الفصل ١٥٠ و ١٥١ : ذهبت الأميرة إلى الشمال و أفسدت الأمور

شعرت سيرفيليا وكأن دماغها يغلي .

كان السرير يصدر صريرًا و الملاءات تحت جسدها تصدر صوت حفيف و تتجعد .

لم تستطع أن تميز ما إذا كانت الأنفاس الخشنة التي تتردد بجانب أذنها هي أنفاسها أم أنفاس لوسيان .

غطت الأحاسيس الحارة جسدها بالكامل . لم تستطع حرارة الصيف أن تضاهي حرارة الغرفة .

" أميرة …… "

أرادت سيرفيليا أن تجيب على تلك النبرة اليائسة، لكنها كانت لاهثة للغاية لدرجة أنها لم تستطع، ثم تأوه لوسيان و دفن وجهه في عنقها .

عانقت سيرفيليا شعره الناعم و فكرت .

كيف حاولت أن تترك هذا الرجل ؟

كانت حمقاء لاعتقادها أن ذلك سيكون ممكنًا . استغرق الأمر وقتًا طويلاً، لكنها عرفت الآن بالتأكيد .

لا يمكنها أن تترك هذا الرجل …

حتى لو جاء اليوم الذي تندم فيه على هذه اللحظة في المستقبل البعيد، وحتى لو جاء اليوم الذي يستاء فيه هذا الرجل منها …

لا يمكنها أن تتخلى عن هذا الرجل ….

امتلأ رأس سيرفيليا بلوسيان فقط . لم يكن هناك شيء آخر مهم .

" أميرة "

" ليس هذا … ناديني باسمي "

" …… سيرفيل "

دغدغ صوت لوسيان المرتعش عنق سيرفيليا . فجأة، تذكرت شخصًا آخر كان يناديها بـ "سيرفيل".

الرجل ذو الشعر الفضي الطويل الذي نظر إليها بعينين حزينتين . ذلك الرجل الذي كان يحتضن المآسي العديدة التي حدثت في الماضي و يقضي وقتًا مؤلمًا بمفرده .

لوسيان بيرنز آخر هو الذي أعادها أخيرًا إلى هنا .

هل يمكنها أن تدير ظهرها لذلك الشخص بهذه الطريقة ؟

هل يمكن أن تكون سعيدة وهي تتظاهر بعدم معرفة أي شيء، و تتظاهر بأنه لم يحدث شيء، و تترك كل الألم لذلك الشخص ؟

بالطبع، هذا ما أراده الرجل ذو الشعر الفضي . لقد أراد أن تعيش سيرفيليا مع نسخة أخرى منه فقدت ذكرياتها، لكن ……

' هذه ليست الحياة التي أريدها '

أمسك لوسيان بذقن سيرفيليا و نظر في عينيها . ارتجفت عيناه بقلق، مثل تموجات في بحيرة .

" لا تفكري في أي شيء آخر، فكري بي فقط."

" …… لا، كنت أفكر فيك."

لم يكن هذا كذبًا، أليس كذلك ؟

هل يمكنها أن تميز بين هذا الرجل بجانبها وذلك الرجل الذي تُرك وحيدًا بعيدًا ؟

من يستطيع أن يحكم بتهور من هو لوسيان الأكثر ومن هو الأقل ؟

كانت سيرفيليا سعيدة بقدر ما كانت حزينة في هذه اللحظة .

لماذا لا يمكن للرجل الذي انتظرها و حماها طويلاً أن يكون هنا ؟

لماذا لا يمكنها أن تعانق ذلك الرجل ؟

لماذا يجب عليها أن تختار بين الاثنين ؟

تمنت لو كان لديها جسدان …

" آآه …… "

شعرت بالدوار … هل كان ذلك بسبب اهتزاز جسدها ؟ بدا عقلها المشوش وكأنه مهروس .

لم تعرف لماذا كانت أنفاسها تتسارع أكثر على الرغم من اختلاط أنفاسهما، أو لماذا أصبحت يده أكثر سخونة عندما لمسها، على الرغم من أن درجة حرارتها كانت ترتفع كثيرًا .

" سيرفيل، لماذا …… ؟ "

مسح لوسيان زوايا عينيها بيده . عندها فقط أدركت سيرفيليا أنها كانت تبكي .

" هل تتألمين ؟ "

" لا، ليس الأمر كذلك، أنا سعيدة."

