الفصل ١٦٨ و ١٦٩ : ذهبت الأميرة إلى الشمال و أفسدت الأمور

زأر التنين بصوت عالٍ و ارتفع عالياً في السماء .

عند رؤية هذا المنظر، تعالت أصوات الإعجاب من هنا وهناك في جيش الشمال . فقط لوسيان من نظر إليها بعيون قلقة .

رفعت سيرفيليا إبهامها نحوه، ثم أمسكت بعنق التنين بإحكام . توغل التنين دون تردد مباشرة في معسكر الجيش الملكي .

بظهور الوحش الضخم المفاجئ، أصيب الجيش الملكي بالذعر التام .

" الجميع ! استعدوا ! "

اصطف الجنود الشجعان و صوبوا سهامهم نحوهم، لكن السهام كانت ضعيفة جداً لاختراق جلد التنين . حتى أن رفرفة واحدة من جناحيه تسببت في سقوط السهام على الأرض بأعداد كبيرة .

ومع ذلك، على الرغم من فرق القوة الهائل، حاول الجنود قصارى جهدهم . سرعان ما أعادوا تنظيم صفوفهم و أحضروا الأقواس و السهام النارية و صوبوها .

" بهذا القدر لن يجدي نفعاً أبداً … ! "

لكن السهام لم تطر نحو التنين، بل استهدفت رأس سيرفيليا . وبالكاد تفادت السهم .

" كدت أن أموت ! "

لكن سيرفيليا لم يكن لديها أي نية للرد . بينما كانت تفكر فيما إذا كان هناك طريقة جيدة، لفت انتباهها شيء ما.

" احرق تلك الغابة ! "

صاحت سيرفيليا عبر الرياح العاتية نحو التنين .

كانت هناك غابة كثيفة خلف المعسكر . إذا تم إحراقها، فلن يتمكن الجنود من الهرب أو الاختباء .

في الوقت نفسه، يمكن أن يظهر ذلك تهديداً كافياً، مما يحقق التأثير المطلوب دون الحاجة إلى الهجوم .

أومأ برأسه قليلاً كعلامة على أنه فهم، ثم استدار و اتخذ منعطفاً كبيراً .

" كواااااااك ! "

أطلق التنين نفثاً قوياً من النيران و طار في دائرة حول المعسكر .

تطاير الشرر هنا وهناك، وأصبح الجنود في حالة من الفوضى، يركضون هرباً من النيران و التنين .

كان هناك جنود يسقطون أحياناً بعد أن أصابهم شرر النار المتساقط من السماء . ملأت صرخاتهم السماء الصافية .

" انتبه ! لا تؤذي أحدًا ! "

ركلت سيرفيليا جانب التنين بقدمها في دهشة .

" هذا ليس بالأمر السهل ! "

تمتم التنين، لكنه مع ذلك قام بضبط شدة نيرانه بإتقان .

الهجوم دون إلحاق الأذى بأحد . حتى بالنسبة لسيرفيليا نفسها، كان طلباً ليس بالسهل .

أمالت جسدها و نظرت إلى الأسفل . كانوا الجنود المذعورون يزحفون على الأرض بأجساد متصلبة . عند رؤية هذا المنظر، شعرت سيرفيليا وكأنها أصبحت الشريرة .

إذا كان الأمر كذلك، فقد تحقق الهدف المنشود .

" هذا يكفي، لننزل الآن ! "

عند سماع أمرها، رفرف التنين بجناحيه الشبيهين بالخفاش وهبط بلطف على الأرض .

عندما وقفت على الأرض، أصبح المشهد الفوضوي أكثر وضوحاً .

نظرت سيرفيليا حولها ببطء بحثاً عن شخص يبدو وكأنه قائد .

" لا تهربوا ! إنه مجرد وحش، ما الذي تخافون منه ! "

كان هناك رجل واحد يقف وحده بشجاعة وسط الجنود الهاربين .

كان يصرخ حتى يتصدع صوته محاولاً قيادة الجنود، ثم توقف عن الكلام عندما رأى سيرفيليا التي اقتربت منه.

" ما هذا ؟ "

نظر بالتناوب إلى الفارسة التي تسير بهدوء بمفردها وإلى التنين ذو النظرة المخيفة .

