" كانت تعيش في مزرعة أغنام في أعماق الجبال، في ذلك الوقت، لم أفهم على الإطلاق أن هذا كان خطاً زمنياً آخر … و اعتقدت فقط أن الأميرة الحقيقية موجودة هناك …… "
استمر أوريس في لوم نفسه، لكن سيرفيليا لم تكن تستمع . بدلاً من ذلك، تذكرت مشهد مزرعة أغنام لانغفول و السيدة جيس .
الحقول الخضراء التي تتماوج كالأمواج و قطعان الأغنام البيضاء التي ترعى بهدوء . و كولي الذي يقود تلك الأغنام هنا وهناك .
عادت مشاعر اليوم الذي شربت فيه نبيذ الفاكهة المجهول الذي قدمته السيدة وهي تستنشق رائحة العشب المقصوص حديثاً، حية في ذاكرتها .
انتشرت ابتسامة على شفتيها دون أن تدرك ذلك.
" هذه الحياة ليست سيئة أيضًا، حتى أنني أشعر ببعض الحسد."
ارتسمت علامات الدهشة على وجه أوريس، لكن سيرفيليا لم تكلف نفسها عناء الشرح .
" على أي حال، لماذا أنت هنا ؟ أنت لم تمت خلف الجدار، ولم تعالجك القديسة."
" أنا أيضاً لا أعرف بالضبط … لكن الأمير ليونارد ألقى علي أنواعاً مختلفة من السحر، ربما كان واحداً منها هو السبب."
لم يكن كلام ليونارد المتباهي كاذباً . بعد أن مات بشكل مؤلم هكذا، حتى روحه محبوسة هنا …
غمرتها مشاعر الأسف و الشفقة تجاه أوريس .
" انتظر لحظة، الآن بعد أن فكرت في الأمر …… "
في تلك اللحظة، خطرت ببالها فكرة .
أليس هناك أشخاص يجب أن يكونوا مع أوريس ؟
وفي تلك اللحظة، طرق أحدهم الباب . عرفت سيرفيليا من هو الزائر حتى قبل أن يُفتح الباب .
لم تسمح لهم بالدخول، لكن الباب انفتح مع صوت صرير . توقف صوت خطوات الأحذية المنتظمة خلفها مباشرة .
" صاحبة السمو."
صوت منخفض ككهف ناداها، لكنها لم تدر رأسها، ثم ناداها مرة أخرى بشكل متوسل .
" صاحبة السمو، قائد الحرس بريدجر يقدم تحياته لسيدته."
هذه المرة، لم تستطع التحمل .
أدارت سيرفيليا رأسها نحو الفرسان ناكري الجميل الذين وجهوا سيوفهم نحوها ذات يوم .
" ماذا ؟ سيدتك ؟ ألا تملك ضميرًا ؟ "
عند كلماتها الحادة، ركع الفرسان، بمن فيهم أوريس، جميعاً على ركبة واحدة على الأرض .
" لن نقدم أي أعذار، نريد فقط طلب المغفرة."
" إذا أنزلت العقوبة، فسأتقبلها عن طيب خاطر ! "
ساد الصمت للحظة . تفحصت سيرفيليا وجوه الفرسان . بدوا جميعاً شاحبين و هزيلين، وكأنهم عانوا كثيراً .
بشكل غريب، لم تشعر بالغضب أو الخيانة تجاههم … لا، بل شعرت بالأسف عليهم بعد سماع ظروفهم .
بعد أن تمكنت من السيطرة على مشاعرها بصعوبة، أومأت سيرفيليا لهم.
" انهضوا، ما الفائدة من لومكم الآن ؟ على أي حال، كان السبب الحقيقي شخصاً آخر … سأعتبر أنكم كفرتم عن خطاياكم بالموت."
رفع الفرسان، الذين كانوا ينتظرون عقاباً قاسياً، رؤوسهم بدهشة . بدا أنهم فقدوا كلماتهم مع منحهم غفران لم يتوقعوه .