قبلت سيرفيليا لوسيان، الذي كان يتفحص بشرتها بقلق، قبلة قصيرة، ثم تجمد في مكانه كأنه صعق بالبرق .

" همم ؟ ما الأمر ؟ "

" إذا قلتِ شيئًا كهذا …… "

تمتم لوسيان وهو يمسح وجهه بيديه . تساءلت سيرفيليا عما إذا كانت قد ارتكبت خطأ، فأمسكت بذقنه ونظرت في عينيه .

' … عيناه مجنونتان ؟ '

كانت نظرة مختلفة تمامًا عن لوسيان المعتاد . اندفعت رغبة جامحة كالأمواج في عينيه الزرقاوين .

شعرت سيرفيليا بشعور مشؤوم و دفعت صدر لوسيان، لكنه لم يتحرك .

" لحظة من فضلك، أيها الدوق الأكبر، لنسترح قليلاً …… "

وبينما كانت تستند على مرفقيها و تتراجع ببطء، أمسك لوسيان بخصرها و جذبها إلى الأسفل .

" انتظر، لوسيان، لااا …… "

لكن لوسيان لم يكن يستمع إليها . وصلت أنفاس حارة، تغلي بالرغبة، إلى أقرب مكان إلى قلبها .

لفت سيرفيليا ذراعيها حول عنقه و أمالت رأسها إلى الخلف، و خرج من فمها أجزاء من جمل غير مكتملة .

طوال الليل، لم تستطع سيرفيليا فعل شيء سوى الأمل في ألا يكون أحد في الردهة وألا يسمع أحد صوتها .

* * * * * * * * * * * * * * * * * *

عندما داعب ضوء الصباح خدها، وبدا صوت زقزقة العصافير وكأنه مقطوعة موسيقية، فتحت سيرفيليا عينيها بهدوء .

كان هناك شيء ثقيل يضغط على جسدها، ولمسة لطيفة من شخص ما تداعب شعرها .

شعرت سيرفيليا بشعور جيد من الإحساس الخفيف الذي شعرت به في نعاسها .

وفي اللحظة التالية، تدفقت ذكريات الليلة الماضية . فزعت و نهضت بسرعة .

" آه، هل استيقظتِ ؟ "

نهض لوسيان أيضًا، الذي كان يعانقها من الخلف، ولأن الاثنين كانا ملتصقين على السرير الضيق، فقد شعرت به من خلال ظهرها .

احمر وجه سيرفيليا وكأنه سينفجر . لم تعرف ماذا تفعل مع موجة الإحراج المفاجئة .

" يا لك من وقح."

رفعت سيرفيليا قبضتها و ضربت صدر لوسيان مرارًا و تكرارًا .

تظاهر بأنه يشعر بألم مبالغ فيه ثم أمسك بقبضتها بإحكام، ثم قبل ظهر يدها بخفة .

" لم أكن أعرف أنني رجل وقح هكذا أيضًا."

أدارت سيرفيليا جسدها بعيدًا، خجلة من مواجهته، ثم عانقها لوسيان بلطف من الخلف، ثم ترك قبلات صغيرة على كتفها .

ترددت أصداء أصوات تقبيل محرجة في الغرفة الهادئة . أرادت أن تقول شيئًا لتخرج من هذا الجو، لكنها لم تعرف ماذا تقول .

ماذا قالوا أبطال الروايات الرومانسية في مثل هذه المواقف ؟

فكرت سيرفيليا مليًا ثم قالت أي شيء يخطر ببالها .

" …… سأنتقم "

" نعم، سأتطلع إلى ذلك."

لم تفارق الابتسامة وجه لوسيان، كان سعيدًا جدًا . اختفت أيضًا كل الظلال التي كانت تخيم على وجهه في الأيام القليلة الماضية .

تمايل شعر لوسيان الأسود بالقرب من كتفها . دغدغ ظهر سيرفيليا و تنمّلت أطراف أصابعها، لكنها لم تكره هذه اللحظة التي تلامس فيها جسداهما، فبقيت على حالها .

" سيرفيل "

" نعم "

" أحبك، أحبكِ من كل قلبي "

وصل صوت لوسيان المرتعش إلى أذنيها . شعرت سيرفيليا وكأن رأسها ينفجر .

ماذا يجب أن تقول ؟ همست سيرفيليا بصوت خافت بعد صمت للحظة .

" …… أيضًا "

" هاه ؟ لم أسمع جيدًا "

" أنا أيضًا …… "

الكلمات الوحيدة التي تمكنت من قولها كانت "أنا أيضًا" بالكاد . لم يعجب سيرفيليا جوابها غير الرومانسي على الإطلاق .