صاحت سيرفيليا نحوه : " أنا سيرفيليا، أميرة مملكة أستيريا، لقد جئتُ لأُسقط الطاغية تيبيريوس "

" الأميرة ؟ لكن الأميرة ماتت …… "

عبس بوجه مرتبك . بدا وكأنه يحاول تذكر وجه الأميرة سيرفيليا، لكن سيرفيليا، التي لم تكن صبورة، لم تكن تنوي الانتظار حتى يدرك الحقيقة . دخلت مباشرة في صلب الموضوع .

" الآن، اختر ما إذا كنت ستصبح رماداً هنا، أو تستسلم و تركع على ركبتيك."

في تلك اللحظة، أطلق التنين زئيراً مدوياً نحو السماء . بدا أن خياراته ليست كثيرة .

نظر إلى سيرفيليا و التنين بالتتابع وفكر للحظة . عندما أدرك الوضع، ركع ببطء، و تبعه الجنود الآخرون الذين كانوا يراقبون الوضع، و ألقوا بأنفسهم على الأرض .

" صاحبة السمو الأميرة على قيد الحياة … كيف حدث هذا ؟ "

" كل شيء يعود إلى مكانه الصحيح."

أجابت سيرفيليا وهي تنظر إلى الغابة المشتعلة بقوة .

نعم، هكذا سيكون الأمر .

* * * * * * * * * * * * * * * * * *

تقدم جيش الشمال بقيادة سيرفيليا بلا عوائق نحو العاصمة .

تعرف النبلاء على وجه سيرفيليا، و استسلموا لتهديد التنين، وفتحوا بوابات المدن عن طيب خاطر .

وهكذا، حتى وصلوا إلى العاصمة، لم يمت أحد .

" لم أتوقع أن أعود بقيادة جيش."

تمتمت سيرفيليا وهي تنظر إلى القلعة الملكية في المسافة .

" حتى الآن كان الأمر سهلاً لحسن الحظ، لكننا لا نعرف ما سيحدث في المستقبل."

كشف لوسيان عن قلقه . ربما كان يتذكر المرة التي كادت فيها سيرفيليا أن تموت خلال مبارزتها مع ليونارد، ولكن على غير المتوقع، كان قلقه بلا مبرر .

كان من الغريب أنه من بوابة القلعة إلى غرفة العرش، لم يمنعهم أي حراس .

كانوا يقفون صامتين كزينة على الجدران، يقلبون عيونهم فقط . بدا وكأنهم تلقوا أوامر بالبقاء في أماكنهم ساكنين .

هل تيبيريوس لا ينوي المقاومة ؟

' أتمنى ذلك '

بغض النظر عن علاقتها السيئة بـتيبيريوس، لم تكن تريد أن توجه سيفها نحو عائلتها مرة أخرى .

بعد المرور عبر ممر طويل، وصلوا أخيراً إلى غرفة العرش . فتحت سيرفيليا الباب بصخب و رأت رجلاً يقف وحيداً في وسط القاعة .

كان يرتدي تاجاً ذهبياً و رداء أرجوانياً، مما جعله يبدو وكأنه يبذل قصارى جهده ليبدو كملك .

" نلتقي مجدداً، تيبيريوس "

ألقت سيرفيليا التحية بوضع مبالغ فيه .

توقعت أن يغضب تيبيريوس بعنف، لكنه كان هادئاً بشكل غير متوقع … لا، بدا وكأنه كان ينتظر سيرفيليا لفترة طويلة جداً .

" ماذا عن أخي الأكبر ؟ "

"هل تريد رؤيته ؟ هل أرسلك إلى ليونارد ؟ "

صوبت سيرفيليا سيفها نحو تيبيريوس .

بدا وكأنه فهم ما يعنيه هذا التصرف، و شحب وجهه .

" هذا ما حدث في النهاية … "

صرخت سيرفيليا بعنف : " كان يجب على أحدهم أن يفعل ذلك ! لو لم تكن غافلاً و تتبع ذيل ليونارد، لربما كان الأمر أسهل قليلاً ! "

" أنا …… "

تيبيريوس أيضاً لم يكن بريئاً من هذا الذنب .

من البداية، لو لم يشارك، لو علم بنوايا ليونارد وشارك ذلك مع إخوته و طلب المساعدة .

' لما وصل الأمر إلى هذا الحد '

بدلاً من أن يدافع عن نفسه، تردد للحظة ثم خلع التاج الذهبي من فوق رأسه .

قام بتدوير التاج في يديه للحظة، ثم ألقاه عند قدمي سيرفيليا .