" صاحبة السمو …… "
كانوا على وشك وضع أعناقهم تحت قدميها على الفور، لكن سيرفيليا لوحت بيدها وكأن الأمر ليس شيئاً كبيراً .
" هذا يكفي، دعنا نتحدث بالتفصيل عندما نخرج، لا أرغب في البقاء هنا لفترة طويلة."
كان هذا المكان يحاكي غرفة سيرفيليا ظاهرياً فقط، لكن الجو كان كئيباً للغاية . كان الجو بارداً لدرجة أن جسدها كان يرتجف .
في تلك اللحظة ……
' هاه ؟ '
فجأة، شعرت سيرفيليا بإحساس غريب في أطراف أصابعها . كان إحساساً مذهلاً وكأنها أصيبت ببرق .
حدقت في يدها بلا وعي . لم يكن مجرد خداع بسيط للحواس أو إحساس عابر .
' شيء ما تغير …… '
شعور وكأنه تغيير كبير جداً . بينما كانت سيرفيليا تركز على يدها، سأل أحدهم مرة أخرى .
" … هل هناك طريقة للخروج من هنا ؟ "
" همم، أليس هناك نوع من الشق هنا ؟ يبدو أنه يمكننا الخروج من خلاله."
تذكرت سيرفيليا تنينها الوفي وهو يخرج من حجر الروح المكسور .
" إذا كان الشق … لقد اكتشفناه أيضاً، لكن بينما كنا نتردد، مر الوقت وتغير شكله، وأصبح يبدو وكأنه مسدود بزجاج شفاف، فلا يمكننا الخروج."
" لهذا قلت لكم يجب أن نذهب بسرعة."
" لماذا يجب أن ندخل بلا تفكير ونحن لا نعرف ما هو ؟ "
عندما سمعت آكسي و جون يتجادلان في الخلف، بدا أن هناك خلافاً في الرأي بين الفرسان .
بالطبع، لم يكن بإمكانهم الدخول بلا تفكير دون معرفة ما هو.
" ربما فعلها ليونارد، لم يكن ليطيق خسارة المزيد من الأرواح."
" إذن يبدو الخروج مستحيلاً، لا تقلقي كثيراً يا صاحبة السمو، سنهتم بكِ جيداً."
ركع بريدجر مرة أخرى و أعلن لها . كان موقفاً كريماً حقاً، لكن سيرفيليا هزت رأسها بلطف .
" لسوء الحظ، لا أعتقد أنه سيكون هناك وقت لذلك "
" ماذا ؟ "
فتحت سيرفيليا فمها وهي ترتب الأفكار التي خطرت ببالها ببطء.
" استمعوا، ليونارد احتاج روحي لإكمال سحر الزمان و المكان، أين هي روحي الآن ؟ "
حدث اضطراب بسيط على وجه بريدجر المتجهم . عندما رأت أوريس يفتح فمه بلا صوت، واصلت سيرفيليا كلامها .
" نعم، بما أنه حصل على المادة الأخيرة، روحي، فهذا يعني أن سحر الزمان و المكان الخاص بليونارد قد اكتمل."
قالت سيرفيليا بصوت مليء بالثقة . استطاعت أن تدرك ذلك من الظروف و بالحدس .
على الرغم من أنه مات، إلا أن سحره بقي هنا و حقق طموح حياته .
" إذا كان كلام صاحبة السمو صحيحاً … إذاً يمكن فتح باب الزمان و المكان المؤدي إلى العالم الأصلي ؟ "
" صحيح."
أطلق الفرسان تنهيدات مختلطة بالإعجاب . اخترق بريدجر همهماتهم وسأل .
" ولكن كيف ؟ الأمير ليونارد ليس هنا."
" بالإضافة إلى ذلك، لم يحدث أي تغيير خاص هنا منذ قدوم صاحبة السمو."
نظرت سيرفيليا حولها ببطء باتباع إشارة بريدجر .
كان المكان هادئاً و مظلماً . هذه المساحة، التي لا بد أنها موجودة منذ وقت طويل بشكل لا يحصى، لم تبدو وكأنها مرت بأي تغيير .
