صرخت سيرفيليا بصوت عالٍ، لكن لم يرد عليها سوى صدى صوتها .
كان المكان يشبه إلى حد ما قلعة لانغفول، لكنه كان بدائيًا وبدا وكأنه سينهار في أي لحظة .
قال جزرة وهو يتسلق على كتف سيرفيليا : " هذا المكان من صنع عقل شخص ما، إنه ليس مكانًا حقيقيًا "
عبست قليلاً و أجابت : " هل هذا ممكن ؟ إنه ليس سحراً."
" أعتقد أن السبب هو تشوه الزمان و المكان."
إذا كان كلام جزرة صحيحًا، فلا بد أن يكون "الشخص ما" هو لوسيان .
هل الشخص الذي بقي هنا لفترة طويلة، كما قال ذلك الشخص، هو لوسيان ؟ إذا كان الأمر كذلك، فكم من الوقت قضى لوسيان بمفرده في هذا المكان ؟
' إذا كان هذا المكان نسخة من قصر لانغفول، إذن سيكون الدوق الأكبر في غرفته '
صعدت سيرفيليا الدرج ثلاث درجات في كل مرة دون تردد . مرت عبر الممر المألوف و فتحت باب غرفة لوسيان فجأة .
" آه ! "
سحبت سيرفيليا قدمها التي مدتها دون وعي بسرعة .
لم يكن هناك شيء خلف الباب، أو بالأحرى، لم يكن هناك مكان أو أرضية . وكأن ليس هناك قوة عقلية كافية لإعطائها وجودًا، كان هناك مجرد ظلام أسود يتلوى هنا و هناك .
' إذا لم يكن هنا … ربما '
استدارت سيرفيليا و توجهت إلى الغرفة المجاورة مباشرة . كانت الغرفة التي استخدمتها أثناء إقامتها في قصر لانغفول .
أمسكت بمقبض الباب و أدارته دون تردد .
بمجرد دخولها، كان أول ما وقعت عليه عيناها هو وجه مألوف معلق على الحائط .
" ما هذا، لماذا توجد صورة لي هنا … ؟ "
لكن السؤال التافه عن سبب وجود صورتها هنا سرعان ما غادر ذهنها ، لأن شخصًا ذا شعر فضي طويل كان يجلس متكئًا على حافة النافذة .
لم يلتفت حتى، وكأنه لم يلاحظ دخول سيرفيليا .
شعرت فجأة بأنها رأت هذا المشهد من قبل .
' هذا … المشهد الذي رأيته في حلمي '
الحلم الذي غرس في نفسها في طفولتها خيالاً عن أميرة ذات شعر فضي، و الذي كان يراودها أحيانًا حتى بعد أن أصبحت بالغة .
كانت سيرفيليا تستطيع أن تتذكر هذا الحلم بوضوح حتى الآن .
سيرفيليا الصغيرة تصعد الدرج بسعادة و تندفع بلا تردد عبر الممر المظلم . الفتاة الشجاعة التي هزمت الوحوش الخيالية بسيف بحجم جسدها تصل أخيرًا إلى وجهتها، ثم فتحت الباب المغلق بإحكام و أطلقت صرخة قوية بنبرة عالية .
' أيتها الأميرة ! '
لماذا اعتقدت أنها أميرة بلا سبب ؟
هل كان شعرها الطويل المختلف يبدو جميلاً ؟ أم أنها تذكرت لا شعوريًا روايات الرومانسية التي كانت مغرمة بها في ذلك الوقت ؟
في كلتا الحالتين، كانت تعرف ذلك منذ صغرها، أن هناك شخصًا يجب أن تنقذه .
أن هناك شخصًا ينتظرها وحدها في مكان ما، و يتحمل وقتًا لا نهائيًا … حتى نما شعره القصير و تجاوز خصره، وحتى تحول شعره الأسود الداكن إلى الأبيض، لقد كان ينتظرها هنا منذ زمن طويل .
كان يفكر فيها بلا انقطاع، حتى فاضت أمنياته و وصلت إلى أحلام سيرفيليا .
وقد ردت سيرفيليا الصغيرة على أمنياته هكذا : " أيتها الأميرة ! لقد أتيت لإنقاذك ! "
تذكرت سيرفيليا هذا الصوت الطفولي و همست بصوت منخفض : " أيها الدوق، لقد أتيت لأخذك "
عندما خطت خطوة واحدة، خطت سيرفيليا الصغيرة خطوة واحدة أيضًا .
