القصة الجانبية الفصل ٥ و ٦ : ذهبت الأميرة إلى الشمال و أفسدت الأمور

بدأ لوسيان يتحدث بحذر شديد .

بدا وكأنه يفكر في كيفية التحدث، فعض على شفتيه الجافة عدة مرات .

" لا أعرف إذا كنتِ قد لاحظتِ ذلك."

" كنت أعرف أنا أيضًا أن هناك شيئًا غريبًا، لكنني لا أعرف ما هو بالضبط."

أجابت سيرفيليا بهدوء .

لم يكن بإمكانها ألا تلاحظ الإشارات العديدة التي كانت تظهر لها باستمرار، إلا إذا كانت حمقاء .

الذكريات التي تنقطع كما لو أن شخصًا ما قصها بمقص، و الأحلام الغريبة التي لا يمكن تفسيرها، و القصص التي روتها تشاسترتي ذات مرة .

كانت تفكر بشكل غامض أنها ستعرف الإجابة يومًا ما، وبدا أن اليوم هو ذلك اليوم .

عدّل لوسيان جلسته و نظر إليها مباشرة في عينيها . كان سلوكه جادًا كما لو كان على وشك قول شيء مهم للغاية .

" أنتِ تعلمين بالفعل أن وريث عائلة بيرنز يولد بقدرة على إعادة الزمن عبر الأجيال، كنت أعتبر نفسي محظوظًا جدًا لأنني لم أحتاج لاستخدام تلك القدرة حتى الآن "

أومأت برأسها بصمت . لأن سيرفيليا أيضًا كانت تعتبر أنه من حسن حظ لوسيان أنه لم يحتج لاستخدام تلك القدرة الغريبة .

حتى بدون إعادة الزمن، نجحوا في حماية الجدار و استعادت القارة سلامها .

لم يكن لديهم أي مشاكل … أو هكذا ظنوا .

" … ولكن منذ يوم ما، بدأت أشعر بشعور غريب بأنني مررت بهذا الموقف من قبل "

"أي نوع من الشعور؟"

" لماذا أشعر بالألفة مع أشياء أفعلها لأول مرة، ولماذا أعرف اسم شخص لم يلتحق يومًا بجيش الشمال، ولماذا …… "

توقف لوسيان عن الإجابة . غطى حزن لا يوصف عينيه .

" لماذا يتبادر إلى ذهني بعض جوانبك التي لا أعرفها ؟ "

" …… "

" بدا الأمر وكأنني فقدت شيئًا مهمًا للغاية، وفي يوم من الأيام، جاء رجل إلى حلمي، رجل بشعر فضي طويل … كان يبدو تمامًا مثلي."

فزعت سيرفيليا .

قبل قليل، ألم تقابل هي أيضًا امرأة تبدو تمامًا مثلها ؟

حقيقة أن لوسيان مر بنفس التجربة لم يكن أمرًا عاديًا على الإطلاق .

" حلمت أنا أيضًا بحلم مشابه، ظهر لي شخص آخر يبدو مثلي و بدأت تتحدث بكلام لا أفهمه."

" هذا صحيح، قال ذلك الرجل أنه فعل ذلك، وقال أنه يستعد للعودة."

" العودة ؟ إلى أين ؟ "

طرحت السؤال، لكن في الواقع، كانت تعلم الإجابة بالفعل .

هوية تلك المرأة، و هوية ذلك الرجل الذي يشبه لوسيان …

" إنهم نسخ أخرى منا، يا سيرفيل، كانوا يدفعون ثمن ذنب إعادة الزمن و تدمير العالم بلا مبالاة، والآن، بما أن عقوبتهم قد انتهت، قالوا أنهم يريدون العودة إلى عالمهم الأصلي "

بدا أن إجابة كل الأمور التي كانت تربكها قد ظهرت الآن .

يبدو أن الذكريات التي فقدتها كانت بحوزة نفسها الأخرى .

" بصراحة، لا يهمني كثيرًا ما يمر به ذلك الرجل، إذا كان قد ارتكب خطأ، فهو يستحق العقاب، ولكن إذا كنتِ أنتِ معه هناك، فالقصة تختلف."

احتضنها لوسيان بقوة وكأنه لا يستطيع التحمل .

كان صوت دقات قلبه عالية من صدره الذي يلامسها . بدا أن قلقه و اضطرابه ينتقلان إليها مباشرة .