لكنها سرعان ما ابتعدت عنه قبل أن يحدث شيء أكثر خطورة . كان تعبيره مليئا بخيبة الأمل، لكنه لم يقاوم و تراجع بطاعة .

حاولت سيرفيليا النهوض من مكانها، لكن ساقيها ضعفتا و ترنحت .

" هل أنتِ بخير ؟ "

عانق لوسيان بسرعة خصرها وهي تسقط . اتكأت سيرفيليا على ساعده و نظرت إلى ساقيها المرتعشتين .

فجأة، ثار غضبها ……

" هل أنت إنسان ؟ "

بدأت سيرفيليا تضرب صدر لوسيان بقبضتها . لم يتفادى الضربات و ابتسم بخجل بينما كان يتلقاها كلها .

" كانت المرة الأولى بالنسبة لي، لذلك لم أستطع التحكم في نفسي جيدًا، سأفعل أفضل في المرة القادمة."

احمر وجه سيرفيليا مرة أخرى .

" أي مرة قادمة ! قلت أنه لا يجب على الرجل و المرأة فعل هذا قبل الزواج ! قلت إن الحاكم سيغضب ! "

هذا الرجل البغيض تظاهر بالبراءة، لكن بمجرد أن بدأ الأمر، سلب عقلها تمامًا . حتى أن سيرفيليا لم تستطع تذكر متى نامت .

أما لوسيان، فقد ابتسم بحماقة كما لو كان يستمتع بتوبيخها .

من الذي يحاول إغواءها منذ هذا الصباح ؟

اضطرت سيرفيليا إلى عض شفتيها لتهدئة قلبها المضطرب بشكل لا يمكن السيطرة عليه .

" إذن، يجب على الأميرة تحمل المسؤولية "

" …… هاه "

بينما كانت سيرفيليا عاجزة عن الكلام بسبب هذه الملاحظة غير المتوقعة . أخذ لوسيان القميص الذي كان معلقًا بشكل غير مستقر على الكرسي و وضعه على كتفيها .

" يجب عليكِ أن تعيش معي لبقية حياتك "

" أي بقية حياة … ؟ "

قالت ذلك، لكنها كانت تفكر في داخلها أنها ستحتاج إلى الاعتناء بصحتها جيدًا إذا كانت ستعيش مع هذا الرجل طوال حياتها .

بعد فترة من الوقت .

بينما كانت سيرفيليا تغلق قميصها، كان لوسيان يلبسها حذاءها .

" أميرة، لدي طلب."

" ما هو ؟ "

" أريد خاتمي."

" خاتم ؟ أي خاتم ؟ …… آه "

كان يتحدث عن خاتم الزمرد الذي أخذته سيرفيليا منه من قبل . شعرت سيرفيليا فجأة بالعرق يتصبب على ظهرها .

حثها لوسيان مرة أخرى .

" أليست هذه أول هدية أهديتني إياها ؟ إنها ثمينة جدًا، لذلك أريده."

" آه، صحيح، أوه … سأعطيك إياه لاحقًا عندما نعود إلى القلعة، أعتقد أنني تركته في غرفتي."

عند سماع إجابة سيرفيليا، أومأ لوسيان برأسه أخيرًا كما لو كان راضيًا .

" حسنًا، إذن هيا بنا."

" آه، سأذهب بعد قليل، اذهب أنت أولاً."

بينما خرج لوسيان من الغرفة، أدخلت سيرفيليا، التي بقيت وحدها، يدها ببطء في جيبها، ثم أخرجت خاتم الزمرد المعلق بسلسلة قلادة .

ذلك الخاتم الذي اعتادت على ارتدائه بشكل روتيني و أعطته للوسيان دون تفكير .

" …… "

دحرجته في يدها عدة مرات ثم أعادته بسرعة إلى جيبها .

****************************

الفصل : ١٥١


لم يستطع تيبيريوس النوم حتى وقت متأخر، لأن الأخبار السيئة التي تلقاها بالأمس كانت تشوش ذهنه .

مكتب مظلم يتسرب إليه ضوء القمر . كان تيبيريوس يسير جيئة و ذهابًا بقلق، و يعض أظافره البريئة .

