تساءلت سيرفيليا عما إذا كان يفهم الوضع .
" …… هل أنت بخير ؟ "
" نعم، أنا بخير الآن "
كان هادئًا ولم يبدو عليه أي دهشة على الرغم من أن جسده قد انقسم إلى قسمين قبل قليل . حسنًا، ربما لم يعد هذا الأمر كبيرًا بعد أن مر بالكثير من الأشياء التي لا معنى لها بالفعل .
فتحت سيرفيليا فمها بحذر .
" هناك شيء أود أن أسألك عنه "
" تحدثي من فضلك "
" سمعت أن روحك منقسمة، فما الفرق بين ذي الشعر الأسود الذي غادر قبل قليل و بينك ؟ "
أرخى لوسيان رأسه ببطء إلى الجانب . كان شعره الفضي الطويل ينسدل على كتفيه العجوزين المتعبتين، و أجاب بنبرة هادئة :
" لقد انفصل جزء من روحي و ذاكرتي "
" ذاكرة … أي نوع من الذاكرة ؟ "
" ذاكرة حياتي مباشرة قبل المجيء إلى هنا، إنه الوقت الذي قضيته معكِ "
عند سماع هذه الكلمات، عضت سيرفيليا شفتيها و غرقت في التفكير .
كان يشير بوضوح إلى تلك الذكريات تحديدًا : العشر سنوات التي لم يلتقيا فيها، و رفض الزواج و الفسخ، و الوقت الذي قضياه معًا في لانغفول، و الرحلة الاستكشافية التي قاما بها، و نهاية الضياع الطويل حيث أكدا مشاعرهما لبعضهما البعض .
بعبارة أخرى، لوسيان الذي تعرفه سيرفيليا، و الذي أحبته، قد عاد إلى العالم الأصلي، لكنها ما زالت غير قادرة على التحرك نحو الشق .
لا يزال هناك سؤال لم تتم الإجابة عليه .
"إذن، ما هي الذكريات المتبقية لديك؟"
ابتسم لوسيان ابتسامة قصيرة بدلاً من الإجابة .
عند رؤية تلك الابتسامة المتعبة، شعرت أنها تعرف ما هي الذكريات المتبقية لديه .
كانت ذكريات مشاهدة موت سيرفيليا و تكرار خطيئة إعادة الوقت إلى الوراء، و الوقت اللانهائي الذي قضاه محبوسًا في فجوة هذا الصدع .
بقيت حياة لوسيان بيرنز التعيسة هنا كما هي .
عندما أدركت هذه الحقيقة، شعرت سيرفيليا بغصة في حلقها . لم تستطع حتى أن تتخيل ألم العيش في هذا المكان الرهيب، حاملاً ذكريات رهيبة فقط .
ركضت نحو لوسيان و أمسكت بيده بإحكام .
" سأعود، فقط انتظر قليلاً، سأجد طريقة ما و أعود لأخذك."
اليد التي كانت كبيرة و دافئة في الماضي، كانت الآن باردة جدًا و نحيلة، ثم سحب يده فجأة .
" أنا ممتن لاهتمامك، لكن لا تأتي إلى هنا مرة أخرى، لن أنتظر بعد الآن "
" أيها الدوق، ماذا تقول ؟ "
" لقد أرسلت لك بالفعل الروح التي أردت أن أعطيك إياها، أنا المتبقي هنا مجرد بقايا، لذا، انسني و عودي لتعيشي بسعادة "
بينما كانت سيرفيليا لا تفهم معنى كلماته، أضاف المرشد الذي كان يشاهد من الجانب، بينما كان جسده يصبح أكثر ضبابية من ذي قبل .
" من الأفضل أن تسرعي "
"مهلاً، أنت تعرف، أليس كذلك ؟ كيف آخذ الدوق معي، قل أي شيء، الآن ! "
حاولت سيرفيليا الإمساك بياقته، لكن يدها مرت من خلاله دون أن تمسك شيئًا.
" كوني ممتنة لأن تلك الخدعة نجحت قبل قليل، لا توجد طريقة أخرى، عندما ينتهي العقاب المعطى هنا، سنختفي ببساطة … "
قبل أن يتمكن من إنهاء كلامه، أصبح جسده أكثر ضبابية تدريجيًا ثم اختفى تمامًا .
