الفصل ٧٦ و ٧٧ : ذهبت الأميرة إلى الشمال و أفسدت الأمور

انحنوا الفرسان المقدسون على الفور و أدوا احترامهم لقديستهم .

قبلت تشاسترتي تحيات الفرسان بخفة ثم اقتربت مباشرة من سيرفيليا .

"سيل، لقد أتيت، هيا، لنركب العربة معًا."

" سيدتي "

نظر كاليب إلى تشاسترتي، لكنها لم تهتم و سحبت سيرفيليا من ذراعها .

' لا، لماذا نصعد إلى العربة معًا ؟ '

كانت سيرفيليا مرتبكة بعض الشيء بسبب هجوم القديسة العدواني للغاية، لكنها لم تظهر ذلك و تبعتها إلى العربة.

بمجرد إغلاق باب العربة، قالت تشاسترتي بينما كانت عيناها الذهبيتان تتلألآن.

" سيل، لدي طلب."

" تحدثي من فضلك "

" تحدث معي بشكل مريح، كما فعلنا عندما التقينا لأول مرة."

"نعم؟"

"نادني باسمي أيضًا، أنت تعرف اسمي."

"لا، لا يمكنني فعل ذلك."

عندما رأيتها لأول مرة، لم أكن أعرف مكانتها، لكن الوضع الآن مختلف .

على الرغم من أنها فارس ذو رتبة منخفضة، إلا أنه يحظى باهتمام القديسة و يلفت انتباهًا غير ضروري من حوله، ولكن إذا نادت القديسة باسمها و عاملتها بشكل مريح، فقد يحاول الفرسان المقدسون بالخارج قطع رأس سيرفيليا .

لاحظت تشاسترتي أن سيرفيليا كانت تنظر من النافذة، فسحبت الستائر بسرعة .

"لا تهتم بالآخرين، أنا أقول أنه لا بأس بذلك، فماذا سيفعلون؟"

يبدو أن تشاسترتي، على عكس مظهرها الصغير و الضعيف، تتمتع بشخصية منفتحة تمامًا .

أعجبت سيرفيليا بإجابتها الصريحة و رفعت حاجبيها . لم يكن لديها رغبة في الرفض أكثر من ذلك .

"حسنًا، لنفعل ذلك."

أعربت تشاسترتي عن سعادتها بتصفيق يديها على إجابة سيرفيليا .

" سيل، هل هناك أي شيء يثير فضولك أو تريد أن تسألني عنه ؟ "

بالطبع كان هناك . أرادت أن تسأل مباشرة عن طبيعة علاقتها مع لوسيان بيرنز، لكنها شعرت أن ذلك غير مناسب، لذلك ترددت قليلاً .

بدلاً من ذلك، طرحت سيرفيليا سؤالاً ملتويًا قدر الإمكان .

" إذًا، ما رأيك في … الدوق الأكبر بيرنز ؟ "

عبست تشاسترتي قليلاً، كما لو أن سؤال سيرفيليا كان غير متوقع و خيب أملها بعض الشيء .

" أممم … أعتقد أنه شخص ذو شخصية مستقيمة و مخلصة "

"هذا كل شيء؟ ماذا عن وسيم، أو لطيف، أو أي شيء من هذا القبيل؟"

"حسنًا، إنه طويل جدًا، لذلك لم أتمكن من رؤية وجهه بالتفصيل، و معظم الناس يتظاهرون باللطف أمامي، لذلك هذا ليس شيئًا مميزًا بالنسبة لي."

عبست بوجه متجهم، ثم تحدثت مجددًا .

" اشرب الشاي، سيل."

"أجل، شكرًا لك."

أخذت سيرفيليا فنجان الشاي الذي قدمته تشاسترتي بيدها اليمنى دون تفكير . في تلك اللحظة، شعرت بألم حاد و أسقطت فنجان الشاي .

" يا إلهي."

لحسن الحظ، لم ينكسر فنجان الشاي، لكن الشاي بلل أرضية العربة بالكامل .

"هل يدك تؤلمك؟"

"آه، لا شيء مهم، لقد أصبت في الماضي، ومنذ ذلك الحين يحدث هذا أحيانًا."