ارتد التاج على الأرض ثم تدحرج و استقر أخيراً تماماً . دفعت سيرفيليا التاج قليلاً بطرف حذائها .

" هل هذا يعني أنك تستسلم ؟ "

" لم يكن لدي أي نية للمقاومة "

بدا أن كلماته كانت صادقة، فقد ألقى تيبيريوس أيضاً غمده من خصره على الأرض . ركلته سيرفيليا بعيداً .

" في مرحلة ما، علمت أن أخي الأكبر قد تجاوز الخط، في البداية، عندما رأيته يستهدفك ثم أبي، وحتى جونيا، لم أعد أستطع التحمل "

أحنى تيبيريوس رأسه بشدة . كان ذلك غير متوقع حقاً.

" أتمنى لو كنت قد أوقفت أخي الأكبر، لكنني سعيد أنكِ موجودة، ولكن … جونيا ؟ ألم تأتي معكِ ؟ "

مد تيبيريوس رأسه إلى الوراء وكأن جونيا ستظهر فجأة . بالطبع، عندما لم يظهر أحد، سأل بوجه قلق .

" … هل هي على قيد الحياة ؟ "

" لماذا، هل تعتقد أنني قد أكلتها ؟ لا تقلق، لقد وضعتها في مكان آمن."

كانت جونيا تنتظر خارج بوابة العاصمة مع جنود آخرين . كان ذلك لأنه لم تكن متأكدة مما إذا كانت ستحدث أي مواجهات جسدية داخل القلعة .

عندئذٍ فقط، بدا تيبيريوس مرتاحاً و مسح صدره، ثم تحدث بلهجة من استسلم لكل شيء .

" أبي في غرفة نومه، و الدوق جروسفينور محتجز في السجن، اذهبي … و أنقذيهما."

عندما أومأت سيرفيليا، خرج الفرسان من خلفها و قيدوا تيبيريوس . سمح لهم بالقيام بذلك بصمت دون أي مقاومة .

" عدم قطع رأسك هنا هو آخر ما يمكنني تقديمه لك، أنا لا أريد قتل أخوين."

" نعم، شكراً لكِ."

ابتسم تيبيريوس ابتسامة خفيفة على شفتيه . كان هناك تساؤل حول ما سبب هذا التغيير في رأيه و خروجه بهذا الهدوء، لكنها أجلت الأمر حالياً.

ربما في وقت لاحق عندما تعقد المحاكمة، يمكنه قول ما لم يقله .

بعد التأكد من أن تيبيريوس يُساق خارجاً، توجهت سيرفيليا بخطوات سريعة نحو السلالم .

" آرتشي، اذهب إلى السجن و أخرج الدوق جروسفينور، بعد أن تجده، اذهب به مباشرة إلى جونيا."

آرتشي، الذي كان يتبعها، حنى رأسه إجابةً ثم خرج يقود بعض الفرسان .

سرعت سيرفيليا خطواتها وكأنها شبه راكضة .

" إنه هنا "

توقفوا أمام غرفة نوم الملك السابق ماغنوس.

كانت غرفة النوم تبدو تماماً كما تذكرتها، لكن كان هناك قفل غريب معلق على مقبض الباب .

أخرج لوسيان سيفه و لوح به بقوة . كسر القفل المحكم بصوت عالٍ دفعة واحدة، ثم ركلت سيرفيليا الباب المغلق بقدمها .

امتلأت الغرفة المظلمة برائحة الغبار الكئيبة . سدت سيرفيليا أنفها و دخلت الغرفة خطوة بخطوة .

" جلالة الملك، هل أنت هنا ؟ "

نادت والدها بصوت عالي لكن لم يأتي رد.

نظرت سيرفيليا حول الغرفة بسرعة بقلب متوتر .

من تلك الزاوية، سُمع صوت أنفاس ضعيفة . عندما تحركت سيرفيليا بسرعة، تبعها لوسيان حاملاً الشمعة .

****************************

الفصل : ١٦٩


المشاهد التي تلت ذلك تحطمت إلى قطع صغيرة و حُفرت في ذاكرة سيرفيليا .

مشاهد العثور على الملك ماغنوس ملقى على الأرض، الركض نحوه و احتضانه، و الصراخ بأعلى صوت لإحضار طبيب فوراً، كلها تبعثرت كشظايا .

عندما استعادت وعيها أخيراً، كانت سيرفيليا جالسة بجانب سرير والدها و تصلي لفترة طويلة .

