الفصل ١٧٠ { النهاية } : ذهبت الأميرة إلى الشمال و أفسدت الأمور

" كلماتي هي الصحيحة ! "

" لا تضحكني ! منذ متى كان اللورد آرتشي شخص يمكن الوثوق به إلى هذا الحد ؟ "

كان آرتشي و آش يقتحمان المكتب منذ فترة، يجادلان بشدة و يتخاصمان حول من هو على صواب ومن هو على خطأ، حتى ظهرت عروق الرقبة لديهما .

لم تكن سيرفيليا تملك المهارة لفض النزاع بينهما، فقررت الانتظار حتى يهدأ الأمر، لكن لم تظهر أي علامة على اقتراب النهاية .

قامت سيرفيليا بتقليب فنجان الشاي الذي أصبح بارداً بالفعل، و تدخلت في المحادثة الصاخبة .

" هل توصلتما إلى اتفاق ؟ "

" الأمر يا جلالة الملكة ! هذا الوغد …… ! "

" رجاءً استمعي إليّ يا جلالة الملكة ! "

" … واصلا الاتفاق بينكما."

تركت سيرفيليا الشخصين اللذين كانا على وشك شد شعر بعضهما البعض و غادرت المكتب .

شعرت وكأن أذنيها ستنفجران من قتال هذين الرجلين الصاخبين إذا استمرت في الاستماع .

مشيت في الممر الهادئ و توقفت أمام نافذة كان يتساقط منها ضوء الشمس بشكل خاص . جلست بشكل عرضي على عتبة النافذة و أخرجت رسالة من جيبها .

كانت رسالة قديمة، لكن بسبب مساعديْها اللذين لا يتفقان، لم تجد وقتاً لقراءتها .

عندما وجدت السلام أخيراً، فتحت الرسالة التي أرسلتها صديقتها العزيزة .

في الرسالة المطوية بدقة، كانت مكتوبة بخط يد عتيق جداً :

[ سيرفيليا .
تلقيت الرسالة التي أرسلتِها مؤخراً جيداً . شكراً على الهدية المرفقة . سأحتفظ بها معي دائماً و أستخدمها وأفكر فيكِ يا سيرفيليا .
يسعدني أنكِ ما زلتِ تعتبرينني صديقة لكِ حتى بعد أن أصبحتِ ملكة … ]

كانت هذه رسالة تشاسترتي .

بعد رحيلها في المرة الأخيرة، لم تلتقي بها مرة أخرى، لكنها كانت ترسل لها رسائل بين الحين و الآخر .

عند سماع أخبارها، كانت سيرفيليا تشعر بالرضا .

[ … أنا أتعلم مهارات طبية جديدة، حتى لو لم أستطع استخدام القوة المقدسة، أريد مساعدة المرضى . ربما هو نوع من التكفير .
أعتقد أنه إذا بذلت قصارى جهدي، سيأتي يوم أستطيع فيه مساعدتكِ أيضًا ]

" إنه لأمر عجيب حقًا "

لقد عاشت حياتها كلها من أجل الآخرين وما زالت ترغب في ذلك . حتى لو لم تعد قديسة، يبدو أن طبيعتها الفطرية لن تتغير .

[ … إذاً، ابقي بصحة جيدة حتى نلتقي مرة أخرى .
ملاحظة : إذا كنتِ تريدين أن تسأليني عن شيء يتعلق بالذاكرة، يمكنك زيارتي في أي وقت .
— صديقتكِ، تشاسترتي فريل ]

قرأت سيرفيليا الرسالة مرتين مجددًا ثم طوتها إلى نصفين و وضعتها في جيبها .

تشاسترتي فريل، كان هذا اسمها .

الآن لن تعيش كقديسة أو أي شيء آخر، بل ببساطة كتشاسترتي فريل . شعرت سيرفيليا بفخر، ثم نهضت فجأة و سرعت خطواتها خارج القلعة .

' الذاكرة …… '

تمتمت في عقلها الكلمات التي أضيفت في نهاية الرسالة مرة أخرى .

على أي حال، كانت سيرفيليا تفكر مؤخراً أن شيئاً ما غريب يحدث .

كان هناك فراغ في الذاكرة، اختفى دون أي أثر وكأن شخصاً ما قطعه بالمقص . أحياناً كانت تحلم بنفس الحلم المألوف عدة مرات، لدرجة أنها كانت تحتار إذا كان حقيقة أم مجرد حلم .

كان أغرب حلم هو ذلك الذي تظهر فيه أميرة ذات شعر فضي .

كان حلمًا يراودها منذ طفولتها، لكن محتوى الحلم تغير فجأة ذات يوم .

