي عاشت حياتها في فوضى، تتنقل من هنا وهناك، كان هذا التعامل كالأميرات حقيقيًا غريبًا جدًا و مزعجًا .
إذا حتى تشاسترتي تعاملها بهذه الطريقة، ربما تشعر سيرفيليا بالاختناق و الانزعاج الشديد.
بعد مرور بعض الوقت، اعتادت تشاسترتي على الوضع. و تطورت حتى أصبحت قادرة على وضع يدها على بطن سيرفيليا و ربتت عليها ببطء .
نظرت إلى وجه سيرفيليا و بطنها بالتناوب بوجه متأثر، ثم، كما لو كانت قد حسمت أمرها، تحدثت .
" سيرفيليا، هناك شيء أريد أن أقوله لكِ."
" ماذا ؟ "
" هل يمكنني أن أكون عرابة طفلك ؟ "
توضيح : تشير العرّابة إلى المرأة التي يختارها والدا الطفل لتكون لها علاقة خاصة و مسؤولية تجاه تربية الطفل و توجيهه، خاصة في الجانب الديني و الأخلاقي .
" همم، هذا سيكون صعبًا."
كما لو أنها لم تتوقع رد فعل سيرفيليا البارد، احمر وجه تشاسترتي .
آرتشي الذي كان واقفًا خلفها، كان مرتبكًا أيضًا و يقلب عينيه، لكن لوسيان وحده كان يبتسم .
" آه، حسناً، لا بأس، أنا لم أعد قديسة على أي حال، قد لا أكون كافية لأكون عرابة لعائلة ملكية … "
" ليس هذا ما قصدت، في الحقيقة …… "
بينما كانت تشاسترتي تتحدث بشكل غير متناسق، ابتسمت سيرفيليا ابتسامة ماكرة .
مدت أصابعها الطويلة و ربتت ببطء على بطنها الذي كان أكبر و أكثر استدارة من بطن امرأة حامل عادية لسبب ما .
" ليس طفلاً واحدًا، بل طفلين، أريدكِ أن تكوني عرابة للطفلين، إذا أمكن لكلاهما "
****************************
القصة الجانبية الفصل ٨ :
قفزت تشاسترتي من مقعدها وهي ترمش بعينيها الواسعتين .
خلفها، سُمعت صرخة آرتشي . عندما حاول أن يهرع نحو سيرفيليا، أمسك لوسيان كتفه كما لو كان يتوقع ذلك و سحبه خارج الغرفة .
" جلالة الملكة ! آخخ، لحظة أيها الدوق ! جلالة الملكة ! "
" تعال بهدوء "
انغلق الباب مع صوت عالي، و سألت تشاسترتي وكأنها لم ترى الضجة التي حدثت قبل قليل على الإطلاق .
" هل أنتِ … جادة حقًا ؟ "
" نعم، يبدو أن الأطفال يتمتعون بشخصية عجولة مثلي، أعتقد أنهم تنازعوا على من يولد أولاً، وفي النهاية قرروا الخروج في نفس الوقت … رأسي يؤلمني بالفعل."
لم تعرف سيرفيليا و لوسيان هذه الحقيقة المدهشة إلا قبل ساعتين فقط .
على الرغم من أنها اعتقدت أن بطنها كان كبيرًا بشكل غير عادي بالنسبة لعدد الأشهر، إلا أنها لم تتخيل أبدًا أنهما توأم حقًا .
الطبيبة العجوزة أحدثت جلبة قائلة أنها حالة نادرة .
" تهانينا حقًا، لا أعرف ماذا أقول …. "
أمسكت تشاسترتي بيد سيرفيليا بقوة و عيناها تكاد تدمعان، ولكن لسبب ما، كان تعبير سيرفيليا مظلماً تمامًا .
ظهرت مشاعر الخوف، أكثر من الفرح، بوضوح على وجهها .