" قتلتُ أبي ؟ من نشر مثل هذه الإشاعة ؟ "

كان تأثير الشائعة كبيرًا لأن هناك بالفعل الكثير من الحديث عن تتويجه المفاجئ . كان اسمه يتردد ليس فقط في الأوساط الاجتماعية بل وحتى على ألسنة أطفال الأحياء الفقيرة .

حتى بالأمس، ناقش مجلس النبلاء الأمر و طالبوا تيبيريوس بالإعلان عن موقفه رسميًا .

كان تيبيريوس، الذي كان موقعه ضعيفًا لأنه لم يتوج منذ وقت طويل، محاطًا بنبلاء أقوياء و ظل يتعرق بغزارة .

" أخي، ماذا ستفعل الآن ؟ "

صرخ تيبيريوس على ليونارد، الذي كان جالسًا على الأريكة يحتسي الشاي بهدوء .

أنهى ليونارد شرب الشاي، و مسح فمه بأناقة، ثم أجاب ببرود .

" أرأيت ؟ لو كنت قد قتلته حقًا كما قلت لك، لما كان لديك ما تشعر بالظلم بشأنه."

" أخي ! "

نظر تيبيريوس حوله بسرعة كما لو كان قلقًا من أن يسمعه أحد . كان قلقًا لدرجة أنه تفقد حتى خارج نافذة الطابق الثالث .

بدا ليونارد، المتسبب الحقيقي وراء كل هذا، غير مكترث .

" لو كان الأمر كذلك، لكانوا النبلاء قد ثاروا بحلول الآن ! هؤلاء النبلاء الملعونون لم يغادروا إلا بعد أن تأكدوا بأنفسهم من أن الملك السابق كان على قيد الحياة."

احتج تيبيريوس، وخفض صوته قدر الإمكان . كان يأمل أن يفهم ليونارد على الأقل بعضًا من صراعاته .

لم يكن نقل الملك السابق ماغنوس سرًا من السجن إلى غرفة و تخديره لجعله ينام بعمق أمرًا سهلاً على الإطلاق .

كان الجزء الأكثر إيلامًا هو رؤية وجه الملك السابق مرة أخرى . كان وجه الملك السابق، الذي رآه للمرة الأولى منذ أشهر، شاحبًا و مريضًا للغاية .

كان مختلفًا تمامًا عن الوقت الذي كان يراه فيه دائمًا بفخر على العرش .

مجرد رؤية ذلك جعل تيبيريوس يعاني من الشعور بالذنب . كان ليونارد قد ترك كل هذه الأمور لتيبيريوس ولم يظهر وجهه لأسابيع .

استاء تيبيريوس من لامبالاة أخيه، لكنه لم يستطع أن يجادل معه . لم يبد أنه سيستمع على أي حال.

" الوضع ليس جيدًا جدًا في الوقت الحالي، لقد قادت آريا روزتيل السحرة و عبرت إلى الشمال، لذا فإن استعادة الحاجز مسألة وقت فقط، ربما تم ذلك بالفعل."

لم يعترف ليونارد، كما هو متوقع، بصراعات تيبيريوس على الإطلاق . عند رؤيته يتحدث عن نفسه فقط مرة أخرى بدلاً من مواساته، أطلق تيبيريوس تنهيدة طويلة .

"بالمناسبة، ألم تكن تلك الساحرة ذات الشعر الأحمر من أتباعك؟"

قال تيبيريوس، متذكرًا آريا روزتيل. كانت تتبع ليونارد مثل الجرو حتى وقت قريب .

ومع ذلك، هل يمكنها أن تغير الجانب بهذه السهولة، وكأنها تقلب ظهر يدها ؟

" من المستحيل تقريبًا إبقاء السحرة مرتبطين بجانب واحد في المقام الأول، حسنًا، ليس الأمر أنني في وضع يسمح لي بالشكوى، ومع ذلك، لم أتوقع أن تنضم إلى سيرفيليا "

من ساحر البلاط آش إلى ممثلة برج السحر آريا روزتيل، لكن ليونارد بدا غير مكترث تمامًا بالنسبة لشخص تعرض للخيانة من قبل مرؤوسيه … لا، بل بدا مهتمًا للغاية و يجده ممتعًا .

كان تيبيريوس وحده القلق . اقترب من ليونارد .

" إذن … ألا يعني ذلك أن تنازلك عن العرش لي لحماية منصبك في برج السحر قد أصبح بلا معنى ؟ "

لأنه لم يستطع شغل منصب رئيس برج السحر و منصب الملك في نفس الوقت، فقد عهد ليونارد بالعرش إلى تيبيريوس بدلاً منه، لأنه كان منصبًا حصل عليه بالصدفة وليس بقوته الخاصة، لم يكن أمام تيبيريوس خيار سوى أن يكون حذرًا بشأن مزاج ليونارد .