" سيرفيل، لا أستطيع أن أخسر منكِ شيئًا ولو جزء، إذا كنتِ تتألمين، وإذا كان ذلك بسببي، فلا أستطيع التحمل أبدًا …… "

" ولكن كيف نصدق شيئًا كهذا ؟ قد يكون محتالاً، ماذا لو كان من تدبير ساحر ؟ "

ربتت سيرفيليا على ظهر لوسيان وهدأت من روعه .

إذا كان عليها أن تتفاعل مع كائنات في مكان مجهول، كان عليها أن تتعامل مع الأمر بحذر شديد .

" إذا رأيتِ بنفسكِ، فستعرفين، لا يوجد شخص لا يتعرف على نفسه، لذلك، لا أملك خيارًا سوى تصديق كلام ذلك الرجل."

لم تستطع سيرفيليا أن تعترض على هذا الكلام وسرعان ما وافقت .

نعم، كانت تعلم هي أيضًا . المرأة التي رأتها في الحلم كانت بلا شك نفسها .

مثلما كانت تشعر هي بوضوح، لوسيان أيضًا سيكون كذلك . لم يكن هناك مجال للشك في هذا الأمر .

" قال أنه في حالة تسمح له بالعودة في أي وقت إذا أعطيته إشارة من هذا الجانب، بالطبع، الأهم هو قراركِ أنتِ يا سيرفيل "

أضاف لوسيان بسرعة .

إذا لم تكن تريد ذلك، فلن يجبرها . كان بإمكانهما أن يعيشا و يتظاهرا إلى الأبد بأنهما لا يعرفان لوسيان الآخر و سيرفيليا الأخرى .

كان بإمكانهما تجاهل كل ما حدث لهم وكأنه شأن شخص آخر، و وضع حد يفصلهم عنه . عندها، ستتمكن سيرفيليا من الاستمتاع بحياة سلمية كما هي الآن . بعد أن ألقت بكل البؤس بعيدًا في مكان بعيد .

" أنا …… "

لكن سيرفيليا كانت قد حسمت أمرها بالفعل، لأنها أيضًا لم تستطع التخلي عن جزء صغير من لوسيان .

* * * * * * * * * * * * * * * * * *

في مساحة ملتوية حيث تتلاشى الحدود بين السماء و الأرض، ويسير الزمن اللانهائي بلا هوادة . كانت سيرفيليا أبردين واقفة في وسطها، تنظر إلى البحر البعيد .

سمعت حركة خلفها، لكنها لم تتظاهر بمعرفتها . على أي حال، لم يكن هناك سوى شخص واحد فقط يمكنه الاقتراب منها في هذا المكان .

" هل كنتِ هنا ؟ "

" نعم."

اقترب لوسيان بخطوات بطيئة و أمسك كتفها .

"هل تشتاقين لرؤية البحر؟"

" أنا أنظر إليه."

"هذا ليس البحر الحقيقي، أليس كذلك؟"

كانت الأمواج المظلمة تتحرك إلى قدميها ثم تتراجع مرارًا وتكرارًا . ومع ذلك، لم تبلل مياه البحر قدميها على الإطلاق .

أمواج مزيفة، بحر مزيف، منظر طبيعي مزيف خلقه وعيها .

ومع ذلك، إذا أغمضت عينيها، كان صوت الأمواج واضحًا، وبدا وكأنها تسمع صوت طيور النورس من مكان ما.

وكان ذلك انعكاسًا مباشرًا لتجربة سيرفيليا عندما ذهبت في إجازة إلى الساحل الجنوبي يومًا ما .

" هذا رائع، كل شيء على ما يرام باستثناء شيء واحد."

" ماهو ؟ "

" هنا لا يمكنني رؤية سوى بحر الليل، ومع ذلك، لا يوجد قمر ولا نجوم، باستثناء ذلك، إنه لا بأس به."

التقطت سيرفيليا حجرًا من الأرض و ألقته بقوة نحو مياه البحر .

سقط الحجر مباشرة على الأرض في شكل قطع مكافئ . ولم تسمع صوت تناثر الماء .

لم تكن تعرف كم من الوقت مر منذ أن جاءت إلى هنا.

كان ذلك جزئيًا بسبب ضعف إحساسها بالوقت، وجزئيًا بسبب محاولتها المتعمدة لعدم الاهتمام.

بفضل وجودها بجانبه، تحسنت حالة لوسيان تدريجيًا .

إذا بدا مضطربًا في بعض الأحيان، كانت تمسك يده و تكرر له مرارًا وتكرارًا أنها هنا . عندها، كان لوسيان يجد الاستقرار تدريجيًا بينما كان حزينًا بلا حدود . بهذا وحده، تأكدت سيرفيليا مرة أخرى أن قرارها كان صحيحًا .