سيرفيليا الصغيرة تهزم الوحوش، تمر عبر المستنقعات و الغابات و تصل إلى قلعة ملك الشياطين .

تتسلق الدرج العالي وتمر عبر الممر الطويل لتصل إلى مكان … لم تكن فيه الأميرة .

كانت هناك أميرة ذات شعر فضي طويل تنتظرها دائمًا، إلى أين ذهبت بحق خالق الجحيم ؟

ربما لم تعد الأميرة بحاجة إلى المساعدة . ربما أنقذها شخص آخر غيرها بالفعل . عند التفكير في ذلك، شعرت بالراحة، لكنها شعرت أيضاً ببعض الأسى .

هل هذا يعني أنها لن تراها مرة أخرى أبداً ؟

" آه، فاجأتني "

عندما خرجت من البوابة الرئيسية، كادت أن تصطدم بشخص كان يقف أمامها مباشرة . بالكاد تفادت الاصطدام وعندما نظرت، كانت آريا .

فزعت آريا أيضاً و أسقطت شيئاً من بين ذراعيها . كادت سيرفيليا أن تلتقطه دون تفكير، لكنها صرخت و تراجعت إلى الخلف.

" يا إلهي ! من قال لكِ أن تحضري هذا إلى القلعة ؟ "

كانت أطرافًا مقطوعة لوحوش . جمعت آريا الأطراف التي كانت تقطر دماً على عجل و حشرتها بالقوة في حقيبة قماش كبيرة .

بدا أن شيئاً ضخماً جداً كان داخل الحقيبة، حيث كانت تسحب على الأرض بثقل .

أمسكت سيرفيليا برأسها الذي كان ينبض بالألم . رفضت آريا العودة إلى برج السحرة حتى بعد انتهاء الحرب .

أعلنت أن دراسة الوحوش في الشمال تناسب طبيعتها تماماً و سجلت اسمها كساحرة تابعة لـلانغفول من تلقاء نفسها .

" لكن إذا اكتشف مونبلان ذلك، ستكون مشكلة كبيرة، رجاءً يا جلالة الملكة، خبئيني "

المشكلة هي أن مونبلان يكره تماماً أبحاث الوحوش التي تقوم بها هذه الساحرة غريبة الأطوار . لهذا السبب سمعت أن كوينتين، الذي كان في الوسط، عانى كثيراً .

أشارت سيرفيليا إلى الحراس الملكيين الذين كانوا يلاحقونها على مسافة . اقترب الفرسان بوجوههم الجادة، و بدوا في حيرة عند رؤية الحقيبة القماشية الملطخة بالدماء .

"خذوا هذه الحقيبة و اوصلوها إلى الملحق."

" جلالة الملكة، هذا بعض الشيء …… "

" هيا، التقطوها بسرعة و اتبعوني ! من هنا ! "

غرقت رغبة الفرسان الملحة تماماً في صوت آريا المفعم بالحيوية . دفعت آريا ظهور الفرسان بحماس و اختفت في الاتجاه المعاكس .

وأخيراً، تخلصت سيرفيليا من الحراس الملكيين، و تمددت بقوة لفك تيبس جسدها .

استمتعت بنزهة هادئة على طول الممر الصغير في الحديقة .

كان الهواء بارداً، لكن أشعة الشمس كانت دافئة . أغمضت سيرفيليا عينيها و استمتعت بالضوء لفترة طويلة .

كانت أيامًا عادية بكل معنى الكلمة . مستشاران يتشاجران بصخب، و ساحرة تسبب المشاكل طوال الوقت، و ……

" هل كنتِ هنا ؟ "

حتى أرشيدوق الشمال، الذي كان يعثر عليها فوراً أينما اختبأت .

" أرشيدوق "

سار الاثنان جنبًا إلى جنب في صمت إلى عمق الحديقة . مرا بجانب الجناح الذي كانا يحتسيان فيه الشاي أحياناً، و مرا بالمكان الذي طُبعت فيه آثار أقدام التنين الضخمة .

في الوقت الذي لم يكن فيه حديث سوى صوت وطأة الأقدام على الثلج . قال لوسيان بصوت منخفض :

" جلالة الملكة، هل تتذكرين اليوم الذي تقدمتِ فيه لطلب الزواج ؟ "

" بالطبع أتذكر "

ارتفع طرف شفاه سيرفيليا قليلاً . كيف يمكنها أن تنسى الأيام التي كانت فيها تزعجه و تثير الفوضى بكل طريقة ممكنة ؟

ربما كانت أسعد و أكثر اللحظات إثارة في حياتها .