" إذن عليك أن تتصرف جيدًا، حتى يكون لخسارتي معنى."

ربت ليونارد على خد تيبيريوس . كان تصرفًا وقحًا إلى حد ما بالنسبة لملك دولة، لكن لم يهتم أي منهما .

"إذا تم استعادة الحاجز حقًا، فماذا يجب أن نفعل الآن؟"

أخرج ليونارد خرزة مستديرة من جيبه . انبعث ضوء خافت من الخرزة، وعند الفحص الدقيق، كانت هناك آثار لكسرها .

" ما هذا ؟ "

" إنه كنز الشمال، رغبات السحرة القدماء و العديد من الأرواح نائمة هناك "

" ماذا ستفعل به ؟ "

ابتسم ليونارد بلطف، و تجعدت زوايا عينيه . كان تيبيريوس يخاف أكثر ما يكون عندما يبتسم أخوه هكذا . لم يعتد أبدًا على نطقه بكلمات قاسية بسهولة بوجه لطيف .

" إنه مختوم، لذا لا يمكنني استخدام قوته الكاملة، لكنه يجب أن يكون قادرًا على إحداث بعض الفوضى في الشمال، هذا يجب أن يكون كافيًا."

" فوضى …… ؟ "

" إذا صعد جيش الملك من الجنوب و نزلت الشياطين من الشمال، فحتى جيش الشمال العظيم لن يصمد طويلاً، لن يكون اليوم الذي سيُمحى فيه اسم لانغفول من الخريطة بعيدًا."

ابتلع تيبيريوس ريقه بصعوبة . بدا الأمر وكأنه يمحو مجرد خربشة خاطئة مكتوبة على الخريطة .

" إذن، بعد كل ذلك، ما الذي تنوي فعله يا أخي ؟ "

في الواقع، كان يريد أن يسأل من قبل، لكنه لم يستطع أن يجلب على لسانه ذلك لأنه كان يراعي ليونارد .

ما الذي كان ليونارد يحاول الحصول عليه بالذهاب إلى هذا الحد ؟

"لماذا، هل أنت قلق من أنني سآخذ عرشك؟"

" لـ، لا، ليس الأمر كذلك."

قال ذلك، لكن إذا حدث ذلك، فسيكون الأمر صعبًا للغاية .

لقد فعل تيبيريوس بالفعل الكثير من الأشياء لتشويه اسمه . لقد خلع الملك السابق بالقوة، و هدد شقيقته الصغرى، و سجن زوج شقيقته الصغرى .

كل ذلك تم بسبب وعد ليونارد الوحيد بتسليم العرش . لم يكن بإمكانه أن يخسر العرش الذي حصل عليه بهذه الطريقة .

" لا تقلق، لن أكون هنا."

" إذن …… ؟ "

كان يعلم بالفعل أن ليونارد كان يخطط لفتح بوابة المكان و الزمان، لكن المشكلة كانت ما سيحدث بعد ذلك .

ماذا كان يخطط لفعله بها بمجرد فتحها، وماذا كان يحاول أن يكسب ؟

ابتلع تيبيريوس ريقه بصعوبة و انتظر إجابته .

" سأدخل صدعًا في الزمان و المكان، يقال أنه يمكنك الوصول إلى كل زمان وكل مكان هناك، ثم سأحصل على كل المعرفة الموجودة في هذا الكون."

لمعت عينا ليونارد، لكن تيبيريوس لم يفهم جيدًا بعد .

ما الفائدة من الذهاب إلى مكان كهذا و الحصول على المعرفة فقط ؟ هل كان ذلك لأنه ولد الابن الشرعي الأكبر للمملكة ؟

لم يكن ليونارد مهتمًا بالسلطة أو الشرف على الإطلاق . بدلاً من ذلك، عاش منغمسًا بعمق في عالم المعرفة الذي لا يمكن الحصول عليه إلا من خلال التغلب عليه بنفسه، ونتيجة لذلك، أصبح ساحرًا عظيمًا، لكن يبدو أن ذلك لم يكن كافيًا لإشباع تعطشه للمعرفة .