أمسك لوسيان بيد سيرفيليا وكأنه لا يصدق أنها بجانبه، و وضع يدها على خده و فركها لفترة طويلة .

" …… الآن، لنعد إلى المنزل."

كانت تعلم أن كلامه لا يعني مجرد العودة إلى القلعة التي يقيمان فيها .

لم يسبق للوسيان أن أطلق على القلعة اسم "المنزل" من قبل .

" لن أذهب، لن أذهب، لن أذهب، قلت لن أذهب "

كررت سيرفيليا كلمات الرفض التي قالتها مئات إن لم يكن آلاف المرات .

كان لوسيان رجلاً عنيدًا حقًا . بعد كل هذا الوقت الطويل الذي قضاه معها، لم يتخلى عن خطته لإعادتها .

بالطبع، كانت تعرف أن هذه هي طريقة لوسيان في الحب، ولكن التواجد هنا معه كان أيضًا طريقة سيرفيليا في الحب .

" لا، ليس ذلك، بل أقول لنعد معًا "

رمشت سيرفيليا بعينيها بتعبير حائر .

معًا ؟ كيف يمكنهما العودة معًا وهما محبوسان هنا ؟

وكأنه يجيب على سؤالها الصامت، أجاب لوسيان .

" الآن انتهى كل شيء، لذا، لنذهب لنرى البحر الحقيقي."

" لا بد أنك تمزح."

فجأة، تذكرت سيرفيليا صورة ذلك المرشد الذي اختفى متناثرًا كالغبار في رأسها .

روح وجدت الحرية الكاملة بعد أن تلقت عقوبتها بالكامل .

" نعم، عقوبتي قد انتهت الآن تمامًا."

" آه "

أطلقت سيرفيليا تنهيدة لا إرادية .

عقوبة لوسيان التي بدت وكأنها لن تنتهي أبدًا، انتهت أخيرًا .

وفجأة، تساقطت دموعها و بدأت بالبكاء .

" لو لم تكوني هنا، لما استطعت التحمل بعقل سليم، لقد أنقذتني يا سيرفيل "

أمسك لوسيان بيدها و احتضنها بقوة وكأنه يحبسها بين ذراعيه .

****************************

القصة الجانبية الفصل ٦ :


" أنا آسف، و شكرًا لكِ … و أحبكِ "

استمر لوسيان في الهمس بكلمات الحب في أذنها .

لم تستطع سيرفيليا أن تستوعب الأمر بعد.

هل انتهى الأمر حقًا ؟ بعد تلك العقوبة الطويلة التي لا تُحصى، هل سيتمكنون أخيرًا من العودة إلى المنزل ؟

" هيا، امسكي يدي "

" حسنًا "

كان جسد لوسيان يتناثر بالفعل . عندما أمسكت يده، سرعان ما بدأ جسد سيرفيليا أيضًا يتفتت ببطء و يتناثر في الهواء .

شعرت سيرفيليا ببعض التوتر .

هل سيعودون حقًا إلى المنزل هكذا ؟ لقد اعتادت على الحياة هنا لدرجة أنها لم تعد تتذكر بوضوح كيف كان عالمها الأصلي .

" هل تتذكر الطريق إلى المنزل ؟ "

" كيف لي أن أنساه ؟ "

صحيح … لا بد أنه كان يتوق إليه كل يوم و يتخيل العودة مرات لا تحصى . بكل معنى الكلمة، كان بإمكانه إيجاد الطريق حتى وهو مغمض العينين .

أمسكت سيرفيليا بيد لوسيان و قبضت عليها بكل قوتها . خوفًا من أن يضيعا في الطريق .

تناثر جسداهما أكثر فأكثر حتى أصبح من الصعب التعرف على شكلهما الأصلي .

بقي يداهما المتشابكتان كآخر شيء، ثم تناثر الاثنان تمامًا وتحولا إلى غبار .

على البحر المظلم الذي خلقه الشوق، لمع أول بريق للضوء .

* * * * * * * * * * * * * * * * * *

شعرت سيرفيليا ببعض التوتر .

إذا اتحدت الروح المنقسمة مرة أخرى … هل سيكون الأمر مؤلمًا ؟

هل ستصبح الذكريات التي لا أعرف عنها شيئًا مثل ذكرياتي ؟

عادت إلى الكوخ بإرشاد من لوسيان و استلقت بشكل مستقيم على السرير .

جلس لوسيان على الكرسي المقابل و انتظر بصبر عودة نفسه المفقودة .

" هل أبقى هكذا فحسب ؟ " سألت سيرفيليا مجددًا .