توجهت نظرتها الآن إلى قبضتها التي كانت تمسك بها بخفة . القوة الغريبة التي كانت تشعر بها منذ فترة تزداد وضوحاً تدريجياً.
وأدركت سيرفيليا ما هي ……
" لم تلاحظوا ذلك، لكن هناك تغيير، ليس في المكان … بل في شخص."
نظر الجميع إلى سيرفيليا بعيون متفاجئة . أطبقت على قبضتها و فتحتها بهدوء بشكل متكرر .
كانت سيرفيليا تشعر بشكل متزايد بالإرهاق من الشعور الغريب الذي كان يتردد في أطراف أصابعها.
قوة سحرية قوية لم تشعر بها أبداً في حياتها تدفقت عبر عروقها إلى جميع أنحاء جسدها.
أدركت هذه القوة غريزياً . لم تستطع إلا أن تدركها .
" … لم أتوقع أن قدرة فتح باب الزمان و المكان ستأتي إليّ."
هل يجب أن تعتبر هذا هدية ليونارد الأخيرة ؟
القدرة على فتح باب الزمان و المكان الذي كان ليونارد يتمناه ويحلم به بشدة كانت الآن في يدها.
كانوا الفرسان لا يزالون لا يفهمون ما تقصده و نظروا إلى بعضهم البعض بشكل محرج.
نهضت سيرفيليا من مكانها . كان من الأفضل أن تجرب على الفور بدلاً من الجلوس والشرح .
أخذت نفساً عميقاً ثم أخرجته ببطء، ثم بدأت غرفتها تنهار شيئاً فشيئاً ثم اختفت تماماً.
بعد اختفاء الفضاء الذي خلقه عقلها، ظهر المشهد الأصلي لحجر الروح . امتد الظلام الذي لا نهاية له حيث لا يرى الأفق حولهم .
" …… ما هذا ؟ "
في ذلك الظلام، كانت هناك كائنات مجهولة تتمايل و تقترب . تراجعت سيرفيليا و راقبت بحذر .
" آه، لا تقلقي، إنها الأرواح المحبوسة هنا."
عند النظر عن كثب، كان هناك أيضاً أشكال بشرية كاملة، و أرواح ذات أشكال باهتة جداً، ومجرد غيوم مظلمة .
" عادةً ما يكون هذا المكان هادئاً لدرجة أنه لا يسمع صوت نفس واحد، لذا يبدو أنهم جاءوا بدافع الفضول بسبب الضجيج، سأشرح لهم جيداً …… "
بينما كان جون يتعامل معهم، اتخذت سيرفيليا وضعها مرة أخرى .
ضوء أخضر يتلألأ حول يدها. فكرت سيرفيليا أنه يشبه ليونارد تماماً .
لم تفعل ذلك من قبل، لكنها عرفت أنها تستطيع . تردد مرة أخرى في أذنها صوت أخيها اللطيف وهو يقرأ لها كتاباً ببطء وهي جالسة على ركبتيه عندما كانت صغيرة .
مباشرة قبل أن تركز عقلها كما وجهها ذلك الصوت، أدارت سيرفيليا رأسها نحو أوريس .
" ولكن ماذا سيحدث إذا خرجنا من هنا ؟ "
" حسناً، بما أن أجسادنا قد تحللت بالفعل و اختفت، فلن نتمكن من العودة إلى الحياة، سنذهب فقط إلى المكان الذي يجب أن تذهب إليه الأرواح، لكن صاحبة السمو، بما أن جسدكِ حي، ستعودين إلى جسدكِ الأصلي."
" نعم، يبدو أن هذا هو الحال."
فكرت سيرفيليا في لوسيان الذي لا بد أنه يمسك بجسدها الفارغ . لو علم آرتشي بما حدث، لكان صُدم أيضاً بشدة .
ليس هذا فحسب … والدها فقد ابنته مرتين، لذا لم يكن هناك أسوأ من هذا من عدم الولاء .
نعم، بما أن هناك من ينتظرها بشدة هكذا، كان عليها أن تعود بالتأكيد .