وجهه الذي كان يحمر خجلاً و ارتباكاً عند كلمة واحدة، يده التي كانت تتجول بلا وجهة . وفي نفس الوقت، نظرته التي كانت ثابتة عليها . حتى لو تقدم بها السن و أصابتها مشاكل في الذاكرة حقاً، فلن تنسى تلك الأيام أبداً .

" أليست أول تجربة لي في الحب غير المتبادل ؟ لن أنسى ذل تلك الأيام حتى يوم مماتي … على أي حال، التعامل مع رجل وسيم و متغطرس ليس بالأمر السهل "

ضحكت سيرفيليا بمزاح و نظرت إليه، لكن بشكل غير متوقع، كان وجهه جدياً للغاية .

" أريد أن أعطي الإجابة التي لم أستطع إعطاءها حينها."

" إجابة ؟ أي إجابة … ؟ "

بينما كانت سيرفيليا مذهولة، ركع لوسيان على ركبة واحدة أمامها .

تحركت تفاحة آدم المتوترة لديه بشدة و ابتلع لعابه، ثم فتح شفتيه المرتعشتين .

" سأجعلكِ سعيدة، لن أدع قطرة ماء تلمس يديكِ، و سوف ننجب حوالي خمسة أطفال … "

عند هذه النقطة، لم تستطع سيرفيليا أن تتمالك نفسها و انفجرت ضاحكة بصوت عالي .

كان يرد بجدية على الهراء الذي قالته عندما تقدمت هي بطلب الزواج . أما لوسيان نفسه، فلم يبتسم على الإطلاق و واصل حديثه بوجه جاد :

" … سأبذل قصارى جهدي، سأعطيكِ كل شيء، فقط اسمحي لي بالبقاء بجانب جلالتكِ "

احمرت وجنتاه البيضاوان . لم يستطع حتى أن يلتقي بعين سيرفيليا بشكل صحيح، وكان ينظر فقط إلى مكان ما بين أنفها و شفتيها .

أدارت سيرفيليا رأسها للحظة بسبب الخجل غير المبرر . عندما هبت رياح الشتاء، تناثر الثلج المتراكم على أغصان الأشجار، و دخل الهواء البارد أنفها وملأ رئتيها .

لقد دخلت البلاد الآن بشكل كامل في طقس الشتاء . برودة الشمال اللاذعة لامست خدها، لكن لسبب ما شعرت بحرارة على وجهها .

كانت باردة أم حارة ؟ لم تستطع أن تقرر، و حاولت تلطيف هذه اللحظة المحرجة بدعابة .

" يقولون أن الشجاع هو من ينال الجميلة، لم يكن ذلي في ذلك اليوم عبثًا، انهض، أيها الأرشيدوق، الأرض باردة "

" يجب أن تعطيني الإجابة أولاً حتى أتمكن من النهوض."

أمسكت سيرفيليا ذراعه و سحبته، لكن لوسيان قاوم بعناد في مكانه .

عند رؤية نظراته الجادة، شعرت أنها لم تستطع الهرب أكثر . أخرجت بهدوء صندوقاً صغيراً من جيبها .

كان خاتماً مرصعاً بجوهرة تشبه عيني لوسيان الزرقاوين تماماً . لا تعرف كم عانت للعثور على لون مشابه قدر الإمكان .

لقد فكرت لأيام و ليالٍ متى يجب أن تعطيه إياه، ولكن يبدو أن الوقت قد حان الآن.

سعلت سيرفيليا قليلاً و أمرت لوسيان أن يعطيها يده . مد يده إلى سيرفيليا على الفور، و برقت عيناه بترقب .

ببطء، وُضع الخاتم في اصبعه . على عكس المرة السابقة، كان المقاس مثالياً .

" ابقى بجانبي، تعال عندما أقول لك أن تأتي، و تعال عندما أقول لك أن تذهب، للمعلومة، هذا ليس إذناً، بل أمر، أيها الأرشيدوق "

لم تكن الكلمات حلوة أو رومانسية مثل تلك التي في روايات الحب المعتادة، لكن لحسن الحظ، بدا أنها أعجبت لوسيان تماماً .

لم يستطع إخفاء سعادته، و رسم ابتسامة أسعد إنسان في العالم .

" كيف يمكنني أن أعصي أمر جلالتكِ ؟ "

نهض لوسيان من مكانه و احتضنها بين ذراعيه .

لفت سيرفيليا أيضاً ذراعيها حول خصره و أسندت وجهها على صدره، ثم استنشقت بعمق رائحة الشتاء التي علقت بملابسه .

كان غريباً أن تشعر بالحماس في كل مرة تحتضنه و يحتضنها . يبدو أن هذا الشعور لن يصبح مألوفاً أبداً طوال حياتها .