في اللحظة التي تزامنت فيها خطواتهما ذات الإيقاع المختلف، شعرت بأن حلمها القديم يندمج ببطء مع الواقع أمام عينيها .
من خلال رؤيتها المهتزة، رأت ظهره المتعب . أقتربت أكثر فأكثر منه، الذي لم تستطع الوصول إليه لفترة طويلة جدًا .
لطالما استيقظت من الحلم عند هذه النقطة، و غادرت دائمًا دون أن تتمكن من إنقاذ الأميرة ……
مدت سيرفيليا يدًا مرتعشة، مع أنها كانت تعلم أن هذا ليس حلمًا، إلا أنها لم تستطع حتى أن تتنفس بشكل صحيح خوفًا من أن تستيقظ من الحلم .
أخيرًا، عندما أمسكت بكتفه و أدارته، ظهر وجه مألوف .
عيناه الزرقاوان الشاحبتان، اللتان لم يخفيهما شعره الطويل، نظرتا إليها، لكن عينيه كانتا شاردتين وغير مركزتين . يبدو أنه لم يتعرف عليها .
" أيها الدوق "
عند رؤية وجنتيه الغائرتين و شفتيه المتشققة، شعرت سيرفيليا بغصة في حلقها، و بألم حاد في قلبها وكأنها ستنهار .
احتضنت سيرفيليا لوسيان بقوة وكأنها ستسقط . انزلق شعره الفضي الطويل بين أصابعها . كل خصلة شعر بدت وكأنها الوقت الذي صمد فيه .
بالنسبة لها، لم تكن سوى أيام قليلة، لكن كم من الوقت الثقيل تحمله لوسيان ؟
" آسفة، لقد تأخرت كثيرًا "
عندما همست وهي تداعب خده الخشن، بدأت عيناه تلمعان تدريجيًا .
عبس قليلاً، و رمش عينيه، و ركز نظره.
" أيها الدوق، هل أنت بخير ؟ هل تعرف من أنا … ؟ "
لم تستطع إنهاء كلامها … فجأة بدأ الجدار و السقف في الانهيار بصوت عالي .
لفت سيرفيليا ذراعيها حول رأس لوسيان و أغلقت عينيها بإحكام .
انتظرت أن يسقط السقف المنهار على ظهرها، لكن لم يحدث شيء .
' ماذا …… ؟ '
فتحت عينيها قليلاً، و رأت أن القلعة لا تزال تنهار و تصدر ضوضاء صاخبة، لكن كما رأت من الخارج قبل قليل، استمر الفضاء المشوه في الانهيار و التشكل بلا نهاية .
' آه، صحيح، إنه مكان صنع من قوة العقل، لذا فهو لا يسبب ضررًا حقيقيًا … '
إذن، هل هذا يعني أن عقل الدوق الأكبر ينهار هكذا ؟
ارتجفت سيرفيليا قليلاً و أمسكت بكتف لوسيان و نظرت إليه مرة أخرى .
كانت عيناه ضبابية و يتنفس بسرعة . بدا وكأنه يتمتم شيئًا، لكنها لم تستطع فهمه . بدا أنه في حالة غير مستقرة إلى حد كبير .
' بالطبع لن يكون في وعيه الطبيعي، بعد البقاء بمفرده في مكان كهذا لفترة طويلة …… '
هزت سيرفيليا كتف لوسيان ثم صفعته بقوة على خده .
" أيها الدوق ! عد إلى رشدك ! "
اهتزت حدقة عين لوسيان و نظر إليها بصعوبة .
حرك شفتيه الجافتين و تحدث بصوت مبحوح : " سيرفيل … ؟ كيف، كيف وصلتِ إلى هنا …. ؟ "
تنهدت سيرفيليا بارتياح . لحسن الحظ، بدا أنه استعاد وعيه .
" إذن هل ظننت أنني سأتجاهلك ؟ فأنا سأبحث عنك في كل أنحاء العالم "
قالتها وكأنها تمزح، لكن كل مقطع لفظ كانت فيه دمعة .
أرجعت سيرفيليا شعره المتساقط خلف أذنه و همست : " لقد أتيت لأخذك، لا تقلق بشأن أي شيء بعد الآن "
عند سماع هذا الكلام، أغمض لوسيان عينيه بصعوبة، و تدفقت دموع غزيرة على وجنتيه .