" هذا الشخص هو أول من ابتكر سحرًا يتجاوز الزمان و المكان … يبدو أنه قد دفع ثمن خطاياه أخيرًا "
نظر لوسيان إلى المكان الذي اختفى فيه المرشد بنظرة حسودة .
" سيرفيل، هناك شيء أود أن أسألك عنه "
" …… ماذا ؟ "
تردد لوسيان للحظة ثم رفع رأسه أخيرًا و التقى بعينيها . اهتزت عيناه الزرقاوان بقلق.
" هل شعرتِ يومًا … بأي مشاعر نحوي ؟ "
تتبعت سيرفيليا المشاعر التي شعرت بها في حياتها الماضية عندما ماتت .
كانت هناك أوقات كرهته فيها، و أوقات بغضته فيها، و أوقات أعتقدت حتى أنه مجنون، لكن في كل مرة، قبل أن أموت مباشرة، أفكر في لوسيان .
عرفت سيرفيليا ما يعنيه ذلك .
" لا تسأل شيئًا واضحًا جدًا، لماذا أتيت إلى هنا برأيك ؟ "
كما فعل لوسيان، لا بد أن سيرفيليا أحبته طوال تلك الفترة الطويلة . بغض النظر عن عدد المرات التي التقيا فيها مرة أخرى، لا بد أنها ستقع في حبه .
ظهرت ابتسامة خافتة على وجهه الشاحب . رفع يديه و ضم وجنتيها ثم قبل جبينها بخفة .
" هذا يكفيني "
وكما أنها لم تستطع السيطرة على مرور الوقت، فإنها لم تستطع السيطرة على العواطف التي كانت تنفجر منها .
مهما فكرت في الأمر، لم تستطع تركه هنا و الرحيل ……
طوقت خصر لوسيان بذراعيها وقالت : " لن أذهب، سأبقى هنا معك "
" لا يمكنكِ، هذا ليس مكانًا مناسبًا لكِ."
" لا، لا، أيها الدوق، لا يمكنني الذهاب هكذا، كيف يمكنني تركك وحدك في مكان كهذا؟"
في تلك اللحظة، شعرت سيرفيليا بأن جسدها يرتفع في الهواء . كان لوسيان قد حملها فجأة، و تجنب النظر إلى عينيها و خطا خطوات واسعة .
أدركت سيرفيليا غريزيًا ما كان يحاول فعله .
" لا، لا ! دعني ! "
كافحت سيرفيليا، لكن قبضته كانت قوية جدًا لدرجة أنها لم تستطع الإفلات، و ألقاها دون تردد في ظلام الشق .
" لا ! لا ! أيها الدوق، أيها الدوق ! لوسيان ! "
صرخت سيرفيليا وهي تسقط في الظلام السحيق .
رأت رجلاً ذا شعر فضي طويل من خلال الشق المتلاشي، و ظل واقفًا هناك حتى فقدت وعيها .
* * * * * * * * * * * * * * * * * *
" لوسيان ! "
شهقت سيرفيليا بعمق و نهضت فجأة من مكانها، لكن لم يكن هناك لوسيان ولا شق ولا ظلام يتوسع بلا نهاية أمام عينيها .
كانت جالسة على سريرها في غرفتها في قصر لانغفول .
" سموك ! "
انفتح الباب فجأة و دخل آرتشي. ركض بوجه شاحب و احتضن سيرفيليا من جانبها .
" سموك، لماذا لم تأتي إلا الآن ؟ "
" …… كم مضى من الوقت ؟ "
" عشرة أيام، يا أميرة، لقد مر أسبوع بالفعل منذ عودة الدوق الأكبر و التنين، وكنت قلقًا جدًا لأنكِ لم تأتي "
شرح آرتشي بإيجاز ما حدث في هذه الأثناء .
بعد اختفاء سيرفيليا، جلس آرتشي في مكان قريب و انتظرها . بعد ثلاثة أيام، ظهر التنين مع لوسيان فاقد الوعي .
" بعد عدة أيام من عدم مجيء سموك، قررنا الذهاب إلى الشمال أولاً، لذلك أحضر التنين ثلاثتنا إلى هنا "
" ثلاثة ؟ "
" آه، ذلك الساحر المجنون جاء أيضًا "
عبس آرتشي، وبدا غير راضٍ عن هذا الأمر . استمر في التذمر و الشكوى بشأن آش، لكن سيرفيليا لم تسمع شيئًا .