أخفت سيرفيليا يدها المرتعشة خلف ظهرها، كما لو كانت محرجة، لكن تشاسترتي أمسكت بيدها و أعادتها أمامها، ثم فتحت كفها و فحصته بعناية من جميع الجهات .

"يبدو طبيعيًا من الخارج، ألم تتلقى علاجًا منفصلاً بعد الإصابة؟"

" لا، لقد تلقيت علاجًا، ولكن قيل لي إن الآثار الجانبية ستظل باقية، يبدو أن سحر الشفاء ليس حلاً سحريًا."

" انتظر لحظة."

أمسكت تشاسترتي بيد سيرفيليا المصابة بكلتا يديها، ثم أغمضت عينيها و عبست كما لو كانت تركز .

حدقت سيرفيليا في الضوء الأبيض النقي الذي يغلف يدها في ذهول. بعد أن هدأ الضوء، استعادت وعيها و بدأت في ثني يدها من جانب إلى آخر و قبضتها بقوة. ومع ذلك، لم يكن هناك شعور بالوخز المعتاد، ولم تكن ترتجف بشكل قبيح .

كانت الشائعات حول القديسة مبالغ فيها إلى حد كبير، ولكن يبدو أن قوتها العلاجية التي لا مثيل لها كانت حقيقية.

" تشاسترتي."

نظرت سيرفيليا إلى تشاسترتي بوجه متأثر .

" ستكون بخير لفترة من الوقت، لا يبدو أنها شفيت تمامًا … لا أعرف السبب جيدًا، سأفحصها مرة أخرى بالتفصيل لاحقًا "

انفتحت الستائر المسدلة على نافذة العربة فجأة، وظهر وجه كاليب المتصلب .

" سموك، من فضلكِ لا تهدري قوتك المقدسة بلا مبالاة."

اختفت التعابير المبتسمة التي كانت على وجه تشاسترتي قبل لحظات، و ظهرت علامات الاستياء على وجهها. وبلهجة حادة للغاية، صرخت في وجه كاليب.

" يا سيد كاليب، لا تعاملني وكأنني مجرد وعاء للقوة المقدسة، ما شأنك إذا كنت سأستخدم قوتي الخاصة ؟ "

"على حد علمي، ليس لديكِ قوة كافية لتهدريها على فارس مبتدئ مثله على الأقل."

"أنت تقول أشياء غريبة، لقد عشت حياتي وأنا أهدر القوة المقدسة."

بدا أن كاليب فقد الكلمات، فتجمد وجهه و أغلق الستائر بهدوء وعاد إلى الأمام . انطلقت العربة وهي تحمل الشخصين نحو الجدار الشمالي .

بعد حوالي ساعة، بدأت سرعة العربة في التباطؤ تدريجيًا، ثم توقفت تمامًا في النهاية.

نزلت سيرفيليا من العربة أولاً و ساعدت تشاسترتي على النزول .

"واو، لم أرى الجدار منذ وقت طويل، لكنه لا يزال مذهلاً."

"أنا أيضًا أندهش في كل مرة أراه، كيف تمكنوا من بناء شيء كهذا؟"

بينما كانا يمشيان ببطء و يتحدثان عن أشياء مختلفة، ظهر لوسيان أمامهما واقفًا.

عندما رأى سيرفيليا، اقترب بسرعة بوجه مصدوم، ثم مد يده ليقودها إلى الطريق الجانبي .

" لنتحدث للحظة "

تبعته سيرفيليا بطاعة إلى الطريق الجانبي خلف شجرة كبيرة . نظر لوسيان حوله للتأكد من عدم وجود من يسمعه، ثم خفض صوته وقال :

"لماذا أتيتِ إلى هنا؟ ولماذا ركبتِ عربة القديسة؟"

كانت سيرفيليا تعرف بالفعل أن لوسيان سيُظهر رد فعل كهذا، لذا اكتفت بهز كتفيها قليلاً . كان لديها عذر وجيه، لذا كانت أكثر ثقة.