استغرق الأمر بعض الوقت حتى هدأ وهو يذرف الدموع بلا توقف . أجلسها لوسيان في حجره و احتضنها لفترة طويلة دون أن يقول كلمة .
استندت سيرفيليا بهدوء على لمساته ثم نهضت ببطء، ثم نظرت مباشرة في عينيه وسألته : " أيها الدوق، قبل أن آتي إلى هنا، رأيت مشهدًا غريبًا، رأيت نفسي من عالم آخر تموت، وبعد فترة وجيزة، اختفيت أنت من ذلك العالم، و احترق الشمال، ومات الناس … على أي حال، رأيت مثل هذا المشهد "
توقف لوسيان عن مداعبة يدها، لكن بدلاً من أن يفاجأ، تجنب النظر إليها، وكأنه يستمع إلى قصة يعرفها بالفعل .
شعرت سيرفيليا بشعور مشؤوم و استمرت في الكلام .
" ما الذي يحدث بالضبط ؟ أيها الدوق أخبرني بكل شيء "
أرخى رأسه وكأنه مذنب يعترف بخطاياه، ثم بدا وكأنه يتردد قليلاً قبل أن يفتح فمه ببطء .
" لقد، لقد متِ يا أميرة … لم أستطع تحمل ذلك، لذا … لذا عدت بالزمن إلى الوراء، و فعلتُ ذلك مراتٍ عديدة …… "
تمتم بشكل غير متناسق و استمر في العبث بطرف ملابس سيرفيليا .
لقد فكرت بهدوء فيما يعنيه .
…… لقد عاد بالزمن إلى الوراء .
في وضع مختلف، كانت ستعتبر هذا الكلام هراءً أو جنونًا، لكن من حسن الحظ، كانت قد شهدت للتو عدة خطوط زمنية مختلفة .
رأت بأم عينيها أدلة واضحة، لذلك، بدلاً من أن تنكر بلا تفكير، رتبت الحقائق التي تعرفها ببطء .
' بسبب موتي، أعاد الدوق الأكبر الوقت إلى الوراء '
إذا كان هذا صحيحًا، فهل حبس الدوق الأكبر في هذا المكان الغريب هو عقاب على التلاعب بالوقت بتهور ؟
بعد رحيله، لا بد أن الشمال قد انهار بلا حول ولا قوة .
" مهلاً، إذن كل هذا … هو خطئي في النهاية "
في تلك اللحظة، رأت فجأة أن المشهد المحيط بها يتغير ببطء .
اختفى قصر لانغفول الذي كانوا فيه، و ظهر الخارج القاحل الذي رأته قبل قليل .
لم يعد الاثنان جالسين على حافة النافذة، بل على أرض ترابية خشنة . شعرت وكأن قلبها قد سقط .
لماذا اختفى المكان المصنوع من قوة العقل فجأة ؟
هل حدث شيء آخر لعقل لوسيان نفسه ؟
" أيها الدوق، هل أنت بخير ؟ "
وضع لوسيان يده على جبينه وكأنه يعاني من صداع . تأوه بألم ثم أدار رأسه نحوها مرة أخرى، ثم فتح عينيه على اتساعهما ونظر إليها بتعجب، وكأنه اكتشف وجودها للتو .
" أميرة، ماذا تفعلين هنا ؟ "
" …… هاه ؟ "
" لقد حذرتك مرارًا و تكرارًا من عدم الاقتراب من الحاجز لأنه خطير، هل أتيت وحدك ؟ لن أترك الخدم وشأنهم عندما نعود "
اختفى موقفه غير المستقر قبل قليل، وكان يتحدث بأسلوب رسمي و جاف مثل لوسيان القديم .
أمسك بيدها و رفعها بوجه قلق، ثم نفض الغبار عن ملابسها بعناية .
بقيت سيرفيليا مذهولة ولم تستطع قول أي شيء .
****************************
الفصل : ١٢٧
لم تستعد سيرفيليا وعيها إلا عندما عض جزرة شحمة أذنها بقوة، و همس المخلوق الصغير في أذنها :
" كما توقعت، تنبعث من روح هذا الوغد رائحة كريهة، ليس هذا فحسب، بل روحه ممزقة إربًا إربًا ولا يستطيع حتى تكوين هيئة سليمة، كوني حذرة "
نظرت سيرفيليا إلى لوسيان بوجه شارد .