استذكرت سيرفيليا وجوه من اشتاقت إليهم واحداً تلو الآخر و ركزت عقلها . تخيلت شكل المنزل الذي ستعود إليه و رفعت يديها في الهواء .
ظهر ضوء أخضر ساطع يحيط بيديها .
****************************
الفصل : ١٦٥
الضوء الأخضر مر عبر يدي سيرفيليا، و صعد عبر ذراعيها، وأخيراً غطى جسدها بالكامل.
شعرت بأن عينيها على وشك العمى بسبب الضوء الساطع بشكل غير متوقع .
— بـووم !
مع ألم مذهل يتدفق من رأسها عبر عمودها الفقري، ضرب برق هائل من السماء .
— بـوووم !
انطلق البرق في الهواء بضوء قوي و هوى إلى الأرض . أصبحت الرؤية ضبابية للحظة بسبب سحابة الغبار الكثيفة التي ارتفعت .
ضيقت سيرفيليا عينيها ونظرت عبر سحابة الغبار . كان هناك باب حديدي ضخم يقع في المكان الذي ضرب فيه البرق .
" …… هل نجحت ؟ "
نظرت سيرفيليا إلى الباب بفضول .
هل هذا حقاً باب يتجاوز الزمان و المكان ؟ هل ينتظر عالمهم الأصلي الذي تركوه هناك ؟
في خضم كل شيء غير مؤكد، الشيء الوحيد الذي وثقت به، بشكل مثير للسخرية، هو ليونارد .
هذه القدرة كانت الإرث الذي تركه لها . لابد أنه أعد كل السحر بشكل مثالي . إذاً، هذه المرة أيضاً، لابد أن تكون نجاحاً بلا شك .
شدت سيرفيليا قبضتيها بعزم .
الأرواح التي كانت تراقب من بعيد اندفعت أيضاً وهي متحمسة .
" ما هذا ؟ "
" أي نوع من الأبواب هذا ؟ "
استدارت سيرفيليا نحوهم . رأت أولئك الذين يرتدون زي الشمال القديم هنا وهناك، مواطنين عاديين، أو مجرد شيء غامض بلا شكل .
كانوا أرواحاً بريئة حُبست هنا لأسباب مختلفة .
صرخت سيرفيليا في وجوههم : " هيا، الآن حان وقت العودة إلى المنزل، عالمكم ينتظركم خلف ذلك الباب."
عند كلماتها، بدأ المحيط يهمهم ثم زادت الضجة . ترددت أصوات الأرواح الباهتة كصدى في الهواء .
" هل يمكننا العودة حقاً ؟ "
" هل هذا صحيح ؟ "
" يا إلهي …… "
انفجرت المشاعر التي لا يمكن تحديد ما إذا كانت ضحكاً أم بكاء، ولكنها كانت بالتأكيد فرحاً، في كل مكان .
اندفعوا بسرعة بجانب سيرفيليا و ركضوا نحو الباب .
مع صوت ضخم، انفتح الباب الحديدي الضخم ببطء على الجانبين . انبعث ضوء ساطع من الشق لدرجة أنه كان يعمي العيون .
" إذا ذهبنا إلى هناك …… "
العديد من الأرواح التي كانت محبوسة داخل حجر الروح لفترة طويلة اندفعت أخيراً نحو الحرية .
بينما كانت تشاهد الأرواح تختفي واحدة تلو الأخرى، شعرت سيرفيليا وكأنها تكفر عن أخطاء ليونارد نيابة عنه .
" صاحبة السمو، هيا نذهب "
مد أوريس يده إليها ليرافقها . حدقت سيرفيليا في ذراعه بتمعن .
إذا أمسكت بهذه اليد و خرجت من هذا المكان، فسيحل كل شيء . ستعود إلى العالم الذي ينتظرها فيه لوسيان و تستعيد ما كادت أن تخسره، لكن ……
هل هذا حقًا ما تريده ؟
دفعت سيرفيليا ذراع أوريس بلطف بكف يدها، ثم قالت له، وهو يبدو مرتبكاً : " اذهبوا أنتم، أنا … لن أذهب."