" هل هذا كل شيء ؟ لا يوجد شخص أذكى منك في هذه الأرض، فماذا تحاول أن تدرس بعد الآن ؟ "

" هذه هي المشكلة "

" ماذا ؟ "

رفع ليونارد فنجانه مرة أخرى، وشرب رشفة، ثم وضعه . ظهر على وجهه تعابير ملل .

" لا يوجد شخص أذكى مني، الجميع أغبياء للغاية … و مملون."

تمتم ليونارد وهو يمسح وجهه بخشونة . حدق تيبيريوس في أخيه بصمت .

" إذن سأذهب الآن، وعليك أن تتأكد من قتل الدوق جروسفينور "

" ماذا ؟ لماذا هو فجأة … ؟ "

أصيب تيبيريوس بالصدمة من الأمر المفاجئ . كان الدوق جروسفينور زوج شقيقته الصغرى، جونيا . لقد سجن زوجها لمنعها من فعل أي شيء طائش، لكنه لم يفكر أبدًا في قتله .

" حسنًا، يجب تأديب الأخت الصغرى التي لا تستمع إلى أخيها الأكبر "

" لكن جونيا لم ترتكب أي خطأ."

على عكس سيرفيليا، كانت جونيا أختًا صغرى مطيعة و لطيفة .

نظرًا لوجود فرق كبير في العمر، فقد اعتز تيبيريوس بجونيا وكأنها ابنته، لذلك عندما طلب منه ليونارد سجن جونيا، بالكاد تمكن من إقناعه بسجن الدوق جروسفينور بدلاً منها .

" حقًا ؟ أين جونيا الآن ؟ "

" إنها في قصر الدوق جروسفينور."

لقد صُدمت بشدة من سجن تيبيريوس لزوجها وكادت تُنقل إلى القصر .

شعر ببعض الأسف لذلك، لكنه كان أفضل حالاً . طالما بقيت جونيا بهدوء في القصر، فلن تغضب ليونارد .

" لا تقلق، طالما أن الدوق جروسفينور هنا، لن تستطيع جونيا فعل أي شيء طائش."

" أنت ضعيف جدًا يا تيبيريوس، لقد ذهبت جونيا بالفعل إلى الشمال، وثقت بك و تركت الأمر لك، لكنك أفسدت الأمور، أنا أشعر بخيبة أمل كبيرة فيك يا أخي."

احمر وجه تيبيريوس . لم يستطع أن يفهم كيف تمكنت جونيا من الذهاب بمفردها إلى الشمال، حتى في هذا الوضع حيث كان زوجها محتجزًا كرهينة …… ما هو السبب الذي جعلها تفعل ذلك ؟

" لكن كيف عرفت ذلك ؟ "

" لقد أخبرتك أن هناك سحرة في الشمال، هذا النوع من المعلومات يصل بسرعة، آه، وهذا سأتولى أمره "

طارت الرسالة التي كانت على المكتب وحدها و استقرت في يد ليونارد.

كانت رسالة مرسلة من المعبد الكبير، تستدعي ممثلاً للعائلة المالكة في الوضع الذي يسبق الحرب .

" يجب أن أذهب لأسمع ما يفكر فيه كبار السن في المعبد الكبير، إذا كنت محظوظًا، فقد ألتقي بسيرفيليا."

" إذا التقيت بها مرة أخرى … هل ستقتلها ؟ "

" يجب علي ذلك."

لم يكن هناك طريقة أخرى . بما أنهم قد اتهموا الشمال زوراً بأنهم متمردون تحت ذريعة وفاة سيرفيليا، فإن حقيقة أنها على قيد الحياة كانت عقبة كبيرة .

عض تيبيريوس شفتيه . كانت بدايته مجرد أمنية صغيرة جدًا … أن يصبح هو الملك، وليس ليونارد، لكن كيف انتهى الأمر بالعائلة بأكملها إلى التفكك ؟ حتى أنه اضطر إلى توجيه سيفه إلى شقيقته الصغرى، جونيا .

وجد تيبيريوس هذا الوضع لا يطاق، لم يكن هذا ما أراده .

نهض ليونارد من مكانه، متكئًا على عصاه . حتى بعد أن خرج تمامًا من الباب، ظل تيبيريوس واقفًا في مكانه .

' أبي، جونيا، و … سيرفيليا '

كرر تلك الأسماء عدة مرات، و بعد لحظات، ألقى تيبيريوس بفنجان الشاي الذي كان يشرب منه ليونارد في سلة المهملات .

****************************

*

إرسال تعليق (0)
أحدث أقدم

اعلان