بدا وكأنه لم يلاحظ وجود جزرة على الإطلاق . كان ينظر إليها بقلق فحسب، و يتفحصها من جميع الجوانب .
" هل أنتِ بخير ؟ تبدين شاحبة "
روح ممزقة …… أدركت سيرفيليا خطورة الكلمات متأخرة، و شعرت ببرودة تسري في جسدها حتى أطراف أصابعها وكأن كل الدماء قد سُحبت منها .
إذا كان التغير المفاجئ في سلوكه قبل قليل ناتجًا حقًا عن تمزق روحه إلى أشلاء كما قال جزرة …
" لا أعتقد أن هذا هو الوقت المناسب لك للقلق بشأني "
يبدو أن التجربة التي مر بها لوسيان هنا تركت ندبة كبيرة و مميتة .
لو كانت مجرد كسور في الأطراف، لكان من الممكن إصلاحها بطريقة أو بأخرى، ولكن كيف يمكن إصلاح روح ممزقة ؟
" أنا دائمًا أشعر بالقلق عليكِ "
لكن لوسيان بدا جاهلاً تمامًا بما حدث له .
هل يعرف أين هو ؟ هل يعرف من تسبب له في كل هذا العناء ؟
" أيها الدوق الأكبر، لماذا بحق خالق الجحيم …… ؟ "
على الرغم من شحوب وجهه المتعب، إلا أن النظرة في عينيه التي كانت تحدق بها كانت لطيفة بلا حدود لدرجة أنها شعرت وكأنها ستنهار في الحال .
ابتلعت سيرفيليا دموعها التي كانت على وشك الانهمار و ضربت صدر الدوق الأكبر .
" لماذا تفعل كل هذا من أجلي ! عندما أموت، يمكنك ببساطة أن تنسى كل شيء و تعيش حياتك، لماذا تفعل كل هذا … هاه ؟ انظر إلى حالتك الآن "
مهما فكرت في الأمر، لم يبدو لها أنها تستحق كل هذا … لم تشعر بأنها تستحق هذا النوع من الحب .
كان يجب على لوسيان أن يعيش حياة أفضل . لم يكن من المفترض أن يضحي بكل حياته و يعاني بسببها وحدها، بل كان من حقه أن يعيش حياة سعيدة طبيعية .
شعرت سيرفيليا وكأنها أصبحت عقبة ضخمة تعترض طريق لوسيان .
" لا تقولي مثل هذه الكلمات المشؤومة "
انحنى لوسيان و دس نفسه ببطء في حضن سيرفيليا .
لقد شعرت بشعور غريب بأنه كان يتذمر، وبدا أسلوب كلامه و تصرفاته أصغر بكثير من لوسيان الذي اعتادت رؤيته .
ربتت سيرفيليا على ظهر لوسيان بهدوء .
هل كان هناك وقت شعر فيه ظهره القوي دائمًا بالصغر هكذا ؟
لم تعرف كيف تعبر عن هذا الشعور المريع .
" أيها الدوق، من الآن فصاعدًا، حتى لو مت، يجب أن تعيش حياتك جيدًا بمفردك، هل تفهم ؟ لا يجب أن تفعل مثل هذا الشيء مرة أخرى ! "
لم يجب لوسيان، بل اكتفى بفرك رأسه بعنقها . دفعته سيرفيليا من كتفيه و حثته على الإجابة.
" هاه ؟ عدني بسرعة "
"لكن، يا سيرفيل، إذا لم تكوني بجانبي، فهذه ليست حياة، كيف يمكنني أن أعيش بدونك؟"
لم تستطع سيرفيليا الإجابة . شعرت بأنها ضئيلة جدًا أمام حبه .
كتمت شعورها بالبكاء بصعوبة و أمسكت بيده الخشنة .
" لنعد الآن."
" نعم، يا سيرفيل، سنعود إلى القلعة و سأكمل قراءة الكتاب الذي كنا نقرأه في المرة الماضية "
لم تعرف سيرفيليا ما الذي يتحدث عنه الكتاب، لكنها أومأت برأسها ببساطة .
أمسكت بيده و قادته إلى المكان الذي كان ينتظرها فيه ذلك المرشد .
لم يبدو عليه الدهشة كثيرًا عندما رآهما .