" نعم، قال أنه لم ينسى طريق العودة، وبما أن الأرواح المتشابهة ستجذب بعضها البعض بقوة، عليكِ فقط أن تتقبلي ذلك دون مقاومة."

استلقت مجددًا، و فكرت في أفكار مختلفة مثل ' إذا كنت ستأتي، فلتأتي بسرعة ' .

في تلك اللحظة … فجأة، دار كل شيء أمام عينيها رأسًا على عقب . وفي الوقت نفسه، تعرضت لصدمة قوية كما لو أن موجة ضخمة تضربها .

حبست سيرفيليا أنفاسها للحظة .

" لا، ركزي، حاولي التنفس …… "

كان الأمر وكأن شخصًا يمسك بياقتها و يهزها وهو يتحدث، لكن بدا الأمر صحيحًا، لذا أخذت نفسًا عميقًا في البداية . نفخت صدرها بكل قوتها ثم أرخت عضلاتها مرة أخرى .

مرة أخرى، ومرة أخرى … بعد تكرار ذلك عدة مرات، بدأ تنفسها يهدأ شيئًا فشيئًا، لكن لم يكن ذلك كل شيء .

بدأت ذكريات غريبة تظهر واحدة تلو الأخرى و تملأ رأسها . وسط موجة الذكريات التي تدفقت مثل المد، تمسكت سيرفيليا بصعوبة بذاتها التي كانت تبتعد .

" هاااه … ! "

لكن سيرفيليا تذكرت كلمات لوسيان و حاولت إرخاء جسدها قدر الإمكان . عندها، بدأت الذكريات التي كانت تهاجمها بشدة وكأنها تهاجم تخف من حدتها و تختلط بشكل طبيعي .

على عكس قلقها، لم تشعر سيرفيليا بأي غربة على الإطلاق . هذه كانت ذكرياتها، كانت حياتها الأخرى، و سيرفيليا أخرى .

وهكذا، دون أي مقاومة، قبلت تمامًا روحها التي انفصلت عنها منذ فترة طويلة . ومع شعور بالدوار كما لو صُدمت ببرق في أعلى رأسها، قفزت من مكانها .

" لوسيان …… "

كان لوسيان قد نهض بالفعل و وقف مستندًا قليلاً على الحائط . بدا هو أيضًا مرتبكًا للغاية، وكأنه مر بتجربة مشابهة لتجربتها .

أرادت أن تقول شيئًا، سواء كان مواساة أو مزحة، لكنها لم تستطع أن تنطق بكلمة واحدة، لأن حلقها كان مسدودًا فلم يخرج صوت، و دموعها تجمعت، وبدأ بصرها يتشوش .

" لقد عدت أيضًا، يا سيرفيل "

أغمضت سيرفيليا عينيها بإحكام . تساقطت قطرات الدموع المتجمعة، لكنها لم تفكر حتى في مسحها و ركضت مباشرة نحو لوسيان .

دون أن يتحدثان، تلامست شفاههما بسرعة . نزعوا ملابسهم المزعجة تقريبًا كأنهم يمزقونها، و تلامست بشرتهما العارية و تشابكا معًا .

وكأن شفتي بعضهما البعض كانت هي التنفس الوحيد، استلقى الاثنان على السرير وكأنهما ينهاران، و تداخلت أجسادهما دون أي فجوة .

مرت آلاف السنين من تاريخ حياتهما أمامهما كشريط سينمائي، والآن، هنا، عادوا إلى أماكنهم الصحيحة .

" سيرفيل، لو لم تكوني هنا، ربما لن أفكر حتى في العودة، لربما … اعتبرت العقوبة و المعاناة هي كل حياتي وكنت سأتلاشى هكذا …… "

شعرت سيرفيليا بحرارة كلماته و ربتت بلطف على شعره .

" لكنكِ كنتِ بجانبي، حتى في اللحظة التي كنتُ فيها محبوسًا في تلك الهاوية العميقة، أنتِ جئتِ للبحث عني …… "

لاحظت سيرفيليا أن حافة فستانها الرقيقة أصبحت مبللة . كان لوسيان يذرف الدموع دون أن يصدر صوتًا .

" لماذا تبكي، فهذا يؤلم قلبي "

رفع لوسيان رأسه و نظر إليها . كانت عيناه الزرقاوان مبللتان بالدموع .

وضعت سيرفيليا شفتيها على عينيه المغمضتين .

دخل غروب شمس طويل من خارج النافذة .

في مشهد مغطى باللون البرتقالي، عانقت سيرفيليا الرجل الذي أحبته بكل حياتها و موتها .