" نعم ؟ صاحبة السمو، ماذا تقولين ؟ "
" هل تنوين البقاء هنا ؟ "
تجمع حولها الفرسان المندهشون . هزت سيرفيليا رأسها، بالطبع لم تكن تنوي البقاء هنا.
تذكرت المعلومات التي سمعتها عن هذا السحر . باب يمكن أن يؤدي إلى أي عدد من خطوط الزمن .
إذا لم يكن هناك شيء آخر، فسحر ليونارد كان موثوقاً به في هذا الجانب . أن تكون قادراً على الوصول إلى جميع الأزمان و الأماكن يعني، بعبارة أخرى، أنه يمكنها الذهاب إلى الفجوة التي حُبس فيها الرجل ذو الشعر الفضي .
نظرت سيرفيليا إلى يديها. لحسن الحظ، ظلت قدرتها قائمة حتى بعد خروج الأرواح .
باستخدام هذه القدرة، يمكنها العودة إلى عالمها الأصلي، أو الذهاب إلى الفجوة في الزمان و المكان .
ومع ذلك، لم تكن سيرفيليا تنوي اختيار أحدهما . لم تستطع التخلي عن أي منهما .
إذا كان بإمكانها اختيار كل من لوسيان الذي فقد ذكرياته، و لوسيان الذي حمل عبء خطاياها … والآن عرفت سيرفيليا ما هي الطريقة .
نظرت في أعين الفرسان واحداً تلو الآخر وقالت : " هناك رجل ينتظرني، يجب أن أذهب لأقابله، بالتحديد، نصف روحي فقط، النصف الآخر ستأخذونه معكم بأمان."
كان هذا قرار سيرفيليا . قرار اتخذته لأنها لم تستطع التخلي عن أي من لوسيان في عالمها الأصلي، و لوسيان المحبوس في فجوة الزمان و المكان .
بما أنها لم تستطع مغادرة أو نسيان أحدهما، أرادت أن تكون مع كليهما حتى لو كان عليها تقسيم جسدها إلى نصفين .
سواء كان ذلك حظاً أم سوء حظ، كانت الآن في حالة لا تملك فيها جسداً، بل روحاً فقط .
نظرت سيرفيليا إلى جسدها الغريب الذي لم يكن غازياً ولا سائلاً . وتذكرت عندما قسم لوسيان روحه إلى نصفين .
في حالتها الجسدية الحالية، شعرت أنها تستطيع أن تفعل مثله . خاصة إذا استخدمت جزءاً من القوة السحرية التي كانت تملأ جسدها، فلن يكون ذلك صعباً للغاية .
"الأمر يستحق المحاولة على الأقل."
حاول الفرسان الاحتجاج عليها بشيء ما، لكن تم تجاهلهم على الفور . أغمضت سيرفيليا عينيها و ركزت عقلها بهدوء .
قبل تقسيم روحها، قامت سيرفيليا بفرز ذكرياتها بعناية . على أي حال، كان عليها أن تتخلى عن ذكرياتها مع لوسيان في هذه الحياة .
الأيام التي كانت تتذمر فيها من لوسيان بيرنز لمدة 10 سنوات، الأوقات التي كانت تطارده فيها في الشمال و تزعجه، رحلة الاستكشاف، وحتى ذكرى الليلة التي احتضنته فيها أخيرًا ……
كانت ذكريات ثمينة لا تريد التخلي عنها، لكنها فصلتها عن طيب خاطر . معظم الذكريات العادية التي لم تكن مرتبطة بلوسيان، تركتها خلفها .
و احتفظت بذكريات عشر حيوات و موت، و ذكرى لقاء الرجل ذي الشعر الفضي في فجوة الزمان و المكان .
بعد الانتهاء من العمل، قالت لأوريس : " أوريس، أمسك بيدي."
أمسك أوريس بيدها بشكل مفاجئ، وكان وجهه مليئاً بالخوف، لكنه، كما أمرته سيرفيليا، أمسك بيدها وخطا خطوة بخطوة إلى الأمام.