" في الحقيقة، أنا قلقة أولاً، كيف يُمكنني إنجاب طفلين ؟ كيف يُمكنني تربيتهما في آنٍ واحد ؟ من سأجعله الوريث بينهما ؟ ماذا لو تنازعا على العرش ؟ "
كانت هذه المخاوف الواقعية المباشرة هي التي منعت سيرفيليا من الشعور بالسعادة الكاملة .
لقد كان لديها بالفعل تاريخ في خوض حروب ضارية مع أخويها الأكبر سناً . كانت قلقة للغاية من أن يتشاجر التوأم على العرش .
غيرت تشاسترتي مكانها و جلست بجوار سيرفيليا.
" لماذا تقلقين بشأن هذه الأمور مبكرًا ؟ مع وجود الأطباء بجانبكِ، لا داعي للقلق بشأن الولادة، و سيهتم الدوق بالتربية و ستساعد المربيات، لذا لا داعي للقلق بشأن رعاية الأطفال، سيتولى العرش من يتمتع بشعبية أكبر، و سيكون حامي الجدار من هو أكثر شجاعة، بما أنهما توأم، فمن المؤكد أنهما سيحبان بعضهما البعض كأنهما جسد واحد، لذا لا داعي للقلق بشأن القتال "
حاولت تشاسترتي تهدئة سيرفيليا بتقديم إجابات دقيقة و بديهية، لكن القلق الذي جعل سيرفيليا تشعر بأكبر قدر من الرعب كان شيئًا آخر .
" ماذا لو كان كلاهما … يشبهانني ؟ "
" …… "
وكانت هذه مشكلة حتى لو أصبحت تشاسترتي قديسة مرة أخرى، فلن تتمكن من حلها أبدًا .
" لماذا ؟ سيكون شيئًا جيدًا إذا كانا يشبهانكِ يا سيرفيليا، كم سيكون الطفلين جميلين "
حتى تشاسترتي التي أجابت هكذا كانت تفكر في قرارة نفسها أن تربية سيرفيليا الصغيرة لن تكون سهلة على الإطلاق .
" ما هو الجيد في ذلك ؟ أتمنى حقًا أن يكون كلاهما يشبهان الدوق، سيكون أسهل في التربية على الأقل … "
تمنت سيرفيليا بصدق و بإلحاح ألا يحدث أسوأ السيناريوهات، وهو أن يشبهها كلاهما تمامًا .
استجابت تشاسترتي لرغبتها الملحة عن طيب خاطر .
" حسناً، سأصلي كل يوم، أن يشبهان الدوق بيرنز تمامًا "
" حسناً، افعلي ذلك، هل سيكون التأثير أفضل إذا صليتُ معكِ ؟ "
جمعت سيرفيليا يديها بإحكام و تمتمت صلاة كانت قد حفظتها عن ظهر قلب ذات مرة على مضض . كانت متلهفة لدرجة أنها تمسكت بحاكم لم تبحث عنه طوال حياتها .
" لن يكون ذلك مفيدًا "
جاء صوت من الجانب وقطع وقت صلاتهما . لوسيان، الذي نجح أخيرًا في طرد آرتشي، أمسك بمقبض الباب وقال بمرح .
" أنا أصلي خمس مرات يوميًا أن يرزقني بطفل يشبهك تمامًا، ربما سيصغي الحاكم لصلاتي الصادقة أكثر من صلاة قديسة خائنة و ملكة ملحدة "
" … مثل هذا التصريح، هل هو مقبول دينيًا ؟ ألا يفتقر إلى الاحترام ؟ "
نظرت سيرفيليا بغضب إلى لوسيان الذي أصبح أكثر وقاحة يومًا بعد يوم .
بينما كانت تشاسترتي تنظر إليهما بمرح، أخرجت زجاجة صغيرة من جيبها .
" ما هذا … ؟ "
تعرفت سيرفيليا على الفور على السائل الفضي اللامع داخل الزجاجة .