" تشا … لا، القديسة طلبت مني المجيء معها، لذلك أتيت "

كادت سيرفيليا أن تنادي تشاسترتي باسمها فجأة، لكنها غيرت كلماتها على عجل. شعرت أنه من الأفضل أن يبقى اسمها سرًا .

"متى أصبحتِ قريبة جدًا من القديسة؟"

" إنها أفضل مما كنت أتوقع، كنت أعتقد أن القديسة ستكون من الصعب إرضاؤها و حساسة للغاية، لكن الأمر عكس ذلك تمامًا."

رفع لوسيان حاجبيه كما لو كان هناك شيء لم يعجبه.

"على أي حال، سأرسل فارسًا لمرافقتكِ، لذا عودي إلى القلعة."

ظهر موقفه المتمثل في كره وجود سيرفيليا على الحائط مرة أخرى، ولكن سيرفيليا لم يكن لديها أي نية لاتباع رغباته .

" أتفهم ما تشعر به، ولكن بعد أن وصلت إلى هنا بالفعل، ألا ترى أنه من المستحيل العودة هكذا ؟ أريد أيضًا أن أشاهد القديسة وهي تبارك الجدار ."

عندما كانت في القلعة الملكية، رأت سيرفيليا مشهد مباركة الكهنة للقصر مرات لا تحصى . كان منظر الكهنة المسنين الذين يرتدون الجلباب الطويلة وهم يتلون الصلوات و يخرجون ضوءًا أبيض نقيًا من أطراف أصابعهم جديدًا و جميلاً في كل مرة تراه، ولكن إذا فعلت القديسة ذلك بنفسها، فسيكون الأمر مختلفًا تمامًا عن الكهنة العاديين . 

"يجب أن يكون مشهدًا رائعًا، لا يمكنني تفويته بالتأكيد."

ضمّت سيرفيليا يديها معًا وابتسمت بابتسامة مليئة بالتوقع. نظر إليها لوسيان بصمت، ثم أومأ برأسه كما لو أنه لا يستطيع فعل أي شيء حيال ذلك.

"حسنًا، أفهم، ولكن على الأقل، ابقي بجانبي."

لكن رغبة لوسيان لم تتحقق . عندما انضم الشخصان إلى المجموعة مرة أخرى و صعدوا جميعًا إلى أعلى الجدار، لم تترك تشاسترتي سيرفيليا وشأنها و ظلت ملتصقة بها.

كانت سيرفيليا تستمع إلى ثرثرة تشاسترتي، ولم يكن لديها وقت لتهتم بمكان لوسيان وماذا كان يفعل .

"لكن هذا الشيء المسمى بالبركة، ماذا يحدث لكِ بعد القيام به؟"

" البركة مهمة تستخدم الكثير من القوة المقدسة، إنها مختلفة تمامًا عن شفاء الجروح الصغيرة، بالإضافة إلى ذلك، كما تعلم، الجدار الشمالي كبير جدًا، لذا يجب أن أستخدم المزيد من القوة، لذلك سأشعر ببعض التعب."

هزت تشاسترتي كتفيها بتعبير متعجرف .

" لكن إنه لا شيء بالنسبة لي، قوتي المقدسة مُنحت لي مباشرة من الحاكم، لذلك لا يمكن مقارنتها بقوة الكهنة العاديين، لذلك لا تقلق، سأبارك الجدار، و أطهر الأرض الملوثة، ثم سأفحص يدك اليمنى مرة أخرى، سيل."

أعربت سيرفيليا عن إعجابها مرة أخرى بـتشاسترتي المفعمة بالثقة .

عندما كانت تساعد تشاسترتي في صعود الدرجات الأخيرة، ارتفعت رائحة دم مألوفة و مثيرة للاشمئزاز .

كان المشهد المروع الذي رأته من قبل كما هو. نظرت سيرفيليا خلسة إلى تشاسترتي، لكنها بدت هادئة .

"لن نضيع الوقت و سنبدأ على الفور، الجميع، تراجعوا."

بناءً على كلمات تشاسترتي، تراجع الجميع و أفسحوا لها المجال . بدأت تستعد لأداء الطقوس وهي تتمتم بهدوء .