أن يصل بها الحال إلى الصلاة في حياتها … ! لم تتخيل سيرفيليا أبداً أن يأتي يوم كهذا عليها .

كان الملك ماغنوس في حالة ضعف شديد جسدياً و عقلياً . استغرق الأمر حوالي عشرة أيام حتى يتعرف على ابنته، و استغرق عشرة أيام أخرى حتى يتمكن من الكلام بشكل صحيح .

وأخيراً، عندما استعاد الملك ماغنوس صحته و وقف أمام النبلاء، عند شهادته، كتم النبلاء أفواههم جميعاً .

يا له من عمل شنيع حدث في العائلة المالكة !

لم يكن ليونارد، الذي مات بالفعل، و تيبيريوس، بعيدين عن المسؤولية بأي حال من الأحوال .

الشيء الجيد الوحيد هو أن تيبيريوس لم تكن لديه نية للدفاع عن نفسه .

لقد كفّر عن ذنبه بقبول كل شيء عن طيب خاطر .

وهكذا، بفضل استسلام تيبيريوس غير المشروط و تعاون ماغنوس، تم تسوية الأمور بسرعة .

كان أهم عمل من بينها هو ملء العرش الذي أصبح شاغراً بسبب تنازل تيبيريوس عن العرش بإرادته .

وبالنسبة لمن سيكون بطل هذا الأمر، لم يكن هناك خلاف .

* * * * * * * * * * * * * * * * * *

لم تنم سيرفيليا جيداً لعدة أيام .

اليوم أيضاً، بعد أن قضت ليلتها دون نوم، استيقظت في الفجر و مشيت في الغرفة لفترة طويلة .

شعرت بثقل في قلبها وكأن حملاً كبيراً قد وُضع عليها .

" يا له من شيء بسيط يثير التوتر "

بعد أن قررت أن سبب الأرق هو التوتر المفرط، حاولت أن تهدئ نفسها بأخذ أنفاس عميقة عدة مرات و القفز في مكانها .

بالطبع، لم يكن لذلك تأثير يذكر . وهكذا، كانت سيرفيليا شبه فاقدة للوعي حتى أثناء مساعدة الخادمة لها في غسل وجهها، و تغيير ملابسها، و ارتداء حذائها .

لم تلاحظ حتى متى دخل لوسيان الغرفة وكان ينتظر .

وضعت الخادمات عباءة على كتفيها أخيراً ثم تراجعن .

كانت الثياب الرسمية التي لا تشوبها شائبة تخنق رقبتها، و البنطال الضيق كان غير مريح للغاية .

كانت قلقة قليلاً إذا ما كانت تبدو وكأنها غارقة في الملابس .

" كالعادة، أنتِ جميلة دائمًا، ولكن اليوم أصبحت أكثر جمالاً "

أمسك لوسيان بيدها و أعرب عن إعجابه . ربما كان يقول ذلك من باب المجاملة لتخفيف توترها، لكنه لم يكن سيئاً للسماع .

" سأرافقكِ إلى العربة، لنذهب الآن يا جلالة الملكة."

تجهمت سيرفيليا عند اللقب الذي كان لا يزال غريباً عليها .

هذا صحيح، اليوم هو يوم تتويج الملكة الجديدة، سيرفيليا .

ركبت سيرفيليا العربة برفقة لوسيان . انطلقت العربة على طول الطريق الرئيسي من القلعة إلى المعبد الكبير .

كانت الشوارع مليئة بالناس الذين يستقبلون الملكة الجديدة، و صخب هتافاتهم كاد يصم الآذان .

على الرغم من أنها كانت تلوح بيدها بحماس عبر نافذة العربة، إلا أن سيرفيليا استمرت في الشعور بعدم الارتياح .

كان السبب واضحاً في الواقع . صعودها المفاجئ إلى العرش، و ضعف صحة والدها المستمر، ربما كانت هذه الأمور هي التي تسبب لها هذا الشعور المعقد .

نعم، ربما كان الأمر كذلك …

حاولت سيرفيليا تهدئة نفسها و تجاهل ذلك الشعور الغريب، ولكن عندما مرت العربة بالمدينة و وصلت إلى طريق هادئ .

أخيراً، أدركت سيرفيليا أن سبب أرقها ليس التتويج .

" …… "

الشعور الذي كان يثقل كاهلها لم يكن توتراً، بل ذنباً . بدا وكأنها لن تستطيع وضع أي شيء على رأسها دون أن تتخلص من هذا الشعور .