" إنها مياه مقدسة تحتوي على آخر ما لدي من القوة المقدسة، أريد أن أمنح بها بركة للأطفال "
" إنه شيء ثمين جدًا بحيث لا يمكنني قبوله."
دفعت سيرفيليا الزجاجة بعيدًا بحزم . لقد شاهدت بالفعل المعجزات التي أحدثتها تلك المياه المقدسة بجسدها كله .
" إنها هدية من العرّابة، لذا ليس لديكِ الحق في الرفض يا سيرفيليا."
وهكذا، فتحت تشاسترتي غطاء الزجاجة و سكبت السائل في راحة يدها قبل أن تتمكن سيرفيليا من منعها، ثم وضعت يدها مباشرة على بطن سيرفيليا المستديرة وبدأت بالصلاة .
انبعث ضوء غريب من راحة يدها ثم خفت ببطء .
على الرغم من أنها كانت قوة ضعيفة لا تقارن بالقوة المقدسة التي رأتها في السابق، إلا أن سيرفيليا عرفت أنها بذلت قصارى جهدها .
" … شكرًا لكِ "
بدت تشاسترتي مرتاحة بعد أن بذلت آخر ما لديها من قوة .
* * * * * * * * * * * * * * * * * *
فجأة، سمعت صرخة حادة من النافذة .
سيرفيليا، التي كانت منغمسة في عملها، صُدمت و انسكب الحبر على مكتبها .
" آه، يا إلهي "
" سأقوم بتنظيفه يا صاحبة الجلالة، اذهبي بسرعة و أنقذي الأمير المسكين أولاً "
أخرج آرتشي منديله و مسح يد سيرفيليا الملطخة بالسواد .
كان الأمر روتينيًا لدرجة أنها فهمت ما حدث على الفور بمجرد سماع تلك الصرخة . رتبت سيرفيليا مكانها بسرعة و نزلت الدرج تقفز درجتين في كل مرة .
كما توقعت، كان سايروس مستلقيًا على الأرض في أحد أركان الحديقة و يبكي بشدة . و الشخص الذي كان واقفًا أمامه بفخر كان …
" فاليري، لا تضربي سايروس "
" لماذا ؟ "
لماذا … ؟
فاليري، التي بلغت السابعة من عمرها هذا العام، طورت عادة أن تسأل مرارًا وتكرارًا "لماذا؟" و "لماذا تفعل ذلك؟" .
لا تعلم كم مرة أجابت على هذا السؤال بالذات . ومع ذلك، أجابت سيرفيليا هذه المرة أيضًا بصبر .
" ليس من الصحيح ضرب الآخرين بلا سبب "
عندها تجيب فاليري بنفس الطريقة بصوت واضح .
" لكن سايروس بدأ أولاً "
بالطبع، لم تصدق سيرفيليا كلامها حرفيًا، لأن فاليري كان لديها عتبة غضب منخفضة مقارنة بالآخرين، وكانت تطلق قبضتها فورًا إذا أزعجها توأمها قليلاً .
" حتى لو بدأ أولاً، علمتكِ أنه ليس من الصحيح حل الأمور بقبضتيك، قلتُ لكِ أن تذهبي إلى والدكِ أولاً إذا حدث شيء من هذا القبيل "
" لكن أبي بعيد، وقبضتي قريبة."
قلل لوسيان بشكل كبير من الوقت الذي يقضيه عند الجدار للتركيز على تربية الطفلين . وكان هذا ممكنًا لأن الوضع خلف الجدار كان مستقرًا .
بالطبع، كان عليه أن يذهب إلى الجدار بشكل دوري، وفي كل مرة كان الطفلان يتشاجران بشدة .