كان موقفها ينضح بالثقة و الروح الجريئة .

اقترب لوسيان، الذي وصل دون أن يلاحظه أحد، و وقف مباشرة خلف سيرفيليا . دفعت سيرفيليا جنبه بمرفقها و سألت بصوت منخفض :

"يا دوق، كيف تشعر وأنت تشاهد القديسة وهي تبارك مرة أخرى بعد فترة طويلة؟"

" هذه هي المرة الأولى التي أرى فيها هذا أيضًا."

"ماذا ؟ لكنك رأيتها قبل حوالي 10 سنوات."

سمعت سيرفيليا أن تشاسترتي زارت الشمال قبل 10 سنوات و باركت الجدار . كانت سيرفيليا تخمن أن الوقت الذي التقى فيه لوسيان بتشاسترتي لأول مرة و وقع في حبها كان في ذلك الوقت تحديدًا.

في الواقع، بعد رؤية تشاسترتي شخصيًا، بدأت سيرفيليا تفهم مشاعر لوسيان . خاصة إذا رأى المرء مظهرها وهي تبارك، فربما لا يستطيع أحد مقاومة الوقوع في حبها .

"لم أحضر طقوس البركة في ذلك الوقت."

"ماذا؟ لماذا؟"

تفاجأت سيرفيليا برد غير متوقع و استدارت لتنظر إلى لوسيان .

" حسنًا، لقد مضى وقت طويل جدًا، لذا لا أتذكر السبب جيدًا، بالإضافة إلى ذلك، كان والدي على قيد الحياة في ذلك الوقت، لذلك لم يكن من الضروري أن أحضر "

"لا، حتى لو كان الأمر كذلك، أليس مشهدًا يصعب تفويته؟"

"لا يوجد شيء سيتغير إذا رأيته، على أي حال …. أتمنى أن تبدأ قريبًا، لا أعرف ماذا تفعل. "

وقفت تشاسترتي بعيدًا قليلاً عن المجموعة و نظرت إلى البعيد. قامت بتمرير إصبعها بخفة كما لو كان هناك شيء في الهواء، ثم توقفت فجأة عن الحركة .

في ذلك الوقت، لاحظت سيرفيليا أن الابتسامة على وجه تشاسترتي اختفت في لحظة . و اهتزت عيناها الذهبيتان بشكل غير مستقر، و نظرت حولها بسرعة كما لو كانت تبحث عن شيء ما.

هبت ريح باردة، و تطاير شعر القديسة البني المتموج و فستانها الأبيض النقي الذي يظهر تحت عباءتها بعنف .

كممت تشاسترتي فمها كما لو كانت مسكونة بروح، و أطلقت أنينًا ضعيفًا .

بدأ جنود الشمال، الذين لاحظوا سلوك تشاسترتي الغريب، بالهمس . بدا أن الفرسان المقدسين مستاؤون من ذلك و أطلقوا سعالاً جافًا، لكن بدا أنهم أيضًا لا يعرفون سبب تصرفها على هذا النحو .

في النهاية، لم يتمكن لوسيان من التحمل أكثر من ذلك و اقترب من تشاسترتي .

"يا سموك، هل حدث شيء؟"

نظرت تشاسترتي إلى لوسيان بوجه مذعور تمامًا .

القديسة العظيمة التي كانت تتباهى بنفسها قبل قليل اختفت، ولم يتبقى سوى فتاة خائفة و غير مستقرة .

قالت بصوت مرتعش .

" الجدار …. ينهار "

****************************

الفصل : ٧٧


عند سماع هذه الكلمات، نظر أفراد المجموعة المذهولون إلى بعضهم البعض بنظرات حيرة، و اندلعت همهمات هنا وهناك، و أصبحت المنطقة المحيطة صاخبة .

قام عدد قليل من الفرسان بفحص حالة الجدار عن طريق ضربه بقبضاتهم أو الدوس عليه بأقدامهم . كان هناك أيضًا من نظر إلى الأسفل بقلق من أعلى الجدار .