كما فعل لوسيان من قبل، انقسمت روح سيرفيليا إلى نصفين، و سار نصفها إلى الأمام ممسكاً بيد أوريس، بينما ظل النصف الآخر واقفاً في الخلف .
" صاحبة السمو، ما هذا …… ؟ "
كان الفرسان ينظرون بالتناوب إلى سيدتهم في صدمة . أما سيرفيليا، فقد كانت تنظر إلى ظهر نفسها الأخرى بتعبير مثير للاهتمام .
" واو، ظهري يبدو هكذا."
ترنحت سيرفيليا الأخرى ثم سقطت على الأرض . هرع بريدجر إليها و دعمها و حملها .
كان الفرسان لا يزالون يبدون مرتبكين، لا يعرفون من هي. لوحت سيرفيليا بيدها وشرحت ببساطة .
" هي أنا، وأنا هي، لذا لا داعي للتمييز بين الأصلي و الزائف، ومن الأفضل أن تسرعوا قبل أن يغلق الباب."
حثت سيرفيليا الفرسان على المغادرة بسرعة . لم تكن هي نفسها معتادة على هذه القدرة، لذا لم تستطع التنبؤ بمتى سيغلق الباب .
"لكن كيف يمكننا الذهاب وترك صاحبة السمو؟"
تحدث الفرسان كلمة بكلمة محاولين إقناعها، لكن سيرفيليا كانت قد اتخذت قرارها بالفعل . هزت رأسها بحزم .
" لدي مكان آخر أذهب إليه، أتمنى لكم أيضاً أن تذهبوا إلى الجنة أو العالم الآخر و ترتاحوا أخيراً."
" إذاً سنذهب مع صاحبة السمو أيضاً ! "
" أين تعتقد أنني ذاهبة ؟ "
" لا يهم أين، إذا كان المكان الذي ستذهبين إليه، يا صاحبة السمو … ! "
" لماذا أنت هكذا لا تعرف كيف تفهم الوضع ؟ هذا يعني لا تتبعني في موعد غرامي."
كانت لهجتها مرحة ولكن حازمة . كونهم يعرفون سيرفيليا أفضل من أي شخص آخر، كانوا يعلمون جيداً أنه لا جدوى من قول المزيد .
استغرق الأمر بعض الوقت لإقناع أوريس تماماً، لكنه في النهاية استسلم وفهم .
" صاحبة السمو … إذاً، سنذهب الآن."
" نعم "
" شكراً لكِ على كل شيء، وأيضاً أنا آسف."
" قلت لك، لا بأس الآن "
بعد فترة وجيزة، سار الفرسان أيضاً واحداً تلو الآخر عبر الباب . تحركت نفسها الأخرى بحذر بدعم من بريدجر .
الآن هي في حالة من الذهول، لكنها لا بد أن تستعيد وعيها بعد العودة إلى جسدها، و ستعيش بالسعادة التي تستحقها في عالمها الأصلي .
هذا ما كانت تتمناه سيرفيليا أكثر من أي شيء آخر .
بعد فترة وجيزة … أخيراً، بقيت سيرفيليا وحدها، محاصرة في الصمت الذي كان يضغط على الهواء المحيط بها .
وهي تشاهد الباب يختفي ببطء، أدركت سيرفيليا أنها لن تستطيع العودة إلى عالمها الأصلي مرة أخرى .
' حسنًا … هذا لا يهم '
جمعت سيرفيليا يديها و مدتهما إلى الأمام . هذه المرة، كان عقلها مليئاً فقط بالرجل ذو الشعر الفضي الطويل، وذلك المكان الذي يشبه السجن .
انبعثت قوة قوية من جسدها، وظهر باب حديدي آخر أمامها مباشرة، لكن هذا الباب هذه المرة كان مختلفاً قليلاً في شكله .
بدا ملتوياً و مشوهاً هنا وهناك، تماماً مثل باب يؤدي إلى منزل مهجور .