بتعبير أدق، كانت أعمال عنف من جانب واحد فقط …
" إذاً، هل ستضربينه مرة أخرى ؟ "
" نعم ! "
بينما سيرفيليا فقدت القدرة على الكلام بسبب الإجابة الوقحة للغاية، تملصت فاليري بسرعة من قبضة والدتها و هربت بعيدًا .
" فاليري ! توقفي هناك ! "
لكن فاليري استدارت فقط بعد أن ابتعدت بمسافة آمنة، ثم أخرجت لسانها لوالدتها .
تحركت سيرفيليا بغضب، لكن هروب الطفلة كان أسرع .
كيف يمكنها الركض بهذه السرعة بأرجلها القصيرة … ؟
تنهدت سيرفيليا طويلاً وهي تشاهد ظهر فاليري وهي تبتعد .
على عكس سايروس الذي أحب الجلوس بهدوء في المكتبة و قراءة الكتب، كانت فاليري تختفي طوال اليوم و تعود إلى القلعة وهي غارقة في العرق و التراب .
لم تعلم أطفالها أن يتصرفوا بشكل ملكي أو بكرامة . فسيرفيليا نفسها كانت بعيدة عن هذا النوع، لكن مع مرور الوقت، بدأ الأطفال، أو بالأحرى ابنتها على وجه الدقة، في التسبب في حوادث متنوعة لدرجة أنها فكرت في ربطها .
إذا تحدثت عن هذه المشاكل مع الملك السابق ماغنوس .
" الآن تعرفين شعور والدكِ "
… كانت الإجابة الوحيدة التي تحصل عليها، مليئة بالفخر .
سيرفيليا، التي ارتكبت العديد من الأخطاء، قررت أن كل هذا هو عقاب لأفعالها، لكن الحوادث اليومية التي كانت تسمع عنها جعلت سيرفيليا تشعر بالقشعريرة .
" لماذا تسلقَتْ إلى هناك ؟ لا، فاليري هي التي سقطت، فلماذا انكسر ذراع سايروس ؟ "
في أحد الأيام، بينما كانت منشغلة في اجتماع عمل . لاحظت أحد الحراس مضطربًا و قلقًا، فسألته سيرفيليا أولاً عما يحدث .
تردد الحارس قائلاً أن الدوق بيرنز أمره ألا يخبر جلالة الملكة، لكنه استسلم أخيرًا أمامها .
" في الواقع، الأمير سايروس، بينما كان يحاول الإمساك بالأميرة فاليري التي سقطت من الجدار، حدث ذلك …… "
شعر الحارس بالأسف وكأنه هو من تسبب في الإصابة .
" على الرغم من أن الأميرة و الأمير صدموا بشدة، لحسن الحظ لم يُصابا بجروح خطيرة، وتم العلاج بنجاح، والآن الدوق بيرنز بجانبهما "
على هذا الخبر السخيف، نسيت سيرفيليا تمامًا المعادلات و الحسابات المعقدة المتعلقة بالضرائب التي كانت تملأ رأسها قبل لحظات .
لم يبدو أن الاجتماع سيسير على ما يرام إذا استمر على هذا النحو . نهضت سيرفيليا من مكانها .
" حسنًا، اجتماع اليوم ينتهي هنا، إذا كان لديكم المزيد لتقولوه، انتظروا و تعالوا إلى المكتب ليلاً، انتهى."
رتبت سيرفيليا الأوراق المبعثرة على مكتبها بسرعة و ألقت بها في أحضان آرتشي.
قبلت تحية رعاياها بإيجاز، ثم هرعت بسرعة إلى غرفة الأطفال . تبعها آرتشي و الفرسان .
" ما هذا بحق خالق الجحيم، من تشبه لتسبب كل هذه المشاكل ؟ "
"......."
لم يكن هذا شيئًا سألته مع توقع إجابة، ولكن كان هناك صمت غريب .
خلف صوت تصادم الدروع، أدركت سيرفيليا فجأة .
" إنها أنا، إنها تشبهني … "
****************************