نظرت سيرفيليا إلى أسفل قدميها . كان هناك طوب كبير و صلب ظل قائمًا منذ مئات السنين، مثبتًا بإحكام دون أي فجوات . بدا الجدار قويًا للغاية .

ولكن الجدار ينهار ؟

لم يستطع أحد فهم ما كانت تشاسترتي تعنيه.

" حقًا ؟ "

كان لوسيان الوحيد الذي عبس وجهه و رفع شعره للخلف . تبادل الاثنان كلمات بصوت منخفض بوجوه خطيرة، لكن لم يكن من السهل سماعها .

بعد فترة وجيزة، عاد لوسيان و أصدر أمرًا.

" على الكهنة أن يبدأوا الآن في عملية تطهير الجدار، الباقون انزلوا جميعًا."

"ألن يتم إجراء طقوس البركة؟"

سأل أحد فرسان الشمال بحيرة . أومأ لوسيان برأسه بصمت ثم أشار بيده للجميع بالتراجع . بعد النزول من الجدار، قاد لوسيان تشاسترتي إلى غرفة الاجتماعات في حصن الجدار .

اصطف الفرسان المقدسون في الممر للحراسة، و وقفت سيرفيليا بجانبهم بشكل محرج.

' ليس هناك حاجة للبقاء هنا بعد الآن، يجب أن أعود إلى القلعة أو أذهب إلى مكان آخر '

بينما كانت تفكر في ذلك و تحاول التراجع بهدوء، سحب شخص ما كم قميصها.

"سيل، إلى أين تذهب؟"

"همم؟ فقط، ذاهب لأرتاح."

"لا تفعل ذلك، هيا ندخل الاجتماع معًا."

" أنا ؟ لماذا أنا …. ؟ "

لم يكن للفارس المبتدئ سيل الحق في حضور الاجتماع، لكن تشاسترتي لم تستمع إلى كلمات سيرفيليا و سحبتها ببساطة إلى غرفة الاجتماعات، و تبعهم كاليب.

" يا سموك، أنا وحدي كافٍ كحارس شخصي لكِ، ليس من الضروري اصطحاب فارس مبتدئ غريب، أليس كذلك؟"

" آه، هل هذا صحيح ؟ إذن يمكنك المغادرة، يا سيد كاليب "

أغلقت تشاسترتي الباب في وجه كاليب مباشرة . رفعت سيرفيليا حاجبيها مندهشة .

' أوه، لديها مزاج حاد '

في منتصف غرفة الاجتماعات، كانت هناك طاولة مستديرة كبيرة، و حولها جلس لوسيان، و مساعده هيوز، والكاهن الأكبر أغسطس، و رجل عجوز لم يسبق لها رؤيته .

نهضوا جميعًا عندما دخلت تشاسترتي، ولم يجلسوا إلا بعد أن جلست .

عندما رأى لوسيان سيرفيليا التي تبعت تشاسترتي، نظر إليها بتعبير يسأل عن سبب وجودها هنا .

اكتفت بهز كتفيها ثم وقفت خلف تشاسترتي بشكل محرج. لم يسبق لها أن قامت بدور الحارس الشخصي لشخص ما، لكنها تذكرت أن فرسان الحراسة كانوا يقفون دائمًا خلفها.

نظر لوسيان حول الحاضرين و فتح فمه قائلاً : " سبب جمعكم على عجل في هذا المكان اليوم هو لشرح و مناقشة الأحداث الأخيرة التي وقعت في الجدار الشمالي، كما سمعتم جميعًا مسبقًا، فإن الجدار الشمالي ينهار حاليًا."

بدا تعبير لوسيان وهو ينطق بهذه الكلمات بائسًا و مؤلمًا حقًا.

" لا، الجدار ينهار ؟ كيف يمكن أن يحدث شيء كهذا ؟ يبدو سليمًا تمامًا."

سأل الكاهن الأكبر أغسطس، الذي أتى من المعبد مع تشاسترتي، بشكل مباشر .

صمت لوسيان للحظة وهو يلمس مقبض فنجان الشاي بعصبية . بدا وكأنه يفكر في كيفية الشرح .