" الدوق الأكبر ؟ كيف حاله ؟ هل استعاد وعيه ؟ أين هو الآن ؟ "
" ربما يكون في المكتبة، هل أذهب لإحضاره؟"
" لا، سأذهب أنا "
نهضت سيرفيليا فجأة من مكانها . شعرت بالدوار بسبب الحركة المفاجئة، لكن لم يكن هذا هو الوقت المناسب للقلق بشأن ذلك .
ركضت عبر الممر المألوف وكأنها ستسقط في منتصف الطريق و فتحت باب المكتبة فجأة .
وقف لوسيان أمام خزانة الكتب و ظهره إلى ضوء الشمس القادم من النافذة . رفع رأسه مندهشًا من الاقتحام المفاجئ .
" أميرة ! "
عندما رآها، ألقى بالكتاب الذي كان يحمله وكأنه يرميه و ركض نحوها .
" أميرة، لقد كنت قلقًا، هل أنتِ بخير ؟ "
بينما كان لوسيان يسندها و يتجه بها نحو الأريكة، حدقت سيرفيليا في وجهه . كان يتمتع بهالة مختلفة تمامًا عن لوسيان ذي الشعر الفضي .
سألته فجأة : " أيها الدوق، هل تتذكر ما حدث ؟ "
" آه، أتذكر أنني سقطت بعد أن طعنت بسيف في برج الشمال، عندما استعدت وعيي، كان هناك تنين بجانبي، قال التنين أنه أنقذني "
" وماذا بعد ؟ "
"هل هناك شيء آخر؟"
سألها بنبرة متعجبة . كما توقعت، بدت ذاكرته غير كاملة . احتاجت سيرفيليا إلى التأكد من أي جزء يتذكره وأي جزء لا يتذكره .
" أيها الدوق، هل تعرف شيئًا عن القدرة على إرجاع الزمن إلى الوراء ؟ "
عند سماع كلماتها، فتح لوسيان عينيه على اتساعهما و بدا مندهشًا . نهض و أغلق جميع النوافذ و تأكد من عدم وجود أي شخص يتنصت في الممر ثم جلس على الأريكة مرة أخرى، ثم قال بصوت منخفض :
"إنها قدرة تنتقل سرًا في عائلتنا عبر الأجيال، كيف عرفتِ ذلك؟"
"هل استخدمتها من قبل؟"
هز لوسيان رأسه وكأنه في ورطة .
" أميرة، أعلم أن هذا وقت عصيب، لكنني أعتقد أنه من الأفضل إيجاد طريقة أكثر يقينًا بدلاً من الاعتماد على مثل هذه القدرة، علاوة على ذلك، لست متأكدًا مما سيحدث إذا استخدمت تلك القدرة، لذا أنا حذر "
فحصت سيرفيليا تعابير وجه لوسيان بعناية، لكنه لم يبدو وكأنه يكذب . يبدو أنه لم يعد يتذكر ذكريات العودة بالزمن ولا العذاب الطويل الذي عانى منه في فجوة ذلك الصدع .
تذكرت فجأة كلمات لوسيان ذي الشعر الفضي .
" لقد أرسلت لك بالفعل الروح التي أردت أن أعطيك إياها … "
كان هو الذي أمامها في حالة فقدان كامل لذكريات العودة التعيسة . بالتأكيد لم تظهر عليه علامات التعب الشديد المعتادة أو الحزن القديم .
' أليس هذا شيئاً جيداً ؟ إذا فقد كل تلك الذكريات الرهيبة …… '
أليس النسيان أحد النعم الممنوحة للبشر ؟
ربما يكون إرجاع الذكريات الأصلية إلى لوسيان الذي تخلص أخيرًا من عذاب طويل أمرًا قاسيًا .
' لكن، ماذا عن الدوق الأكبر الذي بقي هناك وحده …… '
بينما كانت سيرفيليا تحدق في لوسيان فقط دون أن تعرف ماذا تفعل، صرخ شخص بصوت عالي من الخارج .
" فريق الاستكشاف ! لقد عادوا فريق الاستكشاف ! "
****************************
الفصل : ١٢٩
رفعت سيرفيليا و لوسيان رأسيهما في نفس الوقت و تبادلا النظرات، ثم ركضا إلى خارج المكتبة دون أن يقولا كلمة واحدة .