* * * * * * * * * * * * * * * * * *

' من الواضح أن فترة الإجازة كانت أسبوعًا واحدًا '

جلست سيرفيليا في العربة العائدة إلى القلعة و عبست .

اعتقدت أن أسبوعًا سيكون كافيًا للراحة و اللعب وكل شيء، لكن عندما عادت إلى رشدها، كانت الإجازة قد انتهت بالفعل .

' ماذا فعلتُ ليمر الوقت بهذه السرعة ؟ '

شعرت بالظلم مهما فكرت، فبدأت سيرفيليا في استعادة ذكرياتها، تثني أصابعها واحدًا تلو الآخر .

' في اليوم الأول، استمتعت بالبحر و استلقيت على كرسي الشاطئ للراحة، و استعدت ذكرياتي المفقودة أيضًا، في اليوم الثاني …… '

طوت أصابعها بسرعة و تجاوزت إلى اليوم التالي بسبب الذكريات المحرجة التي غطت رأسها .

' في اليوم الثالث …… '

لكن هذه المرة أيضًا، لم تخطر ببالها سوى الذكريات المحرجة .

" …… "

بعد أن طوت جميع الأصابع الخمسة، تذكرت أخيرًا ذكريات طبيعية . مثل تقديم خبز محروق أسود على المائدة بعد أن قررت الطهي، أو الجلوس لساعات طويلة لصيد السمك ولم تصطاد سوى حذائين قديمين ……

ارتسمت ابتسامة على شفتيها تلقائيًا .

نعم، كانت إجازة ليست سيئة بعد كل شيء .

" صاحبة الجلالة، هل أنتِ بخير ؟ "

سأل لوسيان الذي كان يقود حصانه بجوار العربة بحذر من نافذتها . احمر وجه سيرفيليا على الفور لأنها تذكرت لتوها قضاء الليل و النهار معه بتلك الطريقة .

" يبدو أن لديكِ حمى."

لوسيان، الذي لم يلاحظ شيئًا، نظر إليها بقلق . شدت سيرفيليا شفتيها و أدارت رأسها .

الآن، حتى مجرد النظر إلى عينيه كان يسبب لها شعورًا بالدغدغة في معدتها . تمنت العودة إلى القلعة بسرعة، بأسرع ما يمكن …

بهذه الطريقة، لن ترغب في ملاحظة شروق الشمس أو غروبها، بل سترغب فقط بالتحديق في عينيه الزرقاوين .

* * * * * * * * * * * * * * * * * *

وهكذا، بعد بضعة أسابيع .

كانت سيرفيليا تمضي أيامًا عادية، مشغولة بالعمل، و تأخذ قسطًا من الراحة بالكاد لتشرب الشاي مع لوسيان .

" تبدين متعبة."

لوسيان، بينما كان يشرب الشاي بلا مبالاة، كان يراقب حالتها باستمرار .

" هذا صحيح، يبدو أن صحتي ليست جيدة هذه الأيام، أشعر بالتعب، و معدتي ليست على ما يرام."

" إذًا، يجب أن أحضر الطبيب "

" ليس لهذه الدرجة."

لكن لوسيان لم يكن يصغي لكلامها . أمر خادمه على الفور بإحضار طبيبة، و اصطحب سيرفيليا إلى غرفتها و أجبرها تقريبًا على الاستلقاء على السرير .

" لا، أنا بخير ! "

"هذا ما ستقرره الطبيبة "

بينما كان الاثنان يتجادلان، اقتربت امرأة عجوز ظهرها منحني و تجاعيد تملأ وجهها بخطوات بطيئة وقدمت تحيتها .

منع لوسيان الطبيبة حتى من الركوع وأمرها مباشرة ببدء العلاج .

" في الآونة الأخيرة، لم تأكلي جيدًا، وقلتِ إن معدتكِ ليست على ما يرام، ولا تنامين جيدًا أيضًا، ويبدو أن دورتكِ الشهرية قد تأخرت "

هل قلتُ ذلك ؟

استلقت سيرفيليا بهدوء على السرير، وهي تتساءل كيف عرف لوسيان حالة صحتها التي لم تدركها هي نفسها جيدًا .

قامت الطبيبة ببعض الحركات السحرية الغريبة و فحصت حالتها بدقة .

في تلك اللحظة، فجأة فتحت الطبيبة عينيها المتجعدتين على مصراعيهما، و نظرت إلى سيرفيليا، ثم إلى لوسيان الواقف بجوارها بالتناوب، و صرخت بصوت عالي .

" صاحبة الجلالة … تهانينا ! "

****************************

*

إرسال تعليق (0)
أحدث أقدم

اعلان