" توقفوا للحظة "

بدأت أصوات حوافر الخيل التي كانت تسير بإيقاع أن تخفت تدريجياً، حتى توقفت العربة تماماً .

نزلت سيرفيليا بحذر من العربة و نظرت إلى الجهة المقابلة للحظة .

في ذلك المكان المظلم، كانت هناك مقبرة جماعية للسحرة المجهولين .

" سأذهب و أعود بعد قليل، انتظروا هنا."

تركت سيرفيليا وراءها عدداً لا يحصى من الفرسان الذين كانوا ينظرون إليها فقط، و دخلت المقبرة .

بعد البحث طويلاً بين قبور السحرة المجهولين، تمكنت من العثور على القبر الذي كانت تبحث عنه .

انحنت أمام القبر .

" مرحبًا، ليو "

ليونارد، الذي جُرد من اسم عائلته، لم يُدفن في مقبرة العائلة المالكة . بدلاً من ذلك، بما أنهم لم يتمكنوا من سلب هويته كساحر، فقد دُفن هنا .

مسحت سيرفيليا الحجر بشدة بكمها، وهو مليء بندى الفجر، ثم ظهرت الأحرف المنقوشة بمهارة بالغة .

[ الساحر المجهول ينام هنا ]

شعرت بشعور غريب وهي تنظر إلى القبر الذي لم يُكتب عليه حتى اسمه . مثل هذا القبر، لن يبقى هناك أي سجل في المستقبل يثبت أنه كان فرداً من العائلة المالكة .

كان ذلك أحد العقوبات التي كان يستحقها، لكن سيرفيليا شعرت فجأة أن ليونارد كان سيفرح لو علم بذلك .

أرادت أن تقول شيئاً، لكن الكلمات لم تخرج من فمها .

هل تسب، أم تلوم ؟

لكنها لم تشعر أن قلبها سيرتاح لو تفوهت بمثل هذه الكلمات .

" أنا استعدت اسمي و صعدتُ إلى العرش، أما أنت يا ليو، فقد فقدت اسمك و طُردت من العائلة المالكة."

كان ليونارد يتوق للذهاب إلى عالم آخر عبر بوابة الزمان و المكان .

مئات و آلاف العوالم التي تشبه هذا العالم تماماً، وفي نفس الوقت لا تشبهه . ربما في أحد تلك العوالم، كان ليونارد و سيرفيليا لا يزالان أخوين، أو ربما لم يكن بينهما أي علاقة .

ربما تكررت مأساة القتل بين الأشقاء التي حدثت في هذا العالم، أو ربما عاشوا بسعادة دون أي حوادث، لكن ما فائدة كل ذلك ؟ في النهاية، اختار ليونارد في العالم الذي تعيش فيه الأسوأ على الإطلاق .

" إذا كنتَ تعيش في عالمٍ آخر، فلا تعش بهذه الطريقة السخيفة، و …… "

لم تستطع سيرفيليا إكمال حديثها و عضت شفتيها . بعد جلوس القرفصاء لفترة طويلة، بدأت تفقد الإحساس في قدميها . عندها فقط، فتحت سيرفيليا فمها بصعوبة .

" أتمنى ألا نلتقي مرة أخرى أبداً في أي عالم آخر "

…… الجروح التي سببتها لي كافية بهذا القدر .

ابتلعت الكلمات التالية في نفسها و نهضت أخيراً من مكانها .

ربما لن تزور هذا المكان مرة أخرى بعد اليوم .

مع كل نفس تخرجه، يتصاعد بخار كثيف . يبدو أن الشتاء قد حلّ أخيراً في الجنوب الدافئ أيضاً .

استدارت سيرفيليا دون تردد و خرجت من المقبرة . استقبلها الفرسان الذين كانوا ينتظرون عند المدخل .

" جلالة الملكة، إذا لم تسرعي، ستتأخرين عن التتويج "

" نعم، لقد تأخرت أكثر مما ظننت."

نفضت سيرفيليا عباءتها التي كانت تجر على الأرض و ركبت العربة مرة أخرى .

أقيم تتويج الملكة سيرفيليا في المعبد الكبير الواقع في العاصمة . في جو رسمي، ركعت أمام رئيس الأساقفة .

باركها رئيس الأساقفة بكلمات قصيرة، ثم وضع تاجاً ثقيلاً على رأسها .