نزلت الدرج خطوتين أو ثلاث خطوات في كل مرة و وصلت إلى الردهة الواسعة، حيث كان فارس يدخل الردهة المركزية . وعندما رأى لوسيان، استعاد أنفاسه المضطربة و أعلن مرة أخرى :
" يا صاحب السمو، ستصل مجموعة الرحلة إلى الحاجز قريبًا، لقد تأكدت من اقترابهم من بعيد و ركضت على الفور "
" لقد عادوا أسرع مما توقعنا، يجب أن نسرع نحن أيضًا."
بينما كان لوسيان يستعد للمغادرة، عادت سيرفيليا أيضًا إلى غرفتها و غيرت ملابسها بسرعة .
أخيرًا، تنهدت بعمق بعد أن تخلصت من ثياب آرتشي الفضفاضة .
كان قميصه الذي خلعته مغطى بالغبار و العرق .
عند رؤيته، أدركت أن تجربتها لم تكن حلمًا، الكثير حدث في فترة قصيرة .
لا، بالنسبة لها كانت فترة قصيرة، لكن كم من الوقت مر على لوسيان ذي الشعر الفضي ؟
حتى في هذه اللحظة، ربما كان يحمل وقتًا ثقيلاً و يصمد في كل لحظة .
شعرت سيرفيليا وكأن دموعها ستنفجر، لذا حولت نظرها بسرعة إلى مكان آخر .
جلست على الأريكة و حاولت ربط أربطة حذائها مرة أخرى، عندما زحف شيء مألوف على ركبتها .
" لقد تأخرت."
كان جزرة . وضعت سيرفيليا المخلوق الصغير على راحة يدها و رفعته إلى مستوى عينيها .
" حدث ذلك بطريقة ما، لكن هل هناك طريقة لإعادة الدوق الأكبر من هناك ؟ ليس جزءًا منه، بل كله، بدون أن تسقط منه شعرة واحدة "
أضافت سيرفيليا الكلمات الأخيرة بلهفة، لكن جزرة حرك ذيله ببرود .
" لماذا يجب أن أفعل ذلك ؟ ذلك الرجل موجود هنا أيضًا، هذا يكفي "
بدا المخلوق الصغير وكأنه أنهى الحديث، فالتف حول نفسه و استلقى . بدا أن جعل تنين يفهم مشاعر الإنسان ليس بالأمر السهل .
" لا، هذا ليس كافيًا، في النهاية، حقيقة أن الدوق الأكبر يعاني في ذلك المكان الغريب لم تتغير، يجب أن أعود، سأجد طريقة ما … "
" استسلمي، بالنظر إلى حجم الذنب الذي ارتكبه ذلك الوغد، فمن غير المرجح أن يُغفر له، كوني ممتنة لأنكِ استطعتِ إنقاذ هذا القدر."
" لكن هل إعادة الوقت خطيئة كبيرة ؟ إذن، لماذا تم إعطاءه مثل هذه القدرة في المقام الأول ؟! "
صرخت سيرفيليا بغضب . كان هناك الكثير من الأشرار في هذا العالم . لقد عاشوا جميعًا حياتهم بشكل جيد، فلماذا يجب أن يعاني لوسيان وحده ؟ لم تستطع فهم ذلك .
ألم يكن العالم قاسيًا عليه ؟ بدا الأمر وكأنه يُدفع إليه ألمًا لا يستطيع شخص واحد تحمله و يتم إجباره على التحمل ببساطة .
" لقد رأيتِ ذلك، لذا يجب أن تعرفي، لم يكن الأمر مجرد عودة الزمن إلى الوراء "
" …… إذن ما هو ؟ "
" للدقة، لقد انتقل من خط الزمن الذي ينتمي إليه في الأصل إلى خط زمني آخر، تجرأ على عبور الزمان و المكان بتهور "
"ماذا؟"
تذكرت سيرفيليا فجأة كلمات آش التي مرت في ذهنها .
قال أن هناك عددًا لا يحصى من العوالم الأخرى غير هذا العالم . وقال أن هدف ليونارد هو فتح بوابة لعبور تلك العوالم اللانهائية .
' بالتفكير في الأمر، لقد رأيت العديد من العوالم عبر ذلك الشق، إذا كان الأمر يتعلق بإرجاع الوقت حقًا، فلا يمكن أن يكون هناك أي شيء متبقي كهذا، لحظة، هل يعني ذلك … '
شعرت سيرفيليا بقشعريرة تجتاح جسدها بسبب شعور مشؤوم متزايد .