شعرت وكأنها محاولة أخيرة لإيقافها، لكن سيرفيليا فتحت الباب على مصراعيه بلا تردد . وخطت خطواتها نحو الجانب الآخر الذي كان ينبعث منه ضوء لا نهائي .
لم يهم إذا كان هذا الباب يؤدي إلى الجحيم . لم تفكر إلا في الرجل الذي كان ينتظرها في نهاية هذا الطريق .
* * * * * * * * * * * * * * * * * *
مكان مليء بالغبار القاحل و الظلام الذي لا نهاية له .
هنا بالتحديد، هو موجود …
شقت سيرفيليا طريقها إلى الأمام، وهي تتلمس ذكرياتها الباهتة .
' يبدو أنه كان هنا تقريباً … '
لحسن الحظ، لم يستغرق الأمر وقتاً طويلاً لتجد ما تبحث عنه .
من بعيد، يظهر ظهره … الأميرة في أحلامي، لوسيان، وهو يحدق في الفراغ بعيون حزينة .
تسارعت خطواتها . كان قلبها يتوق للوصول إليه بأسرع ما يمكن .
كما لو شعر بوجودها، استدار لوسيان ببطء .
توقفت سيرفيليا على بعد مسافة قصيرة . مرت ريح قاحلة بينهما، و اتسعت عينا لوسيان عندما رآها .
تساءلت سيرفيليا للحظة ماهي التحية التي يجب أن توجهها لحبيبها الذي انتظرها طويلاً .
بالتأكيد، لم تكن هناك حاجة لتحية متكلفة . ابتسمت ببساطة بسعادة وقالت :
" أنا هنا، لوسيان "
بدا لوسيان وكأنه أصيب بصدمة كبيرة ولم يستطع قول أي شيء .
يده الممدودة نحوها كانت ترتجف بشكل طفيف . عندها فقط، أدركت سيرفيليا حقيقة مهمة .
' آه، هكذا كان الأمر '
لم يكتفي بأخذ الذكريات التعيسة، بل أخذ مرضها أيضًا … كم كان التضحية التي كان ينوي القيام بها بمفرده .
اندفعت سيرفيليا على الفور و أمسكت بيد هذا الرجل الأناني .
" لا تطردني هذه المرة، كان الطريق متعباً للوصول إلى هنا."
كان لا يزال يبدو وكأنه لا يصدق هذا الوضع، لكن نظرته الفارغة كانت تتبعها باستمرار.
بدا وكأنه يحلم حلماً حياً جداً، وأنه لا يجب أن يستيقظ منه.
لا بد أن تجعله يستيقظ من الحلم بسرعة. كان عليها أن تخبره أنها موجودة في الواقع، وليس في الحلم .
بحثت سيرفيليا في جيبها و أخرجت الخاتم . خاتم الزمرد المتلألئ باللون الأخضر .
كان الخاتم الذي عاد إلى صاحبه بعد رحلة طويلة جداً .
أمسكت بيد لوسيان و وضعت الخاتم في إصبعه .
كان صغيرًا، لدرجة أنها استطاعت وضعه فقط على طرف إصبعه الصغير، لكن سيرفيليا كانت راضية بذلك، ثم أمسكت بيده بقوة و اعترفت بمشاعرها التي كانت تتضخم وكأنها ستنفجر .
" أحبك، بهذا الحب وحده، استطعت أن أفعل أي شيء."
شد لوسيان يدها بقوة . أخيراً عادت الحياة إلى عينيه و تنفس نفساً عميقاً بين شفتيه الجافتين .
" …… سيرفيل."
ثم رد عليها بابتسامة أجمل من أي شخص في العالم .
انتشر شعور بالسعادة لا يوصف على وجهه المتعب .
نعم، هذا كان كافياً . لرؤية هذه الابتسامة مرة واحدة، كان الأمر يستحق التخلي عن كل شيء .
ابتسمت سيرفيليا أيضًا وهي تنظر إليه، وكانت متأكدة أنها ستستمر في الابتسام بهذه الطريقة في المستقبل .
****************************