صرخت سيرفيليا فجأة : " اسمع، أخبرني كيف أخرج من هنا، يجب أن أعود إلى عالمي الأصلي على الفور "
"كيف تجرأت على المجيء إلى هنا دون أن تعرف كيف تخرج؟"
"هل أحتاج إلى معرفة ذلك؟ يكفي أن أجد شخصًا يعرف، أظهر لي بسرعة ذلك الشق أو أيًا كان قبل قليل."
ابتسم المرشد بسخرية وكأنه لا يصدق، لكنه أشار إلى سيرفيليا بيده .
" اتبعني."
بعد المرور عبر زمان و مكان ممتدين وكأنهم يسيرون في نفس المكان مرارًا و تكرارًا، توقف الثلاثة عند نقطة ما.
في نفس الوقت، ظهر شق في السماء أمام سيرفيليا .
"إذا دخلت من هنا، يمكنك العودة إلى العالم الأصلي."
" وماذا عن النطاق الزمني ؟ يجب أن أعود إلى الوقت الذي غادرت فيه "
" لقد انفتح هذا الشق بسببك، لذا من المحتمل أن يكون الوقت قد مر بقدر الوقت الذي قضيتيه هنا."
كان هذا جيدًا بما فيه الكفاية . بالنسبة لسيرفيليا، بدا تدفق الوقت طبيعيًا، لذلك ربما لم يمر الكثير من الوقت في العالم الأصلي أيضًا .
" المشكلة هي أنكِ لستِ مذنبة تنتمين إلى هنا، لذا يمكنكِ المغادرة متى شئتِ، لكن هذا الشخص ليس كذلك، ربما لن يتمكن هذا الشخص من المغادرة "
" ماذا ؟ كم من العقاب يجب أن يتلقاه هنا بعد ؟! "
صرخت سيرفيليا بغضب، لكن المرشد اكتفى بهز كتفيه .
"هذا ليس قرارك."
"لا تكن سخيفًا، سآخذه معي مهما حدث."
أمسكت سيرفيليا بيد لوسيان بإحكام و توجهت نحو الشق، لكن على عكس ما حدث قبل قليل، لم يفتح الشق وبقي كما هو .
"ما هذا، لماذا لا يفتح؟"
ركلت سيرفيليا الشق و حاولت دفعه، لكنه لم يتحرك قيد أنملة .
" هذا بسبب هذا الرجل، يجب أن نتركه وراءنا."
قال جزرة باستياء . نظرت سيرفيليا خلسة إلى لوسيان . كان يمسك بيدها بإحكام بعينين شاردتين .
" أيها الدوق، لحظة من فضلك."
تركت سيرفيليا يد لوسيان و توجهت نحو الشق مرة أخرى . هذه المرة، انفتح الشق، مكونًا ممرًا يمكن المرور منه.
عندما أحضرت لوسيان معها عبر الفتحة، أغلق الشق مرة أخرى . كان المعنى واضحًا، تستطيع سيرفيليا المغادرة، لكن لوسيان لا يستطيع .
"هل يجب أن تذهبي الآن؟"
جاء صوت لوسيان المحبط من الخلف، استدارت سيرفيليا بفزع .
" لا، يجب أن نذهب معًا، لا تقلق، لن أتركك "
عندها فقط ابتسم لوسيان ابتسامة صبيانية وكأنه شعر بالارتياح .
ربما بسبب عدم اكتمال ذاكرته، بدا أكثر ارتياحًا . لم تظهر عليه علامات التعب أو الحزن التي كانت دائمًا تخيم على لوسيان الذي تعرفه .
' إنه في الأصل شخص كهذا، كل ذلك بسببي … '
أمسكت سيرفيليا بيد لوسيان بإحكام، ثم نزل جزرة على أيديهما وعض ظهر يد لوسيان بقوة .
" اتركي هذه اليد، هكذا فقط يمكننا العودة."
"ما هو هدفي من المجيء إلى هنا في المقام الأول؟ ما الفائدة من ترك الدوق خلفنا؟"
" لكن … أسرعي، لقد بدأ الوقت في التدفق."
بناءً على كلامه، ركزت سيرفيليا بهدوء على تدفق الهواء. على عكس المرة الأولى التي أتت فيها إلى هنا، شعرت بأن الحركة المحيطة بها تزداد سرعة تدريجيًا .
قالت سيرفيليا لجزرة بلهفة : " عندما أتيت إلى هنا، اختبأت تحت جناحك و حميتني، هل يمكنك حماية الدوق الأكبر بهذه الطريقة هذه المرة أيضًا؟"
أطلق المرشد تنهيدة صغيرة عند سماع كلماتها .