" لكي تفهموا ذلك، يجب أولاً أن تعرفوا بنية الجدار، في الواقع، الجدار ليس مجرد حاجز دفاعي مادي، بل يعمل أيضًا كنوع من الحاجز السحري، فهو لا يمنع اقتراب الوحوش فحسب، بل يمنع أيضًا الطاقة الملوثة القادمة من وراء الجدار، لذا، يمكنكم اعتبار الجدار بمثابة طبقة حماية مزدوجة تتكون من الطوب و الحاجز السحري، وبفضله، تمكنا من البقاء في هذه المنطقة كأرض آمنة و غير ملوثة، على عكس العالم الواقع وراء الجدار "

أصغت سيرفيليا باهتمام إلى القصة التي كانت تسمعها للمرة الأولى . كانت تعتقد أنه مجرد مبنى مبني من الطوب المكدس عالياً، ولكن اتضح أنه محاط أيضًا بحاجز سحري !

" أعلم أن هناك أقاويل شائعة مفادها أن أهل الشمال ليسوا سوى وحوش، لأنهم مغطون بدماء الشياطين و يتنفسون نفس الهواء الملوث للوحوش، لطالما تجاهلت تلك الشائعات أو نفيتها، ولكن في الواقع، لولا الجدار، لكان الأمر كذلك حقًا، لكن الجدار ظل صامدًا لعدة مئات من السنين، و حمانا نحن أهل الشمال، و شعب المملكة بأكمله بأمان تام."

توقف لوسيان عن الكلام للحظة ثم تنهد بعمق.

"حتى وقت قريب."

أدركت سيرفيليا على الفور ما كان يحاول قوله. كان يتحدث عن ظاهرة التحول إلى وحوش التي ظهرت مؤخرًا في الشمال .

" سمعت أن هناك ظاهرة غريبة تحدث في الشمال، وهذا هو السبب في طلب المساعدة من معبدنا الكبير في المقام الأول."

" نعم، الآن بعد أن أرى الأمر، أعتقد أن هذه الظاهرة كانت دليلاً على أن الحاجز السحري، أي الجدار، ينهار، كما قالت سموها للتو."

ساد صمت ثقيل في غرفة الاجتماعات . شعرت سيرفيليا بالصدمة وهي تستمع بهدوء في الخلف . أطلق هيوز و أغسطس تنهدات و قبضوا على رؤوسهم .

تربى جميع أطفال إمبراطورية أستيريا وهم يسمعون قصة أن القارة ستنهار إذا انهار الجدار، لكنهم اعتقدوا أن هذه مجرد كلمات لإخافة الأطفال .

لم يجرؤ أحد على تخيل حتى أن الجدار الشمالي قد ينهار .

" هذه مجرد البداية، أولاً، سيضعف الحاجز السحري و تتسرب طاقة الوحوش، ثم سيختفي الحاجز السحري تمامًا، أعتقد أنكم تعرفون ما ستكون المرحلة الأخيرة، أليس كذلك ؟ "

بناءً على كلمات تشاسترتي، مسح لوسيان وجهه الجاف كما لو كان يعاني، و همس بتنهيدة .

" سينهار الجدار نفسه تمامًا."

و إذا انهار الجدار، ستنهار القارة .

تخيلت سيرفيليا الوحوش التي رأتها في المرة الأخيرة وهي تغطي القارة بأكملها .

' إنه أمر فظيع '

فجأة، بدا وجه لوسيان وكأنه يحمل عبء سنوات طويلة . بصفته حارس الجدار، لم تستطع سيرفيليا حتى فهم مدى صعوبة مشاعره بسبب عدم قدرته على حماية الجدار .

"إذن، هل هناك أي طريقة لاستعادة الحاجز السحري للجدار ؟ قبل أن ينهار الجدار حقًا."

سأل مساعد لوسيان، هيوز، بحذر وهو ينظر حوله .

" حسنًا، الشخص الذي وضع الحاجز السحري على الجدار هو الذي سيعرف ذلك، ولكن من هو ؟ "

نظرت تشاسترتي إلى لوسيان و سألت . لكنه هز رأسه قليلاً .