عندما التفتت بعينين مندهشتين، تابع التنين بهدوء : " هل تفهمين الآن ؟ لم يرجع ذلك الوغد الزمن إلى الوراء، بل هرب ببساطة إلى خط زمني آخر، موتكِ و موت البشر في هذه المدينة، كلها أحداث حقيقية موجودة في خط زمني آخر "
" …… "
أغمضت عينيها بإحكام . ارتسمت أمام عينيها مناظر الشمال المحترق التي رأتها في الشق .
كانت تلك الصرخات العالية و الجدار الذي انهار بشكل مريع حية كما لو أنها رأتها و شهدتها بنفسها .
إذا كان كلام التنين صحيحًا، فإن دوق الشمال، بل و حارس الجدار، ضحى بشعبه عدة مرات لإنقاذها وحدها .
" لكن الدوق الأكبر بدا وكأنه لا يعرف شيئًا عن ذلك، لقد قال أنه أرجع الوقت إلى الوراء فقط، حسنًا، لو كان يعرف، لما حاول ذلك في المقام الأول "
لكن حتى لو لم يكن يعرف، فإن ما حدث بالفعل لا يمكن أن يُغفر بسهولة .
أدركت سيرفيليا الآن ما هي الخطيئة الكبيرة التي تنبعث منها رائحة كريهة من الروح .
' إذن لهذا السبب كانت هناك قيود على تلك القدرة، إذا استخدمت بتهور، فسيكون الأمر بمثابة التخلي عن عالم واحد … آه، كل هذا حدث بسببي '
لم تعتقد سيرفيليا أن حياتها تستحق أن تُستبدل بالشمال بأكمله، ربما يعتقد لوسيان ذلك أيضًا .
علاوة على ذلك، بالنظر إلى محتوى المحادثة قبل قليل، بدا أن لوسيان الذي أنقذته لم يكن لديه أي نية لاستخدام قدرته بتهور .
' إذن، لو لم أكن موجودة، لما وصل الأمر إلى هذا الحد، لو لم أمت هكذا، لا، لو لم يحبني الدوق الأكبر …… '
استمرت أفكارها في العودة إلى الماضي الأبعد، حتى وصلت إلى افتراض : ماذا لو لم تقبل عائلة بيرنز مثل هذه القدرة غير المنطقية في المقام الأول ؟
لو كان الأمر كذلك، لما كانت هناك أي مشكلة .
' على أي حال، إلى أي مدى كانت عائلة بيرنز تعرف عن هذه القدرة ؟ لو كانوا يعرفون منذ البداية أن مثل هذه الكارما الهائلة كانت تنتظرهم، لما قبلوها بتهور '
بينما كانت أفكار مختلفة تتوالى في رأسها، طرق شخص ما الباب .
" أميرة، هل أنتِ مستعدة ؟ يجب أن ننطلق الآن."
كان لوسيان . دسّت سيرفيليا جزرة في جيبها و خرجت بسرعة من الباب .
رأت لوسيان يقف جانبًا و ينتظرها بهدوء . ابتسمت له بخجل و نادته .
" أيها الدوق "
عندها ابتسم لها لوسيان أيضًا . بدت تلك الابتسامة غريبة بطريقة ما، فنظرت إليه للحظة بذهول .
هل كان هذا الشخص قادرًا على الابتسام بمثل هذه الابتسامة النقية ؟
إذا كان الأمر كذلك، فهل كان بإمكانه أن يعيش هكذا طوال حياته لو لم يتورط معها في المقام الأول ؟
شعرت سيرفيليا بالأسف و الحزن عليه لأنه حُرم من الحياة الطبيعية التي كان يستحقها .
"أميرة، هل هناك شيء خاطئ؟"
بدا أن لوسيان لاحظ تعابير وجهها السيئة، فسألها بقلق، ثم وضع ذراعه حول خصرها و داعب وجنتها بيده الأخرى .
فزعت سيرفيليا من الاتصال المفاجئ و تراجعت إلى الوراء .