"هل تحاولين الخداع ؟ هذا ليس سيئًا أيضًا."
" … قد يكون الأمر يستحق المحاولة "
عبس جزرة بوجهه الصغير و تأوه لفترة طويلة، ثم مد أخيرًا أحد جناحيه إلى الخارج .
كان جناح تنين ضخم لا يتناسب مع حجم جسد السحلية الصغيرة، لكنه أطلق أنينًا منخفضًا وكأنه يتألم .
" أسرعي، لا أظن أن الأمر سيدوم طويلاً "
" أيها الدوق، تعال إلى هنا."
" نعم، يا سيرفيل."
اختبأ لوسيان بطاعة تحت أحد جناحيه، لكن عندما اقترب، أغلق الشق مرة أخرى .
تمتم جزرة بخجل : " يبدو أن جناحًا واحدًا غير كافي، ولا يمكنني إكمال التحول بالكامل "
شعرت سيرفيليا بالقلق . شعرت باستمرار بمرور الوقت. بدأت تقلق بشأن ما إذا كان كل شيء قد انتهى عندما تعود إلى العالم الأصلي .
زمجر جزرة و حاول إخراج الجناح الآخر عدة مرات، لكن الأمر لم يكن سهلاً كما توقع . يبدو أن هناك تدفقًا قويًا يتحكم في سحر التنين هنا.
" هذا لن يُجدي نفعًا، حتى لو لم يكن الأمر ممكنًا مع روح هذا الشخص بأكمله، أعتقد أنه يمكنني إخفاء جزء منها، بما أن روحه ممزقة بالفعل، فمن الأفضل أن آخذ واحدة منها فقط."
"لحظة، ماذا عن البقية؟ هل يعني هذا أنني يجب أن أتركها هنا؟"
صرخت سيرفيليا بصوت عالٍ من الدهشة.
" ليس هذا هو الوقت المناسب للتدقيق في كل شيء، يجب أن نسرع."
عندما استمرت سيرفيليا في التردد، أضاف المرشد الذي كان يراقبهم من الخلف .
" هذه طريقة جيدة أيضًا، إذا بقيت روح لتتحمل الذنب، فلن يكون هناك فرق حتى لو خرجت روح صغيرة."
أومأت سيرفيليا برأسها على مضض، ثم صعد جزرة على رأس لوسيان و صرخ : " عندما أُدخل السحر في هذا الشخص، أمسك بيده و اسحبيه "
خرج ضوء قوي من جسد جزرة، و تسرب مباشرة إلى لوسيان. استقبل كل هذه العملية دون مقاومة كبيرة بوجه شارد كالعادة .
" الآن ! "
سحبت سيرفيليا يد لوسيان بناءً على إشارة جزرة، ثم، بشكل مدهش، بقي لوسيان واقفًا، بينما خرج لوسيان آخر يمشي إلى الأمام .
كان مشهدًا غريبًا وكأن شخصًا واحدًا قد انقسم إلى اثنين .
فتحت سيرفيليا عينيها على اتساعهما من الدهشة و نظرت بالتناوب إلى لوسيانين .
سقط لوسيان ذو الشعر الأسود القصير على الأرض، بينما تراجع لوسيان ذو الشعر الفضي الطويل إلى الوراء بصمت .
" ما هذا …… ؟ "
لف جزرة جناحه حول لوسيان ذي الشعر الأسود الساقط ثم اقترب من الشق، هذه المرة، لم يغلق الشق و بقي مفتوحًا .
" لقد نجحنا، إذن سأذهب أولاً، أنتِ أيضًا، لا تتأخري و تعالي مباشرة "
لم يتردد جزرة و ألقى بنفسه في الشق مع لوسيان ذي الشعر الأسود .
همت سيرفيليا باللحاق بهما ثم التفتت إلى جانبها . كان لوسيان ذو الشعر الفضي الطويل يقف على بعد خطوة واحدة و ينظر إليها .
شعرت سيرفيليا بالارتباك .
" … أيها الدوق "
" نعم، يا سيرفيل "
هل يمكن أن يكون هذا هو لوسيان الذي تعرفه ؟
إذا اختفت عبر الشق هكذا، فماذا سيحدث للوسيان هذا ؟
لم تستطع العودة قبل أن تعرف ذلك .
****************************