"لسوء الحظ، لا أحد يعرف عنه أي شيء "

"بالطبع، إنهم سحرة برج الشمال."

تحدث الرجل العجوز المجهول الهوية الذي كان صامتًا حتى ذلك الحين . عندما نظرت تشاسترتي و أغسطس إليه بتعابير حيرة، أجاب لوسيان بدلاً منه .

" آه، آسف على التأخير في التعريف عنه، إنه مونت بلانك، ساحر من لانغفول "

حينها فقط أدركت سيرفيليا أن الرجل العجوز كان أحد الساحرين اللذين رأتهما عندما ذهبت للقتال خلف الحاجز .

عندما رأته عن قرب، كان عجوزًا لدرجة أنه كان من المستحيل تخمين عمره، وكان جسده نحيلاً مثل غصن شجرة جاف، لكن عينيه اللامعتين كانتا مليئتين بالحيوية .

سحب مونت بلانك الكرسي للخلف و نهض من مقعده، لكنه لم يكن مختلف كثيرًا في وضع الجلوس أو الوقوف لأن ظهره كان منحنيًا وكان قصير جدًا .

واصل كلامه وهو يلوح بعصاه بشكل تهديدي في الهواء .

"الجدار بناه أهل الشمال بدمائهم و عرقهم، و فوقه بنى سحرة برج الشمال طبقة تلو طبقة من الحواجز السحرية ليكتمل، لقد ضحوا بأنفسهم فقط من أجل سلامة القارة و سلام شعبها."

كان صوته يرتجف قليلاً، لكن الرسالة التي كان ينقلها واضحة .

" وكانوا يعلمون أن حماية الجدار لن تكون أبدية، لقد اعتقدوا أنهم سيواجهون أزمة حتمًا يومًا ما، سواء كانت طبيعية أو بسبب عوامل خارجية، لذلك تركوا مخططات الجدار للأجيال القادمة."

" مخططات …. ؟ "

"نعم، مخططات الجدار و مخططات الحاجز السحري، يقال إن جميع أسرار الجدار مكتوبة فيه، لذلك من المؤكد أن الحل لاستعادة الحاجز السحري مكتوب هناك أيضًا، لذلك، يجب علينا العثور على مخططات الجدار."

"ولكن أين سنجدها؟"

" السحرة انعزاليون بطبيعتهم و يكرهون أخذ موادهم إلى الخارج، لذلك بالطبع، يجب أن تظل المخططات في برج الشمال."

صرخت تشاسترتي بصوت مليء بالأمل .

"المشكلة هي أننا لا نعرف مكان برج الشمال، ليس لدينا أي معلومات بخلاف أنه يقع في مكان ما وراء الجدار."

" يجب علينا إيجاده بأي طريقة ! إذا لم نجده، فسيصبح هذا المكان قريبًا، مشابهًا لما وراء الجدار، لذلك يجب علينا البحث في كل مكان وراء الجدار للعثور عليه "

"ما وراء الجدار مليء بالوحوش و الطاقة السيئة، وهي أرض لا يستطيع البشر العيش فيها ولو للحظة، حتى حراسنا يعملون في مناوبات دقيقة بالتناوب، والآن تقولون أن نبحث هناك، علاوة على ذلك، لا أحد يعرف كم سيستغرق الأمر."

حاول لوسيان منع تشاسترتي بنبرة قلقة .

كان لكلامه بعض المنطق . بسبب الطاقة السيئة القادمة عبر الحاجز السحري الضعيف، كانت حيوانات لانغفول تتحول إلى وحوش، لذلك كان من الواضح أنه إذا تعرض البشر للأرض الملوثة لفترة طويلة، فسيصبحون كذلك أيضًا.

" يمكننا الذهاب بتلقي تطهير من الكاهن، وهذا ممكن تمامًا، خاصة إذا كنتُ هناك، فلا داعي للقلق بشأن مثل هذه الأشياء "

أضافت تشاسترتي بثقة .

****************************

*

إرسال تعليق (0)
أحدث أقدم

اعلان