التاج أثقل مما توقعت، هل سأكسر رقبتي بهذا ؟

بينما كانت تفكر في مثل هذه الأفكار السخيفة، ألقت نص القسم بشكل آلي . عندما نطقت بالجملة الأخيرة، انطلق تصفيق عالي من حولها .

رأت آرتشي و أخواته الخمس يلوحن بمناديل كبيرة و يذرفن الدموع . كانت آريا و آش حاضرين كممثلين للسحرة، وكان هناك أيضًا العديد من الكهنة الكبار ذوي الوجوه المألوفة .

وكان لوسيان حاضراً هناك أيضًا . كان ينظر إليها بلا وعي بتعبير منبهر للغاية .

عندما خفّ التصفيق تدريجياً، وقفت سيرفيليا مستقيمة و صرخت للحضور :

" أنا الملكة سيرفيليا، شهدت هذه البلاد معلقة على حافة الهاوية و كادت تنهار، لذلك، فكرت و فكرت ملياً فيما يجب فعله حتى لا يحدث هذا مرة أخرى أبداً "

كان النبلاء و العامة الذين تجمعوا في المعبد الكبير، و النبلاء من المناطق الأخرى، ينظرون إليها بتعبير عدم فهم عما كانت تتحدث عنه، لكن سيرفيليا كانت تفكر في هذا الأمر منذ زمن بعيد .

" الذنب الأول الذي ارتكبته عائلة أبردين الملكية و النبلاء هو أنهم ألقوا عواقب إمبراطورية جاياس على عاتق الشمال و عاشوا حياة مترفة في الجنوب "

لقد عاشوا حياة مريحة و مترفة في الجنوب الدافئ الذي لا يوجد فيه وحوش تقريباً . في أكثر المواقع أماناً في القارة، تهربوا و تجاهلوا أكبر تهديد، لكن بما أنها أصبحت ملكة، فقد انتهت تلك الأيام الآن .

" عواقب إمبراطورية جاياس ليست للشمال فقط، ليس صحيحاً أبداً أن نترك عائلة بيرنز تتحمل وحدها واجب حماية الجدار "

عند هذه النقطة، التقت سيرفيليا بعين لوسيان . كادت أن تبتسم بتهكم للحظة .

كيف يمكنه أن يبدو بهذا القدر من الحب في هذه اللحظة … تمكنت من تجميع نفسها و واصلت حديثها .

" أنا الملكة سيرفيليا، أعلن هنا أمامكم أنني سأحمي الشمال بعزيمة راسخة بأن البلاد ستنهار إذا انهار الجدار، ولتحقيق ذلك، أولاً وقبل كل شيء، سأنقل عاصمة مملكة أستيريا إلى الشمال "

في تلك اللحظة، انفجرت أصوات دهشة و احتجاجات من هنا وهناك، لكن سيرفيليا لم تكترث على الإطلاق و واصلت الصراخ بصوت عالٍ :

" متبعة إرادة إمبراطورية جاياس و مملكة أستيريا، سأرسخ أساس مملكة جديدة تمامًا في الشمال، أعلن أن هذا هو سبب كوني ملكة "

بعد ذلك، مرّت سنوات أخرى حتى تم نقل العاصمة بالكامل و استقرارها .

* * * * * * * * * * * * * * * * * *

ذات يوم، فكرت الملكة سيرفيليا :

' يا له من يوم مشرق على غير العادة '

كانت جالسة في مكتبها و تنظر من النافذة .

بفضل النافذة المقوسة الطويلة و الضيقة، كان المنظر الخارجي يدخل عينيها بالكامل .

شتاء العاصمة لانغفول كان أطول و أشد من المناطق الأخرى . كانت هناك أيام كثيرة تعصف فيها العواصف الثلجية، لكن على غير العادة، كانت السماء اليوم صافية خالية من أي غيوم . حتى أنها شعرت بالدفء .

هل أصبحت شمالية بالفعل ؟

فتحت سيرفيليا النافذة قليلاً . بدلاً من الأوراق المتساقطة التي لم تعد موجودة، تراكم الثلج الكثيف على أغصان الأشجار . حتى ذلك يتطاير كالغبار عندما تهب الرياح .

دخلت الرياح الممزوجة بغبار الثلج عبر النافذة .

كانت سيرفيليا تراقب الغبار المتلألئ تحت ضوء الشمس بعناية، عندما فاجأها صوت حاد كسر صمت الهواء، فأفاقت تمامًا .

****************************

*

إرسال تعليق (0)
أحدث أقدم

اعلان