تلمست سيرفيليا بأصابعها أزرار عباءة لوسيان وقالت :

" يجب أن نقيم حفل زفاف فخم، براقاً و جميلاً للغاية، بحيث تبهر العيون بمجرد النظر إليه "

" بالطبع، ما زلت أشعر بالضيق لأننا لم نقم بحفل خطوبة."

" لا، ليس هذا، بل يجب أن أرى شكلك وأنت ترتدي ثيابًا رسمية فاخرة."

" أحياناً أفهم ذوق جلالتكِ وأحياناً لا أفهمها، أنتِ لا ترتدين مثل هذه الملابس كثيراً بنفسكِ "

" هذا لأن متعة هذه الملابس في خلعها أكثر من ارتدائها."

" جلالة الملكة."

" إنها مزحة "

في الحقيقة كانت صادقة في قولها . ابتلعت الكلمات الأخيرة، لكن لوسيان بدا وكأنه فهم كل شيء بالفعل .

ابتسم ابتسامة خفيفة ولف عباءة سميكة حولها .

" لا أعرف ما إذا كان علي أن أعتبر عدم تغيركِ أمراً جيداً، أم أقلق بشأن ذلك."

" ماذا عساك أن تفعل الآن ؟ أنت مقيّد بي بالفعل، فلتتحمل الأمر بنفسك."

أطلقت سيرفيليا ضحكة مازحة و سارت إلى الأمام . سمعت صوت خطوات متسارعة تتبعها من الخلف .

لقد أحبت هذه اللحظات .

كل لحظة كان فيها شخص يجدها بشكل طبيعي أينما كانت، يتبعها بشكل طبيعي أينما ذهبت، يمسك يدها و يعانقها، كانت تلك اللحظات تغمرها بالسعادة .

( حقًا ؟ إذاً، هذا أمر جيد )

" هاه ؟ "

توقفت سيرفيليا فجأة .

كانت متأكدة أنها سمعت شيئاً ما، لكن لم يكن هناك أحد حولها سوى لوسيان .

خطر ببالها فجأة أن ذلك الصوت كان لشخص تعرفه . شخص مهم جداً … شخص لا ينبغي أن تنساه أبداً، لكنها نسيته في النهاية …

" ما خطبك ؟ "

اقترب منها لوسيان و أمسك كتفها .

" أشعر أنني … فقدت شيئاً مهماً جداً، ما هو ؟ "

شعرت بفراغ في صدرها، وكأن نصف روحها قد تم قطعه .

بدا لوسيان وكأنه فهم ما تتحدث عنه، فأومأ برأسه بصمت .

لم يتحدثا معاً، لكنهما كانا يعلمان أنهما فقدان شيئاً كبيراً جداً خلال هذه الرحلة .

كلما حاولت التفكير فيما كان ذلك الشيء، ازداد عقلها تعقيداً . كما لو أن شخصاً ما في الجانب الآخر كان يمنع ذاكرتها بالقوة .

" … حسنًا، هل هناك شيء أهم مني بالنسبة لجلالتكِ ؟ "

الآن، حتى الدعابات الساخرة تأتي منه بشكل طبيعي .

كانت سيرفيليا تشعر بالقلق من أن لوسيان بدأ يشبهها تدريجياً، ولكن في الوقت نفسه، لم تستطع التحكم في طرف شفتها الذي ارتفع إلى الأعلى .

" هذا صحيح … لا يوجد شيء من هذا القبيل "

كان على حق … بغض النظر عما فقدته أو نسيته، ما دامت تملك هذا الرجل بجانبها، فماذا تحتاج أكثر ؟

لم يكن هناك شخص أهم منه في هذا العالم . كل المساحات التي فقدتها، امتلأت بلوسيان، وهذا كافٍ لهما .

" الرياح باردة، لندخل الآن، سيرفيل "

" حسنًا، لوسيان."

أمسكت سيرفيليا بشكل طبيعي بالذراع التي مدها لوسيان .

بدأت خطواتهما على الأرض المتجمدة الصلبة تتوافق ببطء .

تناثرت الثلوج المتساقطة من الأشجار فوق رأسيهما وكأنها بركة، لكن ربما بسبب دفء الأيدي المتشابكة، لم تشعر سيرفيليا بأي برودة على الإطلاق .

عند التفكير في الأمر الآن، حتى كل المصائب التي مرت بها لا شيء مقارنة بهذا الحب .

حتى لو اكتسبت القدرة على عبور جميع الزمان و المكان في الكون، فإنها ستختار هذا الرجل هنا، وهذا العالم الآن .

نعم، هذه هي الحياة الوحيدة التي ستعيشها .

— النهاية .

****************************

*

إرسال تعليق (0)
أحدث أقدم

اعلان