" مـ، ماذا ؟ "
"ما الأمر؟"
" لماذا اقتربت فجأة … حسنًا، لنذهب الآن "
أسرعت سيرفيليا خارج القلعة و ركبت الحصان المجهز . تولى لوسيان زمام المبادرة، و انطلق العديد من الفرسان، بما في ذلك سيرفيليا، مباشرة نحو الحاجز .
طوال ركوبها، كانت غارقة في أفكارها . في الواقع، كانت قد كادت أن تموت عدة مرات بالفعل …
الآن أرى أن الأمر لم يكن مجرد مخطط ليونارد .
لقد كانت شخصًا لا ينبغي أن يكون على قيد الحياة في المقام الأول . لقد أجبر شخصًا كان يجب أن يموت على العيش …
مهلاً، ماذا لو مت مرة أخرى ؟ هل سيعبر الدوق الأكبر حدود العالم مرة أخرى ؟ ثم كل شيء سوف يتكرر .
رفعت سيرفيليا رأسها و نظرت إلى لوسيان الذي كان أمامها . فكرت في وجهه الحيوي الذي رأيته للتو . وفي اللحظة التالية، تذكرت تعبير لوسيان ذو الشعر الفضي المتعب و أيامه المؤسفة .
وكان صوت صراخ لوسيان، الذي رأته في خط عالم آخر، يرن بوضوح في أذنيها، و منظره وهو يحمل جسدها بين ذراعيه و يبكي بلا انقطاع .
لم تسمع في حياتها مثل ذلك البكاء المؤلم. لم ترغب في تكرار ذلك مرة أخرى .
ربما يكون الأمر أفضل الآن بعد أن نسي كل شيء .
' نعم، هذا لا ينبغي أن يحدث مرة أخرى أبدًا '
يجب على الدوق الأكبر أن يتخلى عني . حتى لو مت مرة أخرى، عليه أن يبقى هنا و يكون سعيدًا .
' يجب علينا حماية الحاجز هذه المرة … '
لقد لسعت الرياح عيني، و بدت السماء وكأنها تدور، و بدأت أشعر بالدوار .
تحركت سيرفيليا جانبًا قليلاً و أبطأت حصانها .
" أميرة، هل أنتِ بخير ؟ لم تبدين بخير منذ قليل "
أقترب منها لوسيان و سأل بقلق . عندما نظرت إلى الأعلى، رأت الفرسان الذين كانوا بجانبها، كانوا بالفعل في المقدمة .
" أشعر بدوار خفيف، سآخذ قسطًا من الراحة ثم سأكمل "
عندما نزلت سيرفيليا من على حصانها، تبعها لوسيان .
أسندت ظهرها على جذع الشجرة، وهي تنظر إلى المنظر . حدقت في الفضاء للحظة، محاولة التقاط أنفاسها .
" أميرة ! "
" مـ، ماذا ؟ "
لقد فوجئت سيرفيليا بالنداء المفاجئ، فنظرت إليه. كان لوسيان يسير نحوها بخطوات كبيرة كما لو أن شيئًا كبيرًا جدًا قد حدث .
" يا أميرة، اللحاء خشن و صلب، لا تؤذي جسدك الثمين، لذا اتكئ عليّ "
وبعد ذلك، بكل هدوء، سحبها إلى ذراعيه . سيرفيليا التي وجدت نفسها فجأة مواجهة لصدره، رمشت في حيرة .
" أيها الدوق، ما هذا الوضع الآن ؟ "
"عن ماذا تتحدثين ؟ "
" لماذا فجأة … تلتصق بي هكذا، هذا لا يليق بك "
تحركت سيرفيليا محاولة الإفلات من بين ذراعيه، لكن لوسيان ضمها إليه بقوة أكبر، ثم همس في أذنها ببرود : " ما الخطأ في أن ألتصق بخطيبتي ؟ "
رمشت سيرفيليا ببطء وهي تفكر في معنى ذلك.
بينما كانت في حالة ذهول، اقترب وجه لوسيان أكثر فأكثر . انحصرت رؤيتها تمامًا تحت عينيه الزرقاوين، و استسلم جسدها المرتخي تمامًا بين ذراعيه .
أخيرًا، عندما بدأت أنفاسهما تدغدغ أنوف بعضهما البعض، استعادت سيرفيليا وعيها فجأة و دفعته من صدره و صرخت : " من، من التي تناديها بخطيبتك ؟! "
فزعت الطيور من صوتها و رفرفت بأجنحتها عالياً في